أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ميثم الجنابي - مقدمات المعترك السياسي والأيديولوجي للحركة الصدرية(3)















المزيد.....

مقدمات المعترك السياسي والأيديولوجي للحركة الصدرية(3)


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 2241 - 2008 / 4 / 4 - 12:32
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


من بديهيات الأمور القول، بان الحركة الصدرية من حيث مقدماتها هي نتاج الانحطاط الشامل للعراق والتمرد عليه. وهي حركة تتمثل مشاعر الأغلبية المطلقة في العراق دون أن يعني ذلك تمثلها لمنظومة الحلول العقلانية. وهو أمر طبيعي في ظروف العراق الحالية. إن كل ما في العراق مشكلة، وبمجموعها تشكل إحدى أتعس وأرذل الأزمات البنيوية الشاملة للدولة والنظام السياسي والمجتمع والثقافة والروح والقيم. وإذا أخذنا بنظر الاعتبار اختمارها وانفجارها تحت سيطرة الاحتلال الأجنبي، من هنا يمكن توقع طابعها العشوائي، مع ما يترتب عليه من صعود مختلف أشكال اللاعقلانية.
فقد أثار الاحتلال الأجنبي وسقوط بغداد يوم 8 نيسان 2003 كمون الانتقام الداخلي المكبوت ضد السلطة ومؤسساتها وأتباعها ومصادرها. وهو انتقام كان يحمل في أعماقه نفسية وذهنية "عراق الداخل". ومن ثم فان هويته السياسية الوحيدة آنذاك كانت هوية "عراق الداخل"، أي عراق الانحطاط الشامل والوجدان الصادق. وهي المعادلة المتناقضة والواقعية أيضا، التي أنتجت الأبعاد الخاصة بالحركة الصدرية وتحديد معالمها بوصفها تيار الداخل، وتيار المواجهة للمحتل، وتيار التضحية الوجدانية والاجتماعية، وتيار الانتقام التاريخي. وهي تيارات أو عناصر متصارعة في أتون الحركة الصدرية، سوف تحدد الغلبة لأي منها مضمونها الفعلي ومسارها التاريخي وآفاقها المستقبلية. وهنا يكمن دون شك مضمون "اللغز الصدري" ضمن سياق الحركة التاريخية السياسة للعراق المعاصر. وبالتالي، لا يمكن فهم حقيقتها وآفاقها دون تحليل صيرورتها التاريخية والسياسية والإيديولوجية، بوصفها نموذجا للتيار الراديكالي. لكنها راديكالية خالية من إيديولوجية سياسية واضحة المعالم. وهو الأمر الذي جعل منها ميدانا للتجريب، وبالتالي كيانا قابلا للتهذيب والتشذيب أو التخريب والانحلال. ومن ثم، فإنها على خلاف الأحزاب السياسية الشيعية المستتبة، تقف أمام مفترق الإصلاح المنظومي التدريجي والشامل أو الانهيار والتلاشي.
بعبارة أخرى، إن الحركة الصدرية هي نموذج وميدان التجربة التاريخية التلقائية الجديدة للعراق في كيفية مواجهته لإشكالية الصعود الراديكالي. فهي الحركة الوحيدة الكبرى التي تمثلت بعد سقوط التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية مقومات ومكونات وشروط وآفاق التيار الاجتماعي الراديكالي بعد انقطاع أربعة عقود من الزمن (1963-2003). وهنا يكمن سر لغزها الحالي والمستقبلي، بوصفها الخميرة التاريخية الكبرى المتراكمة في زمن التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية. فقد ظهر التيار الصدري بصورة مفاجئة. بمعنى أن ظهوره «الاجتماعي» و«الوطني» و«المعادي للاحتلال» و«المدافع عن المقدسات» وما شابه ذلك، كان الوجه الآخر لتقاليد الماضي في منافستها للقوى الدينية والدنيوية التي جاءت مع قوى الاحتلال وبمؤازرته في تسلم زمام السلطة، والمشاركة الوهمية والواقعية فيها. بمعنى أن الظهور المفاجئ والعنيف للتيار الصدري يحمل في أعماقه بقايا وثقل التوتاليتارية والدكتاتورية.
فقد كان «التيار الصدري» الراديكالي الجديد صنيعة الماضي التوتاليتاري والدكتاتوري، سواء من حيث «تاريخه» السياسي في شخصية الصدر وهيبتها الروحية التي لم تكن معزولة عن محاولات السلطة الصدامية صنع بدائل «عربية» للمرجعية الشيعية التقليدية، أي المجردة عن «القومية». ومن ثم كانت مهمتها السياسية إضعاف المرجعية المذهبية «الخالصة»، أي المناوئة أو التي تحمل في أعمق أعماقها نفسية المعارضة وروح الاغتراب الشامل عن السلطة. وهي خطة عادية بمعايير الدكتاتورية الصدامية لكنها غير عادية بإمكانياتها الداخلية على خلفية التهميش الاجتماعي الهائل الذي تعرض له العراق بشكل عام ومناطق الشيعة بشكل خاص.
فقد كان العراق قبيل وبعد سقوط الصدامية كتلة هائلة مهمشة، أي كيان من الحثالة الاجتماعية الرثة في حياتها ومظهرها ونفسيتها وذهنيتها وعلاقاتها الخاصة والعامة وفكرتها عن الحرية، باختصار في كل شيء! وفي ظل حالة من هذا القبيل كان المزاج الاجتماعي مستعدا لقبول أي شكل جديد للراديكالية المناهضة. لاسيما وان المزاج الاجتماعي كان محكوما بتراث يتلذذ للنزعة التوتاليتارية (الأصولية). لهذا حالما انهارت التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية، فان الرصيد المكبوت للثأر الراديكالي بين هذه الأحزاب والحركات، الذي لم يبدده ارتباطها بقوى الاحتلال، سرعان ما اخذ يتراكم في حركة شعبية عريضة ومباشرة تلقفها واستحوذ عليها «التيار الصدري». وهو استحواذ لم يخطر على قلب عراقي وباله في حال عدم «ارتقاء» الحركات الدينية والدنيوية صوب التعامل المباشر مع «أعداء الأمس» التقليديين.
ذلك يعني أن الظهور المفاجئ للتيار الصدري وقدرته الملفتة للنظر على استقطاب «الشارع العراقي» بعد سقوط الدكتاتورية الصدامية، لم يكن في الواقع سوى الوجه الآخر لتراكم الشحنة الراديكالية المقلوبة في المزاج الاجتماعي. وهي شحنة تراكمت بصورة لا مثيل لها في تاريخ العراق المعاصر، وبالأخص في مجرى الحروب الهمجية التي انتهت صورتها المباشرة بسقوط الدكتاتورية عام 2003.
بعبارة أخرى، لقد كان الصعود المفاجئ والسريع والعنيف للراديكالية الصدرية هو الوجه الآخر للسقوط المفاجئ والسريع والعنيف للدكتاتورية الصدامية، بوصفها الصيغة الكلاسيكية للراديكالية العراقية. وهو أمر يعطي لنا إمكانية القول بأنهما كلاهما ينتميان من حيث المقدمات إلى ظاهرة واحدة. وهي ظاهرة نعثر عليها عند جميع الحركات الراديكالية السياسية في العراق المعاصر. وإذا كان التيار البعثي الصدامي قد جسدها بصورة «نموذجية» على مستوى الدولة في غضون عقود، فإن التيار الصدري قد جسدها في غضون أشهر في المناطق التي استطاع «الاستيلاء» عليها أو مصادرتها. وقد كانت الأساليب والنتائج هي هي ذاتها! إذ نرى نفس العبارة تجاه «العدو الخارجي» و«المحتل»، كما نرى نفس العبارة المتشدقة بكلمات «الوطنية» الممزوجة بالدفاع عن «المقدسات» و«الإسلام». والشيء نفسه يمكن قوله عن السلطة والدولة. إذ لا تعني السلطة سوى سلطة الفرد الجاهل أو نصف المتعلم. أما الدولة فهي «أنا» المتلبسة مرة بصدام وأخرى بالصدر! أما المجتمع فهو كتلة لا تتمتع بغير حق الانصياع وتنفيذ كل ما تريده القيادة والإمامة بأساليب القوة والعنف. إذ لا مجال ولا معنى للثقافة والعقل!
وهي حالة طبيعية بالنسبة للحركة الناشئة من أحشاء الانحطاط الشامل والدكتاتورية الفظيعة. فقد تمثل «التيار الصدري» في ظروف العراق ما يعد الصدامية مضمون الراديكالية بأكثر أشكالها تخريبا وتدميرا. وسبب ذلك يقوم في كونها لم تستفد من تجارب الاضطهاد التاريخي الهائل الذي تعرض له الشيعة، بوصفهم المكون الأساسي والرئيسي والأكبر للعراق. كما أن ممارستها التي ترافقت مع ظهورها السريع على خلفية زوال البعثية الصدامية تشابهت بصورة شبه تامة مع ممارسات التوتاليتارية والدكتاتورية. ومن ثم وضعت نفسها بالضد من المجرى العام للتيار الشيعي والوطني والاجتماعي العراقي. أما الحصيلة فهو الانحدار الدائم صوب الانصهار مع الغلاة الجدد من مختلف التيارات الأصولية. وهي النتيجة التي كانت تسري شأن سريان المياه الآسنة صوب بحر هائج. وهو السبب الذي يفسر سبب نظرتها الضيقة في بادئ الأمر.
فقد كان التيار الصدري في أول أمره مقيدا بنفسية ومزاح وأهواء الحثالة الاجتماعية. مما كان يحد من إمكانية نموه العقلاني، كما يجعله بالضرورة أسير الحدود الضيقة في رؤيته لآفاق تطوير الدولة والنظام السياسي والمجتمع والثقافة. إذ أننا لم نر ولم نسمع ولم نعثر آنذاك على برنامج «صدري» له علاقة بمكونات الدولة المعاصرة والنظام السياسي والمجتمع والثقافة البديلة للتوتاليتارية والدكتاتورية. وهو واقع يشير إلى افتقاد الرؤية السياسية الإستراتيجية وفقدان المشروع السياسي وانعدام الرؤية الواقعية والعقلانية عن طبيعة التغيرات التي جرت في العراق. وليست العبارات العامة عن «الدولة الإسلامية» و«المجتمع المسلم» و«الثقافة الإسلامية» وما شابه ذلك سوى كلمات لا معنى لها في حال انعدام تحديدها الدقيق بمعايير الرؤية السياسية والاجتماعية والثقافية، أي في حال عدم وجود برنامج نظري وعملي يحدد بصورة دقيقة الغايات الكبرى ووسائل تنفيذها. أما العبارات التي نسمعها بين الحين والآخر فهي ليست أكثر من صياغة «إسلامية» لأغلب مضامين التوتاليتارية والدكتاتورية.
ذلك يعني أن إدراك «التيار الصدري» لطبيعة التحولات الجارية في العراق وآفاقها كان يتميز في بادئ الأمر بقدر كبير من الضعف والتشوه. ووجد ذلك انعكاسه المباشر في بادئ الأمر بالتناقض الحاد بين الاشتراك الجماهيري الفعال والعنيف في السياسة، ورفض الاشتراك «الرسمي» فيها. ولم يعن ذلك في الواقع، سوى محاربة الانخراط الفعال في الحياة السياسية الاجتماعية. من هنا بقاءه وبقاء خطابه السياسي ضمن عبارات لا تتعدى في أفضل الأحوال لغة الشعار السياسي المهيج لنفسية الفئات الرثة. وهو توجه كان لابد له من أن يقلص مع مرور الزمن قاعدته الاجتماعية ويجعلها قوة مناهضة لأبسط مفاهيم الحرية والتقدم الاجتماعي. وهي عملية بدأت ملامحها الأولية في ظاهرة تزايد وتوسع وتعمق الشرخ السياسي والفكري والمعنوي بينه وبين المجتمع. فقد كان يمكن ملاحظته في الشرخ الهائل بين المؤيدين والمعارضين له في المدينة والريف، بحيث تحولت الظاهرة الصدرية إلى جزر متناثرة لا يربطها سوى الاستعداد للعنف. وهي عملية مستنفذة بالضرورة لأنها غير قادرة على مواجهة العنف الفعلي القائم في ظاهرة التهميش التي تعرضت لها فئات هائلة من المجتمع العراقي بشكل عام والشيعة بشكل خاص. كما نرى ذلك في الهوة السياسية القائمة بين «التيار الصدري» والحركات السياسية العراقية عموما، بما في ذلك الشيعية. بل أن ما كان يميز «التيار الصدري» قبل تعرضه للضربة القاضية في جولته الأولى ضد القوات الأمريكية والعراقية الرسمية، هو استعداءه للحركات والتيارات والأحزاب الشيعية وخذل زعماؤها التقليديين. وهي ظاهرة تعكس الطابع الراديكالي للتيار الصدري، بغض النظر عن نفسية المؤامرة والمغامرة التي كانت القوى المتزاحمة في «مجلس الحكم» والشيعية منها بالأخص تستدرجه لخوض «معركة الشرف» الخاسرة. وفي هذه العملية كانت تتبين مستوى وحدود وديناميكية الاغتراب السريع بين الظاهرة الصدرية وبين المجتمع.
فقد استطاع «التيار الصدري» أن يستقطب من حيث قواه الاجتماعية كمية الحثالة الاجتماعية الهائلة في العراق المعاصر، مما جعل منه التيار الأكثر نموذجية لتمركز وفعالية القوى الرثة. وهي قوى اجتماعية عراقية معبرة عن حالة عراقية فعلية. أما في وسائله، فقد كان التجسيد الأكثر تخلفا لكيفية إدارة الصراع الاجتماعي والسياسي، وذلك لان «منطقه» الوحيد هو منطق السلاح لا سلاح المنطق. وهي أيضا وسيلة معبرة عن حالة عراقية فعلية. أما في نيته فقد كان يسعى للهيمنة، وهي أيضا نية معبرة عن حالة عراقية فعلية. بينما لم تكن غايته المعلنة عن طرد الاحتلال وغايته الباطنة عن إحلال النظام الإسلامي، سوى وجهان مكملان للرؤية الراديكالية التي لا ترى ولا تسمع ولا تتذوق حقيقة ما يجري في العراق وحوله والعالم.
وفي الإطار العام يمكن القول، بان «التيار الصدري» بوصفه ظاهرة راديكالية يبرهن من جديد على أن الحثالة الاجتماعية ليست مستعدة على بلورة رؤية سياسية أخلاقية قادرة على تجاوز مفاهيم الحثالة وتصوراتها وأحكامها لما جرى ويجري. ومن ثم فان ممارساتها ككل لا تفعل إلا على إعادة إنتاج مختلف مظاهر الإفساد والانحطاط والتخلف والاستبداد. وهو أمر يشير بدوره إلى طبيعة الضعف التاريخي والثقافي للظاهرة الراديكالية في العراق. وهو ضعف يمكن رسم ملامحه العملية وأثره اللاحق على مجرى العملية السياسية في الموقف من قضيتين شكلتا بعد سقوط السلطة الصدامية عام 2003 «مفاصلا» يمكن من خلالها إدراك حدود الظاهرة الصدرية، والمقصود بذلك ما يسمى «بمعركة النجف» و«مفتاح الصحن العلوي»، اللتين لعبتا دورا كبيرا في تاريخ التيار الصدري من حيث كونه ظاهرة راديكالية.
فقد كانت «معركة النجف» الميدان الذي جرى فيه للمرة الأولى اختبار القوى السياسية العراقية بشكل عام والراديكالية منها بشكل خاص. إذ كشفت من حيث مقدماتها ونتائجها عن طبيعة وحجم القوى السياسية المشتركة فيها، وكذلك بنية وغاية كل منها. كما أنها أظهرت حجم ودور الراديكالية السياسية في ظروف العراق الحالية والمستقبلية. وهي معادلة كشف الزمن اللاحق، وخصوصا قبل وبعد الاستفتاء على مشروع الدستور الدائم (نهاية 2005) عن أثرها ومحتواها الفعلي.
فمن المعلوم، أن قيمة الأحداث التاريخية تدرك بمستوى وكيفية حسمها للإشكاليات الكبرى التي تواجهها الدولة والأمة. وبغض النظر عن المجرى السريع لحسم «معركة النجف» التي دارت رحاها في أيام معدودة بين رجال مهلهلي الثياب بأسلحتهم الخفيفة وقوة تكنولوجية عسكرية هائلة مدعومة بقوات حكومية وتأييد سياسي رسمي ومجافاة شعبية لا تخلو من استياء وشماتة من «السوقية»، أي حثالة المدن والأرياف العراقية. لكنه حسم كان يحتوي في أعماقه على أبعاد لا علاقة لها بالصراع الدامي بين قوات «عقلانية» وأخرى محكومة بتقاليد الاستعداد المتحمس «للمهدي». وحالما التقت الجيوش الأمريكية وجيش المهدي في الأزقة الخربة، فان عجاجها وضجيجها أنتج تلك «الصحوة» المفاجئة بالخروج من مدينة لم تحاصر إلا بقوة التوتر وثقل المرجعيات الواقعية والوهمية لرجال الدين والدنيا. وعندما نترك هذه المقارنة للزمن لكي يكشف عن أبعادها التاريخية الفعلية، فان مما لا شك فيه هو أثرها الكبير والمهم بالنسبة لآفاق وإمكانية الراديكالية السياسية العراقية الجديدة كما مثلها التيار الصدري. وذلك لما في مقدماتها ونتائجها التي جرت عام 2004 من أهمية بالنسبة لجميع القوى التي كانت وما تزال تمثل الطيف العام للصراع السياسي في العراق.
فقد كانت «معركة النجف» من حيث مقدماتها مرتبطة ارتباطا وثيقا بصراع القوى الاجتماعية والسياسية العراقية من اجل «حسم» موقعها في السلطة الجديدة. كما أنها كانت المعركة التاريخية الأولية الكبرى للراديكالية العراقية التي نشأت من تراكم الأحداث الداخلية. فهي القوة السياسية العراقية الكبرى، وقد تكون الوحيدة، التي نشأت من تلقائية التراكم الذاتي السياسي والاجتماعي والاقتصادي العراقي. مما أعطى لها زخما راديكاليا كبيرا أيضا من حيث تمثلها وتمثيلها لآمال وأماني وأحاسيس الشرائح الاجتماعية العريضة والمهمشة. أي الأغلبية العراقية التي أخذت تعي نفسها بنفسها بعد سقوط الدكتاتورية الصدامية، وتطالب بحقوقها وشرعية تمثيلها للمصالح الوطنية.
فالوطن العراقي الفعلي كان (وما يزال لحد ما) كمية من الشرائح الاجتماعية المنهكة في حروب الصدامية واضطهادها الرهيب للفرد والجماعة والمجتمع، وانتهاكها المريع لكينونة العراق والعراقيين. ووراء هذا الواقع كانت تختفي مغامرات القوى السياسية العراقية «الخارجية»، التي كان دخولها للعراق اقرب ما يكون إلى هجوم من اجل الاستيلاء عليه. وشأن كل قوى سياسية مغتربة ومتغربة لفترة طويلة لم تكن راغبة تماما به، حالما تبين لها بان الوطن الذي تواجهه ليس الذي تصبو إليه، وان الوطن هو ليس عراق الماضي والأحلام، بل عراق السخام والأسقام، أي كل هذا الكم الهائل من الشرائح الرثة. مما جعلها تتراوح بين الامتعاض والانزواء. وفي كلتا الحالتين كانت السلطة (مجلس الحكم الانتقالي) فقط ميدان سباقها المحموم بما في ذلك في تمرير السياسية المغامرة من اجل حسم المعارك الجديدة. وبهذا المعنى كانت معركة النجف من حيث مقدماتها وغاياتها الفعلية معركة بين القوى السياسية «الخارجية» و«الداخلية»، أكثر مما هي معركة بين القوى الوطنية العراقية والأمريكية الغازية. فقد استدرجت قوات «الخارج» (المعارضة السابقة) قوات الداخل (التيار الصدري) إلى معركة خاسرة. وجرت من جانب «القوى الخارجية» بحكم موقعها المناوئ للسلطة الصدامية وضعف قدرتها الذاتية على إدارة الصراع السياسي والاجتماعي، بينما جرت من جانب «القوى الداخلية» بفعل سكرتها الشديدة من نبيذ الراديكالية الرخيص. أما النتيجة فهي «كسر انف» التيار الصدري. إلا أن مفارقة هذه الظاهرة تقوم في كونها المعركة التي جعلت من التيار الصدري ملاكما جيدا بعد أن فقد شموخ الأنف العظمي ليكسب مرونة المعارك اللاحقة. تماما بالقدر الذي أدت إلى جعله قادرا على تمثل بعض مكونات وعناصر الضمير الوطني العراقي المنافي والمتعالي عن نزوع الطائفية السياسية والعرقية القومية التي أصبحت البضاعة الأكثر رواجا لقوات الخارج «الديمقراطية»!!



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحركة الصدرية-غنيمة الزمن العابر وتضحية الانتقام التاريخي ( ...
- مقتدى الصدر - ميتافيزيقيا الثورة الصدرية( 1)
- المركز السياسي والمركزية الثقافية
- كتاب (العراق والمستقبل – زمن الانحطاط وتاريخ البدائل).
- الدكتور علي ثويني – الفكرة المعمارية وهندسة الروح العراقي
- حدود الصراع الروسي الجورجي وتجارب -الثورات الملونة- (1-2)
- نهاية الزمن العرقي (الكردي) في العراق (2-2)
- نهاية الزمن العرقي (الكردي) في العراق (1-2)
- نهاية الزمن الطائفي في العراق
- تقسيم العراق – يقين الأقلية العرقية وأوهام الطائفية السياسية
- فلسفة الثقافة البديلة في العراق
- العراق ومرجعية الرجوع الى النفس
- (أشجان وأوزان الهوية العراقية) كتاب جديد لميثم الجنابي
- -الروافض- وفلسفة الرفض العراقية
- الحركة الصدرية - الغيب والمستقبل (6)
- الحركة المختارية والحركة الصدرية – الماضي والمستقبل 5
- عقيدة الثأر السياسي في العراق - من الحركة المختارية الى الحر ...
- عقيدة الثأر السياسي في العراق - من الحركة المختارية الى الحر ...
- عقيدة الثأر السياسي في العراق - من الحركة المختارية الى الحر ...
- عقيدة الثأر السياسي في العراقي - من الحركة المختارية الى الح ...


المزيد.....




- القائد العام لحرس الثورة الاسلامية: قطعا سننتقم من -إسرائيل- ...
- مقتل 42 شخصا في أحد أعنف الاعتداءات الطائفية في باكستان
- ماما جابت بيبي..استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي وتابعو ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح ...
- أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202 ...
- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ميثم الجنابي - مقدمات المعترك السياسي والأيديولوجي للحركة الصدرية(3)