أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - سورية والعراق والمستقبل















المزيد.....

سورية والعراق والمستقبل


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 693 - 2003 / 12 / 25 - 13:02
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


مراجعة سريعة لتاريخ العلاقات السورية العراقية منذ تكون الكيانان الحديثان للدولتين بعد نهاية الحرب العالمية الأولى تظهر ترابطا عميقا ومصيريا بين البلدين. كان البلدان آخر من تحرر من الحكم العثماني، وعانيا معا الوطأة الأساسية لهيمنة البريطانيين والفرنسيين على اللحظة التاريخية التي كانت فيها الجغرافيا السياسية هيولى في "الشرق الأوسط". وكانا هما موضوع التقاسم الاستعماري وتوزيع الدول والحدود والسكان الذي نعيشه اليوم. ويعكس المذهب القومي حول الدول المصطنعة والتجزئة الاستعمارية التجربة المكوّنة بالفعل لكل من سورية الطبيعية والعراق الحديث. فالحدود في هذه المنطقة مصطنعة فعلا، لكن هذا ينطبق على الحدود الشمالية للعراق وسورية وعلى الحدود الشرقية للعراق. كان يمكن للحدود ان تختلف كثيرا: عراق متطاول نحو الشرق وليس نحو الشمال، وسورية أطول سواحل على المتوسط وأكثر امتدادا نحو الشمال. لقد لعبت الدول الكبرى كثيرا هنا.
في بداية العقد الثالث من القرن العشرين فاض أمير "الثورة العربية الكبرى" عن حاجة الفرنسيين فاستخدمته انكلترا ليمنح هيولى الولايات العثمانية الثلاثة التي "لفقتها" صورة موحدة. وبعد عقود صدرت سورية للعراق "أميرا حديثا" إذا استعرنا لغة غرامشي: حزب البعث العربي الاشتراكي. بمعنى ما دمشق "عربت" بغداد: فيصل الأول مر من هنا، وحزب العبث العربي الاشتراكي ولد هنا.
 بين استقلال سورية عام 1946 والوحدة السورية المصرية عام 1958، كانت سورية موضع تجاذب هاشمي(عراقي وأردني) من جهة، وسعودي ومصري من جهة اخرى، في إطار ما سماه باتريك سيل "الصراع على سورية". ومنذ أن استقر الأمر للبعثيين في البلدين استقرت العلاقات بينهما على الصراع والقطيعة والاتهام بالتآمر.
مع ذلك في حرب 1973 دخلت قوات عراقية الأراضي السورية للمشاركة في الحرب ضد إسرائيل. لكن بعد أقل من عامين، عام 1975، حشد البلدان قوات على حدوهما المشتركة وكادا يدخلان في صدام مسلح. ومنذ أواخر السبعينات دعمت السلطات العراقية الإسلاميين السوريين الذي دخلوا في صراع قاتل أو مقتول مع سلطات دمشق. وبعد انفجار الحرب العراقية الإيرانية اصطفت سورية البعثية والعربية مع إيران ضد العراق العربي والبعثي. وبقيت العلاقات بين رجلي دمشق وبغداد القويين مسمومة وغير قابلة للإصلاح إلى أن وهن العراق وصار أضعف من سورية الضعيفة. تحللت المشكلات التي لم يمكن حلها بين البلدين، وهو ما وافق أواخر القرن الماضي قبل وفاة الرئيس حافظ الأسد بعام أو عامين. ذهب مئات أو ألوف السوريين "الطبيعيين"، اي الفلسطينيين واللبنانيين والأردنيين والسوريين، الأخيرين خصوصا، لمحاربة الأميركيين في العراق (في بداية أربعينات القرن العشرين تطوع سوريون للمشاركة في ثورة رشيد عالي الكيلاني ضد الانكليز). انتهت الحرب، وعاد رجالات حزب البعث الأصلي الذي لم يعد سوريا ولا عراقيا إلى دمشق لأنه ليس ثمة مكان آخر يذهبون إليه. وبعد أقل من ثلاثة أعوام على وفاة رجل البعث السوري سقط صنوه وخصمه العراقي.
خيوط التفاعل التاريخي التي أشرنا لبعضها تعكس كثرة عناصر المشترك السوري العراقي منذ أزمنة قديمة. نكتفي بذكر عناصر كبيرة حديثة: بنية اجتماعية متقاربة من حيث التعدد الديني والإثني والمذهبي (لكن هناك تباعد من حيث توزع الحضر والفلاحين والبدو: سورية أكثر تمدنا وفلاحية وأبعد عن البداوة)، المياه (الفرات خصوصا)، الأكراد، الجوار التركي، وحداثة الدولة أو "اصطناعيتها". كذلك حلول متماثلة أو متقاربة للمشكلات التي يطرحها الواقع المتقارب في البلدين. استورد العراق الحل البعثي السوري لمشكلاته لا لأن هذه المشكلات من نوع المشكلات السورية بالضرورة، ولكن لأن هذا الحل يقدم عقيدة مرغوبة لتركيز السلطة وتحجب عموميتها العربية نتوءات المجتمع العصبوية والطابع الفئوي للسلطة في آن معا. أما أن الأمير الحديث كان أكثر من أمير وأقل من حديث في البلدين، وأن الأمارة العضوض استقرت في دمشق فيما لم تمهلها الأيام لتجرب حظوظها في بغداد، فأمر قد يثبت في النهاية أنه من العوارض.
عند التدقيق نكتشف فوارق كثيرة: ليس في سورية بترول شهي، كان سنة العراق في الحكم على الدوام ولم يكونوا أبدا أقلية محرومة ومزدراة، أكراد العراق أكثر كردستانية من أكراد سورية. لكن ليس الغرض إثبات تماثل البني الاجتماعية والسياسية في البلدين بل بالأحرى إبراز ترابط التغيير فيهما.
ما يحدث في بغداد لا يمكن ألا أن يترك بصماته في دمشق، والعكس صحيح أيضا. إن جهة التأثير الاستراتيجي أو تدفق القوى المادية، الاستراتيجية والعسكرية والاقتصادية، هي من بغداد إلى دمشق، حتى لو حصل أكثر من مرة في في القرن العشرين أن كانت دمشق هي جهة التأثير الفكري والسياسي المنظم. وحين يتغير العراق ايصعب على سورية أن تبقى كما هي.

من الانحناء إلى التغيير
قد نقول بعد بضع سنوات ليتنا حاولنا الاستفادة من الدرس العراقي، ولم نخدع أنفسنا ونهدر وقتا ثمينا بإنكار التقارب بين النظامين والبعثين مرة، وبالاستجابة للمطالب الأميركية "المعقولة" مرة أخرى. المسألة لا تترتب على تشابه النظامين والحزبين بل على الإطار الجغرافي السياسي والاستراتيجي المشترك الذي يندرج فيه أصلا ذلك التشابه. المسألة مسألة "مصير مشترك" أو مترابط على الأقل.
في حوار معه أثناء حرب الخليج الثالثة قال الرئيس بشار الأسد إن ما واكبها من حملات وضغوط على سورية ليس عاصفة عابرة بقدر ما هي مخطط متماسك. وبصرف النظر عما قد تحمله فكرة "المخطط" من عنصر تآمري وبارانوئي فإن التخطيط السياسي السوري يخطئ أقل الخطأ في مرحلة ما بعد سقوط بغداد إن تأسس على "مخطط" أو تصور منظومي شامل. فالنظام السوري لا يستطيع أن يرفض مطالب الأميركيين التي لن تقف عند حد ( ولا أن "يطنش" مطالب المعارضين السوريين العادلة) إلا عبر "مخطط" كبير للتجديد السياسي والمؤسسي في البلد. نهج التنازلات، بالمقابل، خطير جدا حتى لو كانت تنازلات "معقولة"، وهو لا يحل أية مشكلة؛ يؤجل المشكلات فحسب.
لكن السياسة السورية أظهرت خلال قرابة ثمانية أشهر عجزا واضحا عن بلورة استراتيجية متسقة وفضلت نهج الانحناء حيال المطالب الأميركية "المعقولة". المشكلة أنه حتى لو اقتنعت سورية أنها شجرة فتية تستطيع الانحناء للعواصف فإنه ليس ثمة ما يشير إلى اقتناع واشنطن بأنها مجرد عاصفة عابرة. إذ حتى لو لم يكن لدى القوة العظمى مخطط مسبق متماسك فإنها تخطط لمستقبل المنطقة تخطيطا متماسكا من حيث غاياته منفتحا من حيث حساباته.
"قانون محاسبة سورية واستعادة سيادة لبنان" عنصر في الاستراتيجية نفسها التي أفضت إلى احتلال العراق. وغارة عين الصاحب إشارة إلى أن أمريكا قد تزع بشارون ما لا تزع بالقانون، وأنها قد تمارس ضد سورية سيناريوها اسرائيليا، شبهه معلقون إسرائيليون بالخيار التركي، أي نيل مكاسب أمنية وسياسية عبر تهديد صلف بالقوة على غرار ما فعل الأتراك عام 1998.
إن سورية لن تستطيع أن تحمي نفسها من تنازلات لا تنتهي إلا بتغيير يفضي إلى تبديل معطيات المأزق السياسي والاستراتيجي الراهن. ركنا هذا التغيير هما إطلاق عملية حوار داخلي واسعة من أجل الانتقال نحو نظام تعددي ومفتوح، وترتيب علاقات سورية الإقليمية، وبالخصوص مع لبنان، على أسس جديدة، أكثر شفافية وندية وتحترم السيادة اللبنانية. هذا ليس سهلا، لكن إطلاق عملية تغيير على النطاق الوطني من شأنه ان يحفز طاقات وقوى لا يقوم نظامنا الراهن إلا على هدرها.
دمشق 10/12/2003

 



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طريق إلى تدمر
- ما هو غير جيد لأمريكا جيد للعالم
- استراتيجية ضعف عربية!!
- نهاية الوطنية العسكرية
- هل الإرهاب هو نمط الصراع الدولي المناسب لصراع الحضارات؟
- ربـيـع حـقـيـقـي فـي سـوريـا أم سـنـونـوة تـائـهـة؟
- عـقـد مـع ســوريــا
- القوة الامبراطورية والضعف العربي أية استراتيجية ممكنة؟
- نهاية الدولة الوظيفية العربية
- نافذة يسارية
- خريف دمشـــــق
- بعض عناصر خطاب الحرب الأمريكي
- المهاجرون في الأرض
- ثقافة الطوارئ نقد الثقافة السياسية السورية
- الحكم العضوض والتغيير الممنوع
- نحو إعادة بناء الإجماع الوطني في سوريا
- بعد دكتاتورية صدام ديمقراطية فسيفسائية في العراق
- صدام الحضارات: صراع طائفي على الصعيد العالمي
- ماكبث بغداد...وإخوته
- أزمة الإبداع في الثقافة العربية المعاصرة


المزيد.....




- بعد وصفه بـ-عابر للقارات-.. أمريكا تكشف نوع الصاروخ الذي أُط ...
- بوتين يُعلن نوع الصاروخ الذي أطلقته روسيا على دنيبرو الأوكرا ...
- مستشار رئيس غينيا بيساو أم محتال.. هل تعرضت حكومة شرق ليبيا ...
- كارثة في فلاديفوستوك: حافلة تسقط من من ارتفاع 12 متراً وتخلف ...
- ماذا تعرف عن الصاروخ الباليستي العابر للقارات؟ كييف تقول إن ...
- معظمها ليست عربية.. ما الدول الـ 124 التي تضع نتنياهو وغالان ...
- المؤتمر الأربعون لجمعية الصيارفة الآسيويين يلتئم في تايوان.. ...
- إطلاق نبيذ -بوجوليه نوفو- وسط احتفالات كبيرة في فرنسا وخارجه ...
- في ظل تزايد العنف في هاييتي.. روسيا والصين تعارضان تحويل جنو ...
- السعودية.. سقوط سيارة من أعلى جسر في الرياض و-المرور- يصدر ب ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - سورية والعراق والمستقبل