|
نقد المثقف الشيوعي.. قيادة (طريق الشعب): فخري كريم نموذجاً.. (الجزء الأول)
سلام عبود
الحوار المتمدن-العدد: 2242 - 2008 / 4 / 5 - 12:23
المحور:
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
" اللصوص، الذين سرقوا أحلامنا البريئة، نعرفهم فرداً فرداً. حين تحين الساعة، سنبطش بهم واحداً واحداً: سنجمعهم كلّهم في قبضاتنا، ونرفع أيادينا عاليا في مهبّ الريح العاتية، ثمّ نفتح أكفّنا."
الجزء الأول 1/5
مهرّج ومهرجان! "أدعو أخوتي من العراقيين ، في المنافي والداخل ، من الذين لهم مواقف خاصة ضد الحزب الشيوعي ، أو ضد بعض أو كل الشخصيات السياسية العراقية الحالية أو من الوضع العراقي برمته ، أن يعبروا عن رأيهم بصراحة وصدق - هذا من حقهم ومن واجبهم الإدلاء به- شرط أن يرتفعوا في جدلهم الى ما هو اهم واجدى لبلادنا المنكوبة ، بلاد السواد والأحزان والحضارات... وأن لايلتفتوا للذين كانوا يلهثون وراء ثريد صدام وفنادقه الفخمة وعطاياه السخية ، فهؤلاء لديهم أسبابهم لّلطم والبكاء ، ونحن لنا ما يشغلنا عن هذه الترهات الحماسية الفارغة . " هذه الدعوة الكريمة للترفع عن الترهات، التي أطلقها الفنان التشكيلي العراقي فيصل لعيبي في صحيفة المدى في مقالته " الوجه الآخر للتكفيريين"، كانت دافعي الأول في كتابة هذا النقد. "ان السيد عبد الحليم خداّم، الذي كان نائبا لرئيس الجمهورية العربية السورية، وعضواً مرموقا في القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم في سوريا، كان ـ أي السيد خدّام ـ قد تساءل في اجتماع للقيادة القطرية، عقد في اعقاب احد المهرجانات الثقافية للمدى التي اقيمت في دمشق، قائلا: نحن دولة، لدينا عشرات السفارات في العالم العربي وفي خارجه، ولدينا عشرات المكتبات الثقافية، لماذا نعجز عن ان نقيم مهرجاناً ثقافياً واحداً يضاهي المهرجان الذي تقيمه مؤسسة المدى ورئيسها فخري كريم؟! "( نقلا عن ملف الدعوى ضد الآداب) هذا النص جزء من دفاع عبد الرزاق الصافي عن رئيس مؤسسة المدى. ولهذا النص دلالات خاصة: شخصية وسياسية ورمزية. دلالته الشخصية تكمن في أنه يصدر من شخص اشترك مع فخري كريم في مهام الإعلام الحزبي وظل بمعيته يصدر علنا صحيفة الحزب المغدور، في مرحلة قمع أعضاء وأنصارالحزب الشيوعي، بعد إقصاء الحزب عن المشاركة في اقتسام السلطة مع البعث. خرج الصافي من قبضة الديكتاتور الحديدية، برفقة فخري كريم، مثل الشعرة من العجين، في الوقت الذي غُيبت الى الأبد أجساد الكوادر العليا التي لم تستسلم لإرادة جهاز القمع. (ما انفكت مراتب دنيا من الحزبيين والمناصرين من كتاب وشعراء وقصاصين تسطر الأناشيد الحزينة عن تلك الأيام، مسجلة وقائع مطاردات وملاحقات الأجهزة القمعية لها!) الدلالة السياسية نجدها في ارتباط اسم الصافي بالبيان التاريخي سيئ الصيت، الذي جاهر بقمع انتفاضة الشيعة في شباط 1977، وطالب السلطة الديكتاتورية بإنزال العقاب الصارم بمن تسول له نفسه المساس بالعملية "الديموقراطية والحكم الوطني التقدمي!". أما الدلالة الرمزية فتكمن في طبيعة النص اللغوية والعقلية، التي تُوجِز بطريقة معبّرة آليّة التفكير الحزبي، وعلاقة الثقافة بالسياسة، وصلة هذه العلاقة بعملية بناء العقل الوطني فرديّا وجماعيّا. والصافي هو التوأم الدعائي المقلوب، والوجه الآخر، المعكوس، لفخري كريم. إنه وجهه الحزبي الخائب والخاسر دائما وأبدا، الذي سيّر ردحا من الزمن الخطاب الإعلامي الشيوعي لمرحلة التحالف مع البعث. لكل هذه الأسباب استند الصافي في شهادته الى مرجع قدير من مراجع الثقافة العالمية: عضو القيادة البعثية السورية عبدالحليم خدام، نقل بواسطته الأسرار الثقافية الثمينة لاجتماع القيادة القطرية، لكي تغدو حججه أكثر عمقا وأصالة، ولكي يمنح قارئه درسا عقليا بليغا في سبل تقويم المشكلات الثقافية. هذا المستوى المتواضع من الوعي الثقافي قاد مركزيا وأشرف على إعلام وثقافة أحد أشهر الأحزاب السياسية العراقية سنينا عديدة، ولم يزل هذا العقل يهمن على الإرادة والتربية الحزبيّة، ويرسم خطوط السياسة الثقافية العامة وتفصيلاتها اليومية. ضخامة مهرجان المدى أبرز مظاهر نجاحه، وأبرز وجوه التفاخر به، سواء اعترف خدّام بذلك أم لم يعترف. والمهرجان الأخير- الذي صُوّّر زورا على أنه سبب خلاف شرائح عديدة من أعضاء وأنصار الحزب ومنتقديه مع رئيس المهرجان- هو الأكبر على الإطلاق، بشهادة وفيق السامرائي، المستشار الأمني للرئيس العراقي! وتلك نقطة تفوّق اعتبرها بعضهم، ومنهم عبد الرزاق الصافي، سببا أساسيّا جلب على رئيس المهرجان حقد القوى "الظالمة" المعادية للـ " العراق الجديد"، أو كما قال الفريد سمعان جعلت البعض "يرتعشون"، وكما قال كريم أحمد وعزيز محمد والصافي دفعت " ايتام النظام الدكتاتوري (لماذا يحق لكبار حلفاء النظام الديكتاتوري اتهام الآخرين بالعمالة وشتمهم ولا يجوز لأحد المساس بعمالتهم؟ من منحهم هذا الامتياز!؟) المنهار والمرتبطين بأجهزة مخابراته والمعادين للحزب الشيوعي العراقي والعملية السياسية الجارية في العراق" الى شن هجوم يائس على منابع الأمل الوطني والقومي النقيّة، أو كما قال بيان المكتب الثقافي الكردستاني : أدى الى قيام "الهجمة المغولية التترية " على المدى، أو كما يقول أحد المدافعين العرب عن رئيس المهرجان جعلت زمر الأعداء "ترتدي ثوبا سياسيا خالصا تشن من بين طياته هجومها على الطالباني والبرازاني والحكومة العراقية ولا توفر السعودية". أسباب الهجوم على المدى ورئيسها، كما قرأنا، عديدة ومتنوعة، يصعب على باحث حصرها: سياسية وحزبية وثقافية وشخصية وقومية وفنية وتاريخية وثأرية وكيدية، وحتى عاطفية ونفسية وطبيعية وجغرافية، ككره الفرح، وكره الحرية، وكره تفتح الورود، وكره العراق، وغيرها. ويدخل فيها أيضا الحسد، والتنافس، والطمع، وضعف الموهبة، وأيتام النظام، والمغول والتتر، والإرهاب العالمي، وأعداء الحزب الشيوعي، وأعداء السعودية وغيرها. الأسباب التي تجعل أعداء المدى يرتعشون كثيرة جدا، لكن أهمها على الإطلاق هو ضخامة المهرجان. كم عدد المشاركين في مهرجان المدى الأخير؟ سؤال مباغت، شكلي وأقل من هامشي، سيجبر كثيرين على الابتسام لسطحيته وتفاهته وفجاءته. لكنه سؤال ذو دلالة حسيّة خاصة، يؤكد أن ما قيل عن ضخامة مهرجان المدى الأخير حقيقة تفقأ عين كل من يحاول النيل أو التقليل من هذه التظاهرة الثقافية الواسعة. نعم، إنه أكبر الملتقيات التي شهدها العراق بعد مرابد السلطة. تلك نقطة تفوّق حقيقيّة تسجل لصالح المهرجان وصاحبه. والتأكيد عليها ليس أمرا عارضا أو هامشيا. ففي هذا الهامش الشكلي، المهمل، تتجسّد وتتبلور هوية المؤيدين والمنتقدين ومحتواهم وأغراضهم على حد سواء. يقول حازم مبيضين، في دفاعه عن ضخامة مهرجان المدى: "شارك فيه أكثر من 600 مثقف عراقي وعربي". أمّا باسم عبد الحميد حمودي، الذي تحمّل أكثر من غيره عبء تسويق وتخليد وتوثيق ثقافة الموت والحروب الصداميّة فيؤكد بثقة: " شارك فيه 700 مثقف وأديب". الفارق بين حسابات مبيضين وحمودي ما يقرب من مئة مثقف وأديب ضاعوا بين الأرجل، في غبار معركة المديح. حينما نصل الى ياسين النصير نراه يجتهد في رفع الرقم مجددا، مضيفا بعض التفصيلات، ليوهمنا، أو يوهم نفسه، بأنه رفيق مؤتمن، قادر على ضبط لعبة الأرقام: " 800 أديب وصحفي بينهم 600 أديب عراقي". بيد أن رئيس المهرجان لا يسمح لأحد أن يشاركه في "ألعابه السحرية" الخاصة. لذلك يعمد في المقابلة التي أجراها معه تركي الدخيل الى جعل مريديه يصابون بالخذلان حينما يعلن أن العدد: " 850 ألف.. عفواً 850 مثقف عراقي وعربي". هنا يضيع بين الأرجل مئتان وخمسون مثقفا لا غير. أي ما يعادل مثقفي شعب كامل. لماذا حدث هذا السهو في الأرقام من قبل مادحين متحمّسين سعوا الى إظهار عظمة المهرجان، لكنهم سلبوا منه، جهلا، بعض أسرار قوته؟ إن السبب في ذلك يعود الى ضخامة العدد. لذلك فإن دقّة الرقم لا تؤثر كثيرا - عند المدّاحين - في الجدل المتعلق بايجابية مهرجان المدى، ولا تُنقص هيبته. مئتان وخمسون، أكثر أو أقل، لا قيمة لهم حسابيا في معادلات العظمة. أهو إحصاء عشوائي لقطيع سائب في البرية؟ سماجة السخرية لا تقلل من ضخامة المهرجان، هكذا تقول كلمات مبيضين التبريرية. هل يمكن قبول هذا التبرير كحجة ثقافية دامغة؟ ربما، لو لم يكن للوثيقة القانونية، التي سميت بالدعوى على مجلة الآداب, رأي مغاير في قضية الأرقام أيضا. كانت الدعوى متفننة الى حد الإعجاز في تجميع الكلمات والعبارات ووضعها في سياق قانوني منظّم، محكم البناء ظاهريا، يقود الى صناعة متهم مدان إدانة مطلقة. لكنّ الدعوى تلعثمت واضطربت وتشتت ملكتها الحسابية حينما وصلت الى الأرقام. ما سر الأرقام؟ تقول الدعوى: " عددهم أكثر من ثمانمائة مثقف على الأقل". أين الدقة؟ هل يجهل محامي المشتكي الرقم الحقيقي؟ أم أن خمسين مثقفا لا قيمة لهم حسابيا وأخلاقيا ودعائيا؟ هل غياب الدقّّة غاية قائمة بذاتها؟ لماذا فقدت الوثيقة القضائية أمانتها الرقابية هنا، في هذا الموضع على وجه التحديد؟ مع كل هذه الحيطة الإحترازية والفوضى التضليلية كيف يستطيع "عدو حاسد" أو "حاقد" أن يثبت، بيسر، مصادر تمويل رئيس مؤسسة المدى، إذا كان محاموه، والمدافعون عنه، يخطئون في تحديد أسهمه البشرية، وحساباته الثقافية العلنية! إن الجواب عن هذا السؤال موجود في سؤال وجهه أحد الطيبين الذين دافعوا عن المشتكي: " ماذا يرجو فخري كريم من القيام بمساعدة عشرات الشبان والشابات على الزواج، وقيامه بالتكاليف المادية والمعنوية، لمهرجان الفرح الكبير هذا؟ " حقا، ماذا يرجو؟ كثيرون يرجون من صاحب التساؤل أن يجيبهم عن غايات هذا الزواج، الذي يسميه عبد الرزاق الصافي " ابداعات" المدى. (نرجو أن لا يقوم فخري بازعاج العرسان ويطالبهم بارسال تواقيعهم للتأكيد على أهمية الزواج في محاربة أعداء العراق الجديد!) ما صلة "ابداعات" الزواج بالثقافة؟ الصلة الوحيدة الممكنة هنا هي تسويق منتَج ما، منتَج أخلاقي مثل الخير، أو عاطفي مثل الحب، أو اجتماعي مثل الكرم، أو تربوي مثل التكافل، أو سياسي مثل بناء العراق الجديد، أو نوعي مثل تقوية وإدامة النسل، أو فني مثل إشهار الجمال، أو ترفيهي مثل إشاعة البهجة والفرح. الأسباب كثيرة, والمنتَج متعدد الأغراض والاستعمالات، لكنه يظل منتَجا، له صانع محدد، ومستهلك محدد، ومقيّم ومثمّن معلوم. ما المنتَج الذي يسوقه فخري؟ هنا يختلف الناس في الجواب. منهم من يقول إنه الكرم في أنقى صوره، ومنهم من يرى أن المنتَج هو بناء العراق الجديد، ومنهم من يراه جنونا تملّك الرجل وجعله يبّذر ثروته التي جمعها بعرق جبينه، ويبددها في سبيل الآخرين، المثقفين على وجه التحديد. وبما أن الجنون فنون، كما يقول المثل الشعبي، فالرجل مصاب بجنون خدمة المثقفين العراقيين. وهو ضرب مبتكر من الجنون، شاعت عوارضه المعدية في غير مكان بعد الاحتلال. عن موضوع الجنون الثقافي تتحدث الشاعرة أمل الجبوري في هجومها على رئيس اتحاد الأدباء في العراق فاضل ثامر، أحد منتقدي تجمعها الثقافي: "إذا كان يستهين بالعدد ال 25 فهذه هي القلة الهائلة (!؟!) على اختلاف مستوياتهم ووجهات نظرهم وابداعاتهم، فنحن اتحاد ليس بمقدورنا أن ندعو 200 أو 400 هذه تبقى اما امكانيات دول أو أصحاب الملايين الذين هم اما مجانين مثلي أو في نفوسهم غرض والأمثلة كثيرة". وعن تمويل مجلس ابراهيم الزبيدي الثقافي يقول أحد المشاركين في جلسات تأسيس المجلس في مقالة نشرها موقع (الحوار المتمدن): إن الزبيدي الذي " أصيب بإحباط، بعد أن عيّن رئيسا للمجلس الأعلى للثقافة عام 2003 وجاء الى بغداد حاملا معه مشاريع كبيرة .. غادرها منكسرا نفسيا"، وقام نكاية في الأميركان بتمويل المجلس الأعلى للثقافة: " إبراهيم الزبيدي دفع المبلغ من جيبه. فإن كان في هذا الفعل " حماقة " وليس " نبلا" في إنقاذ أروع عشيقة عراقية، على ما يرى آخرون .. فأنها تعدّ أجمل " حماقات " إبراهيم الزبيدي في العشق ، و "أنبلها" أيضا!". لكن هذا الجنون الثقافي كله، أو الحمق الثقافي النبيل كله، لم يمنع منتقدي فخري من الإصرار أو الظن أن ما يحدث هو غطاء لعمليات غسيل أموال سياسية وحزبية. ولم يدرأ عنه خطر "التهمة" التي ترى في هذا النشاط ابتزازا نفسيا، واستغلالا سياسيا لحاجة الفرد والمجتمع، هدفه الدعاية الرخيصة. ( هنا لا يعرف المرء من هو المجنون والأحمق: الممول أم المادح أم القارئ؟ فالثقافة لدينا تشبه مشفى كبيرا للأمراض العقلية المستوطنة!). الآراء، كما رأينا، متعددة ومتباينة، ولكل فريق حجته ومنطقه, وهناك من لا يكتفي بالاستنتاج, كفريق غسيل الأموال، بل يصرّ على إيراد وقائع تاريخية محددة تقيم الدليل على حجته، تساندها قوائم باسماء بشر وأمثلة حسية أخرى. ولكن، ما صلة هذا بالأرقام؟ النقد المباح والأرقام السحرية حينما نراجع قوائم الدعوات الى المهرجات كافة نجد أن أسماء المدعوين شأن علني حتى في زمن الطاغية. لدى فخري وحده أضحت الأسماء والأعداد مغلّفة ببعض السرّيّة الرومانسيّة، حتى كادت أن تكون سحرا. لماذا؟ هنا يختلف الجواب أيضا باختلاف موقع المهرجان في نفس المجيب. منهم من يراه جزءا من تقاليد الصيانة. فالعراق منطقة خطيرة، بما في ذلك أربيل، والقائمون على المهرجان يريدون تجنيب "بعض" ضيوفهم لؤم الحسّاد. ومنهم من يرى في الأمر تقليدا خاصا نابعا من خصوصية رئيس المهرجان. وفي التبرير الأخير يشترك مشكّكون من أعداء العراق ومدافعون من محبي العراق. المشكّكون لا يكتفون بالتبرير الفني، بل يذهبون أبعد من هذا، معتقدين أن الأمر جزء من تقاليد المؤسسة الحزبية، التي تربّت على الممارسات السرّية وعدم الشفافية. ولكن هناك من يغالي في التفسير ويرى أن الأمر أبعد من ذلك أيضا، وحجته تقول إن خلف ستارة الأرقام "الإعجازية" الكبيرة تمدّ شياطين الثقافة الحزبية ألسنتها الشريرة. فبين الرقم ستمئة والرقم ثمانمئة وخمسون يمكن إخفاء ما يقرب من مئتين وخمسين اسما، أي بعدد أعضاء البرلمان العراقي، وبعدد أعضاء مجلس إبراهيم الزبيدي الثقافي؛ عدد لا يتمكن من معرفته حتى محامي كبير المستشارين. في هذا الهامش الشكلي يوجد الجواب، وفي ثناياه يوجد الخراب الثقافي الحزبي المتوارث والمزمن. إن هذا الإهمال الحسابي، الذي يتناقض تناقضا صارخا مع رغبات وأهداف الممدوح الدعائية، يرغمنا على أن نختتم تساؤلاتنا حول الأرقام والأسماء بسؤال لا يقل هامشية و شكلية وسذاجة عن سابقاته: ألم يطّلع مبيضين وحمودي على محتوى شكوى فخري كريم - ذات الرقم المختلف عن رقميهما- قبل كتابة تضامنهما معه؟ أم أن تضامنهما كان قائما على النيّات؟ ألا تتضمن هذه القراءة العمياء قدرا من الإهانة للذات وللقارئ وللممدوح والمهرجان؟ الأرقام السحرية وعلاقتها بالعظمة، تناقضات الدوافع، الأغراض العرقيّة : ثلاث قضايا رئيسة في مقالتي هذه، جميعها ليست من "اختراعاتي" الشخصية على الإطلاق. فلقد سبقني اليها، منذ زمن غير قصير، ضيف عربي "لا عراقي"، (تسميةُ العربيّ لدى كتاب العراق الجديد)، وأحد ضيوف مهرجانات المدى المعززين، الشاعر عباس بيضون، الذي أوردها في مقالة له نشرت في (السفير) في 5/5/2006 بعنوان "المشهد الثقافي العراقي من خلال 500 مدعو إلى مؤتمر" واصفا فيها أحد مهرجانات المدى. 1- الأرقام هي فخري، وفخري هو الأرقام. يقول بيضون : " الرقم السحري ليس وحده كذلك بين افعال فخري كريم التي تشبه السحر، اذ ظل الرجل يلعب بأرقام اخرى. بدأ بأن اخذ تعهدا برعاية 200 من الأدباء المحتاجين وظل الرقم يكبر كلما التقى بأحد النافذين حتى وصل ال 500 في اليوم الأخير. بل ان اقتراحاته كانت تدفق وكأنها ايضا العاب سحرية، "مجلس أعلى للثقافة" "صندوق للتنمية الثقافية" "صندوق للمساعدة" ولا أحد يدري نهاية ذلك كله. كانت الارقام الكبيرة والاعجازية هي فخري كريم " 2- تناقضات داخلية: "كل ما يجري هنا هو نوع من الافعال المنفصلة، ليس غريباً ان تتحكم الصدفة وان يكون الارتجال سيداً، ما دام كل فعل تام بنفسه ويصعب اجراؤه في سياق او البناء عليه او الاضطراد به" 3- سهو عرقيّ!: "لم يحضر الأكراد، هل هذا سهو ام ان في الأمر شقاقاً. هذا سؤال آخر!" ألم تلمس سهامُ بيضون الناعمةُ قلبَ أحد من مدعوي مهرجانات المدى السابقة؟ ألم تتوفر لأحد من أهل البيت في مهرجان المدى الخامس عينا بيضون الراصدتان؟ لماذا يرى الآخرون "اللاعراقيون" ما لا نراه؟ إن العراق، قديمه أو جديده، ديكتاتوريّه أو ديموقراطيَّه، حرّه أو مستعبده، لا يستحق هذا القدر المهين من التلوث والعمى الثقافي، الذي أخذ يغزو حياتنا. بسقوط الصنم الأكبر سقطت مركزية الاستبداد، وسقطت معها مركزية مصادرة واستلاب العقل. لكن هذا السقوط قاد الى تشظي الاستبداد، وتشظى معه العقل المُصَادَر والمُستلَب، فصار مزقاً من عقول صغيرة، مصادر، مستلبة، معروضة للبيع على قارعة الطرقات. إن دوافع حفلات الزواج ودوافع اللعب بأعداد المثقفين وأسمائهم وحاجاتهم ونفوسهم واحدة.
#سلام_عبود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نقد المثقف الشيوعي ..مخيلة العنف، من النفسي الى السياسي وبال
...
-
نقد المثقف الشيوعي..فوضى اللغة والبواعث النفسية للعنف الثقاف
...
-
نقد المثقف الشيوعي.. من ديالكتيك ماركس الى جدلية رامسفيلد
-
نقد المثقف الشيوعي
-
محاكمة الأدب الفاشي عالميا
-
إنهم يصرعون الله بالضربة القاضية
-
تحالف الحكّام الشيعة والكرد: شراكة وطنيّة أم زواج متعة؟
-
عراقي في لوس انجلس .. الحلم الأميركي والكابوس العراقي
-
المذبحة الأخيرة على الأبواب: معركة كركوك
-
قميص بغداد!
-
الثقافة بين الإرهاب وديموقراطية الاحتلال
-
زورق الأزل! من أساطير عرب الأهوار في جنوب العراق
-
شهداء للبيع! البحث عن رفات الشهيد كاظم طوفان
-
من أوراق مثقف عراقي من سلالة اليانكي
-
حنين الى زمن أغبر! رد على نقد ثقافة العنف المنشور في صحيفة ا
...
-
مشكلة كركوك أم مشكلة الحرب على العراق؟
-
الجنس بين الرقيب الداخلي والرقيب الرسمي
-
من زعم أن العراقيين لا ينتحرون؟ - دعوة رسمية لحضور حفلة انتح
...
-
اجتثاثا البعث بين الحقيقة والوهم
-
هل التربة العراقية صالحة لإنبات ثقافة مقاومة العنف؟
المزيد.....
-
ماذا قالت أمريكا عن مقتل الجنرال الروسي المسؤول عن-الحماية ا
...
-
أول رد فعل لوزارة الدفاع الروسية على مقتل قائد قوات الحماية
...
-
مصدران يكشفان لـCNN عن زيارة لمدير CIA إلى قطر بشأن المفاوضا
...
-
مباشر: مجلس الأمن يدعو إلى عملية سياسية شاملة في سوريا بعد ف
...
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
المزيد.....
-
عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها
/ عبدالرزاق دحنون
-
إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا )
/ ترجمة سعيد العليمى
-
معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي
/ محمد علي مقلد
-
الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة
...
/ فارس كمال نظمي
-
التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية
/ محمد علي مقلد
-
الطريق الروسى الى الاشتراكية
/ يوجين فارغا
-
الشيوعيون في مصر المعاصرة
/ طارق المهدوي
-
الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في
...
/ مازن كم الماز
-
نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي
/ د.عمار مجيد كاظم
-
في نقد الحاجة الى ماركس
/ دكتور سالم حميش
المزيد.....
|