أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نذير الماجد - اشكاليات الحجاب في الخطاب الديني















المزيد.....

اشكاليات الحجاب في الخطاب الديني


نذير الماجد

الحوار المتمدن-العدد: 2233 - 2008 / 3 / 27 - 11:10
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الحديث عن اشكالية الحجاب يحتل أهمية كبيرة عند المناصرين والداعين له كما عند المناوئين و المناهضين أو المتحفظين عليه، وذلك في كل المجتمعات التي تمكن من اقتحامها. ووصفه هنا بالإشكالية لا يشير فقط إلى ما يعكسه من تراشق آيديولوجي ساخن بين كلا الطرفين والاتجاهين، المناصر و المناوئ، بل أيضا لما تعبر عنه هذه الكلمة بجلاء عن أن هنالك انسداد أمام الحلول الناجعة والناجزة و ذلك في الخطابين معا.

كل الخطابات التي تقدم رؤى جزمية ووثوقية لابد وأن تصل في نهاية المطاف لطريق مسدود، لهذا كان الحذر في التعاطي مع هذه المسألة هو شأن من ينطلق في تفسيره لها من منطلق معرفي أو أبستمولوجي صرف، و بقدر الابتعاد عن هذا الحذر في المقاربة بقدر ما تكون النتيجة الوقوع في مساوئ التفسير المنحاز أو الآيديولوجي، خاصة وأن الحجاب انفك عن أن يكون مجرد عمل وقائي ذي صبغة وخلفيات دينية، وذي صلة مباشرة و ارتباط وثيق بخيار المرأة و قرارها الشخصي، بل انساق لأن يكون رمزا دينيا دالا على الهوية والانتماء إلى الأمة والجماعة.

القراءة العلمية والتاريخية للحجاب وللنصوص الدينية التي ورد ذكره فيها هي ما نحتاج إليه عند تناولنا لهذه المعضلة، قد لا نصل لنتيجة نهائية قاطعة، يجب أو لا يجب، ولكن ضرورة فتح هذا الملف المغلق شأنه شأن الكثير من المفاهيم والتعاليم الدينية في العقل الإسلامي باتت أكثر أهمية وأكثر وجوبا من حكم الحجاب نفسه، وهذا لن يتم إلا باللجوء إلى المنهج العلمي الحديث في قراءة النص الديني.

إن التاريخية ومنهجيات التأويل و التفكيك هي التي ستتمكن من إعادة هذه المعضلة إلى نقطة الصفر،لأن القراءة التاريخية عبارة عن قراءة استرجاعية للنص، أي محاولة استحضار المناخ و السياق التاريخي و الثقافي و الاجتماعي الذي وقع فيه النص. هو أشبه ما يكون بأسباب النزول لو لا فارق الكثافة العلمية لحساب الأول على الثاني.

إننا نلح على مسألة السياق لأن العبور من اللفظ إلى المعنى لا يتم إلا عبر قنطرة الوسيط الثقافي، كما تبينه الألسنية الحديثة. بيد أن تطبيق هذه المنهجيات، التي اقتحمت أكثر الخطابات الدينية أصوليةً وتزمتا ومناعة، على النص الديني لازال في عداد اللامفكر فيه أو إذا شئنا الدقة أكثر: لازال يتوارى خلف المستحيل التفكير فيه، لأنه سيتسبب بزعزعة الفكر الديني برمته و سيفتح آفاقا واسعة للتأويل و قابلية أكثر لتوليد المعاني من النصوص المقدسة.

والحجاب بصفته الإشكالية هذه يبدو كمنطقة رخوة في رقعة الحقائق الدينية الأخرى، وذلك لعدة أسباب و معطيات تمنح دعامات إضافية للجانب الإشكالي من المسألة، فتكرار مفردة الحجاب مرات لا تتجاوز عدد الأصابع لاشك له مدلول مضمر في بنية النص، هذا الحضور الخافت للمفردة في النص القرآني مقارنة مع مفردات لأحكام أخرى كالصلاة -مثلا- أو الصوم أو غيرها و التي تملك حضورا مكثفا ومركزا يعكس مدى الأهمية و المكانة التي يوليها النص لهذا الحكم. كما أنه ورد في الفترة المدنية، و هذه الحقيقة التاريخية أيضا لا تخلو من مدلول في هذا السياق، لأن من المعروف تماما أن هذه المرحلة تعتبر مرحلة تاريخية بامتياز عند الكثير من المؤرخين والمهتمين بتاريخ الإسلام من منطلق ابستمولوجي صرف ، يعني أنها تضمنت تشريعات متوافقة ومنسجمة مع تلك المرحلة دون أن تشمل غيرها بالضرورة، أو أنها كانت تتعلق "بشكل الشريعة" لا بروح الشريعة". وانطلاقا من آراء صادمة للخطاب الديني التقليدي لمفكرين لا تنقصهم الجرأة الكافية في قراءة التاريخ الإسلامي يمكن القول أن تلك الآيات لا تقدم أي دلالة فقهية بالوجوب و الإلزام، على عكس الموقف الفقهي السائد الذي يرفض مجرد بلورة "السؤال". أفكر هنا بتلك الأصوات القليلة التي دأبت على مخالفة السائد و التي جهرت بمثل هذة القراءة كجمال البنا، العملاق الإصلاحي في مجال الفقه الإسلامي، الذي هو شقيق مؤسس حركة الأخوان المسلمين، إذ أنكر أن للحجاب حكما صريحا بالوجوب في القرآن، والدكتور حسن الترابي الذي لم يكف يوما عن آراءه التي تأتي دائما خارج الجوقة، أما في الإطار الشيعي الذي عرف بعدم غلق باب الاجتهاد فيمثل بألمعية المفكر السيد محمد حسين فضل الله والفقيه الاصلاحي الشيخ يوسف صانعي.

ولكننا و بمقاربة سوسيولوجية نكاد نصل لمعطى أكثر إشكالية مما سبق، فالحجاب انتقل من كونه حكم ديني إلزامي يرتبط بالفرد و حسب إلى كونه أداة من أدوات "تديين" الحيز العام و معلما من معالم الهوية، إنه تحول من حكم خاص متعلق بالمرأة و خيارها الشخصي إلى ثقافة كاملة لا تقف عند حد هذه الخرقة التي تلف بها المرأة جسدها كاملا بل تتعدى ذلك لكل ما يمت إليها بصلة، وبمنظور هذه الثقافة أصبح الصوت وحتى الاسم تماما كالجسد، يجب ستره وحجبه! وإذا ما أضفنا مفهوم الحياء وسائر أدبيات الانكفاء والانكماش نصبح أمام ثقافة متوغلة تحجب العقل مع الجسد و الصوت معا، وتبدو المرأة بمفعولها كما لو أنها كائنا مطمورا متواريا بلا ملامح وبلا هوية.

و بانتقال الحجاب إلى أداء مفعول الرمز و العلامة، تصبح له قدرة خاصة على التأثير و الانتشار،كما على التخفي بصيغ مناقضة تشي بقدرته البالغة على استدعاء السفور واحتوائه! و ذلك لأن له وظائف سيكولوجية و اجتماعية تمنح النفس بعض الهدوء و التقدير الذاتي كما تفعل اللحى الطويلة و الثياب القصيرة للسلفي أو الكوفية للمناضل الفلسطيني أو القلنسوة لليهودي أو كما تفعل العمامة لرجل الدين الشيعي و قس على ذلك! عدوى الحجاب هي التي تجعل من هذه الفتاة أو تلك مقتنعة به، إنها في لاوعيها تشعر بأنها متماهية مع المحيط و مع البناء القيمي الذي يستمد تاثيره من التعالي و النزاهة و المقدس.

الفتاة التي تقع تحت إسار هكذا حجاب وهكذا ثقافة لن تعدم الوسيلة للتنكر والتمرد على هذه القدرة التجيشية للحجاب، وكما تعبر الدكتورة رجاء بن سلامة، فإن الحجاب أصبح دالا على الشيء ونقيضه، أصبح الحجاب ذاته أسلوبا من أساليب مقاومة هذه الثقافة التشيئية، فبعد الرضوخ لأشد أصناف الحجاب تزمتا، أي ذلك النوع الذي يكسو جسد المرأة من رأسها حتى أخمص القدمين، ولايستثني من ذلك حتى الوجه و الكفين، في مزايدة صريحة على أحكام الشريعة التي أباحت كشفهما، و في محاولة لطمس هوية المرأة "الفرد" لحساب الرجل "المجتمع" ، بدأت تشيع تقليعات وصيغ مختلفة للحجاب، خليجيا نجد مثلا "الكتافي" و البالطو الذي بدأ بالانتشار في بعض الأقطار الخليجية، مما يعكس حالة تمرد و رفض مضمر، فنسبة ارتداء هذا الصنف في تزايد مطرد، مما يعني أن ثمة ثقب في جدار الحجاب السميك سيؤدي لا محالة لواقع أكثر سفورا و تبرجا، هذه الحقيقة السوسيولجية التي بتنا نشهد تجلياتها في المدن قبل الأرياف تكشف عن ضرورة مراجعة الخطاب المناصر للحجاب كما تعبر عن فقدانه لأكثر مواقعه نفوذا و سيطرة و"حصانة".

الحجاب حين يكون مجرد تلك الخرقة و ذلك الخمار الأسود الذي يؤدي بالمرأة إلى أن تكون كتلة صماء سوف لن يضيف أي قيمة، ولا يمكن اعتباره موضوعا للطهر والعفاف والشرف، على العكس من ذلك، وحتى يبقى محض قناعة، يجب العمل على إبقاء التمايز الذي يحول دون الخلط بينه و بين الاحتشام والعفة وسائر المفاهيم التي أرادت لها الأصولية أن تكون حكرا على الحجاب.

المحاولة الدمجية هذه بين الأخلاق و بين الحجاب بصفته فعلا تعبديا له دينامية وقائية، هي ما ستخلق حالة تناشز بين متطلبات الوعي المعاصر الذي يحث على أكبر قدر ممكن من المساواة بين المرأة والرجل وبين مكونات ثقافة الحجاب والقيم الأخلاقية التي هي بمثابة الرافعة لهذه الثقافة.

هذا الدمج أو الخلط هو ما جعل للحجاب طبيعة مغايرة لمقصده الأساس في التراث الإسلامي، فبعد أن كان بمثابة الضامن لنشاط المرأة وحضورها جنبا إلى جنب مع الرجل أصبح أداة لانزوائها و حجرها في البيت بحجب العالم الخارجي كله عنها، أو لتكريس الفصل التعسفي بين هاتين الدعامتين للمجتمع، أي الرجل و المرأة، ومع أن هذا الفصل الفولاذي ليس له أساس لا في النص و لا في التجربة التاريخية التي خاضها الإسلام في عصره الأول. إلا أنه في الأدبيات الأصولية بمثابة علامة فارقة لأسلمة المجتمع، هذا الفصل يجب أن يشمل الحيز العام كله إلى درجة أصبح فيها الرجل غير قادر على معاينة المرأة و هي بدورها كذلك، لا هي ترى الرجل ولا الرجل يراها، في واقع ناشز بعيد عن الفطرة السليمة التي خلقنا الله عليها.

و ليست هذه دعوة مبطنة للإنحلال والفساد الاخلاقي، لأن عافية المجتمع أساسا تكمن في حضور متوازٍ و بالقدر نفسه للرجل والمرأة معا، أما العكس فالنتيجة الشلل الكامل للمجتمع ومزيد من المعوقات أمام نهضته وتقدمه، ستكون النتيحة الحتمية هي التأخر و التراجع الكبير قياسا لتلك المجتمعات الأخرى التي عرفت و أدركت تماما أن قيامتها لا تتم إلا بالمرأة والرجل معا!



#نذير_الماجد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السعودية:المرأة و السيارة و جدل لا ينتهي
- طبروا كلكم إلا أنا!
- الاسلاميون في البحرين و مفاتيح جنة الفقهاء!
- عاشوراء: موسم المنابر و حصاد الوجاهة!
- التحية إلى روح بينظير بوتو
- نحو رؤية جديدة للزواج
- الإسلاموية و فوبيا التجديد!
- أحاديث في الحب
- فتاة القطيف: قضية فتاة أم وطن!
- الفن ليس محظورا منذ الآن «2»
- العمامة الفاخرة و -الناصح المشفق-
- الفن ليس محظورا منذ الآن!
- عمامة برجوازية في باريس!
- ثقافة النقد و نقد الثقافة
- الممارسة الدينية بين التكليف و التجربة
- --تأملات حول التشيع السلفي-
- المرأة الاكثر تأثرا من الاستبداد في السعودية


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح ...
- أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202 ...
- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نذير الماجد - اشكاليات الحجاب في الخطاب الديني