|
مقتدى الصدر - ميتافيزيقيا الثورة الصدرية( 1)
ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)
الحوار المتمدن-العدد: 2239 - 2008 / 4 / 2 - 10:49
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إن العاطفة الهوجاء في حنين الصبايا قد لا تكون اشد غلوا من عاطفة الأحزاب الخشنة في امتلاك ما تريد، غير أن لكل منهما وجدانه الخاص وتاريخه الشخصي. وبقدر ما ينطبق ذلك على الهيام والغرام، فانه ينطبق أيضا على الثار والانتقام. وهي حالة تتكشف في مجرى تبلور الشخصية السياسية وبروز قيمها الدفينة. وهي قيم لا يمكن الحكم عليها بصورة نهائية إلا بعد انتهاء الطاقة السياسية الكامنة فيها. فهو "الانتهاء" الذي يكشف عن طبيعة وحجم أثرها الفعلي بالنسبة لكينونة التاريخ الواقعي للدولة والأمة. فالشخصية السياسية ليست كينونة أخلاقية، ومن ثم لا معنى للنظر إليها بمعايير الواجب والمقدس. إن الشخصية السياسية هي صيرورة المواقف العملية. ومن ثم فان البحث العلمي سوف يقف دوما أمام إشكالية الثابت والعابر، والحقيقي والوهمي، والتاريخ واليوطوبيا فيها. وهي جوانب تتكشف قيمتها الذاتية بالارتباط مع حقيقة دورها الفعلي بالنسبة لمصير الدولة والأمة والثقافة. إن الشخصية السياسية وثيقة الارتباط بالماضي. وهي في الأغلب نتاج له. لكن قيمتها الفعلية تبقى على الدوام جزء من "مشاريع الغيب"، أي المستقبل. من هنا تفاهة ولحد ما سخافة الاتهامات التي تكيلها مختلف القوى السياسية لشخصية مقتدى الصدر. فعوضا عن أن يجري تناولها باعتبارها جزء من صيرورة العراق السياسية المعاصرة، وكينونته الفردية ضمن إطار العائلة الصدرية وتراثها العقائدي والفكري والسياسي والروحي، فانه عادة ما يجري الحكم عليه بمعايير الرؤية الإيديولوجية والسياسية الضيقة. وليس مصادفة أن تلتقي مختلف التيارات المتناقضة في موقفها منه وتتشابه في تقييمها إياه!! فعندما نتأمل ونتفحص ما كتبته وتكتبه الصحافة "اليسارية" و"اليمينية" والقومية (العربية والكردية) والطائفية (السنية ولحد ما الشيعية) والأمريكية والصهيونية، فإننا نقف أمام تشابه والتقاء غريب! أما في الواقع فانه لا غرابة في الأمر، وذلك لان كل هذا التشابه يعكس أولا وقبل كل شيء طبيعة "اللغز" الكامن في شخصية مقتدى الصدر والحركة الصدرية. وغرابة اللغز الصدري لا تقوم فيه، بقدر ما تقوم في طبيعة اللغز العراقي وحجم الخراب المادي والمعنوي، الذي وجد سبيله الى هذا الكم الهائل من التشويش والتشويه المادي والمعنوي في العقل والضمير والواقع. فعندما نضع شخصية مقتدى الصدر على طاولة تشريح حياته الشخصية، فإنها تبدو بسيطة ومباشرة ولا تعقيد فيها. وهو أمر يمكن رؤية ملامحه في ملامحه وحركاته وجلوسه ونطقه. تماما بالقدر الذي نراه في هذا التحول العاصف في نموه السريع وخروجه من بين الركام الهائل للمأساة العراقية بدعوته الأولى والصريحة لجمع كل طاقة الرثة الاجتماعية وقواها المتناثرة والمجزأة والمهمشة في "جيش" يستنير بعقيدة "الغيب" القادم. وهي الصورة التي كان يمكن رؤية ملامحها المثيرة للشفقة والاعتزاز في خطوات أولئك الشباب الموشحين بالسواد وهم يترنمون فيها و"يتبخترون" على تطاير الأتربة من وقع أقدامهم المليئة بالثقة، كما لو انهم يريدون أن يقولوا للعالم الذي رماهم على أطراف العاصمة وهم صانعوها: إن العالم وما فيه غبار تحت أقدامنا! وهو التحدي العريق في العراق، الذي برز للمرة الأولى بصورة استفز فيها القوات الأجنبية الغازية، وقوات المرافقين لها من أحزاب وأشخاص، وبقايا حوزة علمية مختبئة في تقاليدها وتقليدها، وفلول السلطة المنهارة. فقد وجد كل منهم في شخصية الصدر وتصدر الحركة الصدرية لصدارة التحدي العنيد "شبحا" مثيرا للهجاء والسخرية. وهو واقع يكشف عن كمية ونوعية الاغتراب العميق في العراق. وهي حالة "طبيعية" بالنسبة للانحطاط. فالانحطاط لا يفقه معنى التحدي، لكنه يتحسسه بمقاييس السخرية والاستهزاء. وليس مصادفة اشتراك جميع هذه القوى في استغرابها لهذا "الصبي" "الجاهل" "الزعطوط" في منافسته إياهم . وهو تقييم كان محكوما بنفسية وذهنية المؤامرة والمغامرة المميزة للقوى السياسية التي رافقت قوى الاحتلال دون أن تتمتع بقدر ضروري من الاستقلال والحكمة العملية. وهي حالة لم تكن معزولة عن التجزئة الفعلية والعميقة بين "عراق الداخل" و"عراق الخارج". فالأول كان من حيث هواجسه ورغباته جزء من قوى الاحتلال، بمعنى انه كان محكوما برغبة الارتماء في أحظان السلطة والتمسك بأقدامها. بينما كان "عراق الداخل" هو سديم الحركة الكامنة في تاريخ الاحتجاج والمعاناة القاسية لعراق المدن الخربة والأرياف المنهكة. من هنا استغراب القوى الخارجية بفعل اغترابها عن العراق، وكذلك الحال بالنسبة لاستغراب "الحوزة العلمية" بسبب ارستقراطيتها المتلفعة بعباءة "السادة العلوية" . وهي غربة تلتقي مع "ارستقراطية" الصدامية التي كانت للامس القريب نموذجا حيا للحثالة الاجتماعية والمهمشين. غير أن الصدر يتفوق عليهم جميعا بمآثر العائلة وتراثها الفكري والروحي والسياسي والأخلاقي. وهو تفوق يجد تعبيره أيضا حتى في أرذل الصيغ تهكما وابتذالا في الإساءة إليه، عندما جرى إطلاق عبارة "الملا أتاري" عليه. استنادا الى انه لم يكن مشهورا قبل الاحتلال الأمريكي للعراق، وان أحدا لم يسمع عنه شيئا، وانه "كان يحب العاب الفيديو في صغره"، وانه لم "يتعلم" ولم يبلغ درجة "الاجتهاد"، وان أقصى درجة بلغها في "العلم" هي "طالب بحث خارجي". ومن ثم لا يمكن فهم سر هذه الشعبية الكبيرة التي حصل عليها بين ليلة وضحاها سوى ما تفتحت به قريحة "النيوزويك" التي اعتقدت أن من الضروري، بل ينبغي فهم هذا السر بمعايير "العصابة". وكتبت بهذا الصدد تقول، بأنه "ينبغي النظر الى مقتدى الصدر،باعتباره رئيس مافيا شاب. ولأنه يسعى لكسب الاحترام فهو مستعد للقتل من أجل تحقيق غايته". وهي صيغة تعكس مستوى التخلف العقلي والذهني في تناول إشكالية صعود الشخصيات السياسية ومستوى التسطيح الفج في التحليل. لكنها مع ذلك الصيغة الأكثر انتشارا وقربا الى أفئدة الصحافة العربية والعراقية الغاطسة في وحل الطائفية السياسية والعرقية و"اليسارية" و"الليبرالية". وهي صورة يمكن رؤيتها على صفحات الانترنيت أيضا من خلال عرض "الأفلام الوثائقية" والكاريكاتير ومختلف "الصورة البيانية" و"الحجج الدامغة" التي تصوره "مصاصا للدماء" و"قاتلا" و"همجيا"، إضافة الى مختلف الصور الشخصية المشوهة لملامحه الخارجية وأسنانه المتكسرة وشكله الفض الغليظ وما شابه ذلك، أي كل ما يهدف الى تسطيح الوعي وتخزين اللاوعي بترهات "العقل الماكر" ورذيلة الكراهية والحقد. وحالما نضع هذه الصيغ ضمن السياق التاريخي الفعلي لمقتدي الصدر والحركة الصدرية، فإننا نستطيع من خلالها رؤية ضحالة "الفكر النقدي" وطبيعة الكراهية المعمرة للقلوب الخربة! وذلك لان كل الصور السلبية والتشهير الفض ما هو في الواقع سوى الوجه المقلوب لفضيلة الصدر وشخصيته القوية ونموذجه الشعبي الأصيل. إننا نقف أمام شخصية ظهرت من بين ركام الانحطاط والتخلف والفئات المقهورة. انه وليد نفسه، واردته الفردية، وقوة التقاليد الحيوية للمواجهة والتحدي، والخروج على المألوف، وعدم الانحناء أمام عاصفة الغزو وشهوة الارتماء تحت أزيزها من اجل التلذذ بنشوة المنتصر! ومن ثم لم تكن "قسوة" و"خشونة" مظاهره سوى الصورة الواقعية عن حقيقة الصدر الفعلية، بوصفه ابن المدن المهمشة والخربة. انه ليس سليل "النعومة" المخنثة "لرجال الدين"، كما انه ليس "نجم" السرقة المتمرسة بتقاليد الرياء الديني. ومن ثم لا تعني "عدم تعلمه" اجترار المعلومات الميتة، سوى فضيلته الحية. فهو يعمل ويفكر وينطق ويجتهد بحدسه الشعبي والعراقي. وهو الطريق الواقعي لصنع الواقعية، والعقلي لصنع العقلانية، والاجتماعي لصنع المدنية، والشعبي لصنع العراقية. وهي المكونات التي كانت تضعه أمام مهمة الإفتاء الحقيقي للحياة بشكل عام والسياسية بشكل خاص. بعبارة أخرى، إن مختلف المحاولات المستميتة لإماتة صفاته المعنوية المغرية لا تفعل في الواقع إلا على إبراز صورته الفعلية. وهي صورة واقعية تحتوي على قدر هائل من المصداقية. فشخصية مقتدى الصدر بلا لمعان مصطنع. إنها ارض العراق الخربة ومهلهلي مدينة الثورة. وعندما تلصق الجماهير لقب "الصدر" بمدينتهم، واعتزاز احدهما بالآخر، فإن ذلك دليل على طبيعة التماهي بينهما. إن مرجعية الصدر هي مدينة "الثورة" وليست "آيات الله" القابعة في سراديب الفقه الميتة، ودهاليز الخديعة والمكر "الإلهي" للمؤسسات التقليدية المغلقة. وهي المرجعية التي تحتوي في أعماقها على ما أسميته بميتافيزيقيا "الثورة" الصدرية، التي جعلت من بؤسها التاريخي تاريخ البأس "المتسامي". وليس مصادفة أن يظهر فيها وليس في الكوفة أو النجف شعار "جيش المهدي". فالتقاليد الكبرى لا يمكن حصرها في المكان. وهي فكرة سبق وان تبلورت منذ زمن سحيق في تقاليد الوجدان الشيعي القائل، بان كل مكان للقتال والتضحية من اجل الحق، وكل مكان تتجسد فيه معالم المأساة هو "كربلاء". وكربلاء ليست حصرا على من فيها أو يعيش على ما في تراثها من تضحية ومأساة. ومن ثم كان بإمكان مدينة الثورة أن تنسخ بكربلاء الثورة. وهي الحالة التي جسدتها المدينة بوصفها حزام البؤس التاريخي للعاصمة! إذ لم يكن بإمكان بغداد أن تعصم "ثورة" تموز لعام 1958، مما جعل من المدينة محلا للتلاعب اللاحق. وليس مصادفة أن يسعى صدام لإحلال اسمه عليها. لقد أراد مصادرة الشعلة القائمة في أعماقها من خلال تكبيل تاريخها بقيود الزمن الدكتاتوري. وهو الوهم الذي كان ينتج بدوره أوهام المعارضة المقدسة. كما أنها الحالة التي لم يكن بالإمكان توقع صيرورتها في شيء غير "انتظار" الخلاص الأبدي من الظلم والحيف والمهانة. من هنا ولع "المهدي المنتظر" في أعماق النفس المسحوقة. لكن تاريخ المدينة كان يحمل في أعماقه، بفعل السحق الدائم لمكوناتها، على قدرة إنتاج مساحيق "الثورة". من هنا احمرار الأعلام في خمسينيات القرن العشرين واسودادها في بداية القرن الحادي والعشرين. وهي المصادفة التي تعكس تاريخ الكفاح من اجل الحق بما في ذلك في رمزيتها، أي رمزية السيل الدائم للدماء القانية في ارض السواد! وهو السيل الذي جعلت منه التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية أخدودا عميقا في الذاكرة والذكرى العراقية. من هنا جبرية "المهدي" بوصف قدر الانتظار الأبدي للخلاص من معاناة الروح والجسد. فقد كان "المهدي" وما يزال وسوف يبقى في انتظار أعدائه وأحبائه. كل منهما يرتقبه ويترقبه بطريقته الخاصة. من هنا سرعة المبادرة التي أعلنها مقتدى الصدر في الإعلان عن "جيش المهدي" وتشكيل "فرقه وأفواجه". وهو إعلان له دلالته السياسية عندما نضعه ضمن سياق "ميتافيزيقيا الثورة" القابعة في نفسية الانتظار وذهنية الخلاص وتاريخ البؤس الاجتماعي والقمع الدكتاتوري. وهي الميتافيزيقا التي اجتذبت بمغناطيسها المغري جزيئات الثورة المتناثرة والمجزأة في أزقة المدينة وخرائب العراق الهائلة. وفيها ومن خلالها يمكن رؤية الاستعادة المفاجئة للتاريخ المهدور، والخروج العنيف للقوة المكبوتة وطاقة الاحتجاج، والصعود الوجداني للأمل. وليس مصادفة أن يتحول مقتدى الصدر من "زعطوط" مغمور الى قائد وقور بسرعة خاطفة. وفي هذا يكمن سر البحث عن "الجهل" والرعونة" وعدم "التعلم" وما شابه ذلك عند التيارات الشيعية المنافسة. والسبب بسيط للغاية وهو انه ابن "الثورة" وسليل العائلة القابعة في الضمير العراقي والمعارضة العنيفة للدكتاتورية. بينما اتهمه الغزاة وأعوانهم وبقايا الصدامية والطائفية السياسية السنية الهائجة بمختلف أصناف التهم، بحيث وجدوا فيه تجسيدا حيا "لفرق الموت" والقتل الطائفي، أي كل ما كان يتشكل ويتراكم في سياسة الاحتلال وحشرجة الطائفية السياسية للصدامية وبقايا صداها وصدأها. وهو الأمر الذي جعله غريبا بين الغرباء. فقوى "الخارج" المغتربة، وقوى الصدامية الغاربة، وقوى الاحتلال الغربية، لم يكن بإمكانهم إدراك الحقيقة البسيطة القائلة، بان "صعود نجم" الصدر لم يكن مفاجأة أو صدفة عابرة أو لمحة طارئة بقدر ما كان جزء من مصيره الشخصي المجهول، وحلقة في مصير عائلته المعلوم. فقد ولد الصدر وترعرع في أوج السيطرة الدكتاتورية وانحلالها المعنوي (1973 - 1999). فهي المرحلة الممتدة بين ولادته ومقتل أبيه. ذلك يعني انه ترعرع في أوج القوة المتنامية للدكتاتورية والعائلة الصدرية. وهو صعود كان يحمل في أعماقه حتمية الصراع والمواجهة. وهي الحتمية الكامنة فيما يمكن دعوته بالفترة التكوينية لشخصيته الباطنية والظاهرية. فقد كانت حياته وشخصيته الأولى محكومة من جهة بإرث العائلة، كما وجدت صداها في تربيته وتعلمه أول الأمر على يد أبيه محمد صادق الصدر، ولاحقا على يد آية الله الحائري (وهو بدوره احد تلاميذ محمد باقر الصدر). ذلك يعني أن مرجعيته التكوينية (الباطنية) كانت في أبيه وخاله. وهي مرجعية شيعية عراقية عربية. بينما كانت حياته المحكومة بقبضة الدكتاتورية ومراقبتها التامة بعد مقتل أبيه هي الوجه الظاهري. وهو وجه لا مرجعية فيه لأنه جزء من حياة الأفراد. وإذا كان ولعه بالفيديو في صغره أمرا واقعيا، فانه فضيلة بحد ذاته. ولا معنى للشماتة. إن اغلب أطفال العالم المعاصر (ومن ثم رجال المستقبل) يمرون عبرها شأن كرة القدم أو السباحة أو الفروسية في الماضي. إذ لكل جيل ألعابه. وبأس الحياة التي لا تعرف الطفولة ولهوها ولعبها! إن اللعبة الكبرى والحقيقة لمقتدى الصدر تقوم في المصير الذي كان يختمر في جبرية الحياة السياسية للعراق المعاصر، واثر العائلة وتقاليد الروح الشيعي. ومنهما وفي مجراهما تبلورت شخصيته ومقوماتها النفسية والأخلاقية والعقائدية والسياسية. ففما لا شك فيه أثر مقتل والده وأخوته الاثنين على مجرى حياته العامة والخاصة. بينما لعبت حياته اللاحقة (بعد السادسة عشرة) دورا مهما في بلوره نفسيته السياسية، وبالأخص حالة الإقامة الجبرية مع والدته وشقيقه. وهي مكونات يصعب حصر كل مكوناتها وأثرها بسبب كثرتها وفظاعتها، لكنها "مألوفة" معروفة لكل مكونات العراق وأجياله في مجرى أقسى وأرذل عقدين في تاريخه الحديث، أي ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين. وهما عقدان جعلا من كل ما في العراق مستعدا للتحلل والاندثار. بحيث أوصلت التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية العراق والمجتمع والثقافة الى حالة مغلقة ومزرية تماما. ولكنها عقود تراكمت فيها طاقة الاحتجاج والكراهية المطلقة للسلطة، بحيث أصبح اليأس من إصلاحها حالة المرء الباطنية والظاهرية. من هنا انفجار تيارها اللاعقلاني مع أول بادرة لهروب قواتها المنخورة. وهو الأمر الذي جعل العراق يثور بطريقة اقرب ما تكون الى الجنون كما لو انه شعر للمرة الأولى في تاريخه الحديث بإمكانية الرجوع الى ذاته وكنس كل تلك القذارة النتنة للصدامية وارثها الدموي. وهي الحالة التي أثارت "جنون" الانهماك في النشاط السياسي واندفاعه صوب كل ما يمكن لليد أن تصل إليه. أما الأفئدة والقلوب فإنها "تسامت" صوب المطلق. ولا مطلق في العراق بعد سقوط الصدامية سوى الثار منها. وهي النفسية التي تتمتع في تاريخ العراق بتقاليدها الثقافية والعقائدية الخاصة. وهي التقاليد التي يمكن تحسس ملامحها في إحدى خطبه التي تفوه بها مقتدى الصدر عندما قال "قد قررت أن أتخذ طريق أجدادي وفق عقيدة الإسلام الأبيّ الحرّ الذي لا يقبل بالضيم والظلم والاستكبار والاستعمار، وطّنت نفسي ومعي العديد من العراقيين أننا علينا أن نفكر بديننا وشعبنا أولا، ومن ثم نفكر بمصرنا". وهو الموقف الذي نسمعه منه لاحقا في مجرى المواجهات العنيفة بين وبين سلطة الاحتلال "العراقية"، عندما قال بتاريخ 21 نيسان 2004: "لا تستخدموا موتي أو اعتقالي ذريعة لكي لا تكملوا ما بدأتم"! وهي الصورة التي يمكن مقارنتها بشخصية المختار وهو في مواقفه الأخيرة يواجه بقواه الشخصية وأتباعه القلائل جيوش مصعب بن الزبير في الكوفة. حيث اعتبر الخروج من معاقلهم المحاصرة والموت في ميدان المعركة الصيغة المثلى للمواجهة والتحدي والدفاع حتى النهاية عما كان يدعو إليه. وهي الحالة التي واجهها مقتدى الصدر و"جيش المهدي" في معارك النجف. غير أن التاريخ لم يستنسخ ما جرى بحذافيره، بل نسخه بمواقف التحدي الواقعية. وهي الدراما التي مازالت تفعل فعلها في واقع العراق السياسي، والتي تشكل بخطوطها العامة استمرار لصراع ما يمكن دعوته بتيار غنيمة الزمن العابر وتيار التضحية والانتقام التاريخي.
#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)
Maythem_Al-janabi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المركز السياسي والمركزية الثقافية
-
كتاب (العراق والمستقبل – زمن الانحطاط وتاريخ البدائل).
-
الدكتور علي ثويني – الفكرة المعمارية وهندسة الروح العراقي
-
حدود الصراع الروسي الجورجي وتجارب -الثورات الملونة- (1-2)
-
نهاية الزمن العرقي (الكردي) في العراق (2-2)
-
نهاية الزمن العرقي (الكردي) في العراق (1-2)
-
نهاية الزمن الطائفي في العراق
-
تقسيم العراق – يقين الأقلية العرقية وأوهام الطائفية السياسية
-
فلسفة الثقافة البديلة في العراق
-
العراق ومرجعية الرجوع الى النفس
-
(أشجان وأوزان الهوية العراقية) كتاب جديد لميثم الجنابي
-
-الروافض- وفلسفة الرفض العراقية
-
الحركة الصدرية - الغيب والمستقبل (6)
-
الحركة المختارية والحركة الصدرية – الماضي والمستقبل 5
-
عقيدة الثأر السياسي في العراق - من الحركة المختارية الى الحر
...
-
عقيدة الثأر السياسي في العراق - من الحركة المختارية الى الحر
...
-
عقيدة الثأر السياسي في العراق - من الحركة المختارية الى الحر
...
-
عقيدة الثأر السياسي في العراقي - من الحركة المختارية الى الح
...
-
مراقد الأئمة – مواقد الثأر الهمجي
-
غجر الثقافة في العراق
المزيد.....
-
كاتدرائية نوتردام في باريس.. الأجراس ستقرع من جديد
-
“التحديث الاخير”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah T
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف بالصواريخ تجمعا للاحتلال
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تعلن قصف صفد المحتلة بالصواريخ
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف مستوطنة راموت نفتالي بصلية
...
-
بيان المسيرات: ندعو الشعوب الاسلامية للتحرك للجهاد نصرة لغزة
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف بالصواريخ مقر حبوشيت بالجول
...
-
40 ألفًا يؤدُّون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تواصل إشتباكاتها مع جنود الاحتلا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف تجمعا للاحتلال في مستوطنة
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|