ـ مرت أربع سنوات على إبعاد السيد إدريس البصري عن وزارة الداخلية، بصفتكم أحد متتبعي شؤون هذه الوزارة، وباعتبار أنكم دخلتم خلال بعض المحطات التاريخية في صراع مع الوزير المذكور، نود منكم أن توضحوا لنا طبيعة التغيير الذي طالها خلال هذه الأربع سنوات التي أعقبت حدث الإبعاد؟
بداية يجب التأكيد على أننا عندما نقول وزارة الداخلية فنحن نعني بذلك وزارة المخزن، لأنها ببساطة لا تلعب دورها بنفس الطريقة التي تلعبه بها نظيراتها في جميع البلدان الديمقراطية، فهذه وزارة خاصة تمثل النواة الصلبة للنظام المخزني، إذ هي التي تجسد تمثلاث هذا النظام، ولهذا بقيت ذات صبغة سيادية منذ الاستقلال. ولم يحصل تاريخيا أن تم إسناد هذه الوزارة إلى رجل سياسي، ذلك أن مسؤوليها عرفوا دوما بانتمائهم إلى دار المخزن.
لكن ما نعلمه هو أنه في بداية الاستقلال، أسندت مسؤولية وزارة الداخلية إلى السيد إدريس المحمدي الذي ينحدر من حزب الاستقلال؟
صحيح، لكن السيد إدريس المحمدي تولى مسؤولية وزارة الداخلية على أساس قربه من الملك الراحل الحسن الثاني، فقد كان كما هو معلوم مديرا لديوانه، وهذا المعطى يجعلنا نقول إنه لم يكن يمثل حينها حزب الاستقلال، بل المخزن.
وما الذي تغير في نظركم ، إذن، في وزارة الداخلية خلال هذه المدة؟
إن الصدر الأعظم في هذا البلد ليس الوزير الأول، بل وزير الداخلية، فالملاحظ أنه منذ مجيئ الملك محمد السادس إلى الآن تعاقب أربعة وزراء جدد على رأس الداخلية، بدءا من إدريس البصري وانتهاء بمصطفى الساهل الوزير الحالي مرورا بأحمد الميداوي وإدريس جطو وفؤاد عالي الهمة الذي تحول من كاتب للدولة إلى وزير منتدب في نفس الوزارة، بمعنى أنه خلال أربع سنوات فقط تقلد المهام بالداخلية تباعا خمسة وزراء بمن فيهم إدريس البصري أي بمعدل وزير في كل سنة على رأس أهم وزارة سيادية داخل النظام المخزني يدخل في دائرتها الأمن، المخابرات، الجماعات المحلية... فهذا التغيير يدل على عدم وضوح الرؤية وعدم كفاءة وأهلية الرجال.. وكأن النظام يبحث عن شخص من طينة إدريس البصري لتولي مقاليد وزارة الداخلية دون أن يتوفق في العثور عليه إلى حدود الساعة.
هل أنتم واثقون بأن النظام لم يجد بعد من يملأ الفراغ الذي تركه البصري
( الرجل القوي زمن الملك الحسن الثاني) ؟
أعتقد بأن النظام لازال يبحث عن الرجل المناسب للتربع على كرسي وزارة الداخلية، لأنه لا يعرف بعد ماذا يريد من هذه الوزارة، فالتغيير الذي عرفته الداخلية كان يأتي في كل مرة متوازيا مع التغيير في الرؤية، فمرة كان هاجس الانفتاح هو السائد، ومرة أخرى الهاجس الاقتصادي ومرة ثالثة عاد الهاجس الأمني إلى الواجهة..
مع مجيئ ادريس جطو إلى الداخلية قيل عمليا بأن هذه الوزارة هي التي ستقوم بدور المحرك الاقتصادي، وتم في هذا الباب تعيين ولاة للجهات ذوي مواصفات وتكوين اقتصادي وأسندت إليهم صلاحيات اقتصادية واسعة، واليوم بعد فشل هذا الخيار تم تعيين ولاة وعمال ذوي مواصفات أمنية كما هو الحال بالنسبة لمحمد اظريف والي الدار البيضاء الكبرى.. فهذه التغييرات إنما تدل على عدم وجود رؤية قارة بخصوص الأهداف التي نرى أن مصلحة بلادنا تحقق ببلوغها والتي تجعلنا نوجه كل وكد وعناية هذه الوزارة لخدمتها، ولعل غياب الرؤية ـ والذي تضيع معه بوصلة أم الوزارات ـ هذا نابع من وجود ضبابية تلف المستقبل الذي نريده للمغرب، بمعنى هل نريد له الانخراط الفعلي في الديمقراطية، وسيكون عليه ساعتها الانفتاح أكثر على الديمقراطية والتشبع بالفكر والثقافة الديمقراطيين وترسيخ المبادئ الديمقراطية في تربة الواقع السياسي، أم نريد له النكوص إلى الخلف والعودة إلى الماضي بكل صوره المظلمة وجراحه التي لم تندمل بعد؟
ـ كيف تفسرون وجود وزيرين على رأس الداخلية، السيد مصطفى الساهل بصفته وزيرا للداخلية والسيد فؤاد عالي الهمة (رفيق الملك في الدراسة) بصفته وزيرا منتدبا في نفس الوزارة؟
صحيح، الأمور التي تحدثتم عنها لا يقبلها العقل ولا المنطق معا، قد نستسيغ وجود كاتب للدولة في الداخلية، ونحن نتذكر جميعا أن البصري اشتغل ـ قبل أن يمسك بزمام وزارة الداخلية ـ في مثل هذا المنصب إلى جانب وزير الداخلية بنهيمة وكانت كتابة الدولة بالنسبة له بمثابة ورش للتكوين والتأهيل، بحيث هيأته كما ينبغي لخلافة هذا الأخير، أما وجود وزيرين، الأول وزير والثاني منتدب، فهو أمر عصي على الفهم، إذ لا شيء يجلو المغزى من هذه الازدواجية، وحتى قانونيا لا أفهم صلاحيات الساهل وزميله عالي الهمة، وبمعنى أكثر وضوحا أين تبدأ صلاحيات الساهل وأين تنتهي صلاحيات الوزير المنتدب، ومن يحكم الآخر...؟! فعندما تكون الأمور غير مقننة، لا نعرف حينها من هو تابع للوزير ومن هو محسوب على الوزير المنتدب، فنحن لا نعرف على سبيل المثال من يتحكم في أمور مديرية الشؤون العامة هل الساهل أم الهمة؟ فهذا الوضع يدل إما على أن القرار غير موحد وإما على أن هناك وزيرا صوريا وآخرا حقيقيا.
ـ الظاهر أن الداخلية تشتغل وفق تقسيم معين، بحيث يتكلف السيد الساهل بالتدبير اليومي لهذه الوزارة فيما يتكلف زميله فؤاد عالي الهمة بالتدبير الاستراتيجي لها، وذلك كما أشرتم ـ في انتظار العثور على شخصية من طينة السيد إدريس البصري لتولي شؤون الداخلية، ما تعليقكم على هذا الرأي؟
لا أعتقد أنه يمكن العمل في وزارة ذات حساسية كوزارة الداخلية وفق التقسيم الذي تحدثتم عنه، لأن الوزارة تنفذ أوامر إدارية تحمل في كنهها ما هو سياسي، فالاثنان (أي الإداري والسياسي) لا يمكن فصلهما عن بعضهما وإلا لتم العمل على خلق وزارة مكلفة بالأمن تجمع بين مديرية مراقبة التراب الوطني (الديستي أي المخابرات المدنية) ومديرية الشؤون العامة (الدياجي).. فأنا كمواطن لا أعرف هذا التقسيم الذي أشرتم إليه، ما أعرفه هو وجود وزيرين على رأس وزارة واحدة. فالقرار يبقى موحدا عندما تتعدد الرؤوس أو مراكز القرار.. وفي الداخلية ينحصر هذا الوضع في وجود من هو تابع لهذا الوزير ومن هو محسوب على الوزير الآخر.
ومن هذا المنطلق فالمغرب يتوفر على ثلاثة وزراء للداخلية، حيث إلى جانب الساهل والهمة نجد الملك بوصفه وزيرا للداخلية لأن الولاة المعينين على رأس الجهات والأقاليم خاضعون لسلطته.
ـ لكن ألا يمكن القول بأن النظام ينهج استراتيجية في تقسيم العمل داخل وزارة الداخلية يستفاد منها وجود ثلاثة رؤوس: الساهل، الهمة وياسين المنصوري، وذلك تفاديا لإعادة إنتاج تجربة البصري؟
أعتقد أن النظام لا يعرف بعد ماذا يريد، لذا نجده يعمد إلى أسلوب التجريب في أفق أن تتضح له الرؤية.
تناولت بعض المنابر الإعلامية في الشهور الأخيرة خبر تهييئ السيد حفيظ بنهاشم المدير السابق للإدارة العامة للأمن الوطني لخلافة الساهل، صديق جطو، على اعتبار أن هذا الأخير، لم يجسد وزير الداخلية بالصورة المطلوبة، لكن الأحداث التي عرفتها بلادنا، ونعني تلك المرتبطة بمنير الرماش وهشام المنظري، حالت دون تحقق ذلك.. (مقاطعا)
أنا أتحدث عما هو استراتيجي وليس عما آني، فأهمية الداخلية تكمن في أنه إذا تم الحسم فإنه سيتم الحسم بالتالي في باقي القطاعات الأساسية، فهي تعكس بوضوح ما يشهده هرم السلطة. ذلك أن هناك ترددا قويا لدى الدوائر الحاكمة ـ كما أسلفت ـ بين سلك طريق الديمقراطية والعودة إلى الوراء، وهو الأمر الذي لم يكن مطروحا زمن البصري، حيث كان الهاجس الأمني هو السائد، وبعد عزم الملك الراحل على تغيير سياسته الداخلية بنهج انفتاحي، أي عندما رغب الملك الحسن الثاني في إقامة تناوب يقوده الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، انخرطت الداخلية بقوة في توفير الشروط المناسبة لذلك، وهو ما تحقق فعلا.
ما السبب في ذلك؟
أعتقد بأن المربع الملكي توجد به رؤوس ذات مصالح مختلفة بل ومتعارضة، فمنها من يريد سياسة الانفتاح ومنها من يريد سياسة القمع، ومنها أيضا من يريد الاعتدال..أما الملك والحالة هذه فيوجد يوجد بين هذه الرؤوس.
ـ عرفت الداخلية في السابق على أنها وزارة تتدخل لفبركة الأحزاب وشقها عند تجاوزها الحدود المرسومة، وهندسة الخرائط الانتخابية... في نظركم ما هي الوظيفة التي تقوم بها الداخلية اليوم؟
نفس الدور، لكن من يتربع على رأسها اليوم يفتقر إلى الحنكة والتجربة التي كان يتمتع بها البصري، فلا زال القائمون على شؤون هذه الوزارة هواة لم يبلغوا بعد مستوى الاحترافية كما كانت الحال عليه بالنسبة للبصري. أما حشر الأنف في الحياة الحزبية فلا زال واقعا قائما بل وبشكل أكثر وأفظع كما وقع بالنسبة لحزب العدالة والتنمية، فوجه الاختلاف بين داخلية الأمس وداخلية اليوم هو أن البصري كان يضبط أموره ويقوم بها بطريقة فنية.. كذلك لازلنا نشهد نفس التدخل للداخلية في الإعلام، فهذه الوزارة هي التي تتحكم في الإعلام السمعي البصري، حيث تتبعنا تراجع مجال الحرية الذي منح في السابق للدوزيم على سبيل المثال، فقد قلنا عبر هذه القناة كلاما في عهد البصري من الصعب اليوم ليس قوله فحسب بل حتى فتح المجال لقوله، لأن البصري كان حاسما عندما تم تبني نهج الانفتاح الذي أراده الملك الراحل الحسن الثاني خدمة للنظام.. أما القادمون إلى مربع السلطة اليوم فقد بعثروا كل شيء، أولا لافتقارهم إلى الخبرة المطلوبة.. وثانيا لعدم معرفتهم بـ "الرجال".. وثالثا لعدم امتلاكهم رصيدا تاريخيا.. فوزير الدولة الأسبق في الداخلية ولج مجال الأمن منذ الاستقلال وتدرج في كافة أقسام هذه الوزارة ويعرف الجميع مدى اتساع شبكة علاقاته الشخصية الأمر الذي يعني أنه يعرف جيدا إلى أي صنف من البشر ينتمي الرجال الذين كان يتعامل معهم... خلافا للبصري نجد هؤلاء القادمين يجهلون "معدن" الرجال الذين يحيطون بهم، ولذا تجدهم في معاملاتهم يرتكبون أخطاء فادحة... فالبعض تعامل معهم بحسن نية إلا أن سوء نيتهم جعلهم يحشرونه في زمرة كل من يباع ويشترى..لأنهم كما أشرت لا يملكون الخبرة والرصيد التاريخي والمعرفي بالرجال الذين يسمحان لهم بالتمييز في تعاملهم بين الناس.
وهل يدخل في هذا الإطار تعامل اليوسفي مع هذه الدوائر؟
نعم، إن أحد الأسباب التي كانت وراء استقالة عبد الرحمان اليوسفي طريقة تعامل محيط الملك معه، فلا أعتقد أن مثل هذا الأمر كان سيقع في زمن الملك الحسن الثاني ثم إن إقالة البصري نفسه تمت بطريقة تفيد غياب الاحترافية، فالدوائر مازلت أمامها عشر سنوات للانتقال من مستوى الهواية إلى الاحتراف، لعدم تمكنها وضبطها لميكانيزمات وأدوات التواصل مع الفاعلين، فاليوسفي أو بنسعيد أو بوستة.. يلزمهم توظيف لغة خاصة ليست هي تلك التي يتم التواصل بها مثلا مع عيوش أو غيره، فهؤلاء جاؤوا إلى الحكم وأعطيتهم سلطات واسعة واعتقدوا أن بإمكانهم فعل ما يشاؤون... فعندما تقولون لي إن الداخلية لازالت "أم الوزارات" فهذا صحيح لأن الولاة لم تكن لديهم الصلاحيات الاقتصادية زمن البصري.
ـ خلافا لرأيكم بخصوص تعدد وزراء الداخلية خلال الأربع سنوات الأخيرة، يرى البعض أن هناك أمورا إيجابية في كون الداخلية لم يعد وزراؤها يتمتعون بالاستقرار، وتتمثل هذه الأمور في كون حالة اللاستقرار هذه تسمح بدوران النخب على المسؤوليات الهامة، ما رأيكم في هذا الطرح؟
بداية يجب الإشارة إلى أن الوزراء الأربعة (البصري الميداوي، جطو والساهل) اشتغلوا جميعهم في ظل نظام الملك الحسن الثاني، وحتى فؤاد عالي الهمة اشتغل في ديوان البصري، وهذا معناه أنه ليس هناك تغيير حقيقي. فلو كانت هناك إرادة في التغيير بمفهومه الحقيقي لتم تعيين رجالات جدد لا ينتمون إلى مرحلة الملك الراحل، فالميداوي اشتغل كعامل (طنجة والمحمدية) وبعدها مديرا عاما للأمن الوطني، والساهل كان هو الآخر وزيرا، ونفس الأمر بالنسبة لإدريس جطو، وحتى فؤاد عالي الهمة اشتغل في الداخلية وكان رئيسه هو إدريس البصري.
ثانيا موقع وأهمية الداخلية داخل النظام يجعلها في طليعة الوزارات وخاصة في بلد كالمغرب، فقد تم لعدة مرات تغيير وزراء مسؤولين عن قطاعات التجارة، الماء.. لكن وزير الداخلية لم يتم تغييره لأن النظام يرتكز في أسسه على هذه الوزارة، وهذا يؤكد أن الأمر ليس عاديا ويتعلق بإشكالية تهم المخزن وأن المشكل اليوم بالتالي يوجد داخل المخزن.
هل يتعلق الأمر بخوف هذه الدوائر من إعادة إنتاج وزير على شاكلة البصري؟
أكيد أنهم سيصلون يوما إلى إعادة إنتاج وزير كالبصري لأن البنية المخزنية لم يطرأ عليها أي تغيير، ولأن النظام يبحث جاهدا عن شخص بمواصفات البصري، بحيث تتوفر فيه حنكته وتجربته وطريقة تواصله.. وأعتقد أن بحثهم هذا سيتكلل بالنجاح في حالة عدم تغيير البنية المخزنية، وهذا هو الخطير في الأمر لأنه يفسر بأننا لازلنا نسير وفق نفس المنظومة المخزنية.
ـ يفهم من كلامكم أن إبعاد السيد البصري عن وزارة الداخلية لم يكن في محله؟
أعتقد أن إبعاد البصري عن الداخلية لم يكن يندرج في إطار استراتيجية تهدف إلى التغيير، بل كان إبعادا تحكمت فيه حسابات شخصية محضة، فلو كان القرار استراتيجيا لتمت إقالة العديد من الأسماء وتم الانتقال بعدها إلى قطاعات أخرى كالجيش والعدل.. بمعنى لتم تغيير كل دواليب الحكم، خلافا لذلك انحصر في شخص البصري فحسب بعد رفع شعار "المفهوم الجديد للسلطة" الذي لم يكن ـ في تقديري ـ إلا خطأ لم يتم التفكير فيه جيدا، لأن مثل هذا المفهوم كان يجب التهييئ له قانونيا وتنظيميا ومؤسساتيا وبشريا، وحينها كنا سنقول إن إبعاد البصري كان قرارا استراتيجيا يندرج في إطار رؤية تهدف إلى التغيير.. فالبصري كان له أعداء ويجب الإشارة إلى أنني عندما أتحدث عن البصري فإنني أرمز إلى النظام وليس إلى الشخص، فقبله كان أوفقير والدليمي وقبلهما إدريس المحمدي وبااحماد.. وهذا هو مجال اهتمامي لأن النظام يستمر والأسماء تتغير.. فعندما واجهت البصري، كنت أواجه النظام وليس الشخص..
ولكن السيد البصري طبع مرحلته بكاملها؟
ليس البصري هو الذي طبع مرحلة معينة، فسر قوته أنه كان يعرف ماذا يريد المخزن. أما الذي أعطى لهذا النظام صلابته فهو ليوطي بعد عقلنته له.. أما الراحل الحسن الثاني فقد طور هذا النظام من حيث بنيته.. لأن المخزن في فترة الحماية لم يكن يحكم المغرب، لكن في ما بعد تمت إعادة هيكلته، وبعد الاستقلال أعطيت هذا النظام حلة جديدة على إثر الدساتير التي عرفتها البلاد لكون المخزن ليس جامدا بل إنه يتأقلم مع المتغيرات والتطورات، وهذه الخاصية مع الأسف تفتقر إليها الأحزاب السياسية، فعندما انتقدت البصري كتابة، قلت له إن المخزن أصبح يلبس "الكوستيم" ويلعب الكولف.. لكنه أبقى على جوهره ولبه بالرغم من هذا التطور.
في نظركم ماهي حصيلة الأربع سنوات من عمل وزارة الداخلية؟
أعتقد أن السنتين الأخيرتين من عمر حكم الملك الحسن الثاني عرف فيهما المغرب مستوى متقدما من الحريات سواء الفردية فيها أو العامة، وهو الأمر الذي لم يعد موجودا اليوم في عهد الملك محمد السادس، فهذا الأخير رفع في بداية حكمه شعارات كبيرة صفق لها الجميع، لكن سرعان ما دخلنا في مسلسل للتراجع وصل إلى مستوى أسوأ مما كانت عليه الأمور زمن أبيه.
فالأكيد أن الملكية لم تقرر بعد أربع سنوات ماذا تريد، إضافة إلى أن الملك الجديد في وضع ليس كالذي عرفه والده، بحيث لم يعد هناك وجود للأحزاب لأن سياسة الراحل قضت عليها، فهو إذن ورث أحزاب فارغة، الجيش هو الآخر نخره الفساد (الرشوة).. وهكذا يكون الملك قد وجد لدى استلامه مقاليد الحكم فراغا سياسيا قاتلا وهذه حقيقة يجب أن نقولها.
أمام هذا الوضع وجدنا الملك محمدا السادس يضع الثقة في رفاق الدراسة (أولاد السكويلة)، وهذا قد تلتمس له العذر عليه لأنه وجد نفسه أمام الفراغ.. لكن الذي كنا ننتظره هو أن ينتقل بعدها من مستوى الثقة إلى الكفاءة وهذا لم يحصل بعد، ذلك أن الرجالات التي وضعت فيها الثقة حاصرت الملك وسيجته واستمدت منه سلطات واسعة أصبحت تتحرك بفضلها داخل رقعة أكثر اتساعا.. فالملك مدعو إلى الخروج من هذه الدائرة الضيقة التي تنقل إليه أمورا لا تمت إلى الواقع بصلة.. فأقطاب هذه الدائرة لهم امتدادات واسعة داخل جهات مختلفة (الاقتصاد، السياسة، الأمن..)، وتحالفاتهم تتغير باستمرار وفقا لمصالحهم ومواقعهم، لأن هاجسهم الوحيد ليس خدمة البلاد أو ما شابه ذلك وإنما الحفاظ كما أشرت على مواقعهم بجانب الملك. ولهذا أقول إنه حان الوقت لكي يتجاوز الملك الخطوط المرسومة له من قبل محيطه، فنحن لسنا ضد الملكية أو النظام.. ولكن ضد المحيط الذي يظهر أن رجالاته تبحث عن منافع ذاتية.. فهؤلاء يتخذون قرارات باسم الملك لخدمة مصالحهم.. وهذا أمر أضحى أكثر استعجالا بالنسبة للملك محمد السادس لأن جيله ينحضر فحسب في هؤلاء المحيطين به كمنير الماجيدي وغيره بل يشمل قطاعا واسعا داخل المغرب همهم الوحيد والأوحد هو خدمة البلاد والعباد.