في حديثه لمراسلي بعض وسائل الإعلام في لندن والذي نشرته جريدة الشرق الأوسط ارتكب السيد محمود الأبرش – رئيس مجلس الشعب بسوريا جملة مغالطات قانونية في محاولة لم تكن ناجحة للإساءة إلى معتقلي الرأي في بسوريا ( وخاصة للنائبين رياض سيف ومأمون الحمصي - أعضاء مجلس الشعب بسوريا ) وذلك لتشويه نضالهم ومطالبهم المحقة وتبرئة السلطات السورية ورئاسة مجلس الشعب الذي يرأسه من جريمة وضعهم في السجن لمجرد التعبير عن آرائهم .
ولم يكن جديرا برئيس مجلس شعب اعتقل نائبين منه لمجرد معارضتهم أفكار السلطة أن ينبري للدفاع عن السلطة التنفيذية بممارستها القمعية تجاه المعارضين ، وكان أحرى به أن يترك هذا الأمر لأصحابه من القيمين على الانتهاكات تجاه حقوق الإنسان ونشطاء المجتمع المدني خاصة وأنه يعلن بأنه لايعرف عدد المعتقلين في السجون ومع ذلك ( يعتقد ) أن عددهم بسيط ( حسب أقل الأحصائيات يتجاوزون الألف ) ويؤكد أنهم جميعا ( يجب ) أن يكونوا قد مسّوا الوحدة الوطنية مسلما بشكل مطلق بأن قرارات التوقيف العرفية المتخذة بموجب قانون الطوارئ غير الدستوري والذي مازال ساريا في سوريا منذ أربعين عاما وأن قرارات محكمة أمن الدولة والمحاكم الأمنية الاستثنائية وغير القانونية هي مقدسات لايمكن الطعن بصدقيتها أو إثبات عكس أحكامها . واستغرب من رئيس مجلس شعب مفترض له أن يدافع عن الدستور والقانون والوقوف بوجه الاستثناءات أن ينبري للدفاع عن اختراقات الدستور وانتهاكات القانون والاعتقال التعسفي والمحاكم الاستثنائية .
واستغرب ( ولم لا ) أن يتجاوز رئيس مجلس الشعب ذلك للدفاع عن فرض قانون طوارئ لمدة أكثر من أربعين عاما لم يستخدم خلالها .. إلا لقمع الأصوات وخنق الشعب وأحيانا قتله وانتهاك حقوقه تحت شعارات التحرير والوحدة الذي لم نتعرف إليهم إلا بالشعارات.
ومن الغريب أن يستجدي السلام حتى يقتنع برفع حالة الطوارئ وكأنما برئيس مجلس الشعب يعاقب الشعب السوري كله على حالة الحرب مع إسرائيل ويطالبه ( للشعب) بقبول السلام والمطالبة به حتى يحنّ السيد رئيس مجلس الشعب ويطالب برفع حالة الطوارئ .
وأريد أن أهمس بإذنه بأن أحدا لم يسأله هو أو مجلس الشعب عند فرض حالة الطوارئ ولم ولن يسأله أحد إن كان يرغب باستمرارها أو رفعها .
ويستمر السيد رئيس مجلس الشعب بمغالطاته فيصرح بأنه ليس هناك في سورية أشخاص دخلوا السجن ولم يخرجوا منه .
وأنا أريد أن أسأله عن آلاف المفقودين الذين لم يعرف مصيرهم بعد ( فربما خرجوا ولم يدري أهلهم بذلك ) وأريد أن أسأله عن عماد شيحا وفارس مراد اللذين مازالا في السجن منذ تسع وعشرين عاما وبوضع صحي خطير ومئات منذ عشرون سنة متى يتوقع الإفراج عنهما قبل أن يموتوا كآلاف غيرهم في السجن ويستطرد رئيس مجلس الشعب باتهامه النائبين رياض سيف ومأمون الحمصي ( زملاءه في المجلس ) بأنهما في السجن لتهربهما من دفع ضرائب مالية .
وهنا اسمح لي ياسيادة رئيس مجلس الشعب بأن أقول بأن هذا التصريح ليس بريئا وليس ناجما عن حسن نية أو جهل بما حصل .
بل هو جريمة كاملة ارتكبتها مع سبق الإصرار والترصد بحق نائبين منتخبين لتشويه اسمهما والتغطية على الجريمة التي ارتكبت بحقهما ونحتفظ بحقنا بإقامة الدعوى بهذا الموضوع أمام القضاء المختص .
إن ملف الدعويين المقامتين على النائبين موجود لدى القضاء وقد تابعت كل وسائل الإعلام مجريات المحاكمة ومواد الاتهام الذي تقدمت به النيابة العامة وبالتالي لايمكن لك أو لغيرك حجب الشمس بغربال .
إن التهم التي وجهت للنائبين هي تـهم سياسية تتعلق بحرية الرأي والإعلان عنه والأدلة التي قدمتها النيابة للاتهام هي بيان النائب مأمون الحمصي الذي أصدره عند إضرابه عن الطعام والذي طالب به برفع حالة الطوارئ وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين ومحاربة الهدر والفساد ورفع يد الأجهزة الأمنية عن الشعب .
ووثيقة السلم الاجتماعي التي أطلقها النائب رياض سيف متضمنة نفس المطالب السابق ذكرها وكسر احتكار حزب البعث للسلطة .
ولم يأت أي ذكر بملف الدعوى والاتهام إلى أي تهرب مالي أو ضريبي بحق النائبين ..ومخالفة القاضي المستشار عباس ديب بقرار الحكم وهو أحد قضاة هيئة المحكمة التي حاكمت النائبين ردا مباشرا على ماذكرته والذي اعتبر " أن ماقام به النائبين هو عمل من صميم واجبهما كنائبين منتخبين وأن عملهما يمكن أن يعتبر في ظروف سياسية أخرى هو عمل بطولي "..
هذه المخالفة في القرارين ستبقى نقطة مضيئة في سجل قضاة سورية ترد به ظلام المدعين والمشوهين .
كما أن إجراءات رفع الحصانة لم تستغرق سوى 24 ساعة وهذا ثابت بالوثائق الصادرة عن مجلس الشعب . وليس تسعة أشهر كما ادعى رئيس المجلس . وأريد أن أذكره هنا بقرارات وتوجيهات اتحاد البرلمانيين الدوليين والذي أرسل بعثة تقصي للحقائق حول موضوع النائبين واعتبر قضيتهما قضية حرية رأي وأرسل عدة كتب للدولة السورية مطالبا بالإفراج عنهما آخرها الشهر الماضي
فلمن يقرأ السيد محمود الأبرش مزاميره ولمن يريد إيصال هذه الرسالة المغلوطة ؟، للرأي العام العربي والعالمي والمحلي الذي تابع المحاكمات ويعرف تماما حقيقتها ! أم لجهات أخرى لكسب رضاها . ولا أدري إن كان بذهن السيد رئيس مجلس الشعب أو غيره وسائل أخرى في جعبتهم لشهرها مجددا في وجه النائبين والإساءة إلى سمعتهما فمن يتحدث بهذه الطريقة لايستغرب أن يخرج من بنات أفكاره تهما أخرى وربما إجراءات لاقناع غير المقتنع .
ويتهم السيد رئيس مجلس الشعب بقية معتقلي الرأي وخاصة ربيع دمشق بالإساءة للوحدة الوطنية ، فهل الدكتور عارف دليلة والمحامي حبيب عيسى والمهندس فواز تللو والدكتور وليد البني ورفاقهم قد مسّوا الوحدة الوطنية حين طالبوا بإلغاء الممارسات التي تفرق أبناء الوطن وتحصين البيت الداخلي وتصحيح مسيرة الاقتصاد بمحاربة الفساد والهدر والنهب المنظم للمال العام الذي يقوم به رموز وشخصيات واضحة ومعروفة .
إلا إذا كان السيد رئيس مجلس الشعب يقصد بأنهم مسوا الاتحاد الأسود للفاسدين وناهبي أموال الشعب ومنتهكي حقوقه السياسية والاجتماعية وثقافية والاقتصادية …
وهل رياض الترك الذي ارتفع فوق جراحه ومعاناته بعد إبقائه سبعة عشر عاما في السجن معظمها بالزنازين الانفرادية وطالب بمصالحة وطنية وعقد اجتماعي سياسي جديد يعيد ربط أوصال المجتمع المتقطعة هو الذي مّس الوحدة الوطنية .
لن أدخل بنقاش مع السيد رئيس مجلس الشعب حول مسألة حكمه بموجب الأكثرية ومسألة المسرحيات الانتخابية وغيرها .. بل يمكن أن أسأل سؤالا متى حكم الأكثرية يعني القضاء على الأقلية وتدميرها وزجا بالسجون وقمعها بل قتلها .
كنت أتمنى للسيد رئيس مجلس الشعب أن لايخوض نقاش حول سياسات مخجلة أو على الأقل أن لا يتصدى للدفاع عنها والإساءة للغير ، محافظا على قليل من ماء وجه الجهة التي يرأسها والتي من المفترض دستوريا أن تكون مستقلة تماما عن السلطة التنفيذية وأن يحاول ما أمكن أن يشعر الرأي العام الذي تابع أقواله بأنه هناك خيط أو خط ما يفصل الجهة التشريعية عن الجهة التنفيذية ولكنه أصّر وبكل وضوح على إظهار الحقيقة المحزنة بأن الجهات التي تحكم سورية هي حتما ليست الجهات الدستورية والقانونية .
المحامي أنور البني
عضو هيئة الدفاع عن معتقلي الرأي
عضو مجلس إدارة جمعية حقوق الإنسان بسوريا