|
صك الأنتداب الأميركى الجديد للعراق
جودت هوشيار
كاتب
الحوار المتمدن-العدد: 2250 - 2008 / 4 / 13 - 07:37
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
كشفت صحيفة The Guardian البريطانية فى عدددها الصادر فى الثامن من نيسان الجارى ، النقاب عن مسودة أتفاق استراتيجى سرى ، تم التوقيع عليه فى السابع من آذار الماضى بين الأدارة الأميركية و حكومة المالكى حول الوجود العسكرى الأميركى طويل الأمد فى العراق.و الذى يهدف الى شرعنة الأحتلال ، حيث ينص الأتفاق على ( السماح للقوات الأميركية بشن عمليات عسكرية فى العراق و توقيف أشخاص لضرورات أمنية من دون الحصول على موافقة الحكومة العراقية و بلا اى قيد او شرط . و لا يحدد مشروع الأتفاق هنا أيضا حجم القوات الأميركية فى العراق و لا الأسلحة التى يمكنها أستخدامها و لا الوضع القانونى لهذه القوات و لا السلطات التى تتمتع بها حيال المواطنين العراقيين .
و رغم أن مسودة الأتفاق تنص على أن هذا السماح ( مؤقت ) و أن الولايات المتحدة لا تسعى الى أقامة قواعد عسكرية دائمة أو الى وجود عسكرى دائم فى العراق ، الا أن عدم وجود تحديد زمنى أو قيود فى نص الأتفاقية يؤدى عمليا الى جعل الهيمنة الأميركية على العراق و مقدراته أمرا واقعا و دائميا ، و جاء فى الوثيقة " أن المصلحة المتبادلة للولايات المتحدة و العراق تقضى المحافظة على سيادة العراق و وحدة و سلامة أراضيه و أستقلاله السياسى و ردع التهديدات الخارجية التى تحدق به " و تنص المسودة أيضا على أن " الولايات المتحدة و العراق أتفقا على التشاور الفورى فى حال تعرض وحدة و سلامة أراضى العراق و استقلاله السشياسى لتهديد "
و لا شك أن هذا الأتفاق يتجاوز الى حد بعيد ، ما نصت عليه الأتفاقيات الأمنية الأميركية مع الدول الأخرى ، أو تلك التى تتواجد علي أراضيها القواعد العسكرية الأميركية. و تحل هذه الوثيقة محل تفويض الأمم المتحدة الذى ينتهى نهاية العام الجارى . و ترغب الولايات المتحدة فى أقرار هذا الأتفاق الجديد من قبل البرلمان العراقى قبل نهاية شهر تموز / يوليو المقبل . . و من المتوقع ان يثير هذا الأتفاق جدلا واسع النطاق و ربما خلافات حادة ،سواء بين الأحزاب السياسية فى العراق أو بين الأوساط السياسية فى واشنطن , وقد ظهرت بوادر ذلك عندما شنت المرشحة الديمقراطية للأنتخابات الرئاسية هيلارى كلينتون هجوما عنيفا على الأدارة الأميركية و أتهمتها بمحاولة تقييد الرئيس الأميركى القادم بألتزام عسكرى للدفاع عن العراق ..
و كان وزير الدفاع الأميركى روبرت غيتس قد صرح فى شهر شباط المنصرم بأن الأتفاقية الأميركية العراقية ستكون شبيهة بالأتفاقيات التى أبرمتها الولايات المتحدة فى أنحاء العالم و لا تلزم الولايات المتحدة بالدفاع عن العراق .و لكن العديد من أعضاء مجلسى الشيوخ و النواب الأميركيين من الحزب الديمقراطى لا يشارطون هذا الرأى . فقد صرح السناتور أدورد كينيدى ، العضو البارز فى لجنة القوات المسلحة فى مجلس النواب ، بأن هذه الأتفاقية تخرج عن أطار الأتفاقيات المماثلة التى وقعتها الولايات المتحدة و شبيهة بنمط الأتفاقيات التى تتطلب – حسب الدستور الأميركى – مصادقة مجلس النواب الأميركى عليها .
و يقول المسؤولون فى ادارة الرئيس بوش ( اذا تضمنت الأتفاقية على ( تعهد الولايات المتحدة بضمان أمن العراق ) ، فأنه يتعين استحصال موافقة مجلس النواب الأميركى ، ولكن الأتفاقية الموقعة ، كما تسربت الى الصحافة ، أشارت فقط الى " المحافظة على سيادة العراق و وحدة ة المتحدة - و سلامة أراضيه و أستقلاله السياسى " .. و نظرا للعلاقات المتوترة القائمة بين ايران و الولايات المتحدة و علاقة ايران الوثيقة بالأحزاب الشيعية الحاكمة فى العراق ، فقد حرص الجانبان الأميركى و العراقى غلى التأكيد فى نص الأتفاق على أن " الولايات المتحدة الأميركية لا تسعى الى استخدام الأراضى العراقية كنقطة أنطلاق لعمليات هجومية ضد الدول الأخرى ".
و قد تعهد المرشحان الديمقراطيان هيلارى كلينتون و باراك اوباماب – فى خال انتخاب أى منهما لمنصب رئيس الولايات المتحدة بالشروع فى سحب القوات الأميركية من العراق خلال فترة زمنية قصيرة ، أما المرشح الجمهورى جون ماكيين فقد وعد بالأبقاء على عديد القوات الأميركية فى العراق على مستواه الحالى الى حين تحسن الوضع الأمنى فى العراق .
أن نص الأتفاق الجديد أسوأ حتى من التفويض الأممى الذى يحدد سقفا زمنيا للأحتلال الأميركى للعراق و ينص على ضرورة حماية المدنيين العراقيين و ضمان حقوقهم الأنسانية . و قيود أخرى كثيرة تتضمنها أتفاقية جنيف . و لكن الولايات المتحدة ضربت عرض الحائط بشروط أتفاقية جنيف و الأتفاقيات الأخرى حول واجبات و مسؤوليات قوات الأحتلال . فما زالت الجرائم التى ارتكبتها هذه القوات طوال السنوات الخمس الماضية حية فى الأذهان ، فمنذ اليوم الأول لسقوط بغداد تجاهلت قوات الأحتلال و أحيانا شجعت على سلب و نهب الممتلكات العامة على أيدى الغوغاء و عملاء دول الجوار و أقترفت جرائم تعذيب و قتل و أغتصاب بشعة تقشعر لها الأبدان سواء فى سجن ( أبى غريب ) أو فى المحمودية و حديثة ودمناطق أخرى كثيرة يصعب حصرها ، فهى تدمر البيوت على رؤوس ساكنيها لمجرد الشك فى لجؤ بعض المشبوهين اليها ، وهى تعتقل يوميا العشرات و أحيانا المئات من المدنيين العراقيين لمجرد الظن بوجود أرهابيين بينهم . و بعد توقيف طويل الأمد قد يصل الى عدة سنوات يطلق سراح معظمهم لعدم ثبوت التهم الموجهة اليهم . أن قوات الأحتلال لا تتوانى عن قتل اى مواطن عراقى لأتفه الأسباب فى نقاط السيطرة و فى الطرق الخارجية فى حالة عدم توقف أى شخص أو سيارة مدنية عند مرور رتل عسكرى أميركى .
و مع افتضاح أمر هذا الأتفاق المشؤوم - الذى يكبل العراق بصك أنتداب جديد غير محدد زمنيا – تحاول حكومة المالكى و زعماء الائتلاف تجنب النقمة الشعبية بالقول أن الوثيقة التى تم التوقيع عليها فى السابع من الشهر الماضى هى مسودة أولية قابلة للنقاش ، ولكن النص الذى تسرب الى الصحافة و تعليقات المرشحين للأنتخابات الرئاسية الأميركية و أعضاء الكونغرس الأميركى و ما تناقلته و سائل الأعلام فى الغرب ، كل ذلك يدل بأن هذا الأتفاق الموقع بين الجانبين يكاد أن يكون نهائيا ، حيث يأمل المحتل و الائتلاف الحاكم فى العراق تمريره بصيغته الحالية من خلال مجلس النواب العراقى خلال الأشهر القليلة .
ان وسائل الأعلام الأميركية و أبواق الدعاية العراقية الحكومية و الحزبية تحاول هذه الأيام نفى ما جاء فى هذه الوثيقة الدامغة و لكن التأريخ سيجكم على حكومة المالكى و على الأحزاب المؤيدة للأنتداب الأميركى الجديد على العراق، بأنها قد فرطت بالأستقلال الوطنى للعراق و مصالحه العليا و تسببت فى اطالة عمر الأحتلال وفى استمرار معاناة الشعب العراقىالمنكوب لسنوات عديدة أخرى ، من أجل البقاء فى السلطة و لو بدعم من المحتل .
#جودت_هوشيار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البيت الأبيض فى اليوم الأسود
-
النفط و الديمقراطية
-
دروس و عبر من تجربة صحفية ناجحة
-
كلاشنيكوف و الحكومة العراقية
-
الأمبراطور الفنان
-
حول النتاجات الفكرية للكتاب الكورد المدونة باللغات الأخرى
-
من ينقذ العراق من زعماء المحاصصة ؟
-
الصحافة الكردية بين الأمس واليوم
-
موسم سقوط اوراق التوت
-
مسرات العصر الرقمى
-
اغلق التلفزيون وابدأ الحياة
-
حكومة الرجل القوى الأمين : انجازات باهرة فى فترة قياسية
-
دكاكين السياسة فى العراق
-
الحركات المناهضة للعولمة : ما لها وما عليها
-
العولمة و منطق التأريخ
-
ملحمة قلعة دمدم : حكاية الأمير ذو الكف الذهب والحسناء كولبها
...
-
التسلح النووى الأيرانى :تهديد مباشر لأمن العراق
-
مهزلة الأنقلابات المسلحة فى جريدة الصباح
-
لامعنى للأرهاب من دون وسائل الأعلام
-
المعايير المزدوجة للأعلام الروسى
المزيد.....
-
الحكومة اللبنانية تدين تفجيرات بيجر: -عدوان إسرائيلي إجرامي-
...
-
الجيش الإٍسرائيلي: لا يوجد أي تغيير في إرشادات الدفاع لقيادة
...
-
9 قتلى و2750 جريحًا في انفجار أجهزة -البيجر- وحزب الله يحمل
...
-
-إرنا-: شويغو يلتقي بزشكيان في طهران ويسلمه رسالة من بوتين
-
مسؤول في -حزب الله- يكشف لـ-رويترز-: حسن نصر الله بخير
-
لبنان.. مقتل نجل النائب عن -حزب الله- علي عمار في انفجارات أ
...
-
الجيش الإٍسرائيلي: لا يوجد أي تغيير في إرشادات الدفاع لقيادة
...
-
لوكاشينكو: نعلم بما تخططه ليتوانيا لبدء محاكمة ضدي في لاهاي
...
-
قتلى وجرحى بسبب حرائق الغابات في البرتغال
-
تتارستان.. اكتمال الحفريات في مقبرة تاريخية أقدم من الأهرام
...
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|