اياد محسن
الحوار المتمدن-العدد: 2252 - 2008 / 4 / 15 - 10:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من المهم أن نعرف ملامح الدولة التي تحكمنا وأوصافها .. توجهاتها والطريق الذي تسلكه لخدمتنا كمواطنين...من المهم أن نعرف الوسائل التي تستخدمها والأساليب التي تنتهجها لبناء المجتمع.. حتى نتحسس الطريق الذي تسير فيه خطواتنا وهل نحن سائرون على نفس طريق أبناء المعمورة من الدول المتحضرة في اتجاهها الصحيح الذي يحقق السعادة والرقي الاجتماعي , آم إن مسيرتنا باتجاه معاكس لسير المجتمعات المتمدنة ما يقودنا وأجيالنا إلى خطوات الوراء حيث الجهل والتخلف واستهلاك الطاقات الإنسانية للهدم والاقتتال والفناء .
تأخذ الدولة شكلها وتوصيفها وطبيعتها من الدستور الذي يحدد ما إذا كانت دينية أو مدنية و الدستور يحدد كذلك كيفية تعاطي الدولة مع الأبناء وهل إن مبدءا المواطنة والمساواة هو الذي يسود آم إن مبدأ الانتماء الديني والعرقي هو الفيصل في توزيع الحقوق والواجبات بين الأبناء الذين ينتمون إلى نفس الوطن ويحملون نفس الهوية .
الدولة الدينية هي التي تتبنى احد الأديان كدين أساسي لها دون أن تتيح للأقليات الدينية حرية ممارسة طقوسها وتعتبر الدين الذي تتبناه مصدرا رئيسيا للتشريع مما يخلق حالة من عدم المساواة بين الإفراد الذين ينتمون للأكثرية والإفراد الذين ينتمون للأقليات إذ يكون دين الأكثرية مصدرا للتشريع دون أن يعطى دين الأقلية مثل هذه الأهمية .
والدولة الدينية لا تفصل الدين عن السياسة وإنما يمارس رجال الدين دورا رئيسيا في إدارة الأمور السياسية انطلاقا من عقائدهم الدينية التي لا يشترك فيها كل أبناء الشعب بالإضافة إلى أن ثقافة التكفير والإقصاء غالبا ما تنتشر في المجتمعات التي تعيش تحت ضل دولة دينية و المواطن في الدولة الدينية يتم استمالته للمشاركة في الانتخابات والتصويت انطلاقا من شعارات غيبية روحية لا على أساس مصالح وفائدة حياتية فتراه خاضعا مسلوب الإرادة دون أن يشعر بذلك .
أما الدولة المدنية فهي التي ينصص دستورها على مساواة جميع المواطنين في الحقوق والواجبات دون تمييز بسبب دين أو عرق ويكون الأساس الذي يحكم العلاقة بين الدولة وأبنائها هو حق المواطنة وتتيح الدولة المدنية للجميع ممارسة طقوسهم الدينية بكل حرية ويشتمل دستورها على المحافظة على المشتركات الأخلاقية والإنسانية التي يشترك بها الجميع وينصص دستورها كذلك على الفصل بين السلطات الثلاثة وكفالة حقوق جميع المواطنين من رجال ونساء وأطفال وجعلهم متساوون في الحقوق والواجبات أمام القانون ووجوب تداول السلطة بشكل سلمي عن طريق الآليات الديمقراطية دون اللجوء إلى الأساليب الانقلابية لأنها تمثل انقلابا على إرادة الشعب ويكفل الدستور في الدولة المدنية حرية الصحافة وإبداء الرأي والمعارضة السياسية لان الدولة تكون في خدمة المواطن وتخضع لراية وتقييمه حيث يكون رفاه ورقي المواطن وأمنه وأمانه هو الغاية الأساسية المراد تحقيقها من عملية بناء الدولة .
كلا النموذجين (الدولة الدينية والدولة المدنية) لا ينشان من فراغ بمحض الصدفة و بمعزل عن العوامل المؤثرة والظروف التي ترافق عملية بناء الدولة ومؤسساتها , فمقدار الوعي السياسي والثقافي للمواطن عامل مهم ومؤثر, ومقدار الوعي السياسي والثقافي للنخب التي تشكل الأحزاب التي تقود العملية السياسية عامل مهم ومؤثر أيضا , والظروف التي تسبق عملية البناء تكون مؤثرة كذلك , فعملية بناء الدولة في المجتمع الخارج للتو من صراعات وحروب داخلية أو خارجية تختلف عن عملية بناء الدولة في مجتمع يعيش حالة من الاستقرار وتكون عملية بناء الدولة ليست إلا استكمال لمراحل سابقة و تلافيا لسلبيات افرزها الواقع .
يمكن الرجوع إلى الدستور العراقي للوقوف على ملامح الدولة المرسومة وهل أراد لها المشرع أن تكون دينية أم مدنية وهل إن مبدءا المواطنة هو الأساس في توزيع الحقوق والواجبات بين كافة المواطنين أم إن هناك مبادئ أخرى تحكم عملية التوزيع هذه .
أشار الدستور في المادة الثانية إلى إن الإسلام دين الدولة الرسمي وهو مصدر أساس للتشريع ولا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابته .
هذه المادة أعطت للدولة العراقية شكل الدولة الدينية التي تتبنى دين محدد وتتخذ منه مصدرا أساسيا للتشريع دون أن تعطي الأديان الأخرى هذا الامتياز , وركزت هذه المادة على عدم جواز سن قانون يتعارض مع الثوابت الإسلامية إلا أنها لم تشر إلى هذا المنع في حال صدر قانون يتعارض مع ثوابت الدين المسيحي أو الصابئي أو أي دين أخر تعتنقه أقليات عراقية و في المادة الثانية أشار الدستور إلى الحفاظ على الهوية الإسلامية لغالبية الشعب مع ضمان حرية العقيدة والممارسة الدينية للمسيح والايزيديين والصابئة المندائيين وفي هاتين المادتين رسم الدستور للدولة العراقية بعض ملامح الدولة الدينية.
في المادة الرابعة أشار الدستور إلى أن اللغة العربية والكردية هما اللغتان الرسميتان مع ضمان حق العراقيين بتعليم أبنائهم اللغة الأم كالتركمانية والسريانية والارمنية وفي المواد اللاحقة أعطى الدستور للغة السريانية والتركمانية صفة اللغة الرسمية في الوحدات الإدارية التي يشكل فيها متحدثي اللغة أكثرية , وأشار في المادة السادسة إلى وجوب تداول السلطة بشكل سلمي عبر الوسائل الديمقراطية وفي المادة الرابع عشر أشار إلى إن العراقيون متساوون إمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب , وفي باب الحريات ألزم الدستور الدولة بحماية الفرد من الإكراه الفكري والسياسي والديني وضمان حرية التعبير عن الرأي وحرية الصحافة والإعلان والنشر وحرية الاجتماع والتظاهر السلمي وحرية تأسيس الأحزاب أو الانضمام إليها وحرية التزام العراقيون بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم أو مذاهبهم , وفي ضل المواد المشار إليها أنفا فان الدستور رسم للدولة العراقية ملامح تقترب من الدولة المدنية .
وهنا يظهر التلكؤ والتخبط وعدم وضوح الرؤية في تحديد الملامح النهائية للدولة العراقية المراد بنائها وجعلها تتأرجح بين الدولة الدينية والدولة المدنية وهذا وكما أسلفنا سابقا لم ينشا من فراغ وإنما بسبب بعض العوامل المؤثرة التي رافقت وترافق عملية بناء الدولة والتي أبرزها الثقافة السياسية للنخب التي رسمت ملامح العملية السياسية في العراق وكتبت الدستور حيث انها كانت ولا تزال تعيش حالة من التناقض بين ما تريده جماهيرها و التي ينحدر اغلبها من خلفيات دينية, من الحفاظ على هويتهم الدينية , وبين ما تريده ثقافتهم السياسية التي نضجت ورشقت بفعل احتكاكها بثقافات أخرى في بلدان ديمقراطية أيام تواجد النخب السياسية في المعارضة , لهذه الأسباب راح السياسيون يتنازلون إلى إرادة ناخبيهم تارة ويحاولون الارتقاء بهذه الإرادة إلى مستوى وعيهم السياسي في بناء الدولة تارة أخرى مما يجعل الدولة تفقد حالة الاستقرار في توجها وتعاملها مع مواطنيها.
السؤال المهم الذي يمكن طرحه في هذا المجال هو هل يمكن للأحزاب العاملة في الساحة العراقية أن تبني دولة مدنية ذات مؤسسات رصينة وقوية لا تتأثر بتغير الحكام والوزارات..؟؟ الإجابة على هذا التساؤل تتوقف على مقدار إرادة هذه الأحزاب ورغبتها في بناء الدولة , ومن خلال متابعتنا لما يجري في المشهد العراقي لم نلحظ إن هناك جهة تسعى لمثل هذا البناء وان كل ما يجري هو محاولة لبناء دولة الطائفة أو المذهب أو القومية في سعي حثيث للحصول على اكبر قدر من المكاسب للجمهور الذي تمثله تلك الأحزاب انطلاقا من مبدءا الثار و التعويض والحصول على الاستحقاق,وهذا كله ناشئ من تداعيات النظام الدكتاتوري السابق .
حتى الأحزاب التي اختارت أن تمثل جانب المعارضة ونأت بنفسها عن الاشتراك في الحكومة لم تمارس دور المعارضة البناء الذي ينطلق من مبدءا المصلحة العامة للبلد وإنما كان دورها ينحصر في إحداث الإرباك والتلكؤ في المحاولات البسيطة لعملية بناء الدولة وراحت تشكك في كل الجهود المبذولة من قبل الأحزاب الحاكمة ولم تكن مواقف المعارضة ناشئة عن رصدها لمناهج وسلوكيات سلبية تنتهجها الحكومة تضر بالصالح العام وإنما كانت معارضتها مبنية على ردود أفعال مخالفة ومعاكسة لما تريده الحكومة محاولة منها لإرضاء جمهورها دون أن تلتفت إلى إن المعارضة لا تكون في كل قرار أو مشروع قانون لان هناك قوانين تصب في مصلحة جميع أبناء الشعب بما فيهم جمهور الكتلة المعارضة .
كيف يمكن للمجتمع العراقي بأدواته المتاحة أن ينتقل إلى مصاف الشعوب المتقدمة طالما كانت الحواجز القومية والطائفية تفصل بين أبنائه وتمنع تقاربهم في الكثير من المشتركات كما الحواجز الكون كريتية التي وضعت بين المدن للحفاظ على حياة سكانها من الاقتتال الطائفي .
#اياد_محسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟