أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حمزة الحسن - أوهام القبض على الدكتاتور 7 المحاكمة















المزيد.....

أوهام القبض على الدكتاتور 7 المحاكمة


حمزة الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 692 - 2003 / 12 / 24 - 08:38
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


أحد أكبر الأوهام التي نتجت من فكر الحزب الواحد وثقافته ومعاييره وفكر السرايا والثكنات هو وهم محاكمة الأفراد وترك كل شيء طليقا كأن الجريمة السياسية الكبرى هي ملكية شخصية كالعقار.

وعقلية العقار هي عقلية اختزالية حزبية ضيقة لا ترى من الظاهرة العامة إلا السطح أو الشكل الظاهري، وتغفل النظر عن الجوانب العميقة المنتجة والحاضنة لها.

ولا شك أن الدكتاتور القابع في القفص اليوم يتحمل مسؤولية جنائية جوهرية عن كل الخراب الذي حصل في تلك الفترة المشؤومة ويجب أن يحاسب على جرائمه التي لا خلاف ولا اختلاف على شناعتها.

لكن هذا ليس إلا خطوة صغيرة في طريق المحاكمة الكبرى لتاريخ الإرهاب المتعدد الوجوه والأشكال والمصادر:من الإرهاب الفكري، والسياسي، إلى الإرهاب الثقافي، والاقتصادي، والاجتماعي الخ..

ومن الواضح أننا لا نرى الجريمة إلا حين تتجسد في جثث أو مقابر  أو حرائق ونغفل الجرائم الخلفية المساندة، ونغفل العقل الأيديولوجي المؤسس، ونتجاهل الظاهرة الدكتاتورية المتغلغلة في صميم العقل الحزبي والسياسي والاجتماعي.

وفي كل مراحل العراق المعاصر جرت محاكم سياسية صورية متفاوتة في القيمة القانونية، لكنها في كل الأحوال لم تصل، حتى في  أفضل نماذج محاكم الفترة الأولى من الجمهورية، إلى التأسيس الحقيقي للمحكمة العادلة.

 وفي كل هذه المحاكم تمت تصفية الأفراد، رميا بالرصاص، أو الشنق، وتركت السياسات والبرامج والمناهج كما هي بلا فحص، ولا مراجعة، ولا قراءة جديدة، ليعاد في حقبة أخرى إعادة بناء النموذج التسلطي على صورة مغايرة أشرس من السابق.

لكن لماذا هذا الإصرار على المحاكم الجنائية فحسب، وإغفال محاكمات النهج، والرؤية، وعقلية الحيازة، واحتكار السلطة، والحكم باسم شرعية الحزب تارة أو شرعية العائلة تارة أخرى أو شرعية القبيلة تارة ثالثة أو شرعية المال أو شرعية العقار السياسي أو منهج المقاولة الحزبية بدون العودة إلى  قناعة الجماهير رابعة وخامسة الخ؟

وهذه "الشرعيات" المرتجلة تتناسل في كل حقبة وتصبح واقعا صلبا" قانونيا" غير قابل للمناقشة والفحص كأنه طبيعة سياسية لا جدال حولها.

من شرعية "الثورة" في النظام الدكتاتوري، إلى شرعية العائلة، الدين، الطائفة، المنطقة، القبيلة، وحتى شرعية " الاحتلال" لأن هناك قوى تريد أن تؤسس كيانها السياسي على هذه الصفة نظرا لضعف القاعدة الشعبية.

بهذه الصورة يعاد صياغة نموذج الاستبداد وتلقيحه على نحو مغاير ويجري نفي وإقصاء كل الأصوات، بما في ذلك الأصوات الهادئة، التي تطالب بإعادة بناء الدولة والمجتمع والثقافة والقانون حتى في ظروف استثنائي صعب مثل هذا الظرف.

ومرة أخرى السؤال: لماذا محاكم الجرائم فحسب على أهميتها الكبرى، القانونية، والأخلاقية، ويتم تجاهل مراجعة( أكثر شفافية من كلمة" محاكمة") ثقافة تنتج، في كل حقبة، نموذج الإرهاب بصورة منقحة وجديدة؟ ولماذا يجب أن يقوم "القضاة" بهذه المهمة في كل مرة ويتم تجاهل النخب الثقافية والفكرية والعلمية  من حقل صياغة الدولة والمجتمع على نحو مغاير؟

في المرحلة الستالينية  قام الروائي الروسي الشهير إيليا هندنبيرغ  بمحاكمة أدبية وسياسية وفكرية وأخلاقية لتلك المرحلة الدكتاتورية في روايته( ذوبان الثلوج) وقد أقر المؤتمر الخامس والعشرون للحزب ما جاء في هذه الرواية وأعتبر الأمر نصرا أدبيا ومراجعة سياسية توقفت عند هذا الحد، وحين حاول الروائي باسترناك في روايته( الدكتور زيفاغو) إكمال المهمة حوصر وطرد من إتحاد الأدباء( كأن المرء لا يكون كاتبا إلا إذا كان ببغاءً في قفص بتعبير كاتب!) ورفض جائزة نوبل لأنها كانت في عرف البيروقراطية الحزبية( خيانة) سياسية حتى مات وحيدا في عزلته ودفن على أنغام موسيقى جنائزية لشوبان بحضور حفنة من الأصدقاء ومعظمهم من ريفيي المنطقة.

كما أن  محاكمة الروائي كافكا ـ عنوان رواية له المحاكمة! ـ  رغم طابعها الفلسفي إلا أنها كانت محاكمة سياسية مبكرة للإرهاب الفكري، ومنطق محاكم الغرف المغلقة، غرف الدخان، والقضاة الغامضين. وبعدها بسنوات في أواخر الأربعينات قدم الروائي الإنكليزي أريك بلير ( باسمه المستعار جورج اورويل!)محاكمته الشهيرة لعصره من خلال رواية( 1984) التي عرت على نحو غير مسبوق الأنظمة الشمولية، وبالتزامن معه قدم المسرحي الإنكليزي جون أزبورن محاكمته للطبقة البريطانية الحاكمة من خلال مسرحية صارت عنوانا واستهلالا لمسرح الرفض والتمرد السياسي عنوانها( أنظر إلى الوراء بغضب). ولا يتسع المجال هنا إلى كل المحاكمات الأدبية والفكرية والفلسفية في التاريخ القديم والحديث لأنها أضخم وأكبر من أن تعد من محاكمات سقراط، وحتى محاكمات ماركس الفلسفية ودارون العلمية وحتى عصر اليوم  عصر ما بعد الحداثة: أي عصر موت السرديات الكبرى في التاريخ.

بهذه العقلية، وهذه المحاكم، أسست الشعوب حداثتها وانطلقت اليوم نحو آفاق كونية اقرب إلى الأساطير الواقعية: من  مشروع القرية الفضائية، وحتى تأجير الأرحام، ومن الشفرة الوراثية، وإلى بنوك الحيامن، ومن نقل الأعضاء إلى زراعتها بل إنتاجها في مختبرات!

أما نحن فلم ننتقل حتى الآن من مشروع الحفرة والنفق والقبو العقلي إلى السطح والهواء الطلق، والمشروع الوحيد "لزرع" الأعضاء الذي برعنا به على مر العصور هو زرع  ثقافة الفتنة والحذف والمحو، وزرع مقدمات حرب أهلية، من خلال إدامة الفكر المحارب، وصناعة الخصم، وذهنية التهريج، وعقلية حيازة الحقيقة والسلطة والدولة والشرف والجمال والحق والقانون.

لم يرحمنا التاريخ سابقا لأننا قدمنا الجنائي  على الثقافي، وفضلنا  محاكمة الأشخاص وأهملنا دور التاريخ والثقافة، وتصدر السياسي الواجهة على حساب نفي المفكر والمثقف الذي صارت مهمته " كاتب خطابات سكرتير الحزب العام" وتحولت غرف الدخان إلى محاكم مرتجلة بدل الحوار المفتوح مع الناس في الحدائق، وصار في وسع أي مختل عقليا وأخلاقيا ومعتوه أن يصنع لنفسه تاريخا خاصا مزورا  ويرش المارة بالماء الآسن باسم مبدأ مرتجل ومقاييس فردية خاصة.
 
إن  تاريخنا مغلق وفي أزمة ونحن نعيش سجناء عطب بنيوي فكري معتق ولن يفتح أبوابه كي ننطلق في فضاء الحرية ما لم يتم تحرير العقل من الأسر، والثقافة من  السياسة، لأن الثقافة بحث وسؤال، والسياسة أقرار وتثبيت، وما لم نحرر لغة السياسة من المقدس لكي تدخل في حقل المقاربة والشك والاحتمال: عندها فقط تصبح السياسة علما وثقافة، وتصبح الثقافة سلوكا سياسيا يصل إلى مرتبة الجمال!



#حمزة_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أوهام القبض على الدكتاتور6 أحفاد الدكتاتور
- أوهام القبض على الدكتاتور 5 الإمبراطور الحافي
- أوهام القبض على الدكتاتور 4 نقد الأساطير الاجتماعية والمرايا ...
- أوهام القبض على الدكتاتور 3 ذهنية القبو الحزبي
- أوهام القبض على الدكتاتور2 ، القمل موجود في رؤوس الآلهة
- أوهام القبض على الدكتاتور 1 وهم المعنى الوحشي للشجاعة
- من خطاب تبرير الحرب إلى خطاب تبرير الخراب
- أحزان العمة درخشان
- نهرب ونسمّى منقذين،ونخون ونُعتبر أبطالا
- الحروب السعيدة
- المنشق والمؤسسة والراقصة
- سجناء بلا قضبان
- الصحافة الالكترونية وسلوك الزقاق
- آخر طفل عراقي يبكي غرناطة
- قتلى الورق أهم من قتلى الشوارع
- مكتشفو السراب
- ذهنية السنجاب المحاصر
- حين يختزل الوطن بمسميات
- رائحة الوحش
- محمد شكري وعشاء الثعالب الأخير


المزيد.....




- هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب ...
- حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو ...
- بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
- الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
- مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو ...
- مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق ...
- أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية ...
- حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
- تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حمزة الحسن - أوهام القبض على الدكتاتور 7 المحاكمة