|
امتزاج الفكرة صانعة أعمدة الحكمة 4
خالد ساحلي
الحوار المتمدن-العدد: 2255 - 2008 / 4 / 18 - 01:23
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الفكرة صانعة أعمدة الحكمةــ 4 ــ يأتيك الزائر(الدافع) باحثا عنك من مكان إلى مكان يتفقد أناسا كثيرين لكنه لا يخطئك أبدا ، يسأل عنك الإشارات و الجدران و الحارات وموزعي البريد. يشي بك قدرك و يخلق لك من العدم سببا يلحقك بما خلقت لأجله ولو ركبت تيار الكهرباء وحلّقت مع الضوء و خرقت عنان السماء، سيطرق بابك ولن تطرح السؤال كما كنت. ستستقبله بلا ورود غير مظهر الاكتئاب، تذوب العناوين و أعمدة المنبهات، على حافة الطريق تخلع رايات الانتظار ويفقد الوقت عدّاده وينسى المكان جاذبيته . يأتيك الدافع مصطحبا معه فكرة لا تعلمها أنت، أكانت قديمة أم جديدة أم تعيش عصرك. لا تعلمها قد تبدو نارا حامية وهي صقيع آكل أطراف أصابعك متسللا إلى رئتيك قابضا روح نشاطك. مجبر تمضي برفقتها ، تتبعها دون أن ترسم على ناصيتك الاستفهام، تتريث ، تحس أن وقت السؤال لا زال لم يحن بعد ، توجهك اليمين ثم الشمال في أزقة الفراغ الخاوية ، طرقات البحث الملتوية تلتف بعقلك ، تحاصرك المسافة من كل الجهات ، يضيق فضاء الفكر الرحب ، يتقلص مع الوافد الجديد علـّه يتسع أكثر حين انفجار الجدار الحديدي وظهور المخرج و الانفتاح على عوالم جديدة . أنت التابع و لن تكون في هذه المرحلة غير تابع مطيع. تصل بعدما جاوزت الأرصفة المصبوغة بألوان عدة صفراء و بيضاء و حمراء ، ستكتشف أمكنة جديدة كانت تجاورك ، لست الوحيد الغير منتبه لهذه الأمور ، قد يحدث و أن تمر على شيء قديم ثمين ثابت في مكانه لسنين ، حين يهتدي إليه غيرك حينها فقط تفقد صورة من داخلك ويتهدم الهرم فيك . هي قادتك دون معرفة مسبقة بك لم تختارك حين طافت الأرض و جابت فضاءات البشر و خالطت أجناس الأقوام من الشرق إلى الغرب ، إنما قدر سطّرها لتمضي باحثة لتجدك . إنها تملك عوالمها كما تملك كثافة في عددها ، تتوزع على القلة لا على الكثرة وعلى الأفراد لا على الجماعة ، إنما الكثرة تتبع القلة أحيانا ، والأغلبية أحيانا تحاكم من الأقلية ، أحيانا كثيرة تكون الأقلية على خطأ وأحيانا أخرى تكون الأغلبية قاتلة روح الصواب عند الأقلية . أتبعها حين تستقر .هي على يقين تؤكد صحتها و حقيقتها . ستتبعها أنت و لا تعلم إن كانت ستأخذك للوادي أو تقودك للبحر أو إلى زنزانة قديمة أو إلى يدي سجان لعين ، أو ستعلقك على حبل مشنقة في عتمة غرفة باردة ، قد تنهي أيام كثيرة حلمت بأن ترسم في لوحاتها رسومات كثيرة بألوان زاهية ، قد تقودك إلى حيث تخلع الأظافر و تكسّر الرقاب ، وتنام الفجائع و المواجع مبكرا على سرير الصدمة . قد يحدث هذا و يأتي من بعده الربيع ، واحات خضراء في صحاري قاحلة ، نخيل أخضر سامق رشيق يخلب العيون ويسرق بريقها . بادئ ذي بدء قد تقربك قربانا أو تكون هي قربانك تتركك للاختيار. تجعلها رهينتك أو محظيتك ، أو تجعلها إن شئت بائعة هوى لمن تجني من ورائهم متعة أيامك . لن تبقى هي بقدسيتها كما كانت لا شك ستجعلها خاضعة لهوى أسيادك ، لن يسمّونها حينئذ غير الساقطة وصاحبها الساقط . أما إن كنت عبدها و حارسها الملاك وكنت مستعدا للذود عنها في كل وقت وحين ، وقدّست كينونتها وعظمّت من شأن عذريتها و لن تقابلها إلا بالعذارى مثيلاتها وجعلتها مطلب الخيريين و العاشقين كانت لك ترس محارب في الوغى و سرابيل تقيك الحر و البرد معا.. ستمنحك تاجا مطرزا بالشرف و يصير صولجان الحقيقة ملكك و يستوطن الوهم المقلب الآخر من المعسكر. في هذه المرحلة أنت تابع لا غير لكنك تختار نوع تبعيتك. إنها لا تطـّلع على الأفئدة إن كانت معبأة بالشر أو ممتلئة بالخير ، لكنها تقتحم النفس وتكون بلاءا سعيدا أو سعادة كلها شقاء. تتبعها أنت و تصل مكمنها بعد جهد جهيد و تحدّث نفسك بالهروب أو الخنوع و الرجوع عن الموقف، قد يصاحبك قرين يعرض عليك البيع و الاستراحة من تعب الرأس وخيبة ما ستجنيه من محصول. تتبعها أنت و تصل برزخا من خلاله تهيأ نفسك لعبور نهجيين لا ثالث لهما. أدخل من أي باب شئت كل الأبواب توصلك حيث هي . إن الأزهار الكثيرة المختلفة تشّّكل الباقة الجميلة بألوانها المتعددة؛ لا تسقط لون على لون و لا تقدم لون على لون، أترك الأمور على طبيعتها وحقيقتها، قدم لها هديتك من تربة حديقتها. ستدخل حينها في اتساع ملكيتها وتتضح لك معالمها، وتتجلى حدود الحمى . حينها فقط تجد نفسك بدأت في نزع علامات الاستفهام من جبهتك ، ستضع يد السؤال على خد البحث و تتقسمان مشقة واحدة وتبدأ وقتها مرحلتك الثانية اللاحقة و أنت جالس على كرسي القرار ... ترفع و تحط تأخذ وترد هل تمضي أم تتريث، هل تطير محلـّقا أم تحط على الأرض إلى أبد الآبدين. إن العلو الشاهق مخيف، مفزع، صاحبه المرتجف بجناحيه الضعيفتين المبللة بالمطر، لكن بالتحلي بالشجاعة يكتشف كم هو جميل النظر من فوق. يحتويك الفضاء و تصير قريبا من خيط النور الذي يشدك أكثر، يحثك على التعريج أكثر. أحرص فقط و لا تقترب أكثر فتحترق إن ذاك الشعاع ساحر يقرّبك أكثر من فهم ماهية الأشياء، ذاك الشعاع من شمس الحقيقة. ستبدأ في رسم هيكلها، تحدق في تفاصيل شكلها، إن تلك الرسوم الكثيرة تحفـّز الفكر على الاستمرارية والإصرار، قبل أن يخوض التجربة يسأل نفسه هل أنا على صواب؟ هل حقا مستعد أنا على تحمل التعب و السهر والتضييق و العذاب ؟ هل الذي أرسم يستحق مني التضحية ؟ قد تكون هندسة رسوماتي خاطئة و كمياء تفاعلاتي مع الفكرة ناقصة تركيبات مواد أخرى غفلت عنها. قبل حفر أسس بيتها و إقامة قواعدها ، أحسن تأشير مقاساتها ، و باشر الحفر وكلك همة الملوك والسلاطين و الفاتحين ، أحذر قد يقابلك صخر أو صنم قاسي أو معدن فينكسر فأسك ، أبتعد حيث تجد القسوة ووسع على حواف الصخر الصوان حتى يتهيأ لك تحريكه فإن تمكنت من تحريكه فأقلعه لكن أحذر على أن لا تنكسر عصا فأسك.إن الحفر وإرادة بناء البيت الجديد تعمر القلب و الروح ستكون وحدها مفجّرة القوة الكامنة المختفية في أغوار النفس البشرية. قد تتورم كفك وترتسم عليها الجروح، قد تصير خشنة ويتحول التعب إلى أرق يمنعك الراحة فلا تهدأ بعدها أبدا . ستجد طبقات كثيرة من الطين بألوان مختلفة ، ستجد قطعة البناء تحمل بداخلها أتربة أكثر من حجمها ، وزّع أمكنة الحفر ليستقر عماد البيت وازن بين العمق واتساع الحفر ، إنك لن تستطيع الحفر دون أن توسّع المكان الذي تحفر بداخله ، قد تتضايق وتلعن هذه الحياة . قد تغير رأيك و تخلد للراحة وتبصق على الطموح ، في قرارة نفسك تعلم أنك لا تحفر على كنز عينيِ لست جانيا ذهبا و لا مال، لن تقابل سلطانا ، لن يشيد لك قصرا ، قد يأخذك القرين بلوم ضميرك لضياع وقتك . إنك بالحفر تصنع أيضا الأشكال ، وحدك من تحدد عمقها وطولها، ستشعر بالسعادة حين إنهائها و يستوي التراب مجملا بجانب ما حفرت . من ثمة أسكن الأعمدة حفرك وحدها الأعمدة تصنع صرح الحكمة إن ثابرت على بناء الصرح. أول بيت تضعه لأشيائك سيكون مباركا إن جعلت نيتك خدمة الآخر أين كان وجوده. إن الدافع الباحث عنك هو سائق الفكرة، حامل البداية للتفكير. خالد ساحلي
#خالد_ساحلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الامتزاج ... مقالات في أصل ونشأة وطبيعة وظيفة الفكرة
-
السفينة التي لا تحترق
-
الامتزاج في الحياة القصيرة
-
غامر و أقترب من الشمس أكثر
-
الأخ الذي يشبهه كثيرا
-
شبح منتصف الليل
-
قفازان قصص قصيرة جدا
-
مع الأميرة في منتصف الليل
-
x قصص قصيرة جدا
-
تمثال الجندي المجهول قصة قصيرة جدا
-
صاحب الوجه المرن قصة قصيرة
-
الأصبع و الذباب قصة قصيرة
-
الرجل الصالح
-
المهاجر قصة قصيرة
-
قصص قصيرة جدا الحكواتي
-
ورثة البخيل
-
قصص قصيرة جدا
-
قصص قصيرة جدا دعاء
-
الحذاء
-
المسمار ( المتقادم في الزمن )
المزيد.....
-
كيف يمكن إقناع بوتين بقضية أوكرانيا؟.. قائد الناتو الأسبق يب
...
-
شاهد ما رصدته طائرة عندما حلقت فوق بركان أيسلندا لحظة ثورانه
...
-
الأردن: إطلاق نار على دورية أمنية في منطقة الرابية والأمن يع
...
-
حولته لحفرة عملاقة.. شاهد ما حدث لمبنى في وسط بيروت قصفته مق
...
-
بعد 23 عاما.. الولايات المتحدة تعيد زمردة -ملعونة- إلى البرا
...
-
وسط احتجاجات عنيفة في مسقط رأسه.. رقص جاستين ترودو خلال حفل
...
-
الأمن الأردني: تصفية مسلح أطلق النار على رجال الأمن بمنطقة ا
...
-
وصول طائرة شحن روسية إلى ميانمار تحمل 33 طنا من المساعدات
-
مقتل مسلح وإصابة ثلاثة رجال أمن بعد إطلاق نار على دورية أمني
...
-
تأثير الشخير على سلوك المراهقين
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|