|
حديث الروح(28)
فلاح أمين الرهيمي
الحوار المتمدن-العدد: 2242 - 2008 / 4 / 5 - 11:17
المحور:
سيرة ذاتية
انهيار الجبهة مع البعث وكنت أداوم تلك الفترة في المصرف العقاري فجاء احد الأيام الى دارنا هاتف حسن السعدي وطلب مني الحضور في الساعة الرابعة مساء في بيت الحاج عبد العباس مرجان في بداية شارع الري ولم اعرف السبب في ذلك،فذهبت في الموعد المحدد فوجدت ستة أشخاص بينهم الأستاذ هاتف الذي دافع عني كثيرا وآخرين لا اعرفهم فطرقت الباب ودخلت وانأ اجهل سبب استدعائي فطلب مني احدهم الجلوس وجلب لي الشاي وبعد برهة بدء حديثه قائلا:أنك شيوعي وإنسان طيب ومحترم ومثقف ونحن نحتاج الى جهودكم وثقافتكم لذلك ندعوك للانضمام الى الحزب،وكانوا جميعهم مؤدبين ويستمعون الى الرأي الآخر فأخبرتهم بأني لم أكن حزبيا وقد تركت الحزب منذ سنة 1962 وإنا الآن مريض ومصاب بالصمم ومتزوج ولدي عائلة لذلك لا استطيع الالتزام لأن واجباتي في الدائرة تأخذ جل وقتي،وكما قلت كان لدور الأستاذ هاتف أثره في إعفائي وعدم الضغط علي،فأجابوني باحترام إنها رغبتك وطلبوا مني الابتعاد عن الحزب الشيوعي وعدم الاتصال بالشيوعيين او مساعدتهم وإيوائهم،وبعد ثلاثة أيام بينما كنت في المصرف العقاري أرسل المدير بطلبي للحضور الى غرفته وعندما دخلت عليه وجدت الأستاذ جاسم هجول الذي هو صديقي واحد معارفي منذ سنة 1956 حينما كنا متعاونين معا ونشارك في النضال ضد الحكم الملكي العميل والعدوان الثلاثي على مصر،وكان معه شخصين ،ودعوني للانتماء لحزب البعث فاعتذرت أيضا وكان لموقف الأخ جاسم هجول المساند لي وموقف الأستاذ وليد احمد عطا مدير المصرف اثر في عدم الضغط والإلحاح ،واخذ الأخ هجول يداعبني بكلمات اظهر من خلالها احترامه لي وتعاطفه معي،وتركوني وذهبوا ،وبعد فترة جاء الى المصرف ثلاثة أشخاص عرفت واحدا منهم هو الأستاذ أبو يعرب مدير تجهيز الاسمنت في الحلة وكانوا أكثر إصرارا من الآخرين في طلب انتمائي للحزب بالرغم من موقف المدير المساند لي وتحججه بإصابتي بالصمم وكان بينهم احد ضباط الأمن على ما يظهر فطلب مني الحضور غدا الى مديرية امن الحلة،وفي صباح اليوم التالي جئت الى دائرتي وطلبت إذنا من المدير بالذهاب الى مديرية الأمن حسب طلبهم وقد بادر المدير بالاتصال بأحد معارفه من ضباط الأمن وتكلم معه كثيرا حول الموضوع،ثم ذهبت الى المديرية ودخلت غرفة الاستعلامات وأخبرت الموظف باني مطلوب في المديرية وأعطيته اسمي فاتصل بالضابط فطلب منه البقاء في الانتظار وبينما كنت جالسا في قاعة الاستعلامات شاهدت احد شرطة الأمن يقود الشهيد المناضل قاسم محمد حمزة وهو مقيد اليدين الى الخلف وقد عصبت عينيه بقطعة قماش وادخل الى المديرية،وبقيت جالسا من الساعة الثامنة والنصف حتى الثانية بعد الظهر فتم استدعائي في الطابق الثاني وذهبت مع شرطي امن طرق الباب وأدخلني على ضابط الأمن وخرج الشرطي وبقيت واقفا أمام الضابط فاخذ يكلمني فلم اسمع كلامه واقتربت منه منحيا على المنضدة لسماعه جيدا وكانت أمامه اضبارة فعرفت أنها اضبارتي من خلال مشاهدة اسمي المكتوب عليها فقال لي بصوت عال ومنفعل(تتصنع الطرش)فقلت له صدقني إن سمعي ثقيل فقال سوف أرسلك الآن الى المستشفى وإذا كنت كاذبا وتتصنع الطرش فسوف اعتقلك، وبعد لحظات دخل احد الأشخاص علمت انه صديق مدير المصرف الذي اتصل به فقال انك ترفض الذهاب الى الجيش الشعبي ويجب عليك المشاركة في الدفاع عن الوطن فكيف تدعي الوطنية ولا تدافع عن الوطن،وإذا كنت مريضا فعلا ولا تصلح للخدمة في الجيش الشعبي فعليك جلب تقرير مرضي بذلك،بعد ذلك سمحا لي بالخروج وذهبت الى المصرف العقاري لجلب سيارتي التي تركتها هناك،فوجدت مدير المصرف مع بعض الموظفين بانتظاري لقلقهم عن تأخري فجلسنا قليلا وحدثتهم بما جرى فقال لي المدير اخبرهم بأنه سيشارك معي في الجيش الشعبي القاطع التالي،وفي الشهر الثالث 1987 شاركت مع المدير في القاطع في منطقة (طاس لوجه) قرب معمل سمنت السليمانية ولا زلت اذكر بالعرفان والتقدير الموقف الشريف الأستاذ عامر الساعاتي الذي بذل المستحيل من اجل إعفائي من قواطع الجيش الشعبي وبذل جهود مضنية بالوقوف الى جانبي في هذا الصراع المرير وفي هذه المرة حينما حضر الى مركز تدريب القاطع عندما كلمه مدير المصرف بما جرى معي في مديرية الأمن وقد شكرته على موقفه وقلت له سأحيل نفسي على التقاعد للتخلص منهم وفعلا بعد انتهاء التدريب ذهبنا الى القاطع الخاص بنا وفي احد الأيام وكان القاطع في أيامه الأخيرة جاء سائق القائد واسمه نمر للتفتيش في الربايا وكانت خفارتي تلك الليلة فاخذ يكلمني وقد اقتربت منه لأسمع كلامه ومن خلال حديثي معه عرف بما أعاني من صعوبة السمع فسألني هل لدي تقارير طبية فأخبرته بوجودها وكنت احملها معي في جيبي فأخذها مني وفي اليوم التالي جاءني بسيارة أمر اللواء وأخذني معه الى آمر اللواء العقيد عبد الله من أهالي الموصل الحدباء، وارى لزاما أن اذكر موقفه الشريف فما أن رآني داخلا عليه بشعري الأشيب حتى وقف مرحبا رافضا أن أؤدي التحية العسكرية إليه،وقال لي تفضل أستاذ وأجلسني على كرسي قبالته،ورفع سماعة التلفون واتصل بآمر القاطع وكان حاتم كريم شهاب وكلمه بكلام صادق ينبع عن إنسان شريف قائلا:كيف تأتون برجل كبير السن لا يسمع وتكلفونه بواجبات عسكرية،وهو لا يصلح لمثل هذه الواجبات،وكيف يستطيع مواجهة العدو أو أداء الواجب العسكري وهو بهذا العمر،وكلمه بكلام بكثير ثم أغلق سماعة الهاتف وقال لي سأعفيك من القاطع فشكرته ودعوت له بالصحة والسلامة والتوفيق وقلت له :لقد جئتهم بالعديد من التقارير التي تثبت عجزي وعدم صلاحيتي ولكنهم في كل مرة يعاودون مطالبتي بالمشاركة ولم يبق سوى أيام قليلة وتنتهي مدة القاطع،ثم شكرته مرة ثانية فطلب من سائقه إيصالي إلى مقر الجيش الشعبي،ولم اكلم احد بما جرى،وبعد أيام انتهت مدة القاطع وعدنا الى وظائفنا الاعتيادية فقدمت طلبا لإحالتي على التقاعد لأسباب صحية أرفقت معه تقاريري وبفضل المرحوم الدكتور نبيل عباس عبد علي الذي كان يرأس اللجنة الطبية تم إحالتي على التقاعد عن خدمة اقل من العشرين سنة. عندما كنت في المصرف العقاري ،كنت خبيرا في لجان الكشف على البيوت المشيدة حديثا والتي يستلف أصحابها من المصرف العقاري ،وفي احد الأيام كنت في مهمة كشف في احد الإحياء الكائنة على طريق حله-نجف بالقرب من جامعة بابل وقد ترجلت أنا والمساح الذي هو الدليل في معرفة القطعة والدار المشيدة عليها،فوجدت شخصا يرتدي الكوفية والعقال والعباءة السوداء فاخذ ينظر نحوي فتقدمت منه وصافحته وعانقته لأني عرفته وكان الشهيد البطل أبو عبيس الذي اعرفه قديما وكنت معه في تنظيم واحد قبل أن يصبح مسئول محلية بابل،فسحبني من يدي وأدخلني احد البيوت التي لا تزال هيكلا غير كاملة البناء ولا يسكنها احد،فاخبرني عن اختبائه وانه مطلوب من قبل الأمن فأعطيته عنوان سكني وسلمته مبلغا من المال فرفض أخذه فقلت له هذا اشتراكي عن الفترة الماضية،وتوادعت معه على أمل اللقاء عند مجيئه،ثم غادر البيت وعندما عدت سألني المساح عنه وكان وحده معي لأن الطرقات محفورة ولا يمكن للسيارة اجتيازها فنتركها مع سائقها،فأخبرت المساح بأنه يمتلك تلك الدار الذي دخلت معه فيها وأراد مني كشفها فاعتذرت له لأنني لم اجلب اضبارتها فسكت ولم يتكلم لأننا في مثل هذه الأمور نكشف البيوت على ورقة خارجية والمرحلة التي وصل أليها في البناء حتى يستلم القرض،وبعد مرور أكثر من شهر سمعنا طرقا على الباب في مساء احد الأيام فخرج احد أطفالي لرؤية الطارق وجاء راكضا واخبرني إن احدهم يريد رؤيتي فخرجت له فوجدت الشهيد الراحل أبو رهيب وهو يرتدي الكوفية ويربط الحزام على بطنه ويحمل سكينا خاصة بتكريب النخيل وفعلا كانت لدينا نخلة من نوع البرحي فأجلسته في غرفة الضيوف وجلبت له الفاكهة وتكلمنا حوالي الساعة وأعطيته مبلغا من المال عن اشتراكي لتلك الفترة وكان ذلك في الثمانينيات من القرن الماضي وكان يتردد علينا بين فترة وأخرى وأعطيه ما أستطيعه من المال كاشتراك لتمشية أموره وانقطع عنا وبعد إحالتي على التقاعد وفي سنة 2001 عملت محاسبا في معمل طحين الأخوة العائد الى مالك عبد الإخوة وكان الفورمن الذي يدير العمل أبو سوزان من آل تاج الدين واعرف انه شيوعي حيث كان معتقلا معي في سجن الحلة بعد انقلاب شباط الأسود عام 1963 وجرى حديث عابر صدفة ومن بين الأشخاص الذين ذكرتهم الشهيد كاظم عبيد أبو رهيب فاخبرني انه قد القي القبض عليه وحكم عليه بالإعدام شنقا حتى الموت،وبعد ذلك لم اتصل بأحد او يتصل بي احد حتى سقوط النظام البائد وكنت أتابع الأخبار عن طريق إذاعة الحزب الشيوعي العراقي التي كانت تبث الإخبار من كردستان او إذاعة صوت العراق الحر من براغ،وفي احد الليالي توجهت نحو الباب الخارجي لوضع القفل بها وإغلاقها فرأيت شخصا ينظر الى داخل الدار من فتحة الباب فتوجهت نحوه مسرعا وقلت له ماذا تريد وقد عرفت فيما بعد انه بعثيا وليس من أبناء المنطقة فأجابني بعصبية (كلشي ماكو) وكان يرتدي اللباس البعثي الزيتوني،وفي اليوم التالي كنت في زيارة الى احد أقاربي عامر محمد علي باش في عمارة عبد الرزاق شريف مقابل بلدية الحلة فوجدت هناك الأستاذ سليم عباس عبد علي والمرحوم الأستاذ فؤاد ناجي عبد النبي وكان يجلس معنا أحيانا المهندس جواد محمد حسن وكان يجلس بجانبي المرحوم فؤاد وهو بعثي وبيته قريب من بيتنا في حي القاضية فأخبرته عن تلصص ذلك الشخص واستراقه النظر من فتحة الباب فقال لي إن بيتكم مراقب وقد علمت انه يراقب الداخلين والخارجين ومتى ننام او نستيقظ ومتى نخرج او نعود،وكنت ألاحظ عند مغادرتي البيت وجود شخص ليس من أهالي المنطقة يتكئ على عمود الكهرباء لمراقبة دارنا ودار الحاج عبد السادة القويزي والد الشهيد عادل.
#فلاح_أمين_الرهيمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حديث الروح(27)
-
حديث الروح(26)
-
لمن تنادي . . . و بمن تستغيث !! ؟
-
ما هي الحقيقة (1-2)
-
ما هي الحقيقة(2-2)
-
العلاقة الجدلية بين المجتمع و الانسان
-
ذكرى العيد الميمون الرابع و السبعين للحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع و حاجاته الضرورية
-
حديث الروح(24)
-
حديث الروح(25
-
حديث الروح(23)
-
حديث الروح(22)
-
حديث الروح(21)
-
حديث الروح(20)
-
وحدة القوى الوطنية والمرحلة الراهنة
-
حديث الروح(19)
-
حديث الروح(7)
-
حديث الروح(8)
-
حديث الروح(9)
-
حديث الروح(10)
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|