بعد رصد وتيرة الخطاب العربي والاسلامي المأزوم والتي تتعالى فيه بوضوح نبرة العنف وعدم القبول بالاخر, وصدقته الاعمال الارهابية والتي اصبحت مستشرية كظاهرة مرضية مستفحلة وفي مراحلها المتأخرة على المستويين العربي والدولي, توصلت الى نتيجة شخصية مفادها, ان الاعلام العربي بانواعه المسموع والمرئي والمقروء يتحمل الجزء الاكبر في استفحال ما نسمع ونشاهد ونلمس ونكتوي بنار هذه الحرب الغير اخلاقية المحمومة على المجتمعات المدنية وهجومها المستميت ضد الحضارة الانسانية العظيمة التي ترقت تاريخيا من السلالة البشرية الاولى الى الانسان والانسان المعاصر. فقد تسبب الاعلام العربي بنشر الفكر الاحادي لقطاع وخط معين من كُتاب ومفكرين ورجال دين, ساهم هذا الفكر في ضيق الافق العام للمجتمعات العربية وحصدت الشعوب مازرعه الاعلام وتحديدا منذ اٍعلام سلطة العسكريتاريا في الخمسينات والستينات والضرب الدائم على وتر القومية العربية والشحن الايديولوجي والتوجية المعنوي للشعوب من حيث المفهوم "الفاشي", وحتى بروز اٍعلام القنوات الفضائية الشبه مستقلة العابرة للحدود والتي انساقت وراء الاثارة الاعلامية وتحريض الشارع العربي "الحماسي" المرتكز على قاعدة عريضة من الامية والفقر والاحباط. والجزء الهام الاخر يتحمله الكُتاب والمفكرون المستنيرون امثال (محمد سعيد العشماوي, محمد شحرور, محمد اركون, نصر حامد ابو زيد.. وغيرهم). اذ كان اٍعتلائهم البروج العاجية والتنظير من علو بديلا عن الاحتكاك والتفاعل المباشر مع المجتمع والتي لم تلامس افكارهم واقع الناس المعاش لترقى الى مستوى التطبيق والتفاعل الدائم المتبادل بين المفكر والناس, مما اتاح للطرف الاخر النقيض لبعض جماعات الضغط السياسي الديني من التغلغل في اوساط الشباب في المساجد والجامعات واروقة المجتمع المدني لنشر فكر "الظلامية" خاصة في اوساط الشباب. فعمل على تفريخ التطرف وبث الكراهية كما شاهدنا ولو جزء بسيط من الحقيقة المعتمة في الفلم الوثائقي /خلايا في اوروبا/ والتي بثته قناة العربية الفضائية (20 ديسمبر2003).
لقد برز تيار بشكل واضح وجلي بين الفكر"الاسلامي المستنير" وبين فكر "الغلو والتطرف الاسلامي" المتمثل في ادبيات (ابوحمزة المصري, ابوقتادة, عمربكري, ايمن الظواهري, اسامة ابن لادن.. وغيرهم). فكر اسميته "الاسلام الغائم" وهو السائد والذي يدعوه انصاره (بالاسلام الوسطي) وتولت القنوات الفضائية نشره ودعمه بأهتمام بالغ /دون دراسة اثاره ونتائجه المستقبلية/ ومن انصاره (يوسف القرضاوي, احمد الكبيسي, على زين العابدين الجفري, محمد عمارة, عمرو خالد, خالد الجندي.. وغيرهم). وقد أطر هذا الفكر وولد بلادة الحس لدى الفرد اوالمتلقى واعتمد هذا النوع من الدعوة على الموروثات والنقل بعد اغلاق باب الاجتهاد الحقيقي, ونتيجة هذا التبلد, افاض شباب ملتحي ومحجبات (ايديولوجياً), شباب بجنسيه الذكوري والانثوي يعيش خارج وعي الواقع, يعاني من الاحباط يرى في القصص والبطولات التاريخية ملاذ ووهم طوباوي عله يتحقق في اشفاء غليل طبيعة التسلط في النفس البشرية وهي جزء من الحالة العربية العامة الراغبة في التسلط على شعوب العالم واخضاعها تحت سلطة "الاسلام السياسي" استنادا الى واقع تاريخي ماضوي(دولة الفتوحات والجزية). لايمكن النكران ان الاسلاميين المستنيرين مستهدفين من قبل دعاة التطرف والارهاب مثل (المستشار محمد سعيد العشماوي) / قال الرئيس شيراك مخاطبا الرئيس مبارك لوكان لدينا كاتبا مثل العشماوي لطبعت كتبه على نفقة الدولة ووزعتها على المواطنين لمحاولة تثقيف المجتمع المصري في انهاء التطرف/ فالمستشار لايسير الابرفقة حرس الحماية الشخصية خشية من اغتياله وتذكرنا هذه الحالة باغتيال المفكر (فرج فودة) والذي نالته يد الغلو والارهاب.
وحقيقة ايضا ان المفكر (نصر حامد ابو زيد) قد تمت محاكمته من قبل /محاكم التفتيش الجديدة/ والتي قررت تطليق زوجته منه بعد اتهامه بالردة. ومثل هذه الافعال بحق المفكرين ساهم الى حد كبير في ارهاب وتحجيم بروز هذا الفكر "الاسلامي التجديدي المستنير" وحصره في عدة كتب غالية الثمن لاتمكن قطاع عريض من الجمهور العربي من شرائها واحيانا يمنع تداولها من قبل السلطة السياسية اوالدينية, الى جانب ارتفاع نسبة الامية في البلدان العربية, فالامية لاتمكن من القراءة وبالتالي تحد من وصول الافكار الحديثة الاجتهادية والتأويلات المعاصرة للموروثات الدينية -التي نكن لها كل الاحترام والتقدير- لجميع طبقات المجتمع باعماره المختلفة بعكس الفضائيات المرئية والشبه غير رسمية والخاصة والتي لاتخضع للرقابة والسلطة, فهي بذلك تصل الى كل منزل وتخاطب كل فرد متجاوزة الحواجز والحدود ومقص الرقيب. كان يفترض بمجموعة المستنيرين المفكرين -المذكورين انفا- ان يحرصوا كل الحرص على التعامل بشكل مباشر مع الفضائيات العربية منذ بدايات انطلاقاتها البثية, وان يخصص لبعض منهم او جلهم برامج اسبوعية متكررة (افتائية) (فكرية) (حوارية) اسوة بمجموعة التيار السائد "الغائم" لتوضيح الرؤية وجلو الغمامة وبزوغ دعوة (التجديد والاجتهاد) المعاصرة والتي تحاكي الواقع والعصر, وان يحظوا بالحضور في الاعلام المشاهد والمسموع والمقروء بنفس الغزارة والحضور التي حظى بها الاخرون, لكانت السيادة والغلبة الجماهيرية اليوم حسمت لصالح عقلية الاعتدال والتفكر والاستنباط على عقلية النقل وتلقين الموروث الذي اعتادت عليه مستقبلات الحواس الخمس في المجتمعات العربية والاسلامية في قوالب ونصوص جاهزة, حينها سيكون هناك مؤشر وتحول صحي يمكن رصده في ارتقاء الفكر العربي والاسلامي صعودا, وهبوط شوكة العنف والتطرف, وجمود التبلد والسطحية السائدة. يبقى هناك موضوع "الاعجاز العلمي في القرأن" وهو موجة الخطاب الديني الذي أدلج العلم وجعل لنظرياته مرجعية دينية حول الشواهد الكونية الفلكية الطبيعية والاحداث العلمية والطبية, يقوم على لوي معاني الايات الى حد ما لتتناسب والنظرية العلمية المكتشفة والتي غالبا يكتشفها (النصراني, اليهودي, اللاديني.. وغيرهم). في حين يقوم بعض الفقهاء /ونعمد على التفريق بين مصطلح فقيه وعالم, كون العالم في الماضي كان يجمع بين علوم الفلك والطبيعة والطب والاصول الدينية ويدعى بذلك عالم لجمعه بين تلك العلوم مجتمعة وهؤلاء هم الراسخون في العلم بعكس فقهائنا اليوم الذين التزموا التخصص الديني فقط وبذلك يدعون فقهاء دين/ الباحثون في الاعجاز العلمي متجمدين في طابور الانتظار لرصد النظريات القادمة على الاغلب من الغرب اومن اي مكان أخر حيث الحرية فيه اساس سلوكي ومنهجي, ليتباهوا في اكتشافها في عملية مبهمة تفتقر الى الطرح والمنهجية الموضوعية العلمية والتي على اساسه قامت النظرية العلمية, وقد اعتمد هذا النهج الداعية (عبد المجيد الزنداني).
فعلى سبيل المثال من انصار هذا الطرح (زغلول النجار) المتخصص في علوم الارض وايضا (مصطفى محمود) المتخصص في مجال الطب, يتحتم عليهما كمهنية اكاديمية الرصد والاستنباط والاكتشاف كل في مجال علمه في حين انهما يسوقان مايكتشفه من غير المسلمين وعلى مبدأ /لوي معنى الايات/ لتتناسب والنظريات العلمية المكتشفة. هذا النوع من الدعوة لم يلقى النجاح الكبير وساهم في تضليل العامة من المجتمع العربي لانه مؤسس على اساس "دعوي موجه" ساهمت في نشره الفضائيات العربية, على الرغم من بروز اصوات اسلامية /ذو ثقل/ افصحت عن عدم رغبتها السير في هذا النوع من الدعوة بحجة ان القرأن الكريم كتاب هداية وايمان وسلوك للناس وليس كتاباً علمياً, لان النظريات العلمية في تغير مستمر وتعتمد اعتماداً كلياً على امكانية الانسان وقاعدته العلمية وامكانية اليات المعرفة القادرة على رصد الظواهر الطبيعية والكونية ومدى دقة اكتشافاتها. فعلى سبيل المثال تلسكوب "هابل" الفضائي له قدرة محددة لرصد الفضاء والكواكب ولكن ان تتطورت القدرة من حيث الدقة والرصد الابعد والاعمق والاوضح لاتضحت ظواهر كانت خفية وعدلت النظريات الحالية وبنيت عليها نظريات مستحدثة جديدة في حين انصار هذا اللون من الكشف العلمي في القرأن قد نشروها بعد لوي معناها كسبق ديني(!؟).
ومادام هذا النوع من الدعاة بهذه النباهة البارعة لماذا لايكتشفوا بمجهوداتهم الذاتية اويشاركوا الاخرين في هذة المسميات العلمية ويؤسسوا علوم النظريات "العلم قرأنية" والعمل على تسخير الدعم المادي والتبرعي ليوجه انفاقه على العلم ومراكزه البحثية بدلا عن الانفاق على صولات الجهاد وسفك الدم. على اعتبار انهم قد امتلكوا سلفا نص النظرية العلمية من الايات القرأنية وشكل لهم انطلاقة قبل الاخرين -الغير مسلمين- الذين كدوا من فراغ واجتهدوا وساهموا في تطوير البشرية.. اليس ذلك افضل كبديل عن فتح "مكاتب" الرصد والتصيد للنظريات العلمية القادمة من الغرب (!؟). وبناء على هذه المفاهيم الشخصية التي توصلت لها وجدت اغلاق باب الاجتهاد, والاحباط العام والخواء الفكري وتصاعد خط الفقر وتفشي البطالة لدى قطاعات عريضة للمجتمعات العربية وخاصة الشباب, عمق الفجوة بين الغرب (المتفوق) والشرق (المتخلف) وثقل من جفوة الخطاب المحكي وصلب المفاهيم السمحة واجج الاعلام المواجهة ونشر حدة الخلاف وانحاز الى احادية الفكر ووجهة النظر السائدة. ان المنطق العربي عقيم في تعامله مع الاحداث, لقد سطح المفاهيم وافرز ظاهرة العنف ورعب الارهاب والجم المعارض والمفكر, واستبعد قيم التسامح والمحبة والدعوة بالتي هي احسن.