في العام 1954 ، أي قبل نصف قرنٍ من هذا اليوم المعتم ، في الشتاء الإنجليزي الرطب ، كنت أمثِّـل ، على
صندوق الإنتخاب ، مرشحَ الجبهة الوطنية في البصرة ، الدكتور فيصل السامر ، أستاذي الذي صار في وزارة 14 تموز ، وزيراً للإرشاد .
أذكرُ من بين مرشحي الجبهة ، المحامي إدكار سركيس وجعفر البدر أيضاً .
في تلك الإنتخابات المباشرة ، فاز عددٌ من مرشحي الجبهة الوطنية ، ليكوِّنوا للمرة الأولى في تاريخ البرلمان العراقي ، كتلةً برلمانيةً .
تلك الذكرى أثيرةٌ لديّ …
كنت في المركز الإنتخابي ، أمثل المرشح الدكتور فيصل السامر ، وكان لكل مرشحٍ ممثلٌ يقف وراء الصندوق ،
كما كان في المركز الإنتخابي حاكم تحقيق ، وشرطيّ أو اثنان .
أراقبُ الناخبين يدخلون ، واحداً واحداً … يلقون بأوراقهم في الصندوق ، وينصرفون ، في هدوءٍ عجيب .
لم يفُــزْ من مثّــلتُـه .
كان الفلاحون ، الفقراء ، يصوتون لصالح مرشح حزب صالح جبر ( حزب الأمّــة الإشتراكي ) ، الذي صار
في قاموسهم يسمى ( حزب الأئمّـة ) …
كأنهم لم يعرفوا أن فيصل السامر هو المدافع الحقيقي عن مصالحهم ، وأكيداً أنهم لم يعرفوه مؤلفاً لأهمّ كتابٍ
عن ثورة أسلافهم من أرقّــاء الأرض في البصرة ، أعني " ثورة الزنج " .
أردت أن أقول إننا عرفنا الإنتخابات المباشرة ، ومارسناها ، بجدارةٍ عاليةٍ ، قبل نصف قرنٍ من الزمان …قبل
نصف قرنٍ من هذا النهار المعتم ، المثقل برطوبة الشتاء .
اليومَ ، يتكرم علينا بريمر الثالث ، ملك العراق ، بأبشع عمليةٍ لتزوير الإرادة الشعبية ، عمليةٍ ليس فيها من مبدأ الإنتخاب شيءٌ . الكلُّ معيَّــنٌ : الهيأةُ الإنتخابيةُ ، ومن سوف تختارهم .
صيغة بريمر هذه أســوأ حتى من الإنتخابات غير المباشرة التي كانت الصيغة المفضلة في العهد الملكي .
الســؤالُ :
أما كان ينبغي التريّثُ والتفكُّــرُ قبل أن توصفَ عملية التزوير البريمرية بأنها خطوةٌ في الإتجاه الصحيح ؟
لمَ التعجُّــلُ في استخدام الختْـم ؟
لندن 23/12/2003