|
الليبرالية بين المفهوم والابعاد
محمد المترفي
الحوار المتمدن-العدد: 2253 - 2008 / 4 / 16 - 10:26
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الليبرالية (liberalism) اشتقت كلمة ليبرالية من ليبر liber وهي كلمة لاتينية تعني الحر .الليبرالية حاليا مذهب أو حركة وعي اجتماعي سياسي داخل المجتمع، تهدف لتحرير الانسان كفرد وكجماعة من القيود السلطوية الثلاثة (السياسية والاقتصادية والثقافية)، وقد تتحرك وفق أخلاق وقيم المجتمع الذي يتبناها تتكيف الليبرالية حسب ظروف كل مجتمع، وتختلف من مجتمع غربي متحرر إلى مجتمع شرقي محافظ. الليبرالية أيضا مذهب سياسي واقتصادي معاً ففي السياسة تعني تلك الفلسفة التي تقوم على استقلال الفرد والتزام الحريات الشخصية وحماية الحريات السياسية والمدنية وتأييد النظم الديمقراطية البرلمانية والإصلاحات الاجتماعية. من التعاريف المبسطة لليبرالية هو الانعتاق من قيد المقدسات ، لذلك فان معنى الليبرالي الذي يترجم في بعض الاحيان الى "التحرري" لا يقتصر على التحرر السياسي فالحرية المستلهمة من افكار الفلاسفة الليبراليين لم تكن تشير الى حرية الحقوق او الحرية على المسرح السياسي كأول وابرز ما تشير اليه ، انما كانت ترمي الى معنى اوسع من ذلك بكثير وهو التحرر من المقدسات ، فنحن من اهل التحليل ، لا من اهل التجليل ومن هذه التربة تنبثق العقلانية كتوأم لليبرالية ، فمهمة العقل ان يحلل وينقد ويقيّم ، لا ان يقدس لذا نجد الغض من شأن العاطفة في المنحى الليبرالي ولهذا السبب قامت بعد ذلك في وجه التنوير – حاملة لواء العقلانية – تيارات معارضة ، منها الرومنطيقية ، واللاتنوير تطالب بحقوق العواطف وتدافع عنها ، فالليبرالية هي انتفاضة ضد كل انماط الولاية سواء كانت دينية او سلطوية او فكرية . و تتوزع معاني هذا المفهوم على ثلاثة اصعدة : الفكري ، والسياسي ، والاقتصادي فالليبرالية الفكرية هي الانعتاق من تقديس الغير فهي ببساطة تقدم الحرية ولا تسلبها واما الليبرالية السياسية فتهدف - اكثر من اي شيء آخر- تقليص دور السلطة فالدولة كيان سياسي معرقل يحسن تقويض مضايقاتها وتدخلاتها الى ادنى الحدود ، فللمجتمع تكامله وحركته التقدمية ونموه ، فالعلاقة بين التكامل والثورة علاقة تضاد لانها تتوخى تضخيم دور السلطة والإخلال بالنظام الطبيعي للمجتمع والليبرالية الاقتصادية هو الغاء مضايقات الدولة وضمان امن الثروة فالطبيعة خير المدبرين فثمة ايادي خفية تنظم الاقتصاد وتوازنه ، وأي تدخل خارجي سيفسد خطط هذه الأيدي الخفية ومعنى الأيدي الخفية ان البرمجة غير ضرورية ،وإصدار الأوامر والدساتير العليا تصب في الاتجاه الخاطئ ، وتدخلات السلطة في الخطط الاقتصادية ، والزام التجار بقوانين وتعميمات معينة لا يُحسّن الفعل الاقتصادي بشيء، بل ينسفه ويقضي عليه، دعوا كل من يشاء يفعل كل ما يشاء وسيخلق صدام هذه النشاطات والارادات حدوداً متوسطة متعادلة ، فيخفض الاسعار ويشذب المطامع حيث يقع التضارب بينها ، فالعدالة الاجتماعية من وجهة نظر ليبرالية حالة عفوية تنجم عن النظام الطبيعي للمجتمع ، ولا تفرض بالقوة من جهات عليا وقد بدا الفكر الليبرالي بالولادة في اوربا فهي فكرة انسانية .. ونعني بـ"الإنسانية" أن الإنسان محورها، فمن أجله صدرت الفكرة وقررت وأسست وقعدت، أي لأجل منافعه وكرامته، ورفع معاناته من ذوي السلطة الدينية والدنيوية.
- "رسالة الليبرالية: حماية الفرد والدفاع عن سيادته وصيانة كرامته، فإذا ضاعت حقوق الفرد، ضاعت الليبرالية".
ونشأتها في أوربا خاصة دون غيرها يفرض دراسة الظروف التي عنها ظهرت وتكونت الفكرة، ولعل في بيان كونها إنسانية المذهب إشارة إلى واقع تلك الظروف..
إن مضمون الفكرة التمرد والرفض لكل أشكال السلطة الخارجية المانعة، من تحقيق الاستقلال الذاتي الفردي، وفي المفهوم الفيزيائي أن:
[ لكل فعل رد فعل، مساوٍ له في المقدار، مضاد له في الاتجاه ].
لكن – والتجارب تشير إلى ذلك - ربما يكون رد الفعل أكبر في المقدار من الفعل الأصل، ذلك أن الفعل إذا كان ضد الفطرة والعقل، فإن الفعل المضاد يكون عنيفا مدمرا، خاصة إذا جاء بعد تراكم طويل للأفعال المضادة للفطرة والعقل، وهو أشبه بالسيل المندفع بقوة، إذا اجتمع وراء سد ضعيف.
وهكذا نشأت الليبرالية في أوربا.. رد فعل عنيف مدمر على انتهاك بيّن لقيمة الإنسان باسم الدين والإقطاع والملكية، هذا الثالوث الذي حطم كرامة الإنسان الغربي، فلم يبق فيه مساحة لأدنى حرية. وباعتقادي ان الليبرالية من المفرادت المرنة جدا فهي تتناسب مع أي تغيير في أي مجتمع نظرا لمرونتها فلا تكون الليبرالية الناجحة في بقعة من الارض حاكمة على غيرها فلكل مجتمع خصائصه وظروفه وكوني مسلما فاعتقد ان الاسلام جاء لتهذيب النفس وتقويمها ولم ياتِ بنظام حكم معين بل ترك الامر خاضع الى التجربة البشرية اذ لم نجد في التراث الاسلامي على جميع الاصعدة ما يشير الى هذا النظام وشروطه واهدافه بل وجدنا قضايا ليس باهمية بناء الدولة كاحكام التخلي بروايات عديدة واحكام للامور الاخرىيمكن تسميتها بينما بناء الدولة ونظامها على اهميته ويعبتر شأن مصيري لم يظفر التراث بمميزاته الا قليلا كالعدل وحرية المعتقد وهي وصايا اكثر من كونها تقنينا فنجد في الليبرالية القائمة على الحقوق والواجبات حلا للحكم في العراق وخصوصا ان لم تعارض ثوابت الدين الاسلامي وهو دين الاغلبية وعلى كل حال فالامر متروك للشعب فهو من يقرر مصيره فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ومن هنا تنادي الليبرالية بحرية الايمان وحرية الالحاد فمن حق الفرد في الدولة ان يبني حياته بما يتناسب مع ما يطمح اليه على ان لايخالف القانون والذي وضع لبناء الحياة دون تصادم ولا تخالف فهو اشبه بشرطي المرور في تقاطعات الشوارع الزدحمه ولا حاجة لاوكد ان ليبرالية أي مقنن حقوقي لا تلزم أي شخص معين فالليبرالية كما نمؤمن بها هي الاعتناق من المقدسات وضمان حرية المعتقد واقصد بالمقدسات هي الاصنام التي يعبدها الناس في كل زمان ومكان فالحرية الحقيقية هي التي تخدم الانسانية لا التي تشبع نوازع شخصية معينة لذلك الفرد قرأت ذات مرة لمن ينقد الليبرالية ما نصه بان الليربالية لا تعطي اجوبة حاسمة على الأسئلة التالية مثلا : هل الله موجود ؟ هل هناك حياة بعد الموت أم لا ؟ وهل هناك أنبياء أم لا ؟ وكيف نعبد الله كما يريد منّا أن نعبده ؟ وما هو الهدف من الحياة ؟ وهل النظام الإسلاميُّ حق أم لا ؟ وهل الربا حرام أم حلال ؟ وهل القمار حلال أم حرام ؟ وهل نسمح بالخمر أم نمنعها ، وهل للمرأة أن تتبرج أم تتحجب ، وهل تساوي الرجل في كل شيء أم تختلف معه في بعض الأمور ؟ والكثير من الاسئلة المماثلة واحب ان اجيب ان الليبرالية غير مختصة بهذه الامور فقد ولى الزمان الذي نجعل فيه المذهب الاجتماعي مفسرا لكل مناحي الحياة لان هذا متعذر بطبيعة الحال فمثلما ان النحو لايتدخل بانقلاب الاحرف ولا في قوافي الابيات الشعرية لان ذلك خارج نطاق تغطيته ان جاز التعبير فالليبرالية كذلك فهي ليست اكثر من تقنين لمناحي الحياة بجوانبها الفكرية والسياسية ان ضرورة الليبرالية في العصر الحديث لا تتأتى من كون مقولاتها حقاً مطلقاً أو ان تجسيد مفاهيمها هو تشكل لنهاية التاريخ، انما من كونها فلسفة الدولة الحديثة او حتى أيديولوجيا الانسب للدولة او المجتمع الحديث. فاذا تخلص من ذلك كله الى ان الليبرالية ـ Liberalism مفردة تستخدم في عدة صعد كالاخلاق والسياسة والاقتصاد، ويظل معناها احلك واعتم من ان يجعل تعريفها الدقيق عملية سهلة. المصادر :- 1 -- إشكالية مفهوم الليبرالية / د. ازهار الغرباوي (مقالة) 2-- نظرة في: الليبراليةمن الداخل / ابو سارة (مقالة) 3—موسوعة وكبيدا 4-- قضايا اسلامية معاصرة العدد الخاص بالتباس المفاهيم القسم الاول 5- الليبراليه في سطور موضوع لعضو اسمه المميز في منتدى بوابة جاش
#محمد_المترفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف تجمعا للاحتلال في مستوطنة
...
-
“فرحة أطفالنا مضمونة” ثبت الآن أحدث تردد لقناة الأطفال طيور
...
-
المقاومة الإسلامية تواصل ضرب تجمعات العدو ومستوطناته
-
القائد العام لحرس الثورة الاسلامية: قطعا سننتقم من -إسرائيل-
...
-
مقتل 42 شخصا في أحد أعنف الاعتداءات الطائفية في باكستان
-
ماما جابت بيبي..استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي وتابعو
...
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|