في الذكرى السادسة والثلاثين لانطلاقة الجبهة الشعبية رسالة إلى الرفيق أحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية .... أتمنى أن تظل مشغولا بنا

عيسى قراقع

الحوار المتمدن-العدد: 698 - 2003 / 12 / 30 - 04:19
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    

تعودنا منذ عامين أن نتلقى منك الرسائل... كأنك بعيد أو كأنك شهيد... وأنت القريب القريب على مرمى نبضة قلب أو حوار طير مع السماء...
كان الأجدر بنا أن نأتي إليك، ندخل زنزانتك، نضيء ستة وثلاثين شمعة أمام عينيك ليصمد حبل النهار طويلا، يصير طريقا إلى رام الله أو زفة عرس إلى القدس... كان الأجدر بنا أن نكون أكثر وفاءا لما تبقى في الروح من وفاء...
أعرف أنك مقهور من الوريد إلى الوريد... تحاول أن تكتشف الفارق بين تلك الزنزانة وهذه الزنزانة... بين قبر وقبر، وبين ماء وماء...
تحاول أن تنفذ من التناقض المفجع تارة بسخرية وتارة بحبة بكاء... تحاول أن تتحرك في رحلة الحلم فيصدك قرار ووجه سجان وستة وثلاثون عاما من النزيف، يغسلك، يجرفك... فلا البحر الميت ظل صديقك ليلقاك ولا أنت يوسف ليخرجوك من البئر بعد أن أعدموا الأنبياء...
فأحمد الله أنك الصوت الذي يحتمل الغضب، ويحتمل الحنين، ويحتمل الصدق ويصب الحناء على قبور الشهداء... أحمد الله أنك حي هنا... لم يرسلوك إلى غوانتنامو أو يسرقوك كما سرقوا قوت أولادنا.
وأحمد الله أنك لم تصب بحمى المبادرات السياسية ولم تسافر إلى لندن ومدريد أو جنيف أو واشنطن وتنام على شواطئ البحار الهادئة وتشارك في جلسات العصف الفكري للبحث عن السلام والأمن والحرية لنا وللأعداء.
أحمد الله أنك حي هنا... لم يرسلوا لك قذيفة لتقتلك ساعة صباح أو ندى... ولم يقنعوك أن تكون عضوا في إدارة شركة وهمية غير مسجلة لإنعاش الاقتصاد بين تلك أبيب وأباطرة الوطن النبلاء...
أحمد الله أنك لم تشاهد الجدار الأفعى الذي تبين مؤخرا أن عددا من وزرائنا يتنافسون على شراء الاسمنت لبنائه ليكون فلسطيني المنشأ، إسرائيلي الهدف، فيتحقق التعايش والبناء... أحمد الله أنك لم تر مذبحة الزيتون وأسنان البلدوزرات وامرأة تسقط جنينا على حاجز قلنديا... أحمد الله أنك حي لم يمنعوا عنك الهواء...
أخذوك من كل الجنازات... اجتمعت عليك الرباعية لأنك عقبة خطيرة أمام خارطة الطريق وتهدد السلام العالمي...
اعتقلوك لأنك الإرهابي الذي قبل وجه أبي علي مصطفى ولملم فلسطين عن لحمه الممزق وأطلق في العالمية دهشة الأغاني.
أنت المتهم الوحيد بترميم الفكرة والجسد المتجلي في البشائر والمعاني...
أنت الوحيد الذي لم يعادي حلمه، ولم يعتذر للسنبلة عما فعلت يداه، إن ضاقت بك السبل لتدق الحائط أو تنادي الشهداء...
نفخت في التراب الأحمر المبلول، نهض الشهداء، جاءوا من جنين ورفح والخليل، جاءوا من حصار الكنيسة، من تحت المجنزرة، جاءوا من السجن والمنفى، نهضوا... صاروا طيورا، جيلا لا يهبط عن الأعالي...
أنت الوحيد الذي خبأت فلسطين في صمتك المقلق، لم ترسلها إلى النظام العالمي الجديد لأنك خائف أن لا تعود... أم ترسلها إلى الماضي لأنك تخشى أن تنفجر الذاكرة ويصير الموت هو القديم... خبأتها في حجر طفل وفي نشيد طالبة وداخل شتلة زعتر تضيء الأخضر على البركان والمساء...
شكرا لك لأني وجدت من أتحدث إليه... فالكل يا رفيقي مشغول...الكل ضد الكل وفلسطين وراء الظهر... الكل مشغول في إيجاد طريقة لتحويل الحكم الذاتي إلى دولة وانسحاب الاحتلال عن حبال غسيلنا ومن غرف نومنا... الكل مشغول في إيجاد حل الإشكالية وزارة تجمع بين الأمن والفساد والسيادة والديمقراطية في ظل الجدار والاحتلال وأصوات المؤبدات في قاعات المحاكم العسكرية وصراخ اطفال تكوموا على بيت مهدوم في ليلة شتاء...
الكل مشغول في التحليل والبحث عن الدواء الناجع الشافي لأسباب عسكرة الانتفاضة أو شروط استسلامها لإعطاء بريق أمل لسلام شارون وهو يفكك الكرافانات غير القانونية ويملأ المعسكرات والسجون بالأطفال والغاز المسيل للدموع وبالنساء...
الكل مشغول في التخلص من عبء الأذرع المبتورة أو الأعين المقلوعة أو بناء البيوت المنسوفة خوفا على الميزانية والحسابات السرية السريعة.
الكل مشغول في إيجاد طريقة للرد على تقرير البنك الدولي الذي يتهمنا بعدم الشفافية وبأننا نأكل لحم أولادنا ميتا فلا نكرهه...
الكل يقاتل الكل... والجنازات تسير كل ظهيرة... حتى صار عدد البيانات أكثر من عدد الشهداء...
شكرا لك لأنني وجدت من اتحدث إليه معتذرا لك لأني لم أجدك في نصوص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بعد خمسة وخمسين عاما من صدوره... أتمنى أن تظل مشغولا بنا... بصباحنا الذي يأتي وبزهرة دمنا وهي تتفتح...

وكل عام وأنت بخير.

#عيسى_قراقع (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات