طلال أحمد سعيد
الحوار المتمدن-العدد: 2244 - 2008 / 4 / 7 - 10:27
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
ماذا بعد خراب البصرة؟!! مثل عراقي قديم متداول , يعني اذا خربت البصرة خرب العراق, البصرة قلب العراق , وهي ثغره الوحيد , وهي عاصمة النفط العراقي , وهي مفتاح المستقبل , وهي قبلة العراقيين وموطن حبهم. فماذا جرى للبصرة ؟ هل ضربها زلزال؟ ام داهمها وباء, ام حلت بها مصيبة.
بعد سقوط النظام السابق لم تكن البصرة بمعزل عما جرى بعموم العراق من حالة من الفوضى والانفلات الامني , وقد اكدت كل التقارير والمؤشرات على ان المدينة اصبحت على فوهة بركان , بعد انتشار الجماعات الدينية والمليشيات بشكل غير مسبوق في كل انحائها , حتى ان سكانها الاصليين اجبروا على الرحيل لتحل محلهم عصابات وافدة من السراق والقتلة , وبذلك جرى تغيير هوية المدينة بشكل كامل , وظهر بوضوح ان اللاعبين الوحيدين في الساحة هم مجموعة الاحزاب الاسلامية التي تملك زمام الامور في بغداد.
البصرة بلا شك مدينة لها خصوصية , فهي محاذية لثلاثة من دول الجوار , وهي بنفس الوقت مصدر ل 90% من نفط العراق الذي يكاد ان يكون المورد الوحيد للدولة , من هنا تاتي اهمية هذه المدينة , وتجتمع عوامل كثيرة تدفع البعض للسيطرة عليها , والصراعات في البصرة ليست وليدة اليوم فانها محتدمة منذ سقوط النظام , وقد خضعت المدينة لظروف واسباب عديدة ادت الى تردي الاوضاع فيها ومن اهمها :-
1. تدخل دول الجوار وعلى راسها ايران اذ اقامت لها مراكز داخل المدينة منذ اليوم الاول , وقد بات معلوما ان ايران افتتحت مكتبا لما يسمى ( اطلاعات) وهي مؤسسة استخباراتية معروفة , فضلا عن وجود قنصلية ايرانية تتدخل علنا في الشان العراقي .
2. فشل القوات البريطانية التي احتلت المدينة منذ خمس سنوات في السيطرة على الامن والقضاء على العصابات المنتشرة فيها , وكان عجز القوات واضحا عندما كانت تتلقى هجمات بالصواريخ والهاونات وتكتفي باصدار بيانات هزيلة تدعو الى الشفقة على هذه الدولة العظمى ؟؟.
3. تراخي الحكومات العراقية المتعاقبة , وعدم جديتها في معالجة مشاكل البلاد ومشكلة البصرة بالذات , بالوقت الذي اكد اكثر من مسؤول في اكثر من مناسبة على خطورة الوضع في المدينة , واشار الكثيرون الى انتشار عصابات التهريب وتجار المخدرات وغيرها , حتى ان مسؤولا كبيرا في الدولة صرح بان البصر ة تسيطر عليها عصابات الاجرام وليس للدولة سلطة عليهم.
4. لعل اخطر ما حصل بعد 9/4/ 2003 هو عملية تسييس الدين ليكون واجهة لكل الاعمال الخارجة على القانون , ولتغطية نشاطات الميليشيات المختلفة , وصار من المالوف ان نشاهد اعمال عنف تمارس من قبل افراد يحملون في ايديهم رموزا دينية كريمة ومقدسة , ثم يعملون من خلالها على نشر الفوضى والدمار والجهل ويمارسون قتل النساء العراقيات علانية تحت شتى المبررات.
لقد اشير اكثر من مرة ان الجماعات الدينية تخوض صراعا في البصرة من اجل السيطرة على ثروات المدينة , وان هذه الجماعات مدعومة من اعضاء في الحكومة او في البرلمان, واصبح الصراع اكثر حدة وضراوة بعد تشريع قانون المحافظات الجديد وتحدد شهر تشرين الاول القادم لاجراء انتخابات مجالس المحافظات .
في اكثر من مناسبة تعالت الصيحات من جهات عدة تطالب بنزع سلاح الميليشيات وحصره بيد القوات المسلحة الحكومية فقط , الا ان تلك الصيحات لم تجد تجاوبا من قبل المسؤولين الى ان وصلت الامور الى الحد الذي لايمكن السكوت عنه حسب ما اعلن السيد رئيس الوزراء اخيرا.
عند استعراض الاحداث الجارية والحالة الراهنة في البلاد , نجدها تجسد الازمة العراقية القائمة منذ خمس سنوات , والتي اتجهت لتاخذ ابعادا جديدة اكثر تعقيدا مما كانت عليه عند نقطة البداية , فالاحداث الاخيرة هي حالة غريبة لقتال جرى بين الحكومة وبين جيش المهدي او التيار الصدري , والتيار الصدري حسب ما هو معروف مساهم في العملية السياسية , وهو ضمن الائتلاف العراقي الموحد الماسك بالسلطة , وكان ضمن التشكيلة الوزارية لوزارة المالكي الاخيرة قبل ان ينسحب منها , ولدى التيار ثلاثون نائبا في البرلمان وهي نسبة عالية بالقياسات المعروفة اذا تمثل اكثر من 10% من اعضاء المجلس , ومن غير المعقول ان يجري قتال في اغلب محافظات الوسط والجنوب وبغداد بين اطراف فاعلة في العملية السياسية وفاعلة داخل السلطة التشريعية , ولا شك ان ما يحدث يعكس صورة للازمة الحقيقية التي يمر بها العراق كما يؤكد على مدى هشاشة الحكم القائم , وافتقاده لاية اسس متينة وصحيحة , فالدولة العراقية الجديدة لم تتحول الى حقيقة متاصلة تحترم وتبسط سيطرتها على البلاد , وتطبق القانون بحق كل من يخرج عليه .
العملية السياسية التي وضعت لها مواعيد متتابعة وعاجلة , خلصت الى وطن محترق , فقد اختزلت القضية الوطنية الى مشروع خاص للسلطة الحاكمة , جرت قسمته على اساس تمثيل غير واقعي للطوائف وبدفع مشبوه من قبل الاميركان المستعجلين لرؤية الديمقراطية وقد تحققت في بلاد مزقتها الحروب والمصائب . يقول بول بريمر الحاكم المدني للعراق في احدث تصريح له , انه نادم لانه سلم الحكم في العراق بيد السياسيين وكان عليه ان يسلم الحكم الى قضاة ومحامين , وهذا التصريح يكشف عن خطا المسيرة بمجملها اعتبارا من مجلس الحكم الذي شكل البداية المرة . ان ملاحظة السيد بريمر تنطبق بشكل اكيد على الدستور وواضعيه , فقد كان الاجدر ان يوضع الدستور من قبل خبراء قانونيين في الفقه الدستوري وليس من قبل ممثلي الاحزاب السياسية . لقد فشل الدستور العراقي بامتياز في تحديد صلاحيات السلطات الحاكمة , وان احداث الوسط والجنوب تعكس هذه الحقيقة . ولعل من المؤلم ان نسمع عن تنظيمات سياسية معروفة لا تزال تعلن باصرار عن اهمية قيام فيدرالية الوسط والجنوب وسط هذه الكومة من احزمة الفقر والخراب والدمار والاقتتال.
بعد خمس سنوات من سقوط النظام , والعراق يمر بامتحان خطير والسؤال الذي يطرح هو متى ستتجاوز البلاد هذا النفق المظلم ؟. ان ثمة اجراءات عاجلة ومهمة ينبغي ان تتخذ على جناح السرعة وبشجاعة وباقدام ودون تردد ومن هذه الاجراءات:-
1. اعلان النزع الفوري للسلاح من قبل كافة الميليشيات والافراد من كل الاتجاهات والاحزاب, ويتم ذلك عبر تشريع يوقع عقوبات صارمة على كل من يحتفظ بالسلاح او يروج له , مع اعلان مبادئ لحل كل الميليشيات والجماعات المسلحة توقعه كافة التنظيمات والاحزاب السياسية المشاركة في الحكم وغير المشاركة فيه , واصدار بيان ملزم من المجلس السياسي العراقي للامن الوطني حول الموضوع .
2. تطبيق احكام القوانين بحق الخارجين عليها بكل شدة وحزم و واعلان الاحكام التي تصدر ضد مرتكبي الاعمال الجرمية , مع نشر قرارات الحكم الصادرة من القضاء وعدم حفظ تلك القرارات في صناديق مغلقة , وذلك كي يتم عن طريقها تعزيز قوة وهيبة الدولة , والاشارة لكل من يريد ان يسلك طريق الاجرام بان القانون والسلطات له بالمرصاد .
3. المبادرة الى عملية اصلاح اقتصادي واسعة وشاملة , تتضمن الاعلان عن برنامج طموح للتنمية مع اصلاح البنية التحتية للبلاد , والعمل على اعادة تشغيل الصناعة المتوقفة وانعاش الزراعة المتعثرة , واستغلال تنامي الايرادات النفطية للقضاء على مظاهر البطالة والفقر والتخلف , بتفعيل كافة مرافق البلاد المعطلة وانعاش الوضع الاقتصادي للحد من التدهور الامني الذي يشكل التردي الاقتصادي احد اسبابه ودوافعه .
4. التخلص من الطائفية والمذهبية ورفض مبدا المحاصصة في الحكم اذا بات ذلك مطلبا اساسيا لابناء هذا الشعب , وهذا المطلب لن يتحقق الا بالاعلان عن ان العراق دولة مدنية علمانية ديمقراطية حرة , تسير وفق منظور تقدمي يتماشى ويتجاوب مع العالم المتحضر , ولا يتقوقع تحت رايات المتخلفين الذين يريدون جر البلاد لثقافة العودة الى الماضي .
الماضي ذهب مع من ذهب وعلينا ان ننظر بثقة الى امام من اجل مستقبل العراق سليل الحضارات والتاريخ العريق.
#طلال_أحمد_سعيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟