أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - زهير كاظم عبود - محنة القضاء في العراق















المزيد.....

محنة القضاء في العراق


زهير كاظم عبود

الحوار المتمدن-العدد: 126 - 2002 / 5 / 10 - 07:15
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    





* قاضي عراقي متقاعد



في أحدث خبر من داخل العراق ، قيام محافظ ديالى ( أحد المحافظات القريبة من العاصمة بغداد ) بإيقاف القاضي السيد رشيد حسن المهداوي قاضي محكمة الجنح في محافظة ديالى عن العمل ، المحافظ فوزي الكبيسي أبلغ رئيس محكمة الجنايات في ديالى التي يعمل القاضي المهداوي ضمن أعمالها بأن قرار إيقاف القاضي عن العمل صدر عن وزير الداخلـــــية ببغداد وأن المحافظة نفذت القرار الذي لاعلاقة لها به .

ورغم غرابة القرار وافتقاره للمنطق والأسس القضائية وانتهاك لنصوص الدستور ، ورغم استغراب البعض من القراء ألا أنني لا أجد أدنى غرابة لهذا القرار تحت ظل السلطة الحالية ، علماً أن قرار إيقاف القاضي عن العمل لايتم بقرار من وزير الداخلية أو حتى وزير العدل الذي يتبعه القاضي أداريا وليس قضائياً ولاحتى بقرار رئيس الجمهورية وأنما يخضع لقرار من أعلى جهة تشريعية في البلاد وما يسمى بمجلس قيادة الثورة وهو بالحقيقة ليس له محل من الأعراب في بلادي التي تكومت كل السلطات والصلاحيات والقرارات والإمكانيات لدى القائد الضرورة الذي يعبر بالبلاد من نصر الى نصر .

ولأن القضاء في العراق يحاول أن يتصدى للسلطة التي لاتفهم استقلالية القضاء ولا تنسجم مع حكم النصوص القانونية ولاتقبل بالتطبيق المتساوي للقانون ولاتعرف العدالة والحق فهي تصطدم وبشدة بين فترة وأخرى بالقضاء العراقي الذي بقي يناطح السلطة رغم فارق القوة .

ومن المعروف أن للقاضي صلاحية توقيف الموظف العام مهما كانت درجته الوظيفية والمواطن مهما كانت درجته الحزبية في حزب السلطة ، ومن الموظفين العموميين يدخل تعريف المدير العام والمحافظ والوزير ورئيس الوزراء ورئيس الجمهورية وعضو المجلس الوطني في الجرائم المشهودة خلا ل فترة الانعقاد وعند رفع الحصانة النيابية عنه ، وعلى هذا الأساس فأن القاضي بإمكانه أن يأمر في القضية المعروضة أمامه بتوقيف المحافظ والوزير بينما لا يجوز العكس ، كما أن كل تدخل في أعمال القاضي أو التوسط في قضية معروضة أمامه يجعل مرتكبها عرضة للمسائلة القانونية والمحاسبة القضائية مهما كانت درجته الوظيفية ومنزلته الحزبية ، ولهذا السبب لجأت السلطة في أغلب الأحيان على سحب القضايا المعروضة أمام القضاء بقرارات تشريعية لها قوة القانون صادرة من أعلى جهة تشريعية مما يفقد القاضي الصلاحية والقدرة على النطق بالحكم وقول كلمة الحق في القضية ، كما لا يجوز توقيف القاضي ومعاقبته الا من قبل قاضي إضافة الى عدم جواز تفتيشه وتدقيق أعماله الا من قبل قاضي أيضاً ولهذا فأن قيام المحافظ بإصدار الأمر بإيقاف القاضي عن عمله انتهاك صارخ للدستور وتطاول على القضاء وتطبيق غير سليم لقرار يفتقد للسند القانوني والصلاحية الموجبة وتعسف خارج حدود صلاحية ونطاق الوظيفة العامة المنوطة به مما يستوجب المسائلة القانونية إضافة لوقوع وزير الداخلية تحت المحاسبة القانونية أن صح الأمر الصادر منه .

إضافة لكل هذا فقد أختلقت السلطة محاكم لاسابقة لها في التاريخ القضائي ولافي تأريخ العراق القديم والمعاصر بأن أنشأت محكمة تختص بالنظر في القضايا المتهم فيها العراقيون في القضايا الأمنية التي تصل عقوبتها الى الإعدام غالباً والتي لا تخضع قرارات هذه المحكمة للتدقيقات القانونية المقررة في قانون أصول المحاكمات الجزائية النافذ ولاترسل قراراتها الى محكمة التمييز كما لا تتقيد بنصوص قانون العقوبات ولا بالمدد المقررة في العقوبات التي تلازم النص القانوني المقرر للعقوبة قانوناً ، ومع كل هذا تكمن غرابة المحكمة الخاصة بوزارة الداخلية كونها محكمة قضائية تخضع مباشرة الى وزير الداخلية وهو موظف عمومي يتبع قانون الخدمة المدنية ويخضع الى القوانين العقابية التي يقوم القاضي والمحكمة بتطبيقها ، بينما يحدث العكس أذ تتبع المحكمة والقاضي الى وزير يعد جزء من السلطة التنفيذية ولا يملك أدنى صلاحية مقررة في القوانين ولافي نصوص الدستور أن يوجه أي تعليمات أو توجيهات أو أوامر الى القضاة لعدم قانونية ذلك ولعدم وجود أية علاقة عملية بين القضاء ووزير الداخلية فيمكن تسميتها بالمحكمة القضائية التابعة لوزير الداخلية استثناء من أحكام القانون والدستور ورغم أن أعضاء هذه المحكمة لا يملكون الصفة القضائية لكونهم من ضباط الشرطة والموظفين الحقوقيين في حين يشترط القانون كون الصلاحية الخاصة بإصدار القرارات منوطة بالقضاة الذين يوجب القانون أن يكونوا متخرجين من المعهد القضائي وهو مؤسسة أكاديمية وعملية مدة الدراسة فيها سنتان بعد مدة ممارسة للعمل القانوني لاتقل عن ثلاث سنوات ويتخرج منها القضاة وأعضاء الادعاء العام وفقاً للقانون ووفقاً لما تخوله لهم شهادتهم بعد تخرجهم من المعهد القضائي وهذا الأمر يفتقر له القانوني الذي لم يكمل المعهد مما ينتفي معه قانونية عمله القضائي في المحاكم مهما كانت درجتها ونوعها وصلاحياتها .

وقد تم تشكيل محاكم في دائرة المخابرات وفي دائرة الأمن العامة وفي وزارة التصنيع العسكري وفي مديرية الاستخبارات العسكرية وفي دائرة اللجنة الأولمبية وفي جهاز الأمن الخاص ، تكمن خطورة هذه المحاكم كونها لا تطبق أحكام القوانين العقابية ولا تخضع في أعمالها الى نصوص قانون أصول المحاكمات الجزائية وفي كثير منها لايتم أشغالها من قبل قضاة حقيقيون وأنما من عناصر من الجهاز الذي تتبعه وأخطر مافيها أنها تتبع الى رئيس الجهاز الذي تعمل ضمن نطاق دائرته وبإمكانها أن تسحب أية قضية من المحاكم العراقية مع المتهم من القضاء الاعتيادي خلافاً للاختصاص النوعي أو المكاني الذي يوجبه القانون .

ويخضع القضاة في العراق الى رحمة التقارير المرفوعة عليهم من هذه الأجهزة الى قيادة السلطة ووفقاً لمدى تضرر الجهة التي ترفع التقرير من قرار الحكم الصادر ، ومن المحزن أن تكون الاستجابة السريعة لهذه التقارير ليس لموضوعيتها أو صدقها وأنما لتطويع بقية أعضاء الأسرة القضائية ليكونوا عبرة لغيرهم في الالتزام والشعور بالخوف من رجال السلطة وأجهزتها الأمنية المتعددة والخشية من تقارير أزلام حزب السلطة .

وليس غريباً أن يقوم أحد المحافظين في محافظة عراقية باقتحام المحكمة واقتياد أحد القضاة من قبل حراس المحافظ وأيدا عه التوقيف ومنعه من ممارسة عمله القضائي وإصدار الأمر بذلك ورغم توسلات وتدخلات وزير العدل الذي لم يثني عزم وتصميم المحافظ ألا بنقل القاضي المذكور إلى محافظة أخرى .

وليس غريباً أيضاً حضور أحد المحافظين في العراق أمام رئيس محكمة الاستئناف وقيامه بسب وشتم وتهديد أحد القضاة لقيامه بإصدار يقضي بتعويض مواطن عراقي متضرر من تعسف رجال الإدارة التي يتبعها المحافظ المذكور دون اللجوء للمنطق القانوني وأتباع الأساليب القانونية في الطعن بالقرار القضائي ضمن المدد القانونية المحددة في قانون المرافعات المدنية ودون سؤال الممثل القانوني وهو موظف تابع الى المحافظة وظيفياً .

وليس غريباً أن يصدر قرار بفصل قاضي من الوظيفة ومنعه من العمل بالمحاماة وسحب شهادته الجامعية لأنه قام بإخلاء سبيل أحد المتهمين مما يجوز له القانون إخلاء سبيله ومن ثم صدور قرار بعد ذلك بأيام يقضي بإلغاء القرار المذكور وأعادة القاضي إلى عملة ومن ثم صدور قرار يقضي بمعاقبته قضائيا لا لسبب سوى اعتقاد القاضي بقانونية القرار الصادر .

وليس غريباً أن يصدر قرار بفصل قاضي قام بغلق التحقيق في قضية قيام مواطن بإطلاق الرصاص من مسدسه على محافظ في مدينة الموصل وقيامه بسبه وشتمه لأن المحافظ أنكر إطلاق النار والسب والشتم ولم يطلب الشكوى أصلاً ، كما قررت قيادة السلطة إحالة رئيس وأعضاء محكمة الجنايات على التقاعد وعينت المحافظ المهان بوظيفة مستشار لرئيس الجمهورية .

وليس غريباً أن تقوم السلطة بإبدال عقوبة السجن المؤبد لمتهم مدان من قبل محكمة مختصة وتم تصديق قرار الحكم والإدانة بقرار من أعلى جهة قضائية في محكمة التمييز بتنفيذ حكم الإعدام به دون سند قضائي أو قانوني .

وليس غريباً أن يتم إحالة أكثر من ثلثي أعضاء محكمة التمييز المتشكلة من خيرة قضاء العراق علماً ونزاهة وخبرة قضائية لأنهم قرروا تصديق قرار حكم يقضي بحبس متهم في جريمة قتل غسلآً للعار ( تخللتها ظروف قضائية مخففة للفعل ) لأن قيادة السلطة قررت مخالفة القرار ونفذت حكم الإعدام بالمدان خلافاً للقرار القضائي المكتسب الدرجة القطعية لتصديقة من الهيئة العامة في محكمة التمييز .

أن الغياب القانوني لتطبيق نصوص الدستور والاستخفاف بالنصوص القانونية دليلاً دامغاً على غياب العدالة والحق من الساحة العراقية ليس بسبب غياب الكفاءات القانونية ولا لفرار الخبرة القضائية والقانونية وأنما لعدم تمكن السلطة من فهم كون هذه النصوص هي التي تحكم علاقتها بالناس .

ومحنة القضاء العراقي جزء مهم من محنة الناس وهي تراقب بعيون ممتلئة أسى وحزن ودموع العدالة والقانون يذبحان في بلاد تعد أول من سن القوانين وطبق العدالة في الأرض ، بلاد تزخر بشواهد التاريخ ورقي الحضارات التي تتابعت ليكون عراق اليوم نتاج هذه الحضارات الجميلة لينتهي الأمر بمحاكم تفتيش لامثيل لها في العصور الوسطى وغياب قانوني ليس مثله في مجاهل أفريقيا وانتهاك لنصوص قانونية ليس مثلها إلا في شرائع الغاب واستخفاف بالقوانين والحقوق ليس إلا في عقول البعيدين عن فهم الحق والعدالة والقانون الذي يجب أن يحكم الناس ويحكم علاقاتهم وتفاصيل حياتهم وينشر بينهم المساواة في التطبيق السليم للقانون .

محنة القضاء العراقي لاتحل على تطبيق القضاة للقانون ومحاولتهم قول كلمة الحق متحملين جبروت السلطة والسلطان وطغيان العقل الحاكم بل يمتد الى النصوص التي شرعها أهل بابل في مسلتهم ونصوصهم المكتوبة بالخط المسماري وأهل نينوى الذين خزنوا قوانينهم في مكتبة أشور بانيبال وأهل سومر الذين حفظوا ألواح الطين في زقوراتهم في أور ، وعلى أمل أن يعيد المستقبل لهم ما ضاع من غياب الحق والعدالة والقيم التي تبعثرت في هذا البلد الجميل .




#زهير_كاظم_عبود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة من مواطن عراقي الى الحجاج بن يوســـــــــــــف الثقفــ ...
- الحقيقة المرة


المزيد.....




- الحوثيون يزعمون استهداف قاعدة جوية إسرائيلية بصاروخ باليستي ...
- إسرائيل.. تصعيد بلبنان عقب قرار الجنايات
- طهران تشغل المزيد من أجهزة الطرد المركزي
- صاروخ -أوريشنيك-: من الإنذار إلى الردع
- هولندا.. قضية قانونية ضد دعم إسرائيل
- وزيرة الخارجية الألمانية وزوجها ينفصلان بعد زواج دام 17 عاما ...
- حزب الله وإسرائيل.. تصعيد يؤجل الهدنة
- مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين مقاتلي -حزب الله- والقوات الإسر ...
- صافرات الانذار تدوي بشكل متواصل في نهاريا وعكا وحيفا ومناطق ...
- يديعوت أحرونوت: انتحار 6 جنود إسرائيليين والجيش يرفض إعلان ا ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - زهير كاظم عبود - محنة القضاء في العراق