لحسن ايت الفقيه
(Ait -elfakih Lahcen)
الحوار المتمدن-العدد: 2248 - 2008 / 4 / 11 - 10:52
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
الحديث عن العلاقة بين المغرب والجزائر في أحوال الانفتاح النادرة ,للأسف, يستصحب معه التركيز على النقطة الحدودية الشرقية (جوج بغال ). أما نقط العبور الأخرى النشيطة في عهد الحماية الفرنسية فقد ظلت نسيا منسيا لأسباب يعلم تفسيرها الراسخون في السياسة الدولية, وأهل الرأي في البلدين الشقيقين. وهناك نقط عبور يمكن إحداثها و تنشيطها في المآل في الصحراء الجنوبية المغربية والصحراء الشرقية, نظرا لسهولة الموضع وبساطة الطوبوغرافية والتجانس الاجتماعي والإثنوغرافي.
صحيح أن الشريط الحدودي الجنوبي الشرقي والجنوبي كان يمثل في الخرائط الرسمية والأطالس في نقط متقطعة تفيد أن المشكل قائم.وصحيح أن المنطقة لا تزال تعرف توترا مستمرا, يتمثل أحيانا في مناوشات تقطع رتابة الحياة اليومية في المراكز العمرانية الجنوبية والجنوبية الشرقية, وفي اختفاء قطعان الإبل والغنم,وفي تهريب الماشية وممارسة التسويق الأسود بين رحل البلدين , إلى غير ذلك من الوقائع الصحيحة والأحداث الوهمية المؤسسة على الإشاعات. لكن ذلك لا ينبغي أن يؤثر على التنمية لأنها مطلب شعبي .وتود الإشارة هنا إلى التوظيف المتكرر لعبارة النطاق الجيوسياسي بدل الحدود لأن هذا العرض لا يهدف إلى الوقوف كثيرا عند مشكل الحدود بين البلدين أو العلاقة بينهما . وبعبارة أدق , لا يحق للقلم أن يسبق المفاوضات والقمم. لذا, كل ما يمكن تسطيره في هذا المجال أن الجنوب المغربي يشكو من الخلوة والتوحش في كثير من المواضع, وكأنه حد الدنيا بالتعبير الأمازيغي , أي ذلك الحد الذي يظهر في الحكايات الشعبية أنه موطن العقارب والأفاعي والكواسر والحيوانات المفترسة و ويظهر في الميدان أنه ثلث خال من التنمية والعمران تقصده التائهة من قطعان الإبل والغنم وبعض أفراد الحمير و البغال.
لقد أريد من المنطقة منذ الاحتلال الفرنسي أن تشكل نطاقا جيوسياسيا مغربيا يفرض التعامل معه بحذر شديد, إذ يكلف بلدنا كثيرا في حراسته ومراقبته و نفس الشيء ينطبق على البلد الجار, الذي حشد معظم أفراد جيوشه بمحاذاة النطاق الجيوسياسي المذكور.
لا حاجة إلى التذكير باستعمار الجزائر سنة 1930 الذي جر المغرب ليخوض معارك المقاومة كمعركة إيسلي التي دشنت زواجا من الويلات بين المغرب والجزائر, زواجا لم ينته بالطلاق أو التوافق فيما يخدم مصلحة البلدين.فكلمة إيسلي بالأمازيغية تعني العريس , كانت تطلق على مكان المعركة, وأريد الآن, مستسمحا ,أن أضعها في مكانها اللائق في مجال التطير والرجم بالغيب لأقول إنها عرس من دم, حيث كان المغاربة ينوون إنقاذ البلد الجار الشقيق و إذا بهم في حقل صراع وضعت بذوره فرنسا ورعته الجارة الجزائر. وإنه من المفيد استحضار معاهدة لالة مغنية التي فتحت المجال بشكل ضمني للتوسع الفرنسي في الجنوب الشرقي المغربي قبل منتصف القرن التاسع عشر , ذلك أن المعاهدة المذكورة فضلت عن غفل عدم الإشارة إلى الحدود بين المغرب ومستعمرة الجزائر في المناطق غير المحروثة وسمحت لفرنسا بتتبع المقاومين المغاربة وملاحقتهم في التراب المغربي. وبالفعل منذ التمانينات من ذلك القرن , كانت النقط العمرانية بالصحراء المغربية الشرقية تحت أفواه مدافع جيوش الاحتلال. وفي سنة 1893 تم استعمار التوات أعني فرض السيطرة الفرنسية على منطقة الساورة بكاملها وعلى منطقة الداورة وبداية الزحف نحو الشمال الغربي.وتمثل منطقة الساورة مغربا مصغرا بثقافته وزواياه الذي مكن العقيد هوبير كونسلاف اليوطي الذي عين حاكما على منطقة بشار أن يكسب تجربة فائقة في الشؤون المغربية ويطلع على عادة المغرب ويكتشف طبائع المغاربة بمساعدة ثلة من السوسيولوجيين الذين رافقهم معه العقيد. ولا غرو, فمنذ تعيينه مقيما عاما بالمغرب سنة 1912 بعد توقيع عقد الحماية بفاس , وهو في رتبة جينيرال , اعتمد أسلوب الترغيب والترهيب وتمكن من بسط سيطرته على معظم القبائل التي نخرتها الصراعات الداخلية ولم تتمكن من الصمود بعض الوقت أمام جيوش المحتل.
شكلت منطقة بشار وواحتي الساورة والداورة وتندوف البطن المنتفخ للجارة الجزائر التي شبهها زعيم حزبي مغربي, له كتاب( الزائغ), بالأم الحامل , في حديثه مع قناة الجزيرة الفضائية. وبعيدا عن التشبيهات (الزائغة ) والتي تبدو صحيحة للناظر بتأن في خريطة غرب شمال أفريقيا السياسية, نسجل أن المنطقة شكلت نطاقا جيوسياسيا استراتيجيا لا نبالغ إذا قلنا بأنه لا يفتأ يهدد أمن المغرب. و بعيدا عن النزاع بين البلدين الشقيقين وعن حق هذا البلد وذاك, يظهر أنه من المفيد التعاطي مع شأن المنطقة كوحدة جغرافية متجانسة. وبعبارة أخرى ينبغي تتبع النهج الجزائري في تعاطيه مع النطاق الجيو سياسي المذكور واستخلاص الدروس منه, حفاظا على التجانس التاريخي في الأحواض النهرية زيز وكير أو الساورة والداورة. فإذا كانت الحراسة مشددة بالمنطقة وتعميرها بالمعسكرات في نمو مستمر, للأسف , في كلا النطاقين, فإن هناك لا تكافوء تنمويا بينا, فالتغطية الإداعية تكاد أن تكون جزائرية بكاملها حيث يتعذر التقاط البرامج المغربية قبل وقت مبكر من الليل, فوق أن الجزائر تخصص للمنطقة حيزا كبيرا من برامجها. و لقد سمعنا الكثير عن منطقة بشار والقنادسة ولم نسمع أي شيء في الإذاعة المغربية عن بودنيب . فالمنطقة, باختصار , وحدة جغرافية متجاسة ,لا ننكر أن ساهمت كثيرا في صنع تاريخ المغرب, لذا ينبغي أن لا يتقطع تجانسها وينقطع اتصالها بفعل الموروث الاستعماري الفرنسي الذي خلق نطاقين جيوسياسيين للتوتر بين البلدين. فإذا كانت الجزائر مهتمة بمنطقة بشار وحاضرة هناك وكادت أن تصيرها منطقة مشهورة عالميا بفعل احتضانها للانفصاليين وفتحها أمام البعثات الأجنبية, فإن النطاق الجيو سياسي المغربي يعيش حالة انغلاق , وكان يشكل ميدانا للانتقالات التأديبية ,لا يأتيه من الموظفين إلا ذوي السوابق, فوق أنه أضحى يطرد سكانه بفعل الجفاف والتهميش وهشاشة البنية. .صحيح أن المغرب قطع أشواطا , ابتداء من التسعينات من القرن الماضي, في تعبيد الطرق, وهو الآن بصد بناء الطريق الرابطة بين مركزي بودنيب وكرامة ,نأمل أن تمتد مستقبلا إلى الساورة وتساهم في إعادة التجانس التاريخي في حوض كير,وصحيح أن المنطقة أضحت الآن منفتحة على الطيران الدولي بعد بناء مطار الرشيدية لكن ذلك كله لا تسير بشكل متواز مع النطاق الجيوسياسي الجزائري علما أن لكل نطاق تفوقه وتراجعه.
ويعد حوض كير الحلقة الضعيفة في النطاق الجيوسياسي المغربي, لأن حوض زيز يتوفر على بعض الإمكانيات المجالية والسوسيومجالية بعد نجاة سهل تافيلالت من أي اغتصاب مفترض بفعل التوسيع الفرنسي للمستعمرة الجزائر, وبفعل عصيان القائد عدي وبيهي عامل تافيلالت في بداية استقلال المغربي ,وما قيل عنه من قول فصل وهزل , ولأن القدر شاء أن يتحصن السهل الذي بنيت به حاضرة سجلماسة ويتطوق بفعل مقاومة أهله علما أن حوض زيز صمد أمام الاحتلال إلى حدود سنة 1930. ونضيف أن له نصيبه من البنية التحتية حيث تخترقه الطريق الوطنية رقم 13 ويحتضن مدينة الرشيدية ولا نعتقد أن بالنطاق الجيوسياسي الجزائري ما ينافسها في التوسع والعمران. و صحيح أن إقليم فيجيج ورث بنية تحتية تذكر بالماضي الاستغلالي للمنطقة , سكة حديدية متجهة نحو وجدة وخط آخر, على شكل أثار باقية , كان متجها إلى بشار, ثم مدينة منجمية شمال مركز بوعرفة بنيت لاستغلال منجم المنغنيز. و هناك في الشرق واحة فيجيج التاريخية القادرة على التنافس, مع التذكير دوما بأن تراث المنطقة ثقافيا ودينيا مغربي في كلا النطاقين الجيوسياسيين الموروثين عن الاستعمار الفرنسي.ونعود إلى سهل تافيلالت للتذكير أنه يتوفر على إمكانيات إيكولوجية وسياحية يمكن أن تؤهل النطاق الجيوسياسي المغربي للتفوق على نظيره الجزائري بقليل من التعبئة والعناية.ونفس الشيء ينطبق على واحة فزواطة و كتاوة و كل الشريط العمراني بحوض واد درعة. وللأسف لا وجود بحوض كير الذي يشكل العمود الفقري للنطاقين الجيوسياسيين المذكورين لأية شيء يذكر .
لا ننكر أن السياسي يؤثر على التنموي وأن التوتر المذكور في حدود النطاقين الجيوسياسيين يفرض نوعا من الحذر والتحفظ لكن ذلك لا يصمد أمام المعطيات التالية:
- أن النطاقين الجيوسياسيين من مخلفات الاستعمار الفرنسي وحان الوقت لتجاوز ذلك الإرث.
- أن الجنوب الشرقي المغربي يشكل وحدة جغرافية متجانسة ,فلا يمكن بالمرة الفل بين الساورة وأعالي كير كما لا يمكن فصل التوات عن أعالي زيز.
- - حضور المنطقة في بناء تاريخ المغرب وحظيت بعناية فائقة من لدن كافة الدول المتعاقبة على حكم المغرب.
- -يشكل الجنوب الشرقي المغربي جسرا للتواصل مع شعوب أفريقيا جنوب الصحراء جعل المنطقة جسرا للتواصل والتحاور بين الشعبين الشقيقين.
- تشجيع الدراسات التاريخية حول المنطقة وتأسيس مراكز البحث في شؤونها.
- الاهتمام بتنمية المنطقة والعمل على تسوية مشاكل التوتر بها.
- -التركيز على التمدرس وتنمية البنية الطرقية في أفق تسوية كافة الخلافات مع الجارة الجزائر وضمان حدود آمنة معترف بها دوليا بين البلدين الشقيقين.
#لحسن_ايت_الفقيه (هاشتاغ)
Ait_-elfakih_Lahcen#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟