|
هل التوراة والإنجيل والقرآن كلام الله؟
نهرو عبد الصبور طنطاوي
الحوار المتمدن-العدد: 2240 - 2008 / 4 / 3 - 02:18
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هذا الموضوع كنت وما زلت أرغب في تأجيل الحديث عنه الآن إلى ما بعد فراغي من كتابي الجديد: (هل تمكن الإنسان من العثور على الله)، وذلك لما للموضوع من جوانب كثيرة ومتعددة لا يمكن الإحاطة بها جميعا في مقال واحد، لكن ما دعاني للتحدث في هذا الموضوع، أني قد ذكرت فقرة حول القرآن الكريم في مقال سابق لي بعنوان: (ماذا قدم أهل القرآن للإسلام)، وكانت تلك الفقرة كالتالي: (القرآن كتاب ليس كما يتخيله معظم الناس، كتاب إلهي بمعنى أن مكونات هذا الكتاب إلهية لا يمكن لبشر الوصول لبيان حقيقة أحكامه أو امتثال تعاليمه. إن الكتب والرسالات الإلهية، أو ما يسميها الناس بالكتب والرسالات السماوية، أو الكتب المقدسة، هي رسالات وكتب لم تنزل من السماء بكلماتها وحروفها ومعانيها على الإطلاق، وليست تلك الرسالات إلهية بمعنى أن الله تكلم بها أو نزلت بلسان الله، وليست مقدسة كما يعتقد الكثير من الناس جهلا منهم وظنا، إنما الكتب الإلهية أو السماوية هي كتب كتبها الرسل والأنبياء بأيديهم وبلسان قومهم. والقرآن بكلماته المكتوبة المقروءة ومعانيه المفهومة كلها أفعال بشرية محضة، كتبه النبي محمد وصاغه بلسانه العربي البشري نقلا عن الوحي الذي أنزله الله على قلبه.) انتهى
فانهالت علي الرسائل والتساؤلات من كل حدب وصوب تستفسر عن قصدي من وراء هذا الكلام، والبعض اتهمني بالإلحاد والكفر والضلال والردة عن الإسلام، فالتزمت الصمت حتى وجهت لي الأستاذة آية محمد سؤالها حول هذه الفقرة على مقال (ماذا قد أهل القرآن للإسلام) على الرابط التالي: http://www.nehrosat.com/show_articles_details.aspx?id=94
# وكان سؤالها لي على النحو التالي: 3 تساؤلات آية محمد الأستاذ نهرو طنطاوي، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... لقد أثارت مقالتك هذه التي قرأتها على موقع أهل القرآن بعض التساؤلات عندي وعندما هممت بالسؤال إكتشفت أن عضويتك تم الغاءوها. وبسبب إنشغالتي وابتعادي عن الإنترنت لفنرة لم أستطع أن أسألك هذا السؤال والذي أتمنى أن يجيبني عليه إجابة واضحة. هلا وضحت لي ما تقصده بالضبط من جملتك التالية: "إن الكتب والرسالات الإلهية، أو ما يسميها الناس بالكتب والرسالات السماوية، أو الكتب المقدسة، هي رسالات وكتب لم تنزل من السماء بكلماتها وحروفها ومعانيها عل الإطلاق، وليست تلك الرسالات إلهية بمعنى أن الله تكلم بها أو نزلت بلسان الله، وليست مقدسة كما يعتقد الكثير من الناس جهلا منهم وظنا، إنما الكتب الإلهية أو السماوية هي كتب كتبها الرسل والأنبياء بأيديهم وبلسان قومهم. والقرآن بكلماته المكتوبة المقروءة ومعانيه المفهومة كلها أفعال بشرية محضة، كتبه النبي محمد وصاغها بلسانه العربي البشري نقلا عن الوحي الذي قذفه الله في قلبه،" لقد وجدت جملتك هذه صدى عندي وأحب أن أعرف تفسيرك الدقيق لها حيث أن هذا الأمر كثيرا ما يشغلني. كما إنك إنتقدت منهج القرآنيين أو بمعني أدق قلت إنهم بلا منهج فهلا وضحت لي من فضلك منهجك الذي تتبعه، فأنت لست سنى ولست مسلم تقليدي وفي نفس الوقت أجدك تقدر التراث تارة وتحتقره تارة أخرى، ومرة تبجل الصحابة ومرة تتكلم عنهم وكأنهم بشر عاديون جدا لا قيمة لهم. فهلا وضحت منهاجك المحدد، فمؤكد إن كان القرآن بالنسبة لك ليس مقدس إذن فالصحابة والروايات ليست مقدسة أيضا عندك... فما الفرق إذن بينك وبين القرآنيين؟ أرجو التوضيح... وقد سألتك من قبل عن الربط بين أوضاع اليوجا والصلاة الإسلامية، وجاء السؤال على موقع شباب مصر ولكن لم تجيبني. سؤالي موجه لأنك عاشق للديانات الشرقية وأنا عاشقة للتأمل واليوجا وأجد علاقة قوية بين أشكال الصلاة الإسلامية والخشوع وبين اليوجا والتأمل. في إنتظار ردك وخاصة على الجزئية الأولى من السؤال. آية محمد
# فأجبت على سؤالها بالجواب التالي: الفاضلة / آية محمد سلام من الله عليكم جوابي على سؤالك الأول: ما أقصده بالضبط من الفقرة التي أشرت إليها في تعليقك هو نفسه ما حوته الفقرة لا غيره، إن الكتب المسماة إلهية أو الكتب السماوية أو المقدسة، جميعها بهيئتها التي نراها عليها الآن هي من صنع البشر الأنبياء والرسل بتوجيه الله لهم، ولم تنزل من السماء نزولا حقيقيا كالنزول الذي يعلمه جميع البشر، إنما هي علم أنزله الله سبحانه في قلوب أنبيائه ورسله فقاموا بنقله من القلوب إلى الألسنة التي عبرت عنه بلسان أقوام الأنبياء، ومنها ما تم نقله كذلك إلى القراطيس والصحف التي خُطَّتْ فيها، سواء من قِبَل الأنبياء والرسل أو من قبل أتباعم من بعدهم.
ومثالا على ذلك قد يرى شخص في منامه أمراً ما وبعد أن يستيقظ قد ينقل ما رآه في منامه إلى الناس عن طريق الكلام أو يخطه بيده على الأوراق، وقد يشعر الإنسان بشيء ما في نفسه أثناء يقظته، أو ما نسميه بالحدس والإلهام، وهو توقع شيء من الأشياء، ثم يقوم الشخص الذي شعر بذلك، بنقل ما شعر به إلى كلام وجمل وعبارات، أو يخطها في كتاب بالمداد والقرطاس، هكذا الكتب والرسالات المسماة بالسماوية، ومنها القرآن، فما هي إلا علم أنزله الله على قلوب الأنبياء والمرسلين فقاموا بنقله وتحويله إلى كلمات وأقوال على الألسنة ورسم في القراطيس والصحف.
ولذلك فجميع الرسالات المسماة بالسماوية بكلماتها المخطوطة في الصحف والمتداولة على الألسنة وبما تحمل هذه الكلمات من أنباء وأخبار ومعاني وأوامر ونواهي كلها أفعال بشرية محضة، ولم تنزل من السماء بهذه الهيئة التي بين أيدينا ولم يتكلم بها الله كما يظن الناس جهلا منهم، وليس فيها شيء من ذات الله سبحانه.
هذه الكتب وما تحويه من موضوعات ليست مقدسة وليست سماوية كما يسميها الناس جهلا منهم، فلم نجد في القرآن أن الله أطلق مسمى القداسة أو السماوية على كتاب من الكتب التي أوحى بها إلى الأنبياء والرسل، إنما هي رسالات أوحى الله بها إلى الأنبياء والرسل أنزلها على قلوبهم وهم قاموا بنقلها إلى كلمات بشرية مسموعة منطوقة، ومرسومة بالمداد على القراطيس والصحف.
جوابي على سؤالك حول نقدي لمن يسمون بالقرآنيين: هؤلاء مجموعة من الناس لا يجمعهم مبدأ ولا منهج علمي أو عقلي، وما يسمى بالفكر القرآني هي مجرد فكرة اقتبسها الدكتور أحمد صبحي منصور من جماعة شكري مصطفى أو ما تسمى بالتكفير والهجرة، حيث أن جماعة شكري مصطفى هي الجماعة الأولى التي تبنت فكرة أن المصدر الوحيد للدين هو القرآن والسنة، ثم انقسمت بعد ذلك وخرج منها بعض الأشخاص على شكري مصطفى، ونادوا بأن يكون المصدر الوحيد للتشريع هو القرآن فقط، وكانوا يسمون كذلك بالقرآنيين داخل السجون في أواخر الستينات وفي السبعينات، وكانوا ينكرون الصلاة بهيئتها المعروفة وكانوا يقولون الصلاة هي الدعاء فقط، وكانت لهم تفسيرات غريبة ومريبة لكثير من آيات القرآن، وكانت تفسيراتهم تلك لا يمكن أن يستسيغها عقل أو يقبلها منطق، وكانوا كثيري الانشقاق والاختلاف فيما بينهم وكانوا كثيرا ما يكفر بعضهم بعضا من أجل الاختلاف على فهم آية واحدة من آيات القرآن، وقد التقيت بأناس من هؤلاء قبل دخولي المعتقل في العام 1990 في محافظة الشرقية والمنصورة، وقابلت بعض أفراد منهم في المعتقل في سجن (استقبال طرة)، وفي سجن (أبو زعبل).
فالدكتور صبحي منصور استهوته الفكرة فتبناها ودعا إليها وحدث معه ما حدث، الخلاصة أن هذه الفكرة ليست من ابتكار الدكتور أحمد صبحي منصور، وإنما هي مقتبسة من جماعة القرآنيين القدامى المنشقة عن جماعة شكري مصطفى وقد أدخل الدكتور منصور بعض التعديلات والمونتاج عليها، فالدكتور منصور لم يأت بجديد.
وعند عودتي إلى مصر بعد شهرين سوف أقوم بجمع الكثير من المعلومات من مصادرها التي سوف أحصل عليها لتوثيق هذه المعلومات وسوف أكتب دراسة كاملة عن الجذور الأولى والحقيقة لهذا الفكر.
أما بخصوص منهجي في التفكير: فيمكن أن ألخصه لك في النقاط التالية: 1 – التجرد تماما قبل القيام إلى البحث من تبني أي معتقدات متوارثة أو أفكار متوارثة أو نتائج متوارثة قد سبقني إليها غيري، دون بينة أو علم أو نظر أو مراجعة مني أنا شخصيا. 2 – كل شيء خاضع في منهجي للبحث والتساؤل والغربلة والتشريح من أصغر الأشياء وصولا إلى الذات الإلهية. 3 – وسائل البحث في الأشياء وأولها الحواس ثم العقل ثم النظر والتفكر والتدبر وآثار الأشياء، فلكل مسألة يراد بحثها لها وسائلها وآثارها وأدواتها، فليس كل وسائل وآثار وأدوات لبحث شيء بعينه تصلح أن تكون وسائل لبحث شيء آخر مختلف، فلكل شيء وسائله وآثاره وأدواته. وقد قمت بتفصيل هذه المسألة وتبيينها في كتابي الجديد: (مكونات الإنسان الإدراكية) وقد فرغت منه وسوف أنشره على موقع: (www.nehrosat.com) في غضون أيام. وهذا الكتاب أعتبره منهج علمي جديد ونظرية معرفية جديدة استنبطتهما من القرآن الكريم. أما بخصوص سؤالك حول ما أراه تجاه التراث: أنا لا أقدر التراث تارة ولا أحتقره تارة ولا أبجل الصحابة تارة ولا أعتبرهم لا قيمة لهمتارة أخرى على حد وصفك، وإنما أتبع مع التراث المصداقية والموضوعية والعقل كذلك، فالتراث به الكثير من التضارب والتناقض، فلا يمكننا تبني وجهة نظر في التراث لخدمة أغراضنا ومذاهبنا وتوجهاتنا الفكرية أو الشخصية، كما يفعل الشيعة والدكتور منصور حين يصورون الصحابة وكأنهم تحولوا إلى عصابة شريرة عقب وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام مباشرة، ولا يمكن أن أضفي عليهم العصمة كالسلفيين وأهل السنة، وكذلك لا يوجد مصدر يقيني صحيح متفق عليه حول أي حادثة أو شخصية تاريخية، وبالتالي فلا سبيل نتبعه سوى الموضوعية والمصداقية والعقل.
أما بخصوص قولك أن القرآن لدي ليس مقدسا. أقول ومن قال لك أن القرآن مقدس؟، يا سيدتي إن مصطلح القداسة هذا، مصطلح تم إلصاقه بالدين وبالكتب والرسالات الدينية لإبعاد الناس عنهما ووضع حاجز نفسي بين الناس وبين الالتزام بتعاليم الأديان، وكذلك لتمييع مفاهيم الناس لنصوص الأديان وما حوته من تشريعات.
أما جوابي على سؤالك عن اليوجا والصلاة: أولا: أنا لست عاشق للديانات الشرقية ولم أقل ذلك ولم أدعيه في كتاباتي، وإنما فقط أنا ما أفعله مجرد بحث موضوعي محايد، خرجت منه بأن الديانات الشرقية في أصولها أديان موحى بها من الله، أو سماوية كما يطلق الناس هذا المسمى على أديان الشرق الأوسط الثلاث الكبرى: اليهودية، المسيحية، الإسلام. أما بخصوص الربط بين أوضاع اليوجا والصلاة الإسلامية، فأنا لم أربط قط بين اليوجا وبين الصلاة، ولا أدري في أي كتاباتي قرأت هذا؟؟ وشكرا لاهتمامك، ومرحبا بأسئلتك مرة أخرى. نهرو طنطاوي) انتهى
# ثم عادت الأستاذة آية محمد بأسئلة واستفسارات أخرى حول نفس القضية فوعدتها بأن أكتب مقالا مستقلا حول هذا الموضوع وفيه أجيب على أسئلتها الأخيرة، وكانت أسئلتها على النحو التالي: آية محمد الأستاذ طنطاوي، جزيل الشكر على الرد، ولكن لازال عندي تعليق. هل تسمح لي أن أكون أكثر صراحة معك؟ أحسبك تحترم الصراحة وأصحابها لأني لمست فيك الثقة والصراحة عند التحدث عن غيرك. الأستاذ طنطاوي كلما قرأت لك احترمت عمق فلسفتك، ولكن كلما تعمقت فيما تكتب وجدت تناقضات تشتت العقل. فأنت الآن تقول أن القرآن كتبه رسول الله، وهو وحي جاء له في المنام ولكن لعبقريته التي أنفرد بها استطاع هذا الحالم أن يكتب ما جاءه من رؤيا في كتب مطهرة مثله مثل من سبقه من أنبياء. واستطاع هذا الرجل العبقري أن يجمع الناس حوله بل وأصبح قائدا مدنيا وعسكريا لأمته الجديدة، بل وزاد عليها أن دفعهم دفعا للخروج خارج إطار الصحراء العربية ونشر رؤيته الإلهية في أرجاء المعمورة. كل هذا جميل وإن كنت لا أعلم الدليل الذي أستندت عليه. ولكن ما يشوش عقل من يقرأ لك سيدي الفاضل إنه يجدك بعد ذلك في التعليقات تستشهد بآيات قرآنية وتقول إنها كلام الله. وفي مقالة تقول أن الإسلام شريعة الله وليست شريعة محمد. فالآن أنا لا أفهم شيئا! هل القرآن كلام الله أم كلام محمد؟ كيف يكون أسلوب الرسول محمد كما قلت في تعليقك أعلاه ثم تعود في مواقع أخرى وتقول أنه كلام الله! إن كنت فعلا مؤمنا بأن القرآن كلام الله عز وجل فلماذا لا تؤمن بأنه نزل من عنده سبحانه تنزيلا ولماذا بالذات موضع الرؤية في المنام؟ أرجو أن توضح أكثر إن لم يكن لديك مانع.) انتهى
# وقبل أن أجيب على أسئلة الأستاذة آية محمد أود عرض تفصيلا لوجهة نظري على هذا الموضوع وبعدها أجيب على أسئلتها:
إن اللغو والخلط الذي لحق بكثير من كلمات اللسان العربي، قد عمل على استبدال الدلالات الحقيقة للكثير من الكلمات، بدلالات أخرى تحمل معاني مغايرة تماما للدلالات الأصلية لمعاني الكلمات، مما أثر سلبا على الفكر الديني لدى قطاعات كثيرة من أتباع الأديان المختلفة، وخاصة أتباع الدين الإسلامي، ويمكن أن نضرب مثلا على مدى الخلل الذي أصاب كثيرا من الكلمات التي تم إفراغها من مدلولاتها الأصلية في اللسان العربي، بكلمة (قداسة) التي أفرغت من دلالتها الأصلية، وأصبحت تحمل دلالة محرفة لاغية، فالفعل (قدس)، القاف والدال والسين أصل صحيح يدل على طهر، والطهر، الطاء والراء والميم أصل صحيح في كلام العرب يدل على نقاء وزوال دنس. قال تعالى: (وأنزلنا من السماء ماءً طهوراً). (48_ الفرقان). فالفعل (قدس) يدل في أصل معناه على النقاء والخلو من الدنس، ولا يدل على ما يذهب إليه كثير من الناس في معظم الديانات، فمعظم الناس يظنون أن القداسة صفة تدل على الإلهية والتعالي على الطبيعة البشرية، بمعنى أن الغالبية يظنون أن القداسة أو الشيء المقدس كتابا كان أو كلاما أو شخصا أو مكانا به طبيعة إلهية، ولذلك ينتاب كثير من الناس الشعور بالرهبة والخوف والتعظيم والهيبة تجاه ذلك الشيء الموصوف بالقداسة، فيحجمون عن مدارسته أو تحليله أو مناقشته أو طرح الأسئلة عليه أو المساس به، وذلك خشية الوقوع في الخطيئة تجاه تلك القداسة فيترتب على ذلك الوقوع في ما يسميه الشياطين بالهرطقة أو الفتنة أو البدعة أو الإلحاد، لئلا يلقى ما لا تحمد عقباه في الدنيا والآخرة على حد زعم الشياطين.
ومن هذه الأشياء التي تم وسمها بالقداسة وإلصاق صفة القدسية بها كانت الكتب والرسالات الإلهية التي أوحى الله بها إلى الأنبياء والمرسلين، فأوحى الشياطين إلى أوليائهم أن التوراة والإنجيل والقرآن كلام الله بمعنى أن الله تكلم بها بلسان ناطق وبصوت مسموع وبالتالي فهي ذات طبيعة إلهية تتعالى على الطبيعة البشرية، وبذلك حيل بين الناس وبين تفحص تلك الرسالات، أو مناقشتها أو عقلها أو طرح الأسئلة عليها، وأُلْقِيَ في روع الناس أن ليس لأي إنسان القدرة على كشف الأسرار المقدسة من باطن الكتب المقدسة، وليس لأي إنسان أن يعرف مراد الله الحقيقي من تلك الرسالات، إلا من كان ذو طبيعة مقدسة كقداسة الرسالات الإلهية كما يظن الشياطين. وفريق آخر من الشياطين يؤيدون بشكل كبير إلصاق صفة القداسة بالرسالات الإلهية كي يوهموا الناس بأن المعاني والمقاصد الحقيقة لهذه الرسالات، هي معاني ومقاصد ذات صبغة إلهية مقدسة، وبالتالي لن نتمكن نحن البشر المحدودين من إدراك غايتها ومقاصدها ومعانيها، وكل ما سنصل إليه من فهم هو في نهاية المطاف فهم بشري لا يعبر بالضرورة عن المقاصد الإلهية المقدسة التي يصعب علينا نحن البشر إدراكها أو فهمها أو الوقف عليها، فكل من يريد أن يفهم ما يحلو ولهواه ولحزبه وطائفته ومنهجه وتوجه فليفهم ولا حرج عليه.
إن مشتقات الفعل (قدس) لم ترد في القرآن الكريم إلا في عشرة مواضع، لم يرد في موضع واحد منها أن الله وصف كتابا من كتبه أو رسالة من رسالاته أو شريعة من شرائعه بالقداسة، وهذه هي المواضع العشرة كما وردت في القرآن الكريم على النحو التالي:
الموضع الأول حوار الملائكة مع الله حول خلق آدم حين قالوا: (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) (30- البقرة)
وورد في صفة الملاك جبريل في أربعة مواضع، نذكر واحدا منها: (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ القُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (102- النحل)
وورد كصفة للواد الذي كلم الله فيه موسى في موضعين، هما: (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ المُقَدَّسِ طُوًى). (12- طه) (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ المُقَدَّسِ طُوًى) (16-النازعات)
وورد كصفة للأرض التي أمر الله بني إسرائيل أن يدخلوها مع موسى في موضوع واحد، وهو: يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21- المائدة)
وورد كاسم لله أسمى به نفسه سبحانه وذلك في موضعين، هما: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23- الحشر) (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ المَلِكِ القُدُّوسِ العَزِيزِ الحَكِيمِ (1- الجمعة)
إذاً، فالقداسة لا تعني إطلاقا أن المقدس له طبيعة إلهية، أو أن له طبيعة متعالية ومغايرة للطبيعة البشرية، ولو كان ذلك كذلك، لما وصف الله به الواد الذي كلم فيه موسى، ولما وصف به الأرض التي أمر موسى قومه بأن يدخلوها، فالقداسة هي حال من النقاء والخلو من الدنس، قد يصف الله به نفسه سبحانه، وقد يصف به قطعة من الأرض أو مكان من الأماكن، ولا يعني أن الأرض المقدسة أو الوادي المقدس، مقدس بذاته، أو نقي بذاته، أو خال من الدنس بذاته، كلا، إنما القداسة أتته بأمر إلهي تشريعي تكليفي للناس بأن يجعلوا من هذه الأرض أو هذا المكان مكانا مقدسا نقيا خاليا من الدنس، لا يقترف فيه إثما أو خطيئة، ويعني هذا أن المكان نفسه لا يستعصى على العصيان فيه أو الخطيئة عليه، وإنما قداسة الأشياء هي أمر إلهي تشريعي تكليفي للناس بأن يجعلوا منه مكانا نقيا خاليا من الدنس والخطايا والعصيان.
أما الشياطين حين أغووا الناس أوحوا إليهم بأن الكتب التي أوحى بها الله إلى أنبيائه ورسله مقدسة، أي ذات طبيعة إلهية متعالية عن تناول البشر وعن فكر البشر وعن فهم البشر وعن أسئلة ومناقشة البشر، وبالتالي فلن نستطيع الإلمام بحقائقها أو طبيعتها أو أسرارها أو معانيها أو مراميها أو مقاصدها، أو السؤال عن كيفية وصولها إلينا بهذه الصفة، ولا عن من أوصلها إلينا، وأوهم الشياطين الناس بأنهم مهما حاولوا أن يفهموا مقاصد هذه الكتب ومعانيها ومرادها فلن يفلحوا، لأن هذه الكتب مقدسة أما أفهام البشر وعقولهم فبشرية مدنسة، فحالوا بين الناس وبين فحص تلك الكتب وعقلها وفهما وتدبرها، لأن أي فهم منهم أو عقل منهم لها ما هو إلا حرث في الماء، وقفز في الفراغ.
# وجوابا على الأسئلة الخيرة للأستاذة آية محمد، أقول الآتي:
أما بخصوص استفساراتك عما وجدتيه من تناقضات في كتاباتي، أحاول في هذه السطور إجلاء ما أشكل عليك فأقول: أنا لم أقل أن الرسول عليه الصلاة والسلام جاءه القرآن في المنام، ولم أصف الرسول بالعبقري الذي انفرد بالعبقرية، ولم أصفه بالحالم، ولم أقل أن القرآن وحي جاء له في المنام، كما ذكرت في تعليقك، فما ذكرته في ردي عليك كان مجرد مثال على كيفية نزول العلم أو الحدث على القلب ثم نقله من القلب وتحويله إلى كلام تردده الألسنة، أو سطور تخطها الأيدي في القراطيس والصحف.
أما بخصوص القرآن وهل هو كلام الله أم كلام الرسول عليه الصلاة والسلام؟ أختي الفاضلة القرآن بكلماته المتلوة بالألسن المسموعة بالآذان والمخطوطة في الصحف، ومعانيه المفهومة، هو من فعل النبي محمد عليه الصلاة والسلام بتوجيه الله له. فالقرآن كعلم وأحداث تشريعية إخبارية قصصية أخلاقية قيمية سلوكية وأوامر ونواهي وأحكام، هو علم من الله نزله على قلوب الأنبياء والرسل، لا بلسان يتكلم ولا بصوت يسمع، وقد نطلق عليه من باب المجاز اللفظي كلام الله كما أطلق الله عليه ذلك في القرآن وفي الرسالات الإلهية الأخرى، لأننا نحن البشر ليس لدينا علم عن ذات الله سبحانه وليس لدينا حتى مثلا لذاته سبحانه، فالأمر يقتضي عندما يخاطبنا الله سبحانه أن يخاطبنا من جنس ما نعلمه نحن عن أنفسنا وبما نعيه وبما ندركه من وسائل الخطاب التي نملكها ونعلمها، فحين تخبرنا الكتب والرسالات الدينية بأن الله تكلم أو قال، أو حين تخبرنا بأن الله له كلام وقول، فهذا من باب المثال اللفظي لنعي ما يريده الله منا ولنعي ما يريد أن يخبرنا به سبحانه.
فحين أقول في كلامي أنا أو غيري قال الله أو كلام الله إنما هو من باب المثال أو المجاز أو التعبير اللفظي الذي نعيه عن أنفسنا ونتخاطب به في محيط ما ندركه ونملكه من أدوات للتواصل في أنفسنا، فلا يمكننا أن ندرك حقيقة ما يريده الله منا إلا من خلال هذه الأدوات والمكونات والأسماء والمعاني والمصطلحات البشرية التي نعيها ولا نعي غيرها، أما أن نظن أن الله يتكلم وله لسان وصوت وأن صوته وكلامه يمكن لمخلوق أن يسمعه بأذنه لهو من السفه والظن الخاطئ والجهل بالله سبحانه الذي ليس كمثله شيء. أما من جهة الحقيقة فالله ليس كمثله شيء وليس بمتكلم وليس بصامت ولا يتكلم أو يقول بمفهومنا نحن البشري لماهية الكلام والقول.
وكما سبق وأن قلت في أكثر من موضع أن كتب الله ورسالاته إلى الأنبياء والرسل هي علم ينزل على قلوب الأنبياء والمرسلين كحال من يرى رؤيا في منامه أو يشعر بشيء يتوقعه في يقظته حول أمر ما من الأمور، فيقوم من حدث له ذلك بنقل ما حدث له في نفسه من أمر إلى كلمات ترددها الألسن، أو يقوم بخطها بالمداد في القراطيس والصحف، وهذا مثال فقط للتقريب. وهذه هي الطريق الوحيدة للاتصال بين الله والبشر وليس هناك من طريق آخر غيرها.
ويمكنك مراجعة فصل: (الأنبياء والرسل مخيرون وليسوا مسيرين) في كتابي: (البوذية ديانة سماوية وبوذا نبي) على الرابط التالي: (www.nehrosat.com) في قسم الكتب، فقد فصلت في هذا الفصل ماهية الوحي وماهية الاتصال بين الله وأنبيائه ورسله، وبينت هناك أن الوحي هو إلقاء علم في خفاء، وكما ذكرت لك سابقا أن قضية القرآن والرسالات السماوية الأخرى هل هي كلام الله أم كلام البشر، فهي بالطبع من كلام البشر بهيئتها وصفاتها ومعانيها، وهي من الله كعلم منزل على قلوب الأنبياء والمرسلين، وسوف تجدي هذه المسألة مفصلة تفصيلا موسعا ودقيقا في كتابي الجديد: (هل تمكن الإنسان من العثور على الله؟) والذي سوف أنشره في غضون الأشهر القليلة القادمة حين الفراغ منه، هذا ما يمكنني قوله لك في هذه المسألة الآن. أما بخصوص الذي أشرت إليه بقولك: (وفي مقالة تقول أن الإسلام شريعة الله وليست شريعة محمد.) أقول أن عنوان المقال الصحيح هو : (الإسلام دين الله وليس شريعة النبي محمد) وهو موجود كذلك في كتاب البوذية، الذي أشرت له آنفا، ويمكنك الاطلاع عليه. من خلال الرابط المذكور آنفا.
فحين نقول أن القرآن كلام الله، أو حين نقول قال الله، إنما هو من باب المجاز والمثال والتعبير الذي ندركه نحن من معنى الكلام ومعنى القول، ومن باب ما نعيه نحن من أدوات الإدراك والتخاطب والتواصل فيما بيننا، فما ندركه نحن من كيفية وماهية التخاطب والتواصل بين بني البشر هو الكلام والأقوال التي ترددها الألسن وتسمعها الآذان، أو ما نتلوها فيما نخطه من أقوال وكلام بالمداد في الصحف والقراطيس، ولو خاطبنا الله وتواصل معنا بما لا نعي وبما لا ندرك، فلن نستطيع معرفة ما يريده الله منا، ولن نتمكن من التواصل معه ولن نعرفه ولن نعرف شيئا عنه، لذا خاطبنا بما نعلم وبما ندرك من أدوات ووسائل التواصل البشرية.
إذاً، فكتب الله ورسالاته إلى الأنبياء والرسل كالتوراة والإنجيل والقرآن ليست بكلام الله حقيقة كما يظن البعض ويخرصون بجهلهم وغيهم، وليست بالكلام والأقوال الصوتية المسموعة أو المخطوطة المتلوة، إنما هو علم أنزله الله على قلوب الأنبياء والمرسلين، فقام الأنبياء والمرسلين بحمل ما نزل في قلوبهم من علم إلى الألسن لنقله إلى الناس وتحويله إلى قول وكلام مسموع ومخطوط في الصحف، أما الظن بأن الله كلم جبريل بلسان وبصوت سمعه جبريل، وجبريل تكلم بلسان ناطق وصوت مسموع إلى الأنبياء والمرسلين فسمعوه بآذانهم، أو أن الله أنزل من السماء كتاب مخطوطا نتلوه لهو من السفه والظن والخرص والجهل البشري بالله الذي ليس كمثله شيء. فإذا أردنا أن نعلم أن هذه الكتب هي علم من عند الله حقا أنزله على قلوب الأنبياء والمرسلين أم أساطير مفتراه، فعلينا أن نقتلها علما وعملا وبحثا وسؤالا وفكرا ونقدا وتحليلا وتفكيكا، ولنترك الكهنة الشياطين في غيهم يعمهون ولا نلتفت إليهم، وبهذه الطريقة فقط يمكننا أن نثبت هل هي علم من عند الله حقا أم ما هي إلا أساطير الأولين؟؟.
إن مصطلح (القداسة) أو مصطلح (المقدس)، مصطلح له دور كبير في ضلال وإضلال ملايين البشر في طول التاريخ الإنساني وعرضه ومازال حتى هذه اللحظة، ففي ساحة المقدس تم اقتراف آلاف الجرائم والمجازر الإنسانية والتي تعف وحوش البرية الحيوانية عن اقتراف معشارها وما يزال حتى هذه اللحظة، وانتهكت في ساحة المقدس أغلب الأعراض، واستبيحت كل الحرمات، لما لهذا المصطلح من وقع الرهبة والتعظيم الكبيرين في نفوس الناس، وخاصة العامة والدهماء منهم، فالكتب المقدسة أو الفهم المقدس أو الشخص المقدس أو العلم المقدس أو الشعائر المقدسة أو الثوابت المقدسة، أو الرأي المقدس، أو الفكر المقدس، أو الأماكن المقدسة أو الحروب المقدسة أو غيرها من الأشياء التي ألصقت بها صفة القداسة، ماهية إلا أوهاما وسرابا نخضع بها الآخرين لنستحمرهم ونمتطي بها ظهورهم لتحقيق مآربنا الشخصية العفنة، وما هي إلا فرية وإفكا وأغلالا وقيودا قيد بها شياطين الإنس، الذين لا يعلمون من الناس، فاستعبدوهم بها واستحمروهم واسترهبوهم ومنعوهم من الاقتراب منها أو التفكر فيها أو التساؤل عنها، وإلا لاحقتهم اللعنات وطاردهم الله في الدنيا والآخرة.
قد ينمو إلى ذهن البعض أنني أقصد بالمقدس هنا المقدس الديني فقط، كلا، إن ما أقصده هنا هو المقدس الفكري الديني، والمقدس الفكري اللاديني، فكابوس المقدس ما هو إلا وباء شيطاني إنساني عام مهما كان اسمه أو سمته، يصيب غير المتدين، كما يصيب المتدين سواء بسواء، فكما أن هناك أبشع الجرائم الإنسانية ارتكبت باسم الدين والمقدس الديني وتحت رايته في كل الأديان، فكذلك هناك أبشع الجرائم الإنسانية قد ارتكبت باسم اللادينية، والمقدس اللاديني، فكم من الجرائم قد ارتكبت تحت راية العلمانية المقدسة، والشيوعية المقدسة، والديمقراطية المقدسة، والفاشية المقدسة، والنازية المقدسة، والمصالح المقدسة، وكم من المجازر الآدمية القذرة ارتكبت في الغرب العنصري تحت راية الحضارة والحرية والتمدن والمساواة، وخير شاهد على ذلك ما حدث في الحروب العالمية الأوروبية اللادينية العلمانية الإلحادية في القرن العشرين، هذه الحروب الكونية لم يكن السبب فيها أو المحرض عليها الدين أو المقدس الديني، بل كانت بامتياز باسم اللادين والمقدس اللاديني، ومقدس الأطماع الاقتصادية والتوسعات الاستعمارية.
إن السعادة الحقيقة للبشرية ليست في تقديس الدين وليست في تقديس العلم، وليست في تقديس العقل وليست في تقديس الحرية أو العلمانية أو الديمقراطية أو الشيوعية, إنما السعادة الحقيقة تكمن في تقديس كرامة الإنسان وتقديس كينونته وأفضليته على سائر الأشياء، الإنسان أي إنسان ما لم يعتدي على حقوق الآخرين، لكن ما دام هناك نفوس شريرة طامعة حاقدة متسلقة أنانية ساطية محتكرة تجعل من نفسها وصيّة على الدين وعلى العقل وعلى العلم وعلى الحرية وعلى الناس, وتقوم باستخدام الدين والعقل والعلم والحرية لتحقيق مآربها الشخصية ولنفعها الذاتي وتتعالى على الآخرين وتحتقرهم وتذلهم وتستبح حرمتهم وتستحل دمائهم وأموالهم وأعراضهم باسم الدين وباسم العلم وباسم العقل وباسم الحرية والحضارة والمدنية، فلا أمن ولا أمان ولا كرامة ولا سعادة على الإطلاق يمكن أن ينتظرها ذلك الإنسان البائس التعيس لا في الحاضر ولا في المستقبل.
إن الإشكال الحقيقي لا يكمن في الله ولا في الأديان ولا في الكتب الدينية ولا في الأنبياء ولا في العقل ولا في الحداثة ولا في الفكر الناضج الجاد الهادف، ولا في العلمانية ولا في الديمقراطية ولا في الشيوعية، إنما المشكلة الحقيقة تكمن فينا نحن البشر وفي هذه النفس الشريرة التي تسكن فينا، فهذه النفس الشريرة الطامعة، الطاغية، الباغية، الحاقدة، الجاهلة، المستحوذة، المتسلقة، المتنافسة، المتطلعة، الأنانية، سواء حمل هذه النفس الشيطانية الشريرة شخص متدين أو علماني أو ديمقراطي أو عقلاني أو مثقف أو ملحد أيما يكن كنهه أو علمه أو ثقافته أو توجهه أو فكره، هذه النفس الشريرة هي التي تستطيع أن تطوع كل شيء لنيل أطماعها وتطلعاتها، فالنفس تطوع العقل لأغراض شريرة، وتطوع الدين لأغراض شريرة وتطوع الثقافة والفكر والأدب لأغراض شريرة، وتطوع العلمانية والديمقراطية وما يسمى بالحرية وحقوق الإنسان لأغراض شريرة كذلك، فكل شيء في قانون هذه النفس الشريرة قابل لتطويعه لخدمة أغراضها الشخصية الشريرة. فقد يكون العقل مظلوما مع أهل العقل، وقد يكون الدين مظلوما مع رجال الدين، وقد يكون الفكر مظلوما مع أهل الفكر، فرجل الدين الشرير قد يستخدم الدين لسفك الدماء وهتك الأعراض وإضاعة العدالة، وجعل الحق باطلا والباطل حقا، وكذلك يفعل الداعي إلى الديمقراطية، وكذلك يفعل الداعي إلى العلمانية والحرية وحقوق الإنسان، إن غلبت على الفرد تلك النفس الشريرة.
إن القضية الأولى التي تحدث عنها القرآن في أول كلمات أوحى الله بها إلى الرسول محمد عليه الصلاة والسلام في سورة العلق، قبل الحديث عن التوحيد والشرك والوثنية والأصنام، كانت التنديد بالطغيان البشري قال تعالى: (كلا إن الإنسان ليطغى* أن رآه استغنى)، فالطغيان ضد الرحمة وضد العدل وضد الحرية وضد المساواة، وضد كرامة وقيمة الإنسان، وقد جاء القرآن بالأمر بالعدل في كل شيء، في الحكم والوزن والمكيال والميزان حتى أمر بالعدل في القول، حيث أمر الله بالعدل في الكلمة التي ينطق بها الإنسان، قال تعالى: (وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى). ومن العجيب أن يظن البعض أو الكثير من الناس أن العدالة لا بد وأن تتمركز فقط داخل المحاكم أو داخل أنظمة الحكم الرئاسية، بل إن العدالة يجب أن تتمركز أول ما تتمركز في قلب كل إنسان، كي تتمظهر في أقواله وأفعاله، وتتمظهر في بيته وعمله وقوله، وتتمظهر في حكمه ونقده وشهادته وتحليله وطرحه.
إن رجل الدين ورجل اللادين ما هم إلا بشر كبقية البشر, لهم نزعاتهم وأطماعهم وحساباتهم ونزواتهم, فلا الدين عصم بعض رجاله من الزلل والخطأ والجرم في حق الآخرين، ولا اللادين عصم بعض رجاله من الخطأ والزلل والجرم في حق الآخرين, فالكل له خطأه وضحاياه، والكل تاريخه ملطخ بالدماء. أما لو طابت نفوسنا من الحقد والحسد والمطامع والكره والأنانية وحب الذات والتعالي والكبر والبغي والرياء والطغيان والشهوات والمنافع والمصالح الدنيئة، لطابت لنا الحياة وطاب ما فيها، وصدق الله إذ يقول: (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا) (الأعراف :58).
الموقع: http://www.nehrosat.com
#نهرو_عبد_الصبور_طنطاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدكتور أحمد صبحي منصور يستشهد بالسنة
-
هل البكاء على وفاء سلطان، من أجل حرية التعبير أم من أجل حرية
...
-
الإنسان هو الحل
-
هل فازت مصر حقا بكأس الأمم الأفريقية؟؟
-
فكر القرآنيين تحت المجهر، الحلقة الثانية: (السنة والتراث-2)
-
فكر القرآنيين تحت المجهر، الحلقة الثانية: (السنة والتراث-1)
-
فكر القرآنيين تحت المجهر، الحلقة الأولى: (المنهج)
-
محاكم تفتيش أهل القرآن في الطريق إليكم
-
أهل القرآن كلاكيت تاني مرة
-
ماذا قدم أهل القرآن للإسلام؟؟.
-
البوذية ديانة سماوية: الإيمان باليوم الآخر- الجزء الثالث
-
كتابي: قراءة للإسلام من جديد
-
البوذية ديانة سماوية: الإيمان باليوم الآخر- الجزء الثاني
-
البوذية ديانة سماوية: الإيمان باليوم الآخر- الجزء الأول
-
كعبة المسلمين وبقرة الهندوس
-
البوذية ديانة سماوية: الحكمة
-
البوذية ديانة سماوية: الحكم والشريعة
-
ولم ترض عني الأديان ولا العلمانية ولا الإلحاد
-
الإسلام دين الله وليس شريعة النبي محمد
-
البوذية ديانة سماوية: الكتب والرسالات
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|