إن التطورات التي عرفتها البنية الاقتصادية بالمغرب أدت إلى بروز نخبة اقتصادية استفادت على امتداد عقود من منظومة المكافآت و العطايا و الامتيازات و اقتصاد الريع.
و جاءت المغربة في سبعينات القرن الماضي لتساعد على إفراز نخبة اقتصادية جديدة استفادت بالأساس من الأراضي المسترجعة من المعمرين الأجانب في ظل الإعفاء الضريبي في القطاع الفلاحي و جملة من الامتيازات الأخرى. إلا أن هذه النخبة الاقتصادية لم تمارس نشاطها بعقلية المقاول و المقاولة و إنما ظلت تعتمد بالأساس على اقتصاد الريع و الامتيازات بعيدا عن مقتضيات السوق و مناخ المنافسة. و لم تهتم في واقع الأمر إلا بتكديس الثروات، بطرق غير مشروعة عبر آليات لا تخدم، لا من بعيد و لا من قريب، تنمية البلاد.
و بذلك فإنها لو تساهم في إنتاج ثروات مضافة لفائدة المجتمع. و هذا ما كشفت عليه، و بشكل صارخ و مفضوح، الفضائح الكبرى التي طالت جملة من المؤسسات العمومية و شبه العمومية. علما أنه لم يكن هناك تمييز بين الاقتصاد و السياسة مادام المخزن ظل دائما يعتمد على الاقتصاد لضبط التوازنات و توجيهها.
و قد تكرس هذا الواقع حتى أضحى الاقتصاد يعتبر آلية من آليات إرشاد النخب و مخزنيتها. و قد كانت عملية المخزنة هاته سهلة بفعل تسخير السلطات لخدمة هذا الهدف. و عبر هذه الصيرورة أضحى القصر حاضرا بقوة سواء في امتلاك العقارات أو القطاع الفلاحي أو المقاولات الكبرى أو القطاع البنكي و المالي أو قطاع الاستيراد و التصدير و غيرها من القطاعات. و أدى هذا المسار إلى سيادة مناخ تغيب فيه المنافسة الشريفة، مما أجبر جملة من أصحاب رؤوس الأموال على عدم الاستثمار و العزوف عنها خاصة بعد أن أضحت مصالحهم تتدهور و انتهى الأمر بوجود فراغ على الصعيد الاقتصادي و زاد هذا الفراغ اتساعا بفعل ضعف القطاع الخاص و سيادة التردد و الانتظارية. و في ظل هذا الفراغ أيضا عملت مجموعة "أومنيوم شمال إفريقيا" أونا) على اقتناء جملة من المؤسسات بهدف خلق قطب اقتصادي. و بذلك أضحى مجال التحكم في الاقتصاد مرتبطا بالمخزن السياسي، و هو تحكم في قطاع الإنتاج و التوزيع و قطاع المال و التأمين، بمعنى تحكم في جميع المجالات الحيوية للاقتصاد الوطني.
و هكذا أصبح "المخزن الاقتصادي" على درجة من القوة مكنته من احاطة الصفقة بالسرية التامة كما وفر لها كامل الشروط رغبة في اكتساح مختلف القطاعات الاقتصادية. و بذلك اعتبر البعض أن صفقة ابتلاع البنك التجاري المغربي لبنك الوفاء تعتبر بمثابة انطلاقة نحو توجه الاكتساح ضمن استراتيجية مضبوطة.
و مهما يكن من أمر فإن الأساسي و الأهم في المجال الاقتصادي – كما هو الحال في مختلف المجالات- ليس صدق النية و حسنها و إنما الإقرار بدولة الحق و القانون و المؤسسات يكون فيها للمواطن الحق في متابعة أية مؤسسة. فالدولة لا تنبني على النيات الحسنة و إنما على الثقة في القانون و في القضاء العادل و المستقل. و بذلك يكون كل فاعل اقتصادي هو محط مساءلة و انتقاد و محاسبة في مجال المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية./.
انتهى