على الغلاف الثاني ( الخلفي ) لرواية الكاتب ألكسندر سولجنتسين ( يوم واحد من حياة إيفان دنيسوفيتش ) ، الصادرة عن دار المدى ، في سلسلة ( مكتبة نوبل ) ، ترجمة الدكتور منذر حلوم ، كُتبت ( بصيغة الماضي المبني للمجهول ) لمحة صغيرة عن هذا الروائي الروسي الكبير ، مؤلفة من خمس فقرات .
الفقرة الأولى : (كاتب روسي ولد في 11 كانون الأول ( ديسمبر ) 1918ولا يزال على قيد الحياة .)
ويلا حظ عدم ذكر معلومة ترد في كل المعاجم الأدبية والموسوعات ، التي تتضمن ولو تعريفاً صغيراً بسولجنتسين وهي كونه ابن مالك أرض ومعلم قوزاقي ، الأمر الذي يزيل شائعة غير صحيحة وشبه معممة بأنه يهودي.
الفقرة الثانية : (منح جائزة نوبل في عام 1970.) وهو ما يجب ذكره بعد ذكر مؤلفاته ، أي في سياقه الزمني . علماً أنه ذكرت هذه المعلومة مرتين سابقاً ، مرة في أعلى غلاف الكتاب الأول ومرة تحت اسم المؤلف فوق اللمحة ، على الغلاف الثاني .
الفقرة الثالثة : (كتب عن معسكرات العمل الإجباري في الاتحاد السوفيتي . وبسبب الحرب الباردة والصراع الإيديولوجي بين الرأسمالية والاشتراكية اعتبره الغرب ( الرأسمالي ) علامة فارقة في الأدب الروسي .)
ويلاحظ أن كاتب اللمحة غير المعروف ، وهذا أمر سأعود له لاحقاً ، قد أغفل ذكر قضاء سولجنتسين ثمان سنوات في السجن . وهكذا جاء بأنه كتب عن معسكرات العمل الإجباري بدل أن يقال كتب عن السجون وعن معسكرات العمل الإجباري . ثم بعد هذا يأتي حكم غير حيادي وليس محله تقديم كتاب على الإطلاق ، وهو أنه بسبب الحرب الباردة والصراع الإيديولوجي بين الرأسمالية والاشتراكية ، اعتبره الغرب ( الرأسمالي ) علامة فارقة في الأدب الروسي . أي أن سولجنتسين ، برأي كاتب اللمحة ، ما كان ليعتبر علامة فارقة ، وما كان ليستحق أن يأخذ جائزة نوبل لولا هذه الحرب وهذا الصراع .. وهذا رأي تم إشاعته حقاً أيام عز الاتحاد السوفيتي منذ ثلاثين سنة ، ويبدو أن البعض مازال يحيا في تلك الأيام .
الفقرة الرابعة : ( أشهر مؤلفاته : جناح السرطان ، يوم من حياة إيفان دنيسوفيتش ، الدائرة الأولى ، أرخبيل الغولاغ ، آب ( أغسطس ) 1914 .)
ويلاحظ هنا أنه لم تذكر تواريخ إصدار هذه الكتب ، ولم ترد بالتسلسل الزمني لإصدارها ، كما إنها لم تتطرق لأي من أعماله الجديدة ، وربما كان هذا وغيره ( / أغسطس 1914 / هي الجزء الأول من رواية بعنوان / الدولاب الأحمر / صدر منها الجزء الثاني / نوفمبر 1917/ عام 1993 ) ليس ضروريا بعرف البعض ، ولكن كون رواية ( يوم واحد من حياة …. ) هي الرواية المختارة في هذه السلسة ( مكتبة نوبل ) للكاتب ، فبرأيي أنه كان من المحتم ذكر أنها روايته الأولى ، وأنها قد صدرت لأول مرة في الاتحاد السوفيتي عام 1962عن دار Novy Mir ( العالم الجديد ) ، وقد استطاع بها في يوم وليلة أن يكرس اسمه ، في داخل الاتحاد السوفيتي وفي خارجه ، ولأنه من الجدير بالانتباه أن سولجنتسين قد نال جائزة نوبل بعد ثماني سنوات فقط من هذا التاريخ، كتب خلالها ، وعلى نحو يكاد يعتبر مأثرة ، أشهر أعماله .
الفقرة الخامسة : وهي الطامة الكبرى حقاً وما كتب بها كان السبب الأول في ما أكتبه الآن : ( يتميز بأفكار رجعية ، ويتمسك بالدعوة إلى نظام سلطوي مستمد من التراث المسيحي الروسي القديم ، وهو لا يؤمن بمبادئ الحريات العامة والديمقراطية ) !
اقسم ... لا أدري كيف يمكن للمرء أن يفهم كلاماً كهذا .. أولاً : ما معنى يتميز بأفكار رجعية ؟ لماذا قال يتميز ولم يقل يتصف أو يحمل ؟ أي علاقة لكاتب اللمحة باللغة !! ثم من هو ، من نحن ، لنصف سولجنتسين أو غيره بالرجعية ؟ أم أنها تلك العادة الجميلة التي كانت تدفعنا ، هكذا بكل بجاحة ، أن نلصقها بإليوت وفوكنر ، لا بل بديستوفسكي .. على سبيل المثل . وإذا ساورني الشك بأن كاتب اللمحة قد نقل رأي أحدٍ ما بأن سولجنتسين يتمسك بالدعوة لنظام سلطوي تقليدي مستمد من التراث المسيحي الروسي القديم ، فكيف يمكن قبول القول أنه لا يؤمن بمبادئ الحريات العامة والديموقراطية ، وهو الذي كرس حياته ودفع قسماً ليس قليلاً منها في السجون وفي المنافي وهو يحارب واحداً من أشد النظم السياسية في التاريخ المعاصر معاداةً لمبادئ الحريات العامة والديموقراطية ؟ أستغرب كيف لمن كتب هذا الكلام ، أن يصدق أن هناك قارئ يعرف القليل القليل عن سولجنتسين أو فقط من سيشتري هذه الرواية ويقرأها ، يستطيع أن يبتلع كلاماً كهذا ؟ أي تلميذ لجدانوف على قيد الحياة هو ؟؟
كل هذا ونحن لا نعلم من هو كاتب اللمحة ، ذلك أن دار المدى ، الدار التي تتصدى لمهمة تعريف القارئ العربي ، بكل حاملي جائزة نوبل الأشهر في عالم الأدب ، وكذلك الأعمال الكبرى في تاريخ الأدب ، لم تجد من داع لذكره ، فبدل أن تذيل اللمحة ب ( المترجم ) أو ( الناشر) أو أي مصدر لهذه المعلومات ، تركت الأمر، على طريقتها التي رأيناها سابقاً ، هكذا سيّان .
ولكن بالصدفة ، وأثناء زيارتي للروائي نبيل سليمان ، التقيت بمترجم الرواية الدكتور منذر حلوم ، الذي بمجرد ذكري له بأني قرأت اللمحة و .. ، حتى أبدى استنكاره الشديد لكل ما ورد فيها ، وخاصة لعدم ذكرهم من كتبها ، مما يسمح للظن بأنه هو ! . وإن دار المدى قد غضت النظر عن مقدمة ، أرسلها مع الترجمة ، يعتبرها هامة جداً لفهم طريقته في ترجمة الرواية التي كتبها سولجنتسين ، حسب قوله ، بلغة روسية ذات مفردات وتراكيب خاصة . وهذا ما ينقلنا إلى ملاحظة أخرى ، فبالرغم أن الرواية روسية ومترجمة عن الروسية مباشرة ، فإن دار المدى ارتأت في الصفحة الثانية من الكتاب ، صفحة التوثيق والحقوق ، أن تكتب اسم سولجنتسين وعنوان روايته باللغة الإنكليزية ، وليس بلغتها الأصلية ! ، ويا ليتها كتبتهما بالشكل الصحيح ، وكان يمكن لها ، بالعودة إلى نسخة من الكتاب في ترجمته الإنكليزية ، وهي متوفرة بالتأكيد في السوق المحلي أو في بيروت ، أو حتى في حال عدم توفرها نسخة واحدة في العالم ! ، فبتصفح أي قاموس ، أو معجم أدبي إنكليزي ، أو موسوعة بريطانية أو أمريكية ، أقول كان يمكن لها أن تجد أن حرف ال ( ج ) في سولجنتسين يكتب ( zh ) وهذا شائع جداً عند تحويل الأسماء الروسية أو غيرها من كما أنه لا حاجة لحرف ( e ) في نهاية الاسم . أما اسم دنيسوفيتش فلا أدري كيف تحول حرف ( v ) إلى ( f ) ، مع أنها تكتب بالعربية ، كما هي ظاهرة على الغلاف الأول ، حرف فاء فوقه ثلاث نقاط . أما كامل العنوان فقد ترجمه ، ليس من لم يكلف نفسه أي جهد ليعرف كيف يرد في المراجع الأدبية باللغة الإنكليزية فحسب ، بل من ليس لديه الحد الأدنى من الدراية أو القدرة على ترجمة جملة سهلة كهذه ! فهو بدل أن يكتب ( One day in the life of Ivan Denisovich ) ، كتب ( one day of Ivan Dnisofich life ) وهي برأيي غير صحيحة لا في المعنى ولا في القالب .
ـ
أما السبع العجاب في هذا الكتاب ، هو أن المرء يبتاعه وهو يظن ، حتى ولو قلبه بين يديه أكثر من مرة ، أنه قد ابتاع رواية ( يوم واحد من حياة إيفان دنيسوفيش ) ، حيث أنه لم يذكر ، لم يُشر ، لا من قريب أو بعيد ، ولا في اللمحة التي تكلمنا عنها ، أو صفحة التوثيق أو في الفهرس ، أنه يتضمن ، زيادة عن رواية ( يوم واحد من حياة إيفان دنيسوفيش ) قصتين طويلتين ، أو قل روايتين ، أقل حجماً ب /40/ صفحة منها لا أكثر ، وهما ( دار ماتريونا ) و ( حادثة في محطة كوتشيتوفكا ) ويبلغ عدد صفحاتهما /156/صفحة من أصل /356/ صفحة عدد صفحات الكتاب بالكامل . ولا أستطيع أن أدعي أني أسفت لكوني ابتعت ثلاث روايات بواحدة ، ولكني ، حقاً ، لا أفهم كيف أنه لم يُشر أنهما متضمنتان في الكتاب ، لا في اللمحة ، ولا في صفحة التوثيق ، كما ألمحت سابقاً . أمّا الفهرس ، فأنا أعذر الناشر كونه لم يورد عنواني الروايتين به ، لأنه لا يوجد في هذا الكتاب فهرس . فكما يبدو ، أن الروايتين طبعتا مع رواية ( يوم من .... ) على غفلة من الناشر ، ولا حاجة لأحد ، بعرف الجميع ، لفهرسة كتاب لا يوجد به سوى رواية واحدة . علماً بأن العملين لا يقلان تأثيراً وجمالاُ ، عن ( يوم من .... ) لا بل ، بالتأكيد أن ( دار ماتريونا ) عمل جميل ورقيق ، لدرجة نستطيع بها اتهامه بالواقعية الرومانسية ، ربما لكونه أبكر العملين زمنياً ، فقد أرخه سولجنتسين بعام 1959 .
ـ
من غير المعقول ، أن يبقى العرب على هذا الحال من الإهمال و الاستخفاف والسطحية ، عند التعامل مع أمور كهذه . وإذا كان هذا في الماضي ، بما يخص الكتب ، يعتبر جنحة وليس جريمة ، أو يقبل من دار نشر صغيرة تجارية بالمعنى السوقي للكلمة ، فهو مرفوض و مستنكر جدا هذه الأيام ، وخاصة إذا جاء من قبل دار كبيرة بالكم والنوع ، كدار المدى ، تبدو وكأنها تحاول أن تقوم بذلك الدور الخطير والهام ، الذي قصرت فيه دول وحكومات ، ألا وهو نشر وتفعيل الثقافة الجادة في الحياة العربية .
ولكن ، بعد كل هذا ، وبالعودة إلى صلب الموضوع ، إلا يستحق ألكسندر سولجنتسين ، منا اعتذاراً .