نشرت جريدة الفرات في عددها الصادر في 3 كانون الاول 2003 تعليقا على تصريح نادية محمود القيادية البارزة في الحزب الشيوعي العمالي العراقي و الحركة النسوية في العراق لقناة المستقلة تحت عنوان " في حال استلام حزبها السلطة.. عراقية تتعهد بنشر الاباحية" وبخط عريض. من الواضح ان كاتب هذا التعليق كان يهدف الى اخافة الناس من نادية محمود وحزبها وخلق شبهات حولهما عن طريق استخدام كلمات تعتبر في نظره كبيرة ومؤثرة سلبيا والبقاء في العموميات دون التطرق الى اي تفاصيل التي لن تخدم الهدف الذي يبتغيه الكاتب. لذا لم يقوم الكاتب بشرح ما يعنيه، حيث قام بنقل تصريح نادية محمود حرفيا دون ان يضيف شيئا عدى العنوان البراق هذا.
لقد لجأ كاتب هذا التعليق الى اسلوب قديم ومتهرئ تستخدمه البرجوازية دائما ليس فقط ضد القوى الشيوعية واليسارية بل ضد كل مطلب تقدمي في المجتمع وهو اسلوب التخويف. فالبرجوازية العالمية تقوم مرارا باخافة الناس من الافكار والقوى الاشتركية و التقدمية عن طريق خلق ربط بين هذه الافكار والقوى وبين نموذج راسمالية الدولة في الاتحاد السوفيتي والقطب الشرقي ايام الحرب الباردة و الاشارة الى الجرائم التي ارتكبها هذا النظام ضد البشرية وخاصة في عهد ستالين. بنفس الطريقة يحاول كاتب التعليق اخافة الناس من نادية محمود و الحزب الشيوعي العمالي العراقي عن طريق اللعب على (وتر حساس) حسب اعتقاده هو وتر الدين و التقاليد التي يعتقد انها تتحكم بسلوك وفكر الانسان في العراق و الشرق الاوسط. الكاتب متاكد من فعالية هذا الوتر لذا لم يجد نفسه كما قلنا مضطرا الى توضيح ماقالته نادية و ماذا يعني بالاباحية ولماذا نشر هذا التعليق اساسا. لكن الكاتب لم ينجح في هذه المهمة.
دعنا نرى ما الذي قالته نادية محمود والذي سيؤدي الى نشر الاباحية وانهيار المجتمع العراقي!. قالت نادية محمود عضو المكتب السياسي ل( الحزب الشيوعي العمالي العراقي) حسب ما نشر في هذا التعليق، انه في حال استلام الحزب السلطة فانه سيلغي كافة الشروط المفروضة على الرجل و المرأة للدخول في علاقة عاطفية او جنسية، معتبرة العلاقة بين الرجل و المراة" امرا شخصيا غير قابل للتدخل او التعرض من اي جهة او فرد او مؤسسة". واضافت ان " العلاقات بين الجنسين امر فردي و شخصي، وفرض شروط الزواج من حيث المهر، وموافقة ولي الامر واشهار العلاقة الزوجية، واستدعاء شهود تثبيت العلاقة بين الرجل و المرأة انما تشكل انتهاكا و تدخلا في امر شخصي، وتجعل العلاقة الانسانية بين الرجل و المرأة علاقة بيع، وتحول جسد المرأة الى سلعة قابلة للبيع، وان اشتراط موافقة ولي امر المرأة على الزواج يشكل امتهانا و اهانة لقدرة المرأة على تقرير شؤونها بنفسها".
فهل فيما قالته نادية شيئ يخيف انسان عاقل، فهي تتحدث عن حقوق وحريات الفرد وخاصة المراة التي يجب ان لا يتعدى عليها مهما كانت الحجة. وهذه الحقوق التي تتحدث عنها نادية هنا لم تعد امور غيبية بل ان اكثرها قد تمكنت الحركة التقدمية و النسوية من تحقيقها في البلدان المتقدمة.
دعنا نفسر ما طالبت وتطالب به نادية محمود سواءا مما ورد في هذا التعليق او لم يرد فيه بكلام بسيط بعيدا عن العناويين البراقة و المثيرة.
نادية تدافع عن حق الاستقلال الفردي و منع كل الاشكال التدخل من قبل اي جهة سواء كانت الاقرباء او المؤسسات و المراجع الرسمية في الحياة الخاصة و العلاقات الشخصية و العاطفية و الجنسية للافراد وبمعنى اخر تدعو الى منع كل اشكال الضغوط على الافراد في شؤون اختيار الشريك والزواج و الطلاق و تقرير اسلوب حياتهم حتى لو جاء هذا الضغط من الافكار و المعتقدات القديمة المتهرئة التي يأمن بها كاتب التعليق. تدافع عن حق كل شخصين تجاوزا ال 16 سنة من ان يتمكنا من العيش معا ومن اقامة العلاقة الجنسية الحرة وفقا لارادتهما و خيارهما. تدافع عن حق الطلاق بدون شرط او قيد للمراة و الرجل.
تدعو الى المساواة الكاملة و بدون قيد او شرط بين الرجل و المرأة في جميع اوجه الحياة في الاسرة والمجتمع والغاء كافة القوانين والمقررات المناهضة لذلك فورا. تدعو الى الغاء كل القوانين و الاعراف التي تحد من حرية المرأة في اختيار الملبس و الوظيفة. وتطالب بالغاء كافة القيود على حرية المرأة في السفر و التنقل داخل البلد او خارجه. وتدافع عن المساواة الكاملة بين الرجل و المرأة بعد الانفصال فيما يتعلق بالاموال و الممتلكات التي كانت تعود للعائلة و المساواة التامة في الحقوق و المهام في امور المتعلقة برعاية وتكفل الاطفال بعد الطلاق.
منع كل اشكال المتاجرة في الزواج مثل المهر وغيرها كشروط للزواج. تدعو الى منع تعدد الزوجات و الغاء زواج الصيغة( البغاء الاسلامي).و تدعو الى منع كل اشكال الايذاء النفسي و الجسدي للاطفال داخل العائلة و المجتمع ككل و المواجهة القانونية الحازمة للاسغلال الجنسي للاطفال دون السن القانونية اي سن ال 15.
فهل هناك شيئ مخيف فيما تدافع عنه وتطالب به نادية؟
و بالمقابل دعنا نرى ما الذي تدافع عنه انت. تتضح من الموقف التي اتخذته مما تطالب به نادية الحركة الاجتماعية التي تنتمي اليها والتي تذعر من كل مطلب تقدمي و انساني داخل المجتمع و بذلك يتضح ماتدافع عنه انت. انك تدافع عن كل القيم التي تتعارض مع طبيعة الانسان و عن اكثر النوازع الاانسانية و الفاسدة. تدافع عن مصادرة حق الافراد وخاصة النساء في الاختيار في كل اوجه الحياة. تدافع عن مصادرة حق الافراد وخاصة النساء في اختيار الشريك و عن اجبار النساء من الزواج من اشخاص قد لايعرفن عنهم شيئا وقد لايربطهن بهم شيئا و بذلك يتعرضن الى اغتصاب جنسي ونفسي في كل لحظة وطوال حياتهم. تدعو ان يكون للرجل الحق في ان يطلق المراة متى ما اراد ذلك و لكن ان لايكون بامكان المراة الطلاق حتى ولو كان بقاءها ضمن العلاقة الزوجية يعني تعرضها للاغتصاب و الاعتداء الجسدي و النفسي. تدافع عن قتل الشرف ورجم النساء حتى الموت و غيرها من الجرائم التي يرتكبها ابطال الاسلام ضد النساء. تدافع عن بيع وشراء النساء و اجبارهن على بيع الجسد من خلال ما يسمى بزواج المتعة حيث بامكان الرجل الميسور ان يدفع مبلغ من المال مقابل التمتع بجسد المراة. انك تدافع عن استخدام المراة كاداة لاشباع شهوات الرجل.و تدافع عن تعدد الزوجات، هذا التقليد المهين لكرامة المرأة. تدافع عن اجبار الاطفال بسن التاسعة او حتى اقل من ذلك على الزواج وبذلك يتعرضون الى الاغتصاب الجنسي و النفسي يوميا.
اليست هذه الافكار و التقاليد والممارسات هي ماتستوجب الخوف وتحذير الناس من مخاطرها؟ اليست هذه الافكار والممارسات هي التي تشكل خطر على الانسان و المجتمع؟ اليست هذه السلوكيات اكثر انواع الفساد خطورة و التي يتوجب علينا محاربتها؟
اقول لم تتوفق في اخافة الناس من نادية محمود و حزبها لان الوتر (الحساس) الذي ارت اللعب عليه قد انقطع. بفضل اصرار و نضال نادية محمود ورفاقها لم يبقى للتابوهات التي تريد الحفاظ عليها اي قدسية. لقد بدا الكثير يتجرأ على نقد الخرافات و الاوهام التي تريدون الابقاء عليها حية داخل المجتمع. ان ما نقلته على لسان نادية يعتبر دعاية لافكارها وهو ماتريده ان يصل الى الناس.
ان الاسلوب الذي استخدمته اي اسلوب تخويف الناس بدا يفقد اهميته. على مستوى العالم بدأ يتضح زيف ادعاءات امريكا باحلال السلام والحرية والرفاهية بعد بروز النظام العالي الجديد وبدأت الجماهير تزداد قناعة بضرورة التغير وايجاد بديل للنظام الحالي وبدأت تتجه نحو الافكار الشوعية و اليسارية . بدأت الماركسية تستعيد اعتبارها. على مستوى العراق يتضح شيئا فشيئا رغم كل المعوقات بان الحزب الشيوعي العمالي العراقي هو الحزب الوحيد الذي يدافع عن الجماهير. بعد اكثر من عقد من النضال الجرئ بدأت الشوعية العمالية من جذب انتباه الكثير من المحرومين و الساعين الى عالم افضل ليس في العراق فحسب بل على مستوى العالم ككل. لم يعد بوسع الحركة التي ينتمي اليها كاتب التعليق المذكور و بقية الحركات البرجوازية من تحجيم الشوعية العمالية. بدأت الشوعية العمالية تتحول الى تيار اجتماعي قوي. كل الدلائل تشير الى ان الشوعية العمالية ستتحول الى تيار عالمي سيكون له كلمة في رسم ليس فقط مستقبل العراق بل العالم ككل. سيأتي يوم ينقسم الناس بين مؤيد و معارض للشوعية العمالية و ستصبح مبادئها و افكارها وسننها قوية في الجتمع لانها تقاليد في غاية الانسانية وتتفق مع طبيعة الانسان. و ستصبح المبادي التي يروج لها الكاتب تقاليد غريبة لانها مفروضة على البشر ولاتتطابق مع الطبيعة البشرية.
توما حميد
20 كانون الاول