|
مفهوم الدولة
صاحب الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 2251 - 2008 / 4 / 14 - 10:28
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الدولة جهة سيادية وحصرية لتمثيل كافة أفرد المجتمع وهي الشخصية المعنوية التي تفرض سيادتها على الأرض وتشرف على استغلال وتوزيع الموارد بشكل عادل ومنصف وتنبثق عنها كافة السلطات التي تدير شؤون مؤسساتها المختلفة وتعتبر الحامية والضامنة لحقوق الأفراد والجماعات دون استثناء مقابل أداء واجبهم في الطاعة والخضوع. ليس هناك مفهوم محدد وشامل للدولة صالح لجميع المراحل التاريخية، فالأنظمة السياسية جاهدت لتحجيم المفهوم لخدمة توجهاتها الفكرية. ويمكن تحديد مفهوم الدولة بثلاثة أطر ( طبقي، حقوقي، وأخلاقي) فالتفسير الطبقي عمد لإخضاع مفهوم الدولة إلى الفكر من الناحية التراتبية لتبرير وجوب خضوع الطبقات الاجتماعية إلى طبقة اجتماعية محددة لتحقيق مبدأ العدل ورفع الظلم عنها ليكتسب التفسير الطبقي للدولة شرعيته. يعرف ((لينين)) الدولة:"بأنها هيئة لسيادة وهيمنة طبقة على أخرى بقوة القانون كتعبير عن حالة الصراع بين الطبقات الاجتماعية". إن تباين النظريات الفكرية، أساسه أختلاف الرؤى والتوجهات حول التشخيص وسُبل الحل للمشاكل الاجتماعية لذلك فإن إستنباط المفاهيم ليس حيادياً بالمعنى الشامل لأنه يعبر عن مصلحة أو غاية أو ثقافة ما لفرد أو فئة تسعى لإضفاء الشرعية على دوافع أو سلوكيات أو توجهات محددة. كما أن رؤية وتفسير (السياسي، الحقوقي، والمثقف) للحراك الاجتماعي وآلياته تختلف بإختلاف (الفكر والمصلحة) وقد تتطابق أحياناً لكن تبقى درجة الفصل والحدود بينهما ضبابية (إلى حد ما) على مستوى المفاهيم العامة، وليس على المستوى الخاص (المهني) ذات الثقافة المحددة والمعبرة عن المصالح الذاتية. يعتقد ((روسو)) أن ظهور مفهوم الدولة يعود إلى:"إنها شر اوجدته ظروف خاصة في مقدمتها حالة عدم المساواة في الحقوق بين أفراد المجتمع". تعد مفاهيم الحق والمساواة والعدالة...مفاهيم نسبية واشتراطية بذات الوقت، يحددها المُشرع الحقوقي ويضع شروطها السياسي ويحدد مقاسها المثقف فهي مختلفة بإختلاف القائمين عليها أو بإختلاف السلطة وتوجهاتها. فالتفسير الطبقي (السياسي) لمفهوم الدولة لايتفق مع التفسير الحقوقي ولامع التفسير الأخلاقي للمثقف لإختلاف المصلحة والتوجه الفكري، فهناك دائما حزمة من المبررات السياسية والقانونية والأخلاقية تطرح لتأكيد صحة المفهوم المعتمد. يعرف ((دوركيم)) الدولة:"بأنها النظام المسؤول أساساً عن حماية الحقوق الفردية ويمتد نطاقها ليشمل الحقوق الشخصية والأخلاقية وتقسيم العمل". طرأ تغير كبير على مفهوم الدولة ومهامها عبر الزمن نتيحة تعدد المخاضات السياسية والتحولات الاجتماعية الكبيرة وتطور مستوى الوعي الإنساني، فأصبحت الدولة (ضرورة وحاجة) وشخصية حقوقية ومعنوية تعرف بحقوق مواطنيها وتعبر عن المراحل التاريخية والحضارية لمجتمعاتها. إن هوية المواطن أداة التعريف بشخصيته المعنوية على مستوى الوطن، لكن هذه الأداة ليست كافية لتأكيد ذاته خارج حدود الوطن، فالشخصية المعنوية ينقصها التعريف الحقوقي لتصبح شخصيته معنوية وحقوقية من خلال إضفاء صفة انتماءه للأرض (الوطن) الذي تمثله الدولة. إذاً الدولة هي المرجعية القانونية للوطن والمواطن على المستوى العام، وبدونها يبقى الفرد مجهولاً ولايمكن قبوله أو التعامل معه، فالإنتماء إلى الدولة-الوطن (أي كان شأنها وشأنه) هو تأكيد وتعريف للذات على المستوى الحقوقي وليس الإنساني. فكلما كانت الدولة قوية ومكتسبة للشرعية الوطنية والدولية كلما أكتسبت شخصية مواطنيها الاحترام والاعتراف على الصعيد الدولي تبعاً لتأثيرها وحضورها العالمي. وبخلافه فإن الدولة الضعيفة والفاقدة للشرعية الوطنية والدولية يصبح مواطنيها عرضة للانتهاك والتشكيك في الدول الأخرى. إن تعزيز مكانة الدولة منوط بالتزام المواطن بحقوقه وواجباته اتجاهها فكلما زاد وعيه بحقوقه زادت مطالبته وكفاحه لانتزاعها مما يدفعه لإنجاز واجباته تجاه الدولة فيتعزز مكانة وحضور الدولة في المجتمع باعتبارها ضامنة لحقوق المواطن وتسعى لحمايته وتمنحه الشرعية على الصعيد الوطني والدولي. إن وجود سلطة مستبدة تعتمد آليات الدولة في اضطهاد المواطنين، ينسف مفهوم الدولة ذاتها، كونها أخلت بشرط التعاقد بينها وبين المجتمع وبالتالي يفقد مبدأ الحقوق والواجبات دلالته الشرعية عند المواطن. ويعد النضال والكفاح ضد سلطة الاستبداد لاسترداد الحقوق هو بمثابة الانتصار لمفهوم الدولة المُغيب، فالدولة هي سلطة المواطن، في حين أن سلطة النظام السياسي الذي تقوده نخبة سياسية من المفترض أن تبدي خضوعها لمبادئ الدولة لتكتسب شرعيتها وإلا فإنها فاقدة للشرعية. وهنا يجب التمييز بين الدولة كمؤسسات وموارد يتوجب إبداء الحرص وحمايتها من العابثين وبين أجهزة السلطة المستبدة (الأجهزة القمعية، الأجهزة الأمنية) أدوات القمع والعنف ضد المواطن والتي تخلت عن مهامها الأساس باعتبارها أجهزة الضبط والتحكم للدولة-النظام في المجتمع لصالح السلطة المستبدة التي تنكل بالمواطنين. فعلى المواطن عدم التخلي عن واجباته في الحفاظ على مؤسسات الدولة وتعزيز وجودها وبذات الوقت العمل على التصدي للسلطة المستبدة وأجهزتها القمعية التي تخلت عن مهمها لإستعادة مكانة الدولة التي تعتبر الجهة الوحيدة المعبرة عن شخصية المواطن والضامنة لحقوقه. يقول ((الياس مرقص))"يجب فك الارتباط بين مفهوم الدولة وفكرة السلطة، إنهما أثنان. يجب إقامة مفهوم الدولة....المجتمع السياسي-العام (الكلي الخاص أو العام إزاء الخاص) استنفاذ الدولة كأداة لطبقة ضد طبقة يلغي مفهوم الدولة". إن تدني مستوى الوعي بالمفاهيم السياسية أدى في كثير من الأحيان إلى الخلط بين مفهوم الدولة ومفهوم السلطة وعدم التمييز بينهما فتشوه مبدأ النضال والمقاومة ضد السلطة، وأصبح التخريب وإلحقاق الضرر بمؤسسات الدولة وإضعاف مقوماتها تعبيراً عن النضال المزيف الساعي إلى السلطة لاغير. الموقع الشخصي للكاتب: http://www.watersexpert.se/
#صاحب_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النظام والقرار السياسي
-
ماهية السياسة
-
علم السياسة وأختلال المفهوم
-
الإرادة السياسية واستخدام العنف الشرعي
-
استخدام العنف الشرعي لتعزيز النظام الاجتماعي
-
استخدام العنف الشرعي لإعادة النظام
-
آليات الضبط والسيطرة في المجتمع
-
فساد الجهاز القضائي
-
مهام السلطة القضائية والتنفيذية (التداخل والتعارض)
-
القانون والمواطن
-
صراع النفوذ داخل الجماعة
-
مهام القيادة والقائد
-
غريزة القطيع عند الكائنات الحزبية
-
صناعة الأصنام في المجتمعات المقهورة
-
مسؤولية السلطة في تفشي الفساد في مؤسسات الدولة
-
مظاهر الفساد والإفساد في مؤسسات الدولة والمجتمع
-
بنية الكيانات الحزبية في السلطة والمعارضة
-
المفاهيم التقليدية للسياسية العربية
-
الأسباب والمعالجات لإنهيار السدود (سد الموصل نموذجاً)
-
((سلطة الاستبداد والمجتمع المقهور))
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|