أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - جورج كتن - أولوية النصوص على الوقائع! ماذا تبقى من الماركسية؟















المزيد.....



أولوية النصوص على الوقائع! ماذا تبقى من الماركسية؟


جورج كتن

الحوار المتمدن-العدد: 694 - 2003 / 12 / 26 - 08:28
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


 * جورج كتن  ** وليد مبيض 
 يمكننا بداية أن نحدد الإطار الذي نرى الماركسية فيه، فهي كما نزعم جزء من التراث الإنساني المقاوم للظلم والداعي للمساواة الاجتماعية، بمعنى أنها ليست أول ما ابتدعه الفكر الإنساني، ولن تكون الأخيرة، في بحث الإنسان عن الحرية والعدالة، وهي بهذا الفهم تتعرض للشيخوخة وربما الموت ككل فكرة إنسانية، مما يفسح المجال لظهور أفكار جديدة تستفيد من القديمة وتضيف إليها ما تفرزه الحياة الإنسانية من وقائع، وهكذا فقد شاخت بعض أفكار الماركسية منذ كان ماركس وإنجلز على قيد الحياة، كما أشير إلى ذلك في مقدمة للبيان الشيوعي، أما معظم الأفكار الباقية فقد شاخت مع الزمن بعد أن تجاوزتها الوقائع، وأضاف العصر الحديث في القرن العشرين على مستوى العالم وليس أوروبا فقط، وقائع جديدة أصبحت مادة للتحليل للعديد من المفكرين التقدميين الذين واجهوا هذه المسألة بشجاعة نادرة لا تكترث للحرب التي شنت عليهم من "الماركسيين" تلامذة ماركس الذين سبق أن تبرأ منهم بعد أن حولوه إلى قديس وحولوا نصوصه إلى آيات قابلة للتفسير لا للنقض، فمعظم من يقول بأنه ماركسي حالياً حوّل المفاهيم الأساسية لماركس إلى مذهب ديني يستوجب من أتباعه الإيمان الكامل غير المنقوص رغم الادعاء بـ"العلمية" وإمكانية مراجعة بعض جوانب المذهب الثانوية، وتكاد الرهبة أمام تعاليمه تفوق الرهبة من الأنظمة القمعية لدى أتباعه، لتصبح مهمة معظمهم مطابقة الوقائع الجديدة بنصوص النظرية- المذهب، وهي عملية لا يمكن أن تتم إلا بتقطيع أرجل الواقع أو رأسه، أي تشويهه ليصبح منسجماً مع المفاهيم التي شاخت، وبحيث تتحول الوقائع الجديدة إلى "براهين" لإثبات صحة النظرية، هذا التمسك بالنصوص إذا كان في جانب منه إيمانياً فهو من جانب آخر عجز عن استخلاص فكر جديد من الواقع الراهن. 
الماركسية اليوم بحاجة لمراجعة شاملة حتى لو كانت نتيجة ذلك شيئاً آخر غير الماركسية، إذ لا يكفي تعديلها أو إلغاء بعض أركانها لتخليصها من كل فكر شمولي، فالتلمس العقلاني والواقعي لأخطائها وعيوبها يبدأ من رفض الادعاء بأنها صالحة لكل زمان ومكان، لكن الماركسيين الأصوليين لا يزالون مرتاحين لقناعتهم القديمة الراكدة، ويستنكرون الشك بالماركسية! فالشرط المسبق برأيهم للمراجعة التمسك بها، رغم أن العديد منهم يرفضون شكلياً اعتبار منظوماتها الفكرية مقدسة.
 الماركسية برأينا نظرية جاءت متناسبة مع الغرب الأوروبي في القرن التاسع عشر تحديداً، وهذا في رأينا السبب وراء فشل محاولات تعريبها وإعادة إنتاجها محلياً، لأن إخراجها عن حيزها المكاني ـ الزماني، يجعل منها قالباً نظرياً، على الوقائع الموضوعية التلاؤم معه. فقد تابع ماركس الفلسفة الألمانية والاقتصاد السياسي الإنكليزي والاشتراكية الفرنسية وجمع بين جدل هيغل ومادية القرن الثامن عشر ليؤسس لمادية جدلية، ووسع الفلسفة المادية لتشمل قوانينها المجتمع البشري بالإضافة للطبيعة، وتبنى مفهوم الصراع الطبقي كمحرك للتاريخ بناء على معطيات زمنه في أوروبا، وكأساس لمادية تاريخية تعود للوراء لتفسير مراحل التاريخ السابقة بناء على المصالح المادية وأسلوب الإنتاج، كما حلل النظام الرأسمالي القائم ليستنتج أن الطبقة العاملة هي الوحيدة الثورية، وأن جميع الطبقات الوسطى ستتهاوى مع تقدم ونمو الصناعة الحديثة، وستنتقل إلى صفوف الطبقة العاملة المفقرة، التي سيؤدي نضالها ضد البرجوازية حتماً لمجتمع اشتراكي يلغي التناقض بين الطابع الاجتماعي للعمل والملكية الخاصة، وينهي أزمات فيض الإنتاج الملازمة للرأسمالية، وهذا المفهوم برأيه هو الحجر الأساس في نظريته الاشتراكية، وما يميزه عن المذاهب الأخرى التي يتهمها بالطوباوية، كما أضاف ركناً آخر لنظريته بعد كومونة باريس: البروليتاريا المنتصرة ستقيم ديكتاتوريتها كبديل لديمقراطية برجوازية زائفة. وتوقع أن تطور الرأسمالية سيحطم الحدود القومية ويستبدل الصراعات القومية بالصراعات الطبقية على مستوى العالم، فالعمال لا وطن لهم، كما أن الأمم هي نتاج المرحلة الرأسمالية.
نعرض هنا بعض المسائل حيث تجاوزت الوقائع المفاهيم الماركسية أو أثبتت خطأها:
أولاً ـ الصراع الطبقي:
جاءت التطورات في القرن ونصف بعد ماركس في المراكز الرأسمالية لتثبت طوباوية الرسالة الخاصة للبروليتاريا ونظرية إفقارها وتوسيعها المتزايد. ما جرى على أرض الواقع هو تناقص أعدادها، وتزايد الطبقات الوسطى لتصبح غالبية المجتمع، التي حتم ماركس زوالها، كما لم يتم إفقارها بل تحسنت أوضاعها بشكل مستمر. ولم تتجاوب مع الرسالة الخاصة التي وضعها لها ماركس فتخلت عن النضال من أجل الاشتراكية لصالح المساومة التاريخية التي جرت في إطار النظام الرأسمالي، حيث استمرار تحسن أجور العمال بالارتباط مع ارتفاع الإنتاجية، مقابل القبول بصندوق الاقتراع حكماً بين الجميع، فتحولت الديمقراطية التمثيلية التي اعتبرها ماركس أداة استثمار الرأسماليين للعمال المأجورين إلى أداة لتحررها، وهكذا فالرأسمالية لم تنتج البروليتاريا كحفارة قبرها كما ادعى ماركس، ولم يعد من المنطقي تمييزها عن الطبقات الأخرى على صعيد الدور القيادي للمجتمع.
أما أزمات الرأسمالية التي تنبأ ماركس بأنها ستتكرر بحدة متزايدة وستؤدي حتماً للأزمة النهائية التي ستقضي على النظام الرأسمالي الذي يقف على حافة الانهيار، فقد باتت الرأسمالية قادرة على مواجهتها والتقليل من آثارها، إذ أبدت مرونة هائلة في التكيف واستخدمت قوانين الاقتصاد عن وعي وبصورة عقلانية، مما جعل التناقض الماركسي بين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج هامشياً، فما يحدث حالياً جدل مزدوج التأثير في الاتجاهين بين البنى التحتية والبنى الفوقية، فلا يمكن فصل أحدهما وجعله أساسياً، أما الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج فلم تمنع الرأسمالية من تحقيق ثورة علمية تكنولوجية لتطوير الإنتاج مكنت من توزيع فوائدها على كل الطبقات، كما نشرت ضمانات اجتماعية واسعة، وطورت أشكال الملكية الخاصة بحيث ازداد عدد من يملكون الثروة في الشركات المساهمة، ووسعت الديمقراطية وحقوق الإنسان لتشمل كافة المواطنين، وطورت الدولة وقبلت تدخلها واعتمادها التخطيط لضبط آليات السوق، والتدخل في تحديد الأسعار والأجور، كما قبلت تحول الدولة إلى مستثمر رئيسي، وصدور معظم الابتكارات العلمية عن مؤسسات تمولها، بحيث لم يعد للصراع بين البرجوازية والعمال سوى دور ثانوي بينما جعله ماركس محركاً رئيساً للتاريخ.
  وهكذا لم تعد فكرة الصراع الطبقي هي التناقض الأساسي في العالم، إذ أصبح محرك التاريخ صراع كتلة من الدول الرأسمالية المتقدمة صناعياً، مع شعوب الجنوب والشرق المتخلفة، وإذا كانت نظرية الإفقار الماركسية باتت تعمل في مجال مجتمعات بكاملها، وليس في مجال طبقات فذلك لا يعني أن الماركسية لا تزال بخير، فسحب نظرية الإفقار للمجال الدولي يتناقض كلياً مع مفاهيمها. كما بات العديد من علماء الاقتصاد وحتى الاشتراكيين منهم يعتقدون بأنه لم يعد من الجائز تحليل الرأسمالية الراهنة على أساس البعض من قوانين ماركس الاقتصادية كمفهوم فائض القيمة أساس نظريته الاقتصادية، والذي يعتبر تطويراً لمفهوم القيمة-العمل لسميث وريكاردو، كما ثبت بالملموس في الاتحاد السوفييتي السابق وفي كل التجارب الاشتراكية التي تحققت في القرن العشرين، أن إلغاء السوق والعرض والطلب واستبداله بالخطة كما طالب ماركس، أدى لكارثة اقتصادية.
وكان برينشتاين في السنين الأولى للقرن العشرين أول من نبه إلى أن الواقع الرأسمالي والعمالي والطبقي عموماً يتطور بعيداً عن المخطط النظري الذي وضعه ماركس، والآن بعد مائة سنة من مقولاته مازال " المتدينون" الماركسيون يصرون عليها، ويصرون على استمرار أزمة الرأسمالية المتفاقمة، مما يكاد يشبه التبشير بكارثة القيامة. إن ذكر اسم برينشتاين يثير حساسية الماركسيين الأصوليين، الذين لا يزالون يصمونه بالارتداد والكفر، فكم سيمضي من الوقت لتصبح مقولاته قابلة للنقاش، أسوة بتروتسكي الذي أعيد الاعتبار له بعد مضي أكثر من نصف قرن على إخراجه من حظيرة "الدين" الماركسي.
ثانياً ـ الاشتراكية الماركسية:
 أصبح تكرار الدعوة للشيوعية وللاشتراكية أقرب ما يكون للتبشير بالجنة على الأرض، فالماركسيون أزالوا المطلق الديني، واستبدلوه بمطلقات الشيوعية والاشتراكية والطبقة العاملة والحزب، فالرأسمالية حقيقة قائمة ومتطورة لا يمكن تخطيها ولفترة طويلة، إلا بنظام اشتراكي عالمي، لا يمكن إقامته إلى أن تبلغ الرأسمالية حداً من التطور الاقتصادي كبيراً ومتناقضاً في آن معاً، مما يجعل أغلبية الناس يتحولون إلى جانب الاشتراكية، وأي محاولة لإقامتها قبل ذلك سيعني الانحراف بها إلى الاستبداد. 
 وكما خابت آمال ماركس في ثورة اشتراكية عالمية منتصف القرن التاسع عشر، كذلك خابت آمال لينين في ثورة اشتراكية في الغرب تدعم ثورة أكتوبر، التي نجحت لأسباب تتعلق بالسلم والحرب وتوزيع الأرض على الفلاحين وإنهاء الاستبداد القيصري وحل مشكلة القوميات، أكثر بكثير من نجاحها كثورة عمالية لإلغاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، وهو ما أكده بليخانوف وكاوتسكي والمناشفة من أن روسيا غير مؤهلة لبناء الاشتراكية، إذ يمكن لحزب أن يستولي على السلطة بالعنف (ضحايا العنف والحرب الأهلية والمجاعة في عهد لينين ملايين البشر) ولكنه لا يمكن أن يبني الاشتراكية بالعنف. وعندما دعا لينين لتحالف العمال والفلاحين كان مضطراً للخروج عن الماركسية في بلد 80%  منه فلاحين، ولكن لحفظ هيبة الحزب أبقى اسم "العمال" على رأس التحالف، وبما أن العمال عاجزين عن قيادة التحالف كان لا بد من الحزب كبديل آخر للطبقة، كذلك ماو في الصين ظل يدعي بـ "الماركسية البروليتارية" رغم أنه قاد ثورة فلاحية.
أدى ذلك في الاتحاد السوفييتي وفي كل التجارب الاشتراكية الأخرى، إلى نشوء طبقة بيروقراطية جديدة سيطرت على وسائل الإنتاج والسلطة السياسية، وحولت الدولة إلى رب عمل جماعي وألحقت المجتمع بالدولة وأقامت رأسمالية دولة متخلفة عن الرأسمالية التقليدية تنتج بكلفة عالية ناجمة عن سوء استخدام البيروقراطية للمواد والقوى ومنع المنافسة وإلغاء الحوافز وإلغاء النضال المطلبي، فبينما الرأسمالية المبشر بكارثتها استمرت في التقدم والتطور، تفاقمت الأزمة العامة في التجربة التي دعيت اشتراكية ماركسية إلى أن وصلت للانهيار النهائي.
ما انهار هنا هو النظرية وليس تطبيق خاطئ لها، فشلت الاشتراكية الماركسية في بيئتها الأصلية أوروبا، أما ترحيلها للبلدان المتخلفة فقد أدى لفشل مضاعف، فالاشتراكية هنا ليست على جدول الأعمال راهناً ولفترة طويلة، والدعوة لتغيير اشتراكي بفعل قسري سيقترن بالقمع لفرض ما لم تنضج ظروفه بعد ولا إمكانيات لتحقيقه، والشعب المحروم من الحرية والحقوق السياسية سيحرم بالنتيجة من الخبز، والاشتراكية لن تتحقق إلا بالطريق الديمقراطي السلمي وبخطوات متدرجة طويلة الأمد، وإذا كان لا بد عندها من الاستفادة من النظريات الاشتراكية فالماركسية إحدى التيارات الاشتراكية وليست التيار الوحيد، فالدعوة للعدالة الاجتماعية يشمل كافة التيارات، وعندما تصبح الظروف مهيأة لذلك فإن التغيير التدريجي والمتراكم تقوم به غالبية الشعب وليس طبقة أقلية في المجتمع، مثل هذا التغيير غير حتمي وغير مضمون منذ الآن، ولا يعتمد فقط على تأجج الصراع الطبقي بل بدرجة أكبر على القدرة الإنسانية الواعية لتكييف الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية لخدمة الحاجات الإنسانية، فالعامل الإنساني دائماً أهم من العامل الطبقي ولو أنه لا ينفيه.
ثالثاً- المنهج:
 يتفق معنا العديد من الماركسيين في أن الزمن تجاوز تحليلات ماركس حول الرأسمالية والاشتراكية والصراع الطبقي والطبقة العاملة، لكنهم يصرون على التمسك بالمنهج الماركسي: ديالكتيك المادة والتاريخ، لأنها تمكنهم من تحليل الأوضاع الراهنة المتطورة التي لم يكن مطلوباً من ماركس التنبؤ عنها، لذلك لا يزالون يتغنون بالنصوص الفلسفية والقوانين العامة الماركسية بلا أي فحص عقلاني لها، وينعتونها بالعلمية والثورية للإيحاء بأنها غير قابلة للنقض، وعندما يقبلون بتغييرات لتفاصيلها يتمسكون بمبادئها الأساسية، بينما تغير التفاصيل لا يعمق ويطور، بل يبدل أيضاً النظرية بالكامل، فحركة التاريخ الموضوعية لها أسبقية على أي نظرية وأي منهج مهما كانت عبقرية المفكر، والنظرية والمنهج ليس لهما أسبقية على التاريخ والوقائع كما يظن كل من يتمسك بمقولة لينين المشوشة "لا حركة ثورية من دون نظرية ثورية".
بينما المنهج المادي الجدلي لم يكن أصلاً من إبداع ماركس، فحسب أقواله لم يفعل سوى إيقافه على قدميه، مما يعني أن دوره كان تطويره فحسب، فالمنهج نفسه يخضع للتطوير الدائم على ضوء تطور العلوم التي تؤدي لتغيير المنهج وليس إلى إثبات أنه ما زال صحيحاً، فالوقائع الجديدة تؤدي لإلغاء بعضاً من مقولاته إلى أن تتجاوزه كلياً، فلا شيء ثابت أو نهائي، وبالتالي لا يمكن اعتبار المنهج المادي الجدلي الثابت الوحيد في الماركسية.
فأول ما ثبت خطأه في فهم ماركس وانجلز للمنهج المادي الجدلي هو اعتبارهما أن الحتمية تنطبق على العلوم الإنسانية كما العلوم الطبيعية، وهو خلط لقوانين الطبيعة مع قوانين الاجتماع البشري، فالتدخل الإنساني يعطل القوانين ويغير دفة الأحداث، وهو عامل غير موجود في الطبيعة حيث يمكن توقع حتمية قوانينها، أما الحتمية الماركسية فطوباوية لأنها تولد قناعة يقينية بأن الأشياء ستحدث حسب قوانين مكتشفة مسبقاً، بينما الإنسان يلعب دور الفاعل إلى جانب كونه موضوع الفعل، وله مواصفات العقل والوعي والقدرة على التعلم والتحليل والاستنتاج، ولا يتأثر بانتمائه لطبقة فقط بل أيضاً لقومية ولثقافة ولمهنة ولدين ولأسرة، ووعيه ليس انعكاساً للواقع بل له دور أساسي في التأثير على الواقع، كما يؤثر الواقع على وعيه.
والمجتمع الإنساني لا تحكمه عوامل اقتصادية فقط، بل عوامل متعددة ومتشابكة ومتبادلة التأثير: فكرية وسياسية واجتماعية وثقافية وعلمية وقومية ودينية وبيولوجية وجغرافية وبيئية وأخلاقية ونفسية.. حركة المجتمع هي في النهاية حركة التفاعل بين كل هذه العوامل وليس بينها أي عامل حاسم ومقرر في نهاية المطاف، ولا يمكن اعتبار أحدها أساسياً إلا في ظروف معينة ومحددة، وعندما تتبدل هذه الظروف تصبح عوامل أخرى هي الأساسية.
أما المادية التاريخية التي يعتبرها الماركسيون غير قابلة للنسف، فقد صدرت أبحاث عديدة حول الترسيمة الماركسية لتعاقب التشكيلات الاجتماعية الخمسة، منها ما كتب حول الأسلوب الآسيوي في الإنتاج والأسلوب الخراجي ونفي الأسلوب الإقطاعي ونظرية المراكز والأطراف وغيرها... وكلها أوضحت أن التفسير المادي الماركسي للتاريخ لا ينطبق إلا على أوروبا، وحتى أن أبحاثاً أخرى حديثة بينت أنه لا ينطبق تماما على أوروبا، وبذلك فالمادية التاريخية الماركسية لا تتسم بسمة عالمية بل بسمة أوروبية غربية جزئية، ماركس نفسه لم يقبل تحويل "مخططه التاريخي الخاص بتكون الرأسمالية في أوروبا الغربية إلى نظرية تاريخية فلسفية ومسيرة عامة مفروضة من القدر على جميع الشعوب مهما كانت الظروف التي تواجهها" واعتبر مسبقاً ما يفعله ماركسيو هذه الأيام أمراً مخزياً، كما ثبت بالملموس أن المادية التاريخية الماركسية ليست بديلاً عن العلوم الاجتماعية من تاريخ وسياسة واقتصاد وعلم نفس.. وهي علوم لا تتفرع من المادية التاريخية التي ليست علماً مستقلاً فوق العلوم الاجتماعية أو علماً من هذه العلوم، وأن الاكتشافات العلمية الحديثة في العلوم الاجتماعية والطبيعية لا تأتي لتؤكد صحة المادية التاريخية كما يدعي الماركسيون، بل تنفيها في الكثير من جوانبها.
رابعاً- الدولة والأمة:
لم يستنبط ماركس نظرية كاملة في الدولة، مع ذلك فإن المفاهيم الأولية التي طرحها أصبحت لدى الماركسيين أمراً لا يمكن التراجع عنه، وخاصة موضوع تلاشي الدولة واضمحلالها وإرسالها إلى متحف التاريخ في المجتمع الاشتراكي، وهي فرضيات طوباوية اعتبرها الياس مرقص "بؤرة خطأ الماركسية"، فالدولة ليست من إفرازات الصراع الطبقي، والمجتمع والدولة متلازمان زوال أحدهما يعني زوال الآخر. أما عن شكل الدولة في المرحلة الانتقالية إلى الاشتراكية فقد حدده ماركس بديكتاتورية البروليتاريا، إلا أن استمرار البروليتاريا أقلية في المجتمع بعد قرن ونصف مع استمرار تقلصها، فإن دكتاتوريتها أصبحت أمراً مرذولاً لا يقبل به أي إنسان عاقل. إن سقوط هذا المفهوم يبدو مقبولاً لدى بعض الماركسيين، لكنهم لا ينتبهون إلى أن سقوط هذا المفهوم يعني سقوط أحد أركان الماركسية، فما زال في العقل شرطي ماركسي ستاليني يمنع المراجعة الشاملة. هنا أيضاً فإن برينشتاين اكتشف خطأ هذا المفهوم منذ قرن من الزمن، فدافع عن الديمقراطية الليبرالية وعدم تدميرها بل تطويرها وتنميتها فهي قابلة للنمو لدولة للمجتمع كله.
أما الأمة فاعتبر ماركس أنها وليدة لتطور الرأسمالية وليست شيئاً آخر، كما العمال لا وطن لهم، وهذا ما دعا العديد من الماركسيين العرب لاعتبار أن الأمة العربية ما زالت في طور التكوين طالما لم تتوفر الحياة الاقتصادية المشتركة الشرط الأساسي الذي اشتقه ستالين من المفاهيم الماركسية لنشوء الأمم، وعلى أساسه أيضاً تم التنظير لكون المسألة القومية قد زالت إلى الأبد من الاتحاد السوفييتي السابق بعد تطبيق "الاشتراكية"، وهو ما أثبتت الوقائع الأخيرة في روسيا وأوروبا الشرقية عدم صحته، فالأمة وليدة تطور تاريخي طويل قبل الرأسمالية ولن تزول بزوالها، وهي موجودة رغم عدم تحقيق وحدتها أحياناً، والعامل وكل إنسان له وطن، دون أن يفقد وضعه كمواطن عالمي وكجزء من الإنسانية ودون أن يفقد هويته الحضارية والثقافية والقومية الخاصة. والأغرب هو ما اشتقه ماركسيون عن أمم برجوازية وأمم اشتراكية التي أوصلت لمقولة "مشروع أمة عربية برجوازية قد وئد إلى الأبد" وأن " الوحدة ملقاة على عاتق البروليتاريا العربية وحلفائها الطبقيين بقيادة طلائعها".
*   *   *
الأولوية للوقائع وليست للنصوص هذا ما تفرضه المفاهيم والمناهج العلمية والعقلانية والمادية التي تجاهلها معظم الماركسيون وتعلقوا بالنصوص القديمة لتفسير الوقائع الحديثة. الأسئلة التي يجب أن يجاب عليها: ما هي الوقائع السياسية والاجتماعية والاقتصادية المحلية والعربية و العالمية؟ أي حركة سياسية ضرورية لمواجهة هذه الوقائع؟ إذا أردنا رسم برامج عمل لا تقوم على الأمنيات الوردية، فالبدء من نصوص ومفاهيم ونظريات قديمة لن يؤدي إلا لحوارات بيزنطية. لقد اضطررنا لسوق نقاطنا الأولية حول نقد النصوص الماركسية انجراراً مع نوعية النقاش السائد في أوساط اليسار الماركسي، الذي يعالج عادة الأوضاع الواقعية بناء لما تقتضيه النصوص.
الوقائع المحلية والعالمية:
 لا ندعي هنا أننا سنقدم تحليلاً للأوضاع الراهنة المحلية والعربية والعالمية، لكننا سنكتفي بتحديد بعض الأولويات التي نعتقد أنها ضرورية لمثل هذا التحليل للإجابة على الأسئلة المطروحة في المرحلة الانتقالية الراهنة:
1-لا يمكن تقديم الصراع الطبقي على قضايا الديمقراطية والتحرر الوطني والوحدة والتنمية، لذلك فالاشتراكية غير موضوعة على جدول الأعمال حالياً، ما يمكن فعله هو العمل لتحسين أوضاع الطبقات الشعبية وتقليص معاناتها، وقد سبق لياسين الحافظ أن قال " الديمقراطية وتحرير المرأة وعلمنة السياسة والتعليم ستضع المجتمع العربي في طريق التحديث أكثر من الاشتراكية". فما يردده الماركسيون عن قلب شكل الملكية الرأسمالية وخوض النضال في قلب النظام الرأسمالي وضده لتغييره والحديث عن النموذج الاشتراكي المتفوق...، هي تمنيات مأخوذة من ترسانة النصوص النظرية ولا علاقة لها بالواقع.
2- الديمقراطية السياسية هي الهدف الأساسي الذي يجمع كل طبقات المجتمع وهي ليست فقط حقوق للمواطنين يجب الحصول عليها، بل هي أيضاً وسيلة لتحقيق مصالحهم وأهدافهم، فالحركة السياسية الجديدة المطلوبة والقادرة على الاستجابة لمتطلبات الواقع هي حركة ديمقراطية عامة. فالديمقراطية تمس مصالح الشعب، ووجودها أكثر أهمية من أي شيء آخر، وليس كما يدعي الماركسيون الأصوليون أنها ما يتحسس بها المثقفون فقط، أو أنها مجرد شيء مرافق للتطور الرأسمالي، فقد غدت على رأس المفاهيم الحضارية الإنسانية، والحصول عليها في بلد متخلف ولو بشكل نسبي أمر ممكن، والأمثلة عديدة: إيران، المغرب، إندونيسيا، بيرو...
3-ليس للوطنية أولوية على الديمقراطية، التي تؤمن مشاركة الأغلبية الشعبية في القرارات المصيرية ومواجهة العدوان الخارجي، فصفة الوطنية التي تلصق بالأنظمة الاستبدادية هي صفة مزيفة، فلا وطنية بلا ديمقراطية للمواطنين، وحجب الحرية عن الشعوب العربية هو السبب الأهم لاستمرار التبعية والتخلف والتجزئة وتوالي النكبات والكوارث والهزائم.
4 - الهزائم الوطنية العربية هزائم للشعب كله وليس لطبقة محددة كما ادعى الماركسيون، عندما حملوا هزيمة 48 لتحالف البرجوازية والإقطاع، وهزيمة 67 لقيادة البرجوازية الصغيرة وبرامجها العاجزة، فالعمل للخروج من هذه الهزائم يبدأ من الشعب بكافة طبقاته.
5 - إقامة المجتمع الديمقراطي والإصلاح الاقتصادي والتنمية وتحسين مستوى المعيشة والنضال ضد الاحتلال الإسرائيلي ومقاومة التبعية وتحقيق الوحدة، برنامج استراتيجي لعدة عقود، بالمقارنة معه فإن البرنامج الاستراتيجي للماركسيين، الاشتراكية والشيوعية،  هو برنامج خيالي لعدة قرون.
6- الشيوعية لا تزال غير مقبولة في بلادنا ليس لما يشاع عن إلحادها لدى البعض فقط، ولكن أيضاً بسبب طوباويتها ومواقف الشيوعيين العرب الذين كانوا يضعون مصالح موسكو فوق مصالح شعوبهم فالمرارة من مواقفهم كثيرة. والبعض الذي أتى للأحزاب الشيوعية انبهارا بالنموذج السوفييتي و"المنظومة الاشتراكية"، فلماذا سيأتي الآن بعد أن أتضح أن الشيوعية العالمية أقامت نظماً لرأسمالية الدولة البيروقراطية، وأصبحت مرادفة لفرض الأحادية في السياسة والاقتصاد والفكر بالقمع والمصادرة، مما جلب المصائب لشعوب أوروبا الشرقية وغيرها.
7- لا يمكن الاستمرار في وضع الطبقة العاملة على رأس الطبقات الشعبية كما يردد الماركسيون نقلاً عن النصوص القديمة، فهو تعبير كان وهمياً وما يزال، فالطبقة العاملة ليست الأكثر ثورية بين طبقات المجتمع، والطبقات جميعها ثورية في ظروف معينة وغير ثورية في ظروف أخرى، وقد تكون "أيديولوجية الطبقة العاملة" معرقلة للتطور والتقدم لتمسكها بنصوص شائخة، في وقت يعترف فيه الجميع "بضعف حالة الاستقطاب الطبقي" "وبشدة انتشار الفئات البينية أو الوسطى"، و"بحر البرجوازية الصغيرة الهائل". هذه الفئات هي الحامل الاجتماعي للتغيير في العصر الحالي، وهي التي قادت النضال الوطني من أجل الاستقلال وأفرزت الفكر السياسي العربي الحديث بمختلف تلا وينه وهي العمود الفقري لجميع الأحزاب العربية بما فيها التي تقول أنها تمثل الطبقة العاملة، فالحامل الاجتماعي للتغيير الديمقراطي كل طبقات الشعب.
8- لا يمكن الاستمرار في معاداة المثقفين وتصنيفهم خلف الطبقة العاملة الموضوعة على "رأس السلم الاجتماعي"، فالنهضة العربية الحقيقية تعتمد بشكل متزايد على المثقفين الجذريين الذين يتحملون مسؤولية أساسية في المجتمعات المتخلفة.
9- التعددية الأهم في الحياة السياسية هي الاختلاف في رؤية الواقع القائم واختلاف الحلول المقترحة لقضاياه، وليس التعددية في الالتزام بأيديولوجيات مختلفة.
10-مفهوم اليسار لا يشمل كل الاتجاهات الماركسية، الشيوعية، الاشتراكية العلمية، وما يسمى بالديمقراطية الثورية، أي كل الفئات الملتزمة بالأيديولوجيا الاشتراكية بأطيافها المختلفة، فهذا تصنيف تقليدي قديم لزمن غابر كانت فيه الدول التي ترفع الشعارات الاشتراكية تشكل سدس الكرة الأرضية، بينما مفهوم اليسار مفهوم نسبي ليس مقصوراً على فئة محددة، وهو متغير حسب الظرف التاريخي، وطيفه واسع يشمل كل اتجاه يسعى لتغييرات أساسية في المجتمعات الإنسانية.
11-مفهوم اليسار ينطلق أولاً من المواقف العملية وليس من الأيديولوجيا، فالاعتماد على المواقف العملية يمكننا أن نعرف اليسار بأنه كل من يسعى للتغيير الديمقراطي والتنمية والتحرر الوطني والوحدة، ويمكن أن يكون ضمن اليمين من يسعى لتطبيق حلول ماضوية للقضايا الراهنة، حتى لو كانت مأخوذة من نصوص ماركسية قديمة.
12-على أساس هذا المفهوم لليسار المعتمد على الظروف الموضوعية في زمن معين ومكان معين، تنتفي الحاجة لتصنيفات مثل "قوى ديمقراطية ثورية غير شيوعية" وهو تعبير ساقط أتى من القاموس القديم السوفييتي الذي وصف قوىً بالديمقراطية رغم أن معظمها لا علاقة له بها من قريب أو بعيد. أما صفة " الثورية غير الشيوعية"، فهي تعكس التصنيف التنازلي بدءاً من الشيوعية الثورية أصلاً، التي تتنازل لتعتبر بعض القوى الأخرى ثورية. ومن التعابير الساقطة المشابهة "الديمقراطية الشعبية" التي تخفي تحت هذا التعبير الجميل أسوأ أنواع الأنظمة الشمولية التي لا علاقة لها بالشعب سوى بممارسة التسلط عيه واضطهاده.
13- التناقض الرئيسي في العالم ليس بين شرق وغرب، أو بين الاشتراكية المنتصرة والرأسمالية الآفلة، إنه تناقض بين شمال وجنوب، بين بلدان المراكز الإمبريالية وعلى رأسها أميركا التي تسعى للهيمنة على العالم، والبلدان المتخلفة والمستغلة والمهمشة وكل القوى العالمية التي تسعى لعالم يسوده العدل والسلام، لذلك لم يعد مناسباً أو مفيداً طرح موضوع إعادة تشكيل المركز الأممي للأحزاب البروليتارية والاشتراكية والشيوعية، فما هو مطلوب ومفيد مركز أممي للقوى والشعوب والانظمة المناضلة لتحقيق التحرر الديمقراطي السياسي والاقتصادي والتنمية وتحسين الأحوال المعيشية والسلام والبيئة النظيفة ومواجهة هيمنة دولة واحدة على العالم، كبديل عن منظمة دول عدم الانحياز التي لم يعد وجودها ضرورياً بعد انتهاء الحرب الباردة.
أدوات التغيير:
1- نقد النظرية اللينينية حول الحزب الطليعي التراتبي ودوره في إقامة النظم الشمولية التي وصل عدد ضحاياها في روسيا وكمبوديا إلى ملايين البشر هي البداية لتحديد ملامح الأدوات السياسية المطلوبة. فالحزب الجديد المناسب للعصر لا توحده أيديولوجيا معينة وإنما يوحده برنامجه والمصالح المشتركة للمنتمين إليه ومن يمثلون، لذلك يجب إعادة الاعتبار لمبدأ المناشفة الذي يجعل العضوية مفتوحة لكل من يساهم في تحقيق أهداف الحزب دون الالتزام بمنظماته، وأن يكون إعلامه مفتوحاً لكل الآراء من داخله وخارجه، حزب تقلصت أعداد مراتبه الوسيطة، وإمكانية تبديل قياداته واردة في أي وقت.
 2-الحزب ليس غاية قائمة بحد ذاتها أو تفرضها أيديولوجية معينة، فنجاحه يتوقف على مدى تجاوبه مع حاجات المجتمع الراهنة، وبقاؤه دون حاجة المجتمع له ممكن إرادياً ولكن بشكل هامشي. وطالما أن الصراع الطبقي ليس محتدماً ولا تقف أي دولة على أعتاب الاشتراكية، فالأحزاب المطلوبة أحزاب شعبية وليست طبقية، فحزب الطبقة العاملة سيظل حزباً هامشياً، حزب الأقلية، أما حزب الشعب فهو الذي يمكن أن يصل إلى تحريك المجتمع نحو أهدافه. والحزب الفعال هو الذي يندمج بحركة المجتمع العامة ولا يتعالى عليها باسم الطليعية والقيادة.
3- الأوضاع الراهنة لم تعد تسمح بحزب سري، لا يتمكن من الوصول للناس، ويظل همه الدوران في حلقة مفرغة للحفاظ على هياكل محدودة تتآكل بالتدريج، والقمع أسوأ لحزب سري من حزب علني، ويمكن في ظروف منع العمل السياسي اللجوء للحوار ضمن الأطر المتاحة وانتظار توسيع المساحة الديمقراطية، التي لن تأتي إلا بعمل شعبي عام إثر مأزق ما، أو نتيجة أعطيات من النظام ليس من الخطأ قبولها والسعي لتوسيعها، فلقد ولى عهد العمل البلانكي، وعهد مقولة "كل شيء أولا شيء" المناسبة للأيديولوجيات وليس لمراكمة الإنجازات.
4-نجاح الحزب يتوقف على مدى أدائه لدور سياسي محدد في المجتمع أو توقع دور له في الأوضاع الراهنة أو المستقبل القريب، وتقبل وتبني قطاعات الشعب المختلفة لبرنامجه ومواقفه، وليس لمدى التزامه بالماركسية أو الشيوعية، أو لعوامل ذاتية أخلاقية أو إرادية.
5-لا يمكن الوقوف بحسرة أمام موت حزب، فهي ظاهرة طبيعية في حياة الأمم، فمنها من يموت في مرحلة الولادة أو الشباب، وبعضها يصل إلى مرحلة الشيخوخة وتتعد الأسباب، من دور القمع وأخطاء القيادات وطبيعة البرامج والأيديولوجيات، لكن الموت واحد. أما أبشع أنواع موت الأحزاب فهو غير المعلن عنه، لكنه الميت فعلاً لدى الناس بينما لافتاته ما زالت مرفوعة! وعندما يموت الكائن أو الحزب يرثه آخر، فالحياة مستمرة لا تتوقف عند موت حزب أو حياته. ولإبعاد الحزب عن الموت المبكر لابد من تحصينه بأدوات العلم الحديث.
6- لم تعد الأحزاب الأدوات الوحيدة للتجمع الإنساني الساعي لتحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، فقد نشأت إلى جانبها أشكال أخرى لتأطير ذوي المصالح المشتركة، وخاصة المنظمات والمجموعات الأهلية المدنية المستقلة غير الحكومية، كهيئات متخصصة في قضية واحدة مما يجتذب أعداداً من الناس بصرف النظر عن آرائهم بالنسبة للقضايا الأخرى، يساعدها على الانتشار لغتها المبسطة البعيدة عن الأيديولوجيات، وعدم كفاية نشاطات الأحزاب والحكومات أو تقلص الثقة بها لسعيها في كثير من الأحيان لتأمين مصالح الأطر العليا فيها على حساب المصالح العامة للمواطنين.
7- التقليل من شأن الحركة الديمقراطية العامة لصالح الحزب، أو ما يسمى القوى السياسية المنظمة أو المؤطرة، هي نظرة من بقايا المفاهيم "الطليعية" التي تعتبر أن الحزب يقف على قمة الهرم والحركة العامة خارجه ملحقة به، فالأهم من أي حزب هو استنهاض الحركة الشاملة للمجتمع التي تساهم فيها الأحزاب والمنظمات فتنقل إليها الوعي دون أن تسيطر عليها أو تتعالى عليها أو تسخرها لخدمتها.
ما أردنا قوله باختصار أننا نفضل للماركسيين لكي لا يبقوا على هامش الفعل السياسي والاجتماعي، تركيز جهودهم على ما تفرضه الوقائع الحديثة، لا ما تفرضه نصوص الأيديولوجيات. 
                              *كاتب فلسطيني            **كاتب سوري



#جورج_كتن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحو أحزاب ديمقراطية تزيح حزب -ما العمل- المركزي والشمولي
- المخاض العسير- لعراق ديمقراطي عقبات وحلول
- وثيقة جنيف والنخب العدمية
- أممية شعبية قيد التشكيل


المزيد.....




- السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا ...
- بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو ...
- حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء ...
- الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا ...
- جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر ...
- بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
- «الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد ...
- الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
- متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
- نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية


المزيد.....

- الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) / شادي الشماوي
- هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي ... / ثاناسيس سبانيديس
- حركة المثليين: التحرر والثورة / أليسيو ماركوني
- إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات ... / شادي الشماوي
- المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب - ... / شادي الشماوي
- ماركس الثورة واليسار / محمد الهلالي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - جورج كتن - أولوية النصوص على الوقائع! ماذا تبقى من الماركسية؟