أجمع العديد من الباحثين والمستشرقين الذين زاروا منطقة كوردستان خلال حقب زمنية متباينة وكتبوا الكثير من البحوث والدراسات القيّمة عن الكورد وعن كوردستان وتأريخها وحضارتها ، على صفات عامة ميزت شخصية الانسان الكوردي عن شخصية الآخرين من شعوب المنطقة. ومن هؤلاء المستشرق باسيل نيكيتين ، والمستر ئي. بي . سون ، وفيلجيفسكي ، المسيو بول بندر ، والمستشرق هارتمان والبريطاني ريج .... وغيرهم كثير .
ومن هذه الصفات ما تتعلق بالناحية الذاتية للشخصية الكوردية لعل أبرزها الاعتداد بالنفس , الاستقامة ، الأمانة والوفاء بالعهود , الكرم وحسن الضيافة , الطيبة والذكاء الفطري والحنكة ....
ومما يميز الانسان الكوردي عن غيره من الشعوب ، الشعور بالانتماء والارتباط القوي بالقبيلة أو العشيرة التي ينتمي اليها والطاعة الى أمرائه أو رؤوساء عشيرته .
كما إنّ الكورد بصفة عامة لطيفون واجتماعيون يعشقون الموسيقى والغناء والشعر وجمال الطبيعة والرقص الجماعي (الدبكات) ويحترمون المرأة حيث أنها تلعب دوراً كبيراً في حياتهم الاجتماعية .
ومن الصفات الواضحة جدا على الانسان الكوردي والتي لا يستطيع أحد إغفالها ، هي حبه الشديد للحرية لحد الاستشهاد في سبيلها والشجاعة والفروسية والاستعداد الدائم للقتال في سبيل أرضه التي يتعلق بها بشكل كبير وكذلك حبه الشديد لسلاحه واعتزازه بخبرته في استخدامه ، وهو سريع الغضب ويحب أسرته جداً ، فهو أب حنون وزوج مخلص .
وهناك صفات جسمانية تميز الانسان الكوردي فهو يتميز بقوة بدنية واضحة وصحة جيدة على العموم وبجمال الشكل والمظهر .
والكوردي يفتخر بقوميته كثيرا ويتمسك بها حتى في أحلك الظروف ، خلافاً للكثير من القوميات والشعوب الاخرى التي انصهرت وزالت ولم تقاوم الضغوط الكبيرة التي تعرضت لها خلال تأريخها الطويل . فبالرغم من سياسات التعريب والتتريك والتفريس التي تعرض لها الانسان الكوردي على مدى تأريخه الطويل ، ومع كل المحاولات التي قامت بها أنظمة الحكم في الدول التي تتقاسم أرضه والتي كانت تهدف الى محو هويته وصهرها , إلاّ أنه ظل محافظا على قوميته الكوردية ، متمسكاً بها , ولم يتنكر أو يتخل يوما عن أصله أو لغته أو حضارته . فنراه يعتز بلغته ويتحدث بها ولا يقبل بديلا عنها , بل ويناضل في سبيل الحصول على الاعتراف الكامل بكل حقوقه الطبيعية المغتصبة. كما أنه يحرص على المحافظة على تراثه القومي الغني وفولكلوره الأصيل ، وبملابسه الوطنية ويزهو بارتدائها .
بالرغم من الظروف الصعبة التي مرت على الشعب الكوردي والتي لا تخفى على أحد إلا أن الحقيقة التي لا يمكن إغفالها هي أن الانسان الكوردي يتمتع بشخصية إجتماعية منفتحة على المجتمعات والحضارات الاخرى . وهذا ما يظهر بوضوح في طبيعة الانسان الكوردي وحبه لاكتساب المزيد من العلم والمعرفة , والاستفادة من جميع أوجه التقدم العلمي والتكنولوجي التي توصلت اليها المجتمعات والشعوب الاخرى .
هناك بلا شك عوامل أثرت وتؤثر على تكوين الشخصية الكوردية منها عوامل طبيعية وبيئية واجتماعية واقتصادية ومنها أيضا عوامل سياسية فرضت نفسها على الكورد .
فطبيعة المنطقة الكوردية(كوردستان) عموما وما تتميز بها جغرافيتها من وعورة التضاريس وقسوة المناخ وبرودته أثناء الشتاء أجبرت الانسان الكوردي على التكيف مع الواقع وأكسبته القوة والصلابة والشجاعة والفروسية اللازمة لتحمل هذه الظروف البيئية القاسية . ولكن من جانب آخر فأن سحر الطبيعة الخلاب في كوردستان بجبالها الشاهقة ومراعيها الخضراء وعيون المياه الغزيرة والشلالات المتساقطة فيها ، أثرت على الشخصية الكوردية وجعلتها محبة للجمال وللشعر والغناء وأضفت عليها الطابع الإنساني المحبب .
أما الظروف السياسية التي مرت على منطقة كوردستان خلال تاريخها الطويل , وما تعرضت له هذه المنطقة من تقسيم وتجزئة واحتلال من قبل الدول المحيطة بها , والمعاملة القاسية التي تعرض لها الكورد على أيدي هذه الدول المحتلة من إضطهاد وقتل وتشريد وتدمير للمدن والقرى ومحاولات الصهر القومي وتذويب الهوية الكوردية والقضاء عليها فأن هذه الاحداث كان لها الأثر الكبير في إسباغ الروح القومية المتقدة على الشخصية الكوردية وحبها الشديد وتمسكها بأرض الآباء والأجداد وتطلعها للحرية والاستقلال. ولهذا نرى إنّ الكوردي حتى وإن ترك أرضه مرغماً وهاجر الى أقصى بقاع الدنيا يبقى حلمه الاول العودة الى الوطن في يوم ما .
يقال أنّ الجبال هي أصدقاء الكورد لانها كانت دائما الملاذ الآمن الذي يلجأ اليه الكورد عندما تشتد عليهم وطأة الحروب ، فكانت تحميهم وتمنع عنهم غدر الطامعين والمعتدين . وكذلك كان للسلاح دور كبير في حياة الانسان الكوردي وبالتالي تأثير واضح على شخصيته . فقد ظهرت حاجة الانسان الكوردي دوما الى السلاح وذلك للدفاع المشروع عن نفسة وأسرته وعن كيانه ووجوده في ظل المخاطر الكثيرة التي كانت تهدد هذا الوجود . وكما ذكرنا سابقا وبحكم الظروف التي مر بها الكورد , وبسبب عمليات الابادة والقتل وتدمير القرى واغتصاب الأرض , كان من الطبيعي لهذا الشعب أن يلجأ الى اسلوب الدفاع عن النفس وبالتالي الى استخدام السلاح للحفاظ على حياته وهويته . فالانسان الكوردي لم يقاتل أبداً من أجل القتال أو حباً فيه ، بل من أجل استعادة حقوقه المهدورة واسترجاع أرضه المغتصبة ونيل حريته . كل هذه الأسباب جعلت من الكوردي مقاتلاً بارعاً ، محباً لسلاحه ، مفتخراً به ، وخبيراً باستخدامه . ولا غرابة في أن يطلق بعض الباحثين تسمية ( فرسان الشرق ) على الكورد .
ومن المعروف إنّ منطقة كوردستان قديماً وبحكم موقعها الاستراتيجي الذي كان يتوسط أكبر امبراطوريتين في الشرق وهما الفارسية والعثمانية ، كانت دوماً مسرحاً للمنازعات وللحروب المستمرة بين هاتين الدولتين , وكان الانسان الكوردي هو الضحية الاولى لهذه المنازعات التي لم يكن له فيها ناقة ولا جمل . كما وان الدولة العثمانية كانت تلجأ دوما الى اتباع سياسة فرق تسد وتحرض العشائر الكوردية بعضها ضد البعض بهدف إضعافها واخضاعها لسيطرتها . ومما زاد الوضع السياسي سوءاً هو ظهور الأطماع الدولية للدول الاستعمارية في أرض كوردستان إبان الحرب العالمية الاولى بسبب اكتشاف الثروة النفطية الهائلة فيها ، مما جعل بريطانيا العظمى وحلفاؤها يتنافسون فيما بينهم وبالتعاون مع تركيا الأتاتوركية في تجزئة أرض كوردستان واقتسام ثرواتها النفطية . وهذه الاسباب هي التي دعت بريطانيا الى الحاق كوردستان الجنوبية ذات الثروة النفطية الكبيرة الى الدولة العراقية ، ومن ثم وأد حلم الكورد وأملهم في إقامة دولتهم المستقلة وذلك بموجب معاهدة لوزان عام 1923.
والانسان الكوردي في كوردستان العراق وقبل إنتفاضة آذارعام 1991 كان يعيش تحت ظروف قاسية من قمع وقتل وتشريد , وكان يشعر بالقلق الشديد على حياته وحياة أسرته . وهذه الحالة خلقت لديه شعوراً بالظلم وعدم الاستقرار مما أثر سلباً على شخصيته . ولكن الأمر اختلف بعد الانتفاضة الباسلة حيث إستقل الجزء الاكبر من كوردستان العراق من سيطرة النظام الدكتاتوري البعثي وسنحت الفرصة لأول مرة للكورد لإدارة شؤونهم بأنفسهم باستقلالية وحرية مما أعطى للانسان الكوردي الشعور بالثقة العالية بنفسه وبقدرته على إدارة وتسيير أموره ، شأنه شأن غيره من الشعوب الأخرى ، وأنه ليس بأقل من الآخرين قابليةً وكفاءة وعلماً , بل بالعكس أنه من الممكن أن يتفوق ويبدع في كثير من مجالات العلم والمعرفة . كما وأثبت انه لايقل عن الشعوب المتحضرة في نزعته للديمقراطية ورغبته في تطبيقها في حياته اليومية .
إنّ ما تحقق في كوردستان بعد الانتفاضة يعتبر فعلاً تجربة ديمقراطية ناجحة بالرغم من بعض الأخطاء والقتال المؤسف الذي دار بين الاخوة والذي انتهى والحمد لله الى غير رجعة.
ولكن ولعدم استقرار الأوضاع في عموم العراق بعد التحرير ولتهديدات وتدخلات الدول المجاورة التي تقتسم أرض كوردستان والتي لا يعجبها أن ترى الكورد يتمتعون بحريتهم وحقوقهم المشروعة ، نرى الانسان الكوردي ينتابه احياناً الخوف والقلق من المستقبل ، وما زال شبح الماضي ، بما تعرض له من كوارث رهيبة وابادة جماعية واستخدام للاسلحة الكيمياوية ضده على يد نظام البعث الدموي ، يطارده ويجعله ينظر بحذر لما يجري حوله ويستقتل دفاعاً عن المكاسب التي نجح في تحقيقها باصراره وكفاحه الطويل من حرية واستقلالية في الادارة و الحكم .
إنّ الباحث في الشأن الكوردي ليعجب لهذا الكم الكبير من المؤامرات السياسية- الدولية والاقليمية - التي حيكت ضد هذا الشعب الصابر . هذه المؤامرات بالرغم من نتائجها الوخيمة على الانسان الكوردي إلاّ أنها جعلته أكثر إلتصاقاً بأرضه وعشقاً لحريته وتصميماً على نيل استقلاله . وجعلته ينظر دوماً بعين الشك والريبة لسياسات الدول التي كانت لها اليد الطولى فيما أصابه من غبن ، والتي تحاول اليوم الوقوف بوجه تطلعاته المشروعة ، وخاصة تركيا التي مازالت تلعب دوراً مهماً في هذا الاتجاه وتتبع مختلف الأساليب العدوانية في سبيل منع الكورد من التمتع بحقوقهم الأساسية وخاصة حقهم في تقرير المصير .
إنّ عملية تحليل أية شخصية يكون عن طريق التقرب من هذه الشخصية ومحاولة التعايش معها لمعرفة نمط تفكيرها وأسلوب تعاملها مع الواقع ومدى تقبلها للمستجدات والتطورات الحاصلة في محيطها والعالم الخارجي . وهذا ما إتبعه فعلا العديد من الباحثين والمستشرقين الذين زاروا منطقة كوردستان خلال أزمنة مختلفة وعاشوا فترات طويلة مع هذا الشعب ودرسوا عن كثب صفاته وعاداته وتقاليده وتأريخه وحضارته ، وقارنوا كل ذلك بما عندهم من معلومات عن الشعوب الأخرى , فتوصلوا الى تقييمهم الخاص للشخصية الكوردية من جميع النواحي . وقد أجمع غالبية الباحثين على الصفات التي ذكرناها ، وأكدوا على إنّ الكوردي اذا ما سنحت له الظروف الجيدة المتوفرة لغيره من أبناء الشعوب المتحضرة الأخرى ، فلن يكون أقل منهم ثقافة وعلماً وتقدماً . فالانسان الكوردي يتميز بالانفتاح والذكاء وسرعة الفهم والادراك والتقبل للعلوم والمعرفة .
وكمثال على ذلك ما جاء في كتاب المسيو بول بندر الذي زار كوردستان سنة 1887 حيث يقول في معرض وصفه لصفات الكورد في كتاب له بعنوان (سياحة في بلاد الكورد ) ما يلي :
(( والخلاصة إنّ الاكراد رجال جميلون أقوياء أذكياء ، وبعدما تثقفهم بالحضارة يصبحون أرقى ...))
هذه الصفات التي ذكرها وأكد عليها معظم الباحثين والمستشرقين لم تأت من فراغ , بل كانت نتيجة لزياراتهم الى كوردستان ومعايشتهم الطويلة للشعب الكوردي ودراساتهم المستفيضة لهذا الشعب ولعاداته وتقاليده وتأريخه , ومشاهداتهم الحية لتفاصيل حياته . ولاشك ان الصفات المذكورة هذه حقيقية وتمثل واقع الشخصية الكوردية وقد تجسدت في الانسان الكوردي نتيجة لتظافر العوامل والظروف الطبيعية والسياسية والاجتماعية وغيرها و التي أتينا على ذكرها .
وتجدر الاشارة هنا وللأسف الشديد الى ان البعض من الباحثين القدماء ( وهم قلة ) حاولوا ولأسباب غير خافية على أحد أن يأخذوا بعض الصفات غير الحميدة والفردية التي لا يخلوا منها أي مجتمع وتعميمها على الشعب الكوردي بأجمعه وذلك بهدف الانتقاص منه وإظهاره بمظهر الشعب المتخلف الهمجي الذي لا يعرف سوى الغزو والسلب وقطع الطرق ولغة السلاح . كما وأصبحنا نقرأ في الاونة الأخيرة بين الحين والآخر كتابات لبعض غلاة العنصريين من العرب والآشوريين والتركمان وغيرهم من الحاقدين على الكورد ومن الذين أزعجتهم الانجازات السياسية والديمقراطية وعلى جميع الاصعدة التي حققها الكورد وخاصة بعد تحرر العراق من براثن الدكتاتورية ، ويحاولون من خلال كتاباتهم الصفراء التي ينشرونها على صفحات الجرائد والمجلات ومواقع الأنترنت الاساءة الى سمعة الكورد والى تأريخهم ونضالهم المجيد وذلك بالصاق التهم الباطلة بهم ، كادعائهم مثلاً قيام الكورد باقتراف المجازر ضد هذه القومية أو تلك ، أو بالقيام بتكريد القرى والمدن في كوردستان أو ممارسة التطهير العرقي ضد غير الكورد وخاصة في المناطق الكوردستانية التي تعرضت لعمليات التعريب سابقا في عهد النظام الدكتاتوري البائد ... وغيرذلك من الأوصاف والتهم البعيدة كل البعد عن الطبيعة المسالمة للانسان الكوردي الذي كان هو دائما ضحيةًً للممارسات اللاإنسانية القمعية التي وقعت ضده .
ولكن هذه المحاولات البائسة لن يكتب لها النجاح في تشويه صورة وشخصية الإنسان الكوردي الذي أصبح معروفاًً للعالم بحبه للسلام ورغبته العيش بكرامة على أرضه ، وتطلعه لنيل حقوقه المشروعة في الحرية والاستقلال كغيره من بني البشر .