طلال احمد سعيد
الحوار المتمدن-العدد: 2231 - 2008 / 3 / 25 - 09:17
المحور:
ملف - دور قوى اليسار والديمقراطية في بناء دولة مدنية ديمقراطية علمانية تضمن الحرية والعدالة الاجتماعية للجميع
الخيار بين الدولة المدنية والدولة الدينية هو خيار بين الحداثة وبين العودة للماضي , الدولة المدنية هي الدولة العلمانية الديمقراطية الليبرالية , وهي تعتبر بحق نقيض للتيار الرجعي السلفي , وتفضي للخلاص النهائي من النعرات الدينية والطائفية والمذهبية بحكم موقفها المحايد من كل المعتقدات , الدولة المدنية هي التي تحد من تسخير الدين لمصلحة الحاكمين , وهي الدولة التي تسير مع ركب العالم المتمدن متخطية القيود تاركة وراءها ثقافة التمسك بالماضي والتقليد السلفي , الدولة المدنية العلمانية باختصار تهدف الى ابعاد الدين عن السياسة .
يقول الدكتور علي الوردي في كتابه مهزلة العقل البشري ( ان الدين والدولة أمران متنافران بالطبيعة ) , ويقول الدكتور يوسف القرضاوي ( الدولة المسلمة التي تحكم بشريعة الله وتجمع المسلمين عند الاسلام وتوحدهم تحت رايته هي فريضة على الامة الاسلامية يجب ان نسعى اليها ) , ويقول الدكتور سعد الديك ( الدولة المدنية لا مكان فيها للشريعة طبعا لان الدولة المدنية نقيض للدولة الدينية الحاكمة بالشرع ) , وقال تعالى في كتابه العزيز ( اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم ) , ويقول احد فقهاء الاسلام ( ان الله انزل علينا الاسلام اما الديمقراطية والحداثة فانهما منجز بشري وهو غربي والمسلم في حياته بعيد جدا عن الحداثة ) .
الدولة الدينية مصدرها الوحي وليس البشر , ومرتكزها الاساسي الايات المنزلة واحاديث الرسول الشريفة والنوايا . الدولة الدينية تؤمن بالخلافة وهو مبدأ نقيض لتداول السلطة . الديمقراطية مصدرها التشريع من قبل الانسان ولا علاقة لها بالوحي او الدين , اما الاسلام فهو الدين الذي انزله الله على سيدنا محمد . ويعتقد بعض الفقهاء انه مادامت الديمقراطية من وضع البشر اذن هي نظام كفر لانها تجعل الحاكمية بيد البشر وليس بيد الله . ويقول الدكتور شاكر النابلسي ( لا القرآن ولا الاحاديث الصحيحة ولا اقوال السلف الصالح جاءت على ذكر كلمة الديمقراطية لانها قيمة دنيوية وليس قيمة دينية ) .
الديمقراطية تعرف بانها حكم الشعب يقيمه الشعب , من هنا تتبين بجلاء هيكلية الدولة المدنية التي تضع في اولوياتها المواطن والمواطنة بلا تفريق , حيث لا يوجد مواطن اكثر مواطنة من غيره الا بقدر ما يقدمه لامته ولابناء شعبه .
في نطاق الحوار بين انصار الدولة الدينية والدولة المدنية ظهر شعار الاسلام الديمقراطي , وهذا شعار غير واقعي لان الدين منزل والديمقراطية فكر وممارسة من وضع البشر , وهي خاضعة للتعديل حسب متطلبات المجتمع والتطور الحضاري والاقتصادي لكل الامة . وقد حصلت مخاطر جمة بسبب استغلال شعارات الديمقراطية من قبل الجماعات الدينية للاستحواذ على السلطة , مثلما حصل في العراق اثناء الانتخابات العامة التي جرت عام 2005 , حيث اجبر الناخب على التصويت لقوائم محددة بغض النظر عما تحتويه من اسماء , لانها تفتح الطريق الى الجنة , وخدمة ال البيت وطاعتهم , ومن يخالف ذلك فهو يدخل النار ويصبح طلاق زوجته شرعا . وبذلك تكون الانتخابات قد تحولت الى مجرد طقوس عبادة تحمل خيارا بين الكفر والايمان , وهنا تتجسد مسألة المزج بين الدين والسياسة لتحقيق هدف منشود وهو القفز الى السلطة على اكتاف المغفلين .
من المعروف ان الشعوب مارست تجاربها وهي تسعى بشوق نحو اقامة انظمة ديمقراطية تحقق لها السيادة والعدالة الاجتماعية والحرية وتؤمن لها الرخاء الاقتصادي , وقد توفرت للكثير من تلك الشعوب الفرصة لنيل هذا النوع من الحكم الذي فتح الافاق للمزيد من الرفاه والتقدم , في ظل الانظمة العلمانية الديمقراطية التي اقامها الانسان خلال نضاله الطويل وعبر قوانين وضعية شرعت بناءا على حاجات المجتمع المتطورة .
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وتحقيق النصر الناجز على قوى الفاشية والنازية , فقد سجلت المسيرة الديمقراطية للشعوب قفزة جديدة عندما صدر الاعلان العالمي لحقوق الانسان عام 1948 , واغنى الامم المتمدنة بالمزيد من مباديء الحرية والعدالة والمساوات واحترام حق الانسان في الحياة الكريمة , وكان ذلك مبعث لنبذ الحروب والتوجه نحو البناء وتثبيت مباديء التعايش السلمي بين الشعوب .
يمكن ان نزعم هنا ان الدولة العلمانية اصبحت حقيقة تعبر عن مباديء اساسية رسم خطاها المجتمع الدولي المتحضر والتي تتمثل بما يلي :
1. فصل الدين عن الدولة .
2. الامة هي مصدر التشريع والسلطات .
3. تقديس حرية الفرد في الفكر والضمير والتعبير والعبادة .
4. احترام كافة الاديان والمعتقدات والوقوف بمسافة واحدة من كل الطوائف والمذاهب .
5. تحقيق المساوات امام القانون .
6. ممارسة العمليات الانتخابية الحرة النزيهة .
7. اشاعة قيم التسامح والتوافق والتراضي .
8. اقامة حكم مبني على رضا المحكومين .
عند بحث الدولة الدينية والدولة المدنية نستذكر التجربة العراقية بعد سقوط النظام الدكتاتوري , التي حملت امال العراقيين في تحقيق حكم ديمقراطي يضع حدا لمعاناة عقود من الزمن , شهدت ابشع صورة لانتهاكات حقوق الانسان وحرياته , تلك الامال تبددت وتحولت الى مجرد سراب خادع بعد ان وقع العراق في قبضة التيارات الدينية , التي سيطرت على كل مفاصل الدولة وصار لها نفوذا مؤثرا في الشارع العراقي .
ان تجربة السنوات الخمس المرة الماضية المليئة بالماسي والكبوات , كانت الحصيلة الاكيدة لانتشار الفكر الاثني وانتصار ثقافة العودة الى الماضي , فتدحرجت البلاد الى قاع الحضارة وصارت مسرحا لاقتتال الطوائف واغتيال الانسانية . هذا الحال هو نتيجة الاخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة بعد السقوط عندما اعتقدت ان القهر الذي عاشه العراق في ظل الحكم السابق سوف يولد الحرية والديمقراطية بتلقائية , لذلك اطلق العنان للفوضى كي تعم البلاد , فكان الحصاد ديمقراطية مشوهه وحرية مزيفة ومستقبل مظلم .
#طلال_احمد_سعيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟