اجتمع مؤتمر القاهرة الثاني يومي 13 – 14 ديسمبر 2003 بدعوة من الحملة الشعبية لمواجهة العدوان على فلسطين والعراق، وبمشاركة واسعة من كل أنحاء العالم، تضم شخصيات دولية مرموقة ونشطاء سياسيين ونقابيين، ومثقفين وكتاب، وصحفيين وفنانين، ومدافعين عن حقوق الإنسان، من آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا والولايات المتحدة، ومن مصر والوطن العربي، يجمعهم نضالهم المشترك ضد العولمة الرأسمالية والهيمنة الأمريكية، وسعيهم المشترك من أجل إيجاد بدائل أكثر إنسانية وأكثر عدالة لسياسات العولمة الرأسمالية في إطار "عالم أفضل ممكن".
ونحن نناضل ضد العولمة الرأسمالية لما تؤدي إليه سياساتها من تعميق التفاوت بين الدول المتقدمة والدول النامية وتكثيف استغلال الشعوب وقمعها، وتهميش قطاعات واسعة من سكان العالم لا يجدون ضرورات الحياة، والتهديد لأمن الشعوب بالعودة إلى الحرب والعسكرة، وهو ما يؤدي إلى تكريس الإمبريالية عالميا والتبعية محليا.كما يدعم المخطط الصهيوني على الأرض العربية كامتداد للمشروع الإمبريالي في العالم وفي المنطقة.
ويلاحظ المشاركون في مؤتمر القاهرة الثاني أن ما توصلوا إليه من استنتاجات وقناعات في مؤتمر القاهرة الأول المنعقد في ديسمبر 2002 كان أساس حركة عالمية نشطة وفعالة على امتداد العالم كله شاركت فيها أوسع القوى الديمقراطية المحبة للسلام والمناهضة للحرب والعدوان من خلال عقد المؤتمرات الدولية المناهضة لسياسات العولمة والرافضة للعدوان على العراق وما صدر عنها من إعلانات مثل مؤتمر طوكيو ومؤتمر جاكارتا، وتحديد أيام التضامن مع الشعب العراقي شهدت مسيرات شعبية شارك فيها الملايين في كل دول العالم، كان أضخمها في 18 يناير 2003 و 15 فبراير 2003. وعقد العديد من المؤتمرات الجماهيرية في مختلف بلدان العالم لإدانة العدوان الأمريكي على العراق ومساندة نضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي.
وإذا كانت هذه التحركات والأنشطة الجماهيرية الواسعة لم تمنع الولايات المتحدة من احتلال العراق، إلا أنها نجحت في إدانة هذا الاحتلال من البداية، وتحقيق رفض عالمي إجماعي له، وكان لها أثرها في عزوف كثير من الدول عن المشاركة فيه، وحرمت الولايات المتحدة من أن يشارك معها تحالف دولي واسع. كما ساهمت هذه الحملة الشعبية الدولية في تعميق التناقضات بين الدول الرأسمالية الكبرى حول الموقف من العدوان على العراق. ونجحت فعاليات الحركة الشعبية عالميا في مواصلة تعبئة القوى الشعبية في إطار هدفها الاستراتيجي المتمثل في مناهضة سياسات العولمة وعسكرتها وما تمثله من مخاطر على مصالح الشعوب ومستقبل البشرية. وكانت لقاءات بورتو أليجري نموذجا واضحا وناجحا لما يمكن أن يحققه العمل الشعبي المشترك من إدانة للسياسات المعادية للشعوب ومحاصرتها في كل مكان.
واستنادا إلى هذه الإنجازات، وسعيا إلى مزيد من الفاعلية في مواجهة العولمة الرأسمالية والهيمنة الأمريكية، فقد ناقش مؤتمر القاهرة الثاني القضايا الأساسية لهذه المواجهة لاستخلاص الدروس المستفادة من نشاط العام الماضي والاستعداد لمواجهة أكثر فعالية في العام القادم، وطرحت للنقاش قضايا مقاومة الهيمنة الأمريكية والعولمة الرأسمالية، وكيفية دعم المقاومة في فلسطين والعراق، وتفعيل دور الحركات الشعبية العربية والدولية في دعم المقاومة، والعقبات التي تواجه الجهود الشعبية في الوطن العربي.
وأسفرت المناقشات عن الاستنتاجات الأساسية التالية:
أولا: بالنسبة للعولمة الرأسمالية والهيمنة الأمريكية
يلاحظ المشاركون في مؤتمر القاهرة الثاني أن الولايات المتحدة تواصل سعيها لإحكام سيطرتها على العالم، مستفيدة في ذلك من تزايد سيطرتها على الاقتصاد العالمي وتفوقها العسكري الكاسح، وحرصها على الحيلولة دون العودة إلى عالم متعدد الأقطاب يحد من نفوذها المتزايد، ومن المهم أن تواجه الحركة العالمية المناهضة للعولمة الرأسمالية والهيمنة الأمريكية هذا المسعى الذي يتضمن:
• تزايد وانتشار الوجود العسكري الأمريكي في مناطق جديدة من العالم كالوطن العربي ووسط وشرق أوروبا، بالإضافة إلى أفغانستان، في تهديد مباشر لشعوب العالم.
• استخدام المؤسسات الرأسمالية الدولية في تحقيق مزيد من السيطرة على الاقتصاد العالمي وإعادة صياغة العلاقات الاقتصادية الدولية في إطار اتفاقيات التجارة الحرة والقروض والمساعدات المشروطة والسياسات المالية والنقدية الدولية، وخلق علاقات جديده تتعارض مع التوجهات السابقة لإقامة نظام اقتصادي عالمي جديد يحقق العدالة وإمكانية التقدم للدول النامية.
• استخدام الأمم المتحدة في إضفاء شرعية كاذبة على السياسة العدوانية الأمريكية كما حدث مؤخرا في العراق، والحيلولة دون إصدار أي قرار من مجلس الأمن يدين العدوان الإسرائيلي على فلسطين وسوريا ولبنان، في تزييف واضح للشرعية الدولية ضد مصالح الشعوب، وخلق ازدواجية في معايير الشرعية الدولية تتناقض مع ميثاق الأمم المتحدة.
• فرض التصور الأمريكي للديمقراطية على الشعوب، والترويج لنموذج ديمقراطي زائف في الوطن العربي يتجاهل أهم سمات الديمقراطية الحقيقية المتمثلة في مضمونها الاجتماعي والسيادة الوطنية وإقرار الحقوق والحريات السياسية النابعة من إرادة الشعوب ذاتها، واستخدام هذا الطرح لديمقراطية مزيفة للدفع بالدول العربية إلى الاعتراف بالكيان الصهيوني العنصري، والقبول بدورها القيادي في المنطقة والانصياع إلى أجنده العولمة الليبرالية الجديدة.
ثانيا: انتفاضة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال
يؤكد المشاركون في مؤتمر القاهرة الثاني أن قضية الشعب الفلسطيني بدأت نتيجة اغتصاب أرض فلسطين عام 1948 بواسطة استعمار استيطاني عنصري قامت به الحركة الصهيونية، وما تم بعد ذلك عام 1967 من احتلال باقي الأرض الفلسطينية. ويدين المشاركون في المؤتمر السياسات العدوانية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل التي تهدف بشكل خاص إلى:
• تصفية مقاومة الشعب الفلسطيني لاغتصاب أرضه والاحتلال باغتيال الشخصيات والقيادات الوطنية، واغتيال آلاف المناضلين الفلسطينيين، ونسف منازل شهداء المقاومة، واقتحام المناطق السكنية، وإطلاق النار العشوائي لإرهاب المدنيين.
• إجبار الشعب الفلسطيني على الاستسلام وقبول التسوية السياسية التي تفرضها إسرائيل ولا تحقق كامل الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني وفي مقدمتها حق العودة، وذلك من خلال تصفية المقاومة وتخريب البنية التحتية والمرافق العامة وزيادة معاناة الشعب الفلسطيني اليومية وسؤ أحواله المعيشية وتدمير المزروعات وإقامة جدار الفصل العنصري على الأرض المحتلة بعد 1967، والتطهير العرقي باقتلاع الفلسطينيين من أرضهم.
• الاستناد إلى الدعم الأمريكي غير المشروط للاحتلال الإسرائيلي في فرض تغييرات جوهرية تخلق واقعا جديدا في الأرض المحتلة بمواصلة بناء المستعمرات واستيعاب مساحات جديدة من الأراضي المحتلة بعد 1967.
ويؤكد المشاركون مساندتهم الكاملة ودعمهم للانتفاضة الشعبية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال بكل الوسائل بما فيها حقه في الكفاح المسلح لتحرير أرضه.
ثالثا: المقاومة العراقية للاحتلال
يؤكد المشاركون في مؤتمر القاهرة الثاني أن احتلال العراق هو جزء من المخطط الاستراتيجي الأمريكي لإحكام السيطرة على العالم بهدف تحقيق المزيد من النفوذ الأمريكي على العالم، وهو أيضا جزء من المخطط الصهيوني الذي يستهدف قيام دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، ودور إسرائيل المباشر في احتلال العراق واستخدام القوات الأمريكية معدات إسرائيلية في العراق، حيث تستهدف أمريكا من العراق:
• السيطرة على العراق وما يحققه ذلك من تواجد عسكري مباشر في منطقة استراتيجية تؤثر على قلب العالم القديم، والتحكم في إنتاج وتوزيع القسم الأكبر من بترول العالم.
• إعادة ترتيب أوضاع المنطقة بما يخدم المصالح الأمريكية من خلال احتواء إيران، وإخضاع سوريا، وفرض تسوية سياسية للقضية الفلسطينية لا تحقق كامل الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني بما فيها حق العودة.
• إحياء مشروع الشرق أوسطية الذي يعطي إسرائيل الدور القيادي في المنطقة لصالح الاحتكارات الرأسمالية العالمية ونشر أنماط ثقافية تخدم الأهداف الاستراتيجية الأمريكية على حساب الهوية العربية.
رابعا: مواصلة النضال من أجل دعم الجبهة العالمية الموحدة ضد الإمبريالية والعولمة الرأسمالية:
يؤكد المشاركون في مؤتمر القاهرة الثاني أن ما توصلوا إليه من استنتاجات وحقائق في القضايا المطروحة للنقاش قد زاد من عزمهم على مواصلة النضال من أجل بناء جبهة شعبية عالمية موحدة ضد الإمبريالية والعولمة الرأسمالية والهيمنة الأمريكية، والامتداد بنشاط هذه الجبهة إلى كل مكان في العالم وضمان استمرار هذا النشاط على مدار العام من خلال فعاليات متنوعة تستوعب أوسع الدوائر الشعبية، وانطلاقا من وعيها المتزايد بمدى تعارض مصالحها الأساسية مع سياسات العولمة الرأسمالية. ولتحقيق هذا الهدف سوف تتخذ الإجراءات التالية:
1- مواصلة النضال ضد العولمة الرأسمالية وطرح بدائل واقعية لسياسات العولمة الرأسمالية في مجال العلاقات الاقتصادية الدولية تحافظ على مصالح الشعوب وتقوم على أسس أكثر إنسانية واكثر عدالة.
2- المطالبة بنزع أسلحة الدمار الشامل عامة والسلاح النووي خاصة من منطقة الشرق الأوسط وعلى مستوى العالم لما يمثله من مخاطر بالنسبة لمستقبل البشرية.
3- التأكيد على أهمية الديمقراطية لضمان فاعلية النضال الشعبي في مواجهة العولمة والسيطرة الأجنبية، وما يتطلبه ذلك من تمتع الشعوب بحرياتها وحقوقها الأساسية وبناء حركة جماهيرية فعالة تستند إلى مجتمع مدني قوي وإعلام ديمقراطي حر. وأن للديمقراطية مضمونا اجتماعيا يحقق العدالة في توزيع الثروة الوطنية وحماية مصالح الطبقات الكادحة مما يتطلب دورا فعالا للدولة في إطار من السيادة الوطنية.
4- ضرورة التنسيق مع القوى الشعبية على امتداد العالم بما في ذلك المنظمات الأمريكية المناهضة للإمبريالية والصهيونية والعنصرية التي تتصدى للسياسات التي تمارسها الاحتكارات الرأسمالية الأمريكية وحكام أمريكا المحافظين والتي تهدد المصالح الحقيقية للشعب الأمريكي، وأهمية أن يقوم الشعب الأمريكي بدور مماثل لدوره في حرب فيتنام يشل قدرة الدوائر الحاكمة على مواصلة تهديد العالم.
5- التأكيد على مشروعية كافة أشكال المقاومة ومواصلة التضامن مع الشعب العراقي ودعم مقاومته لقوات الاحتلال بكل الطرق المشروعة بما فيها الكفاح المسلح، ومساعدته في إفشال المخطط الأمريكي الذي يستند في الداخل إلى مجلس حكم انتقالي يستمد شرعيته من الاحتلال ولا يستمدها من الشعب العراقي، ويتعين عدم الاعتراف به، والمطالبة بإنهاء الاحتلال الأمريكي البريطاني والعمل على إقامة مؤسسات الدولة الوطنية العراقية على أساس ديمقراطي يصوغه الشعب العراقي وقواه الوطنية.
6- التأكيد على مشروعية كافة أشكال المقاومة ومواصلة التضامن مع شعب فلسطيني من أجل ضمان حقه في إقامة دولته الوطنية المستقلة كاملة السيادة، ومساندة الانتفاضة الفلسطينية وتأكيد حقها في مقاومة الاحتلال بكل الطرق بما فيها الكفاح المسلح.
7- التصدي الشعبي العالمي للأهداف الحقيقية لمشروع الشرق أوسطية، وما يتضمنه من إعادة ترتيب أوضاع المنطقة بما يخدم أهداف وسياسات الولايات المتحدة، وفرض نموذج ديمقراطية زائف يستهدف في الحقيقة طمس الهوية العربية وإشاعة أنماط ثقافية استهلاكية والقبول بدور إسرائيل القيادي في المنطقة والانصياع لأجنده العولمة الرأسمالية.
8- تنظيم حركة المقاومة الشعبية العالمية ضد سياسات العولمة وللتضامن مع فلسطين والعراق بحيث تتضمن فعاليات محددة في توقيتات محددة على مستوى العالم كله تشمل بصفة خاصة:
• التضامن مع سجناء الرأي ومناهضي العولمة الذين يتعرضون لمحاكمات غير قانونية والمطالبة بالإفراج عنهم فورا، وإنهاء كافة الأوضاع غير الديمقراطية وخاصة في الأقطار العربية بإلغاء الأحكام العرفية والمحاكم الاستثنائية والقيود على النشاط السياسي الجماهيري.
• إدانة الأنظمة العربية التي شاركت في العدوان الأمريكي على العراق والتي سهلت له وموقفها السلبي من المقاومة العراقية ضد قوات الاحتلال، والإفراج عن آلاف الأسرى الفلسطينيين في سجون العدو الصهيوني.
• طرح قضايا مواجهة العولمة ونضال الشعبين الفلسطيني والعراقي على الملتقيات الدولية بما فيها لقاء بومباي في الهند في يناير القادم
• تحديد أيام مشتركة للتضامن العالمي مع مقاومة شعبي فلسطين والعراق.
9- تكليف لجنة المتابعة بالتنسيق مع الهيئات والمنظمات الدولية والقطرية للمشاركة في تنفيذ هذه الأنشطة وفي الحملة الشعبية ضد العولمة الرأسمالية والتضامن مع المقاومة العراقية والانتفاضة الشعبية الفلسطينية والانطلاق في ذلك من إعلان القاهرة الثاني
القاهرة، 14 ديسمبر 2003