|
خطورة الفساد تتجاوز إهدار المال العام
سعيد مضيه
الحوار المتمدن-العدد: 2242 - 2008 / 4 / 5 - 12:25
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يجدر التوقف عند شكوى الإعلامية امتياز المغربي(الحوار المتمدن - العدد: 2239 –2/4/2008 ). الشكوى تنطوي على شجاعة وتتجسد فيها المسئولية العالية تجاه نشاط مرفق حيوي من مرافق السلطة الوطنية الفلسطينية. والتهم المتضمنة في الشكوى لا تفاجئ القارئ ؛ فمن المعروف أن السلطة تحتل مرتبة متقدمة جدا من حيث الفساد حسب معطيات اللجان الدولية المختصة. تقول الكاتبة أن موظفين غير مشمولين برضى المتنفذين "تم طردهم من هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطيني او دبرت لهم مقالب مخجله او تم تهديدهم بالفصل من العمل او سرقت منهم منحهم التي كانت تؤخذ غصبا عنهم أمام أعينهم". وهذا مؤشر على خلل إداري خطير يقوض الأداء الفعال لجهاز حساس وحيوي في هذا الظرف العصيب. والاهتمام بعمل هيئة الإذاعة والتلفزيون لا يقتصر على الإعلاميين والمثقفين بل هو مسئولية المجتمع بأسره. تتوجه الكاتبة إلى الرئيس محمود عباس لمعالجة الخلل، ثم تكرر القول إن الرئيس هو "الوحيد القادر على تحسين صورة هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطيني في عيون موظفيها المغلوب على أمرهم من قبل بعض المافيا المتواجدة في التلفزيون والإذاعة". ذلك لأن " مجموعة الفاسدين هم أنفسهم أصحاب القرار"؛ ثم تمضي إلى القول،" ... وقد وافق الرئيس مشكورا على صرف 40 تعيين للموظفين الجدد، مع العلم ان هناك موظفين منذ خمس سنوات يعملون بنظام العقود، ولكن التعيين كان حسب المصالح الشخصية". وتعزو الكاتبة إلى هيئة الرقابة والتفتيش الفلسطينية، تأكيدها "ان هناك مبلغ 8 مليون دولار دخلت الهيئة، ولا احد يعرف كيف خرجت حتى هذه اللحظة.!!". فإذا صحت تهمة هيئة الرقابة والتفتيش فهذا وحده يفسر الأداء السيئ للإعلام الرسمي الفلسطيني. حسب قول الإعلامية فالمتنفذون لا يكتفون بمحاباة الأعوان والتابعين ؛ إنما يجرمون بحق من يستبقون على قدر من الكرامة وعزة النفس والغيرة على رسالة الإعلام. علاوة على الإيقاع بالفتيات. ويقتصر اهتمام المسئولين على هذه الممارسات سيئة السمعة. الإعلام الرسمي الفلسطيني " غايب طوشة"، غير معني بهموم الوطن والمواطن المعرض لحرب نفسية تعمل على مدار الساعة . ولا ينهض الإعلام المحلي برسالة التنوير والتعبئة، وهو مقصر في مجال الشحن المعنوي والتحشيد الجماهيري خلف قضايا التصدي لنهب الأراضي ومجابهة حملات الإحباط والتيئيس في أوساط المواطنين الفلسطينيين. ولا يلجأ إليه المواطنون لفهم إشكالات الوضع السياسي والاجتماعي، او لكشف ممارسات إسرائيل في فلسطين المحتلة. وحسب مضمون الشكوى فالمسئولون عن الهيئة مشغولون"عن القضية أو الانتماء الوطني الذي لا يعرفون منه الا طول قامات النساء، وعدد الدولارات المسروقة، وتصيد الموظفات مثلما يتصيدون الغزلان في البرية". وتهيب الكاتبة بالمقهورين من موظفي الهيئة " جميعا للبوح بما حصل" ، بمن فيهم "..المتدربات اللواتي كن قد تعرضن للتحرش ولنصب الفخاخ من قبل بعض المسئولين في الهيئة". لماذا فقع صيت الفساد الفلسطيني في أنحاء المعمورة؟ لماذا بات الفساد الفلسطيني على لسان الجميع بانقضاء ثلاث سنوات لآ أكثر من عمر السلطة الوطنية؟ إن الجهة الأكثر اهتماما بتفريخ سلبيات العمل الفلسطيني هي إسرائيل وأجهزتها. إسرائيل ، لمن لا يعرف توزع أنشطتها على المجتمعات العربية كافة ، وتقاوم الظواهر الإيجابية وتغذي الظواهر السلبية كي تشهر بها. وقبل ثلاثة عقود، أي بعد أن تسلم ميناحيم بيغن سلطة الحكم في إسرائيل أواخر عقد السبعينات، أشار المعلق العسكري الإسرائيلي غودمان هيرش في ملحق " جيروزاليم بوست" إلى أن المخابرات الإسرائيلية في الأقطار العربية لا تتفوق عليها إلا المخابرات الرسمية المحلية. وذكرت صحيفة معاريف الإسرائيلية يوم الإثنين 25 شباط (فبراير) 2008، ان الجندي الإسرائيلي، حاي بيتون، قتل بانفجار لغم في بغداد خلال الأسبوع السابق. وأشارت الصحيفة أن الجندي قد تطوع للخدمة في صفوف قوات الاحتلال الأمريكي في العراق. ولم تشر الصحيفة إلى أنه المتطوع الوحيد . والدلائل كثيرة على وجود إسرائيليين في بغداد والمدن العراقية منذ الاحتلال. ويعرف أن إسرائيل ومناصريها في الإدارة الأمريكية ضغطوا من أجل تنفيذ غزو العراق. والفكرة راودت الداعين لها منذ نجاح بوش الابن عام الألفين، أي قبل تفجيرات أيلول. ومنذ الأيام الأولى لعمل السلطة الوطنية لم تدخر الهيئات الإسرائيلية المرتبطة بالاحتلال جهدا لعرقلة عمل السلطة وإحباط جهودها، بوسائل مثل التضييق على معيشة الناس ودفع الأمور إلى الأسوأ. بات عهد السلطة في نظر المواطنين مرادفا لتردي المعيشة وتضييق سبل العمل داخل إسرائيل ومحاصرة القدس ونهب الأراضي وبناء المستوطنات وإشاعة فساد الإدارات والأجهزة الفلسطينية وتخبط عملها. أرادت إسرائيل إفهام العالم أن الشعب الفلسطيني لا يستحق دولة، وهو غير مؤهل لذلك، وليس هو الشريك في مفاوضات سلام. وهي لا تتوانى عن توليد الفساد ومختلف الاختلالات في الواقع الفلسطيني ونشر الغسيل الفلسطيني الوسخ على العالم اجمع. وقبل اجتياح مناطق السلطة أفرط شارون والرئيس الأمريكي بوش في الحديث عن فساد السلطة؛ ونشرت مجلة نيوزويك الأمريكية ريبورتاجا مطولا عن "دولة المافيا". ليس مستغربا ولا صدفة أن تتدحرج كتلة لهب الفساد الفلسطيني؛ فهي غير بعيدة عن الأيدي التي تدبر المكائد ضد الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة. وليس إفشاءً لسر القول بأن الاستخبارات الإسرائيلية توقع بالعناصر النشيطة في حبائلها، وتتقن فن نصب العملاء داخل الهيئات والمؤسسات الفلسطينية. وقد كثر الحديث عن جهود " الإسقاط" المبذولة للإيقاع بالفتيات والفتيان، ضعيفي التجربة وغير المتمرسين ، وابتزازهم. وأذكر أن الصديق الأديب الراحل مؤنس الرزاز حدثنا مرارا عن عناصر كانت وظيفتها في لبنان التحريض على التطرف وتوتير الأجواء. فإذا تقرر عقد اجتماع بين جدران ضغطوا كي يعقد في الساحات؛ وإن تقررت الدعوة لحشد جماهيري قالوا لماذا لا يكون مظاهرة؛ وإذا نظمت مظاهرة يضغطون لتحويلها إلى مظاهرة مسلحة. كان دأبهم توتير الأجواء وإفساد علاقة المقاومة الفلسطينية مع الجماهير اللبنانية. أحيت حكاياته في الذاكرة ملابسات إبعادي ضمن وجبة من السجناء والمعتقلين إلى الأردن في تموز1970: نقلت من سجن بيت ليد إلى سجن بئر السبع. أذكر ان الزنزانة المتنقلة عرجت على سجن عسقلان لنقل سجينين، وأحضر إلى سجن بئر السبع آخرون من سجون أخرى. كنت أتمشى مع غروب الشمس مع سجين لم أتعرف عليه من قبل، واختلى بي سجين ثالث من محافظة الخليل أعرفه ويعرفني، وهمس في أذني محذرا من ذلك الذي كنت أتمشى معه. فهو يعرفه تمام المعرفة تعاون مع إدارة السجن. أجبته ما الفائدة من يقظتك الثورية يا فصيح ، وقد تقرر مصيرنا بالإبعاد غدا ؟ في الصباح الباكر لليوم التالي نقلنا في السيارات معصوبي الأعين لمدة ست ساعات عبر وادي عربة؛ وأشار الجنود الإسرائيليون إلى مفرزة عسكرية أردنية في بطن جبل مقابل، ونصحونا بالتوجه إليها. أولم لنا ضابط المفرزة ، ثم أمر بنقلنا إلى مدينة العقبة، ومن هناك حولونا إلى سجن الكرك. مكثنا ستة أيام داخل السجن، وتردد علينا أحد عناصر الجبهة الشعبية يزودنا بالطعام. نفذ الصبر مني في اليوم السادس وألححت على مقابلة مسئول، فنقلت إلى مكتب أحد المحققين الذي انتقل لاحقا للعمل في وزارة السياحة الأردنية ، وذكّرني حينئذ بالواقعة. قال لي المحقق إنني الوحيد الذي لم أنقل لهم شبهات بالآخرين ولم يشكك أحد بي. الكل يتهم الكل؛ وتساءل كأنه يستشيرني: ما العمل ؟ سمح لنا بالانتقال إلى عمان، وأفرج عنا منتصف الليل؛ وجاءت سيارة تابعة لفصيل فلسطيني، صعد إليها " الكل الذي اتهم الكل؛ إذ فضلت السفر مع عنصر الجبهة الشعبية الذي ظل يتردد علينا في السجن طيلة الأيام الستة. وكانت رفقة طريق انتهت في مدينة عمان. وفي عمان صدمني كثرة العناصر الاستفزازية ومدبري الصدامات مع الأردنيين في كل شارع وزاوية، مدنيين وعسكريين. كان ذلك قبيل أيلول 1970؛ وكانوا يستحثون الصدام المسلح. ولم يغب عن بال أحد من العناصر والقيادة ان وصول جثمان جندي إلى قريته من شانه أن يؤلب جميع أبناء القرية على الفلسطينيين، ويحولهم إلى طالبي ثأر من كل فلسطيني مقيم بالأردن أو خارجه. فالحرب الأهلية في ظروف الشتات الفلسطيني وصفة سحرية لعزل النضال الفلسطيني عن الجماهير العربية. نشط التخريب المصدّر والموجه بالريموت كونترول داخل النشاط الوطني الفلسطيني في الأردن ولبنان وتونس وأخيرا في أراضي السلطة. وفساد الأجهزة نموذج للتخريب ، ووسيلة لتشويه النضال الفلسطيني وطمس طابعه الإنساني وقضيته العادلة. سدنة الفساد يتهمون مناهضيه بالتطير والمثالية متسائلين بخبث : في أي بلد لا يكشف عن فساد ؟ في بلدان الآخرين تتفجر فضائح الفساد ولا يكتفى بكشفها. ولا يقبل التحضر موقف التساهل تجاه سرقة المال العام وتحويل المؤسسات إلى إقطاعيات خاصة. الفساد فضيحة وممارستها لا يجوز ان تقابل بالاستخفاف كظاهرة عادية . حقا ان الفساد الاقتصادي وتسخير أجهزة الدولة لمصالح الرأسمال ظاهرة من ابتكار الرأسمال. وجميع الشركات عابرة الجنسية تمارس رشوة المسئولين السياسيين ؛ بل إن أجهزة الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية تعج بعملاء الاحتكارات . اما الصحافة والميديا فهي الموصل والأداة لنقل رأي المؤسسة إلى الجمهور، أداة تشكيل الرأي العام المطواع والمهجن. ومع هذا يفقد الموظف او المسئول أهليته حالما يتكشف سوء استغلال الوظيفة. شكوى الكاتبة امتياز المغربي تستحق العناية، والتضامن معها قضية ملحة لضمان عدم تعرضها للأذى بسبب موقفها الجسور والمسئول. لا يجوز ان يدفع الشرفاء ضريبة مواقفهم؛ ويجب أن تفضي الشكوى عن فتح تحقيق عان وجاد يسفر عن نتيجة رادعة .
#سعيد_مضيه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأرض في المشروع الصهيوني
-
الاحتلال يعزز مواقعه في العراق ... ولو بصعوبة
-
احترام مشاعر الجمهور وعقله
-
أجل، إسرائيل بحاجة إلى مبرر
-
نموذج لعدوانية العولمة وإرهابها
-
الإيديولوجيا كالهواء نتنفسه ولا نشعر به
-
السلطة والفصائل تستنكف عن تحريك المقاومة الجماهيرية
-
أوضاع الفلسطينيين تتدهور للأسوأ
-
التعليم قد يؤدي دور أداة التقدم والديمقراطية 3من 3
-
التعليم قد يؤدي دور أداة التقدم والديمقراطية حلقة2
-
التعليم قد يؤدي دور أداة التقدم والديمقراطية
-
دلالات سياسية لتقرير فينوغراد
-
إسرائيل لا تتازم وخياراتها مفتوحة
-
غطاء لجرائم الحرب بتفويض أمريكي
-
مشاكل التقدم في المجتمعات التابعة
-
حكم الشوكة والأمن القومي
-
صوت التوحش المتقحم من أدغال الليبرالية الجديدة
-
هل تدشن زيارة بوش مرحلة تفكيك المستوطنات؟
-
فهلوة مرتجلة
-
جردة حساب عام ينقضي
المزيد.....
-
المافيا الإيطالية تثير رعبا برسالة رأس حصان مقطوع وبقرة حامل
...
-
مفاوضات -كوب 29- للمناخ في باكو تتواصل وسط احتجاجات لزيادة ت
...
-
إيران ـ -عيادة تجميل اجتماعية- لترهيب الرافضات لقواعد اللباس
...
-
-فص ملح وذاب-.. ازدياد ضحايا الاختفاء المفاجئ في العلاقات
-
موسكو تستنكر تجاهل -اليونيسكو- مقتل الصحفيين الروس والتضييق
...
-
وسائل إعلام أوكرانية: انفجارات في كييف ومقاطعة سومي
-
مباشر: قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في
...
-
كوب 29: اتفاق على تقديم 300 مليار دولار سنويا لتمويل العمل ا
...
-
مئات آلاف الإسرائيليين بالملاجئ والاحتلال ينذر بلدات لبنانية
...
-
انفجارات في كييف وفرنسا تتخذ قرارا يستفز روسيا
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|