|
هل المدرسون مُتطفلون على الوظائف الحكومية ؟
توفيق أبو شومر
الحوار المتمدن-العدد: 2229 - 2008 / 3 / 23 - 09:00
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
طلب مني أحد أصدقائي أن أُعرِّف ( النضال) تعريفا فلسطينيا مختصرا، وكانت صيغة الطلب تدلُّ على أنه يودُّ أن يستعين بتعريفي للإجابة عن سؤال أكاديمي، أو أنه سيستعمل التعريف في دراسة يقوم بها، أو أنه أراد أن يؤكد تعريفه الخاص به، أو أنه كان يختبرني ليفاجئني بتعريف جديد . فأجبته: النضال تعبير واسع المدلول لا يمكن أن تُحدده بتعريف مختصرٍ، أو تضع له قالبا علميا أكاديميا، فهو يشبه كلمات الحرية والثقافة والتطور والنهضة، وغيرها من التعبيرات، ولكنني أستطيع أن أُقارب تعريفه بأنه مجموع التضحيات التي يقدمها الفرد للوطن، بدون أن ينتظر المكافأة ! فصمتَ بُرهةً ثم قال : قصدتُ من السؤال شيئا آخر وهو: ما التعريف الفلسطيني الشعبي للنضال ؟ لأن الفلسطينيين قد حصروه في تعريف واحد، وهو: كل من شارك في النضال العسكري فقط ! أما من لم يشارك في هذا النضال، فهو ليس مناضلا، وكل من يسميه الآخرون مناضلا، وهو ليس مناضلا عسكريا، فهم يهزؤون به، في أكثر الأحيان ! صديقي المتقاعد حديثا من سلك الوظيفة الحكومية كان يرمي لهدفٍ آخر، صديقي كان يقصد أن بعض المسؤولين في وطننا استثنوا من خانة النضال أبرز فئات المجتمع الفلسطيني، وهي فئة المدرسين والمربين وأهل التربية والتعليم المقيمين والمغتربين، فاعتبرهم بعضُ المسؤولين متطفلين على مائدة الوظيفة الحكومية، واعتبرهم آخرون وصوليين عادوا لينافسوا غيرهم على الوظائف والمنافع، بعد أن شبعوا ثروةً ومالا، واعتبرهم آخرون متسولين على الرغم من غناهم، لأنهم ببساطة أخذوا مكافآت نهاية عملهم من كل البلدان التي عملوا فيها! وواصل قائلا :إن أكثر المكافآت قدرا لأطول مدة تدريس في أية دولة عربية، لم تكن تكفي أن يدفع المدرسُ فرق تذاكر السفر لأبنائه الزائدين عن الحد المسموح به ليخرج من البلد الذي أنهى تعاقده، إلى بلد غربة جديدة ، أو أن يدفع ضعف مكافأته ثمنا لشراء كفالةٍ جديدة ليتسنى له تعليم أبنائه، ومواصلة حياته حتى وإن عمل بعد ذلك سائقا أو بائعا ! أن ما يحدث من تضييق حياتي يتمثل في ضآلة مرتبات المدرسين، في فلسطين ليس أمرا عارضا ، أو عفويا، بل إنه مقصودٌ مع النيَّة والإصرار والترصُّد . وأضاف ساخرا: ووفق رأي بعض الذين ما يزالون يتحكمون في مرتباتنا وحياتنا، فإن الفلسطيني الذي كان مغتربا وتاجرا فإن له الحق في إضافة هذه السنوات إلى رصيد تقاعده، لأنه ببساطة كان مناضلا مغتربا في كتيبة التجار الوطنية الفلسطينية ! ومن كان موظفا في قطاع حكومي أجنبي ، أو في سفارة ، أو مؤسسة أجنبية كبرى فهو يستحق أن تُحتسب له هذه السنوات، لأنه كان أيضا عينا للمناضلين على أعداء الوطن ! ومن كان مهندسا أو صاحب مصنع أو مشغل أو حتى دكانٍ صغير فهو يستحق أيضا، لأنه يحسب ضمن الاحتياطي النضالي ! أما من كان صاحب عقارات وأملاك كثيرة في الوطن وخارجه، فخدمته نضالٌ وطني مُضاعف، فهو يُحسب ضمن الرديف المناضل، نظرا لما يملكه من ثروة نضالية وطنية ! وأما من كان عاطلا عن العمل بالمرة ، فهو مناضلٌ حقيقي، لأن تعطله عن العمل كان لسبب وجيه، وهو مطاردة الأعداء له، لدرجة أنه ضحّى بالعمل، ليصبح مناضلا عاطلا ! حتى من كان تاجر شنطة وسمسارا وتاجر عملات، فهو أيضا مناضلٌ من الدرجة الأولى، لأنه كان يوفر الدعم للنضال الوطني الفلسطيني ! وخلاصةُ القول: كُن ما شئت أن تكون، بشرط واحد لا غير وهو : ألا تكون قد عملت مدرسا،أو مربيا، أو موجها تربويا ، أو ملوثا بأية صلة نسبٍ أو قرابة بسلك التعليم ! عندئذٍ، مستقبلك في خطر، فكن على حذر ! وأضاف: أعرف أخوين ، أحدهما كان مدرسا فاشلا، تمكن بمهارته أن ينتقل من مهنة التدريس إلى وظيفة حكومية أخرى، بينما بقي الأخ الثاني ، وهو المدرس الناجح يعمل مدرسا في مهنته ، وهو حاصل على شهادة علمية وأخرى تربوية ! فعين الأول مديرا في وزارة من الوزارات، وأصبح يتقاضى أكثر من ضعف راتب أخيه المدرس المخلص الملتزم في الزمن نفسه وفي المكان نفسه وفي الدولة نفسها ، وهي دولة فلسطين الحرة المستقلة ! وتمكن المديرُ من أن يضم سنوات عمله كمدرس فاشل إلى قسيمة مرتبه، بينما لم يتمكن المدرس المخلص من إضافة سنة واحدة من سنوات خبرته السابقة إلى قسية مرتبه ! أليست تلك عقوبة مقصودة لكل المربين والمدرسين ؟ أليس ما يفعله بعض المسؤولين بجهل، أو بتخطيط ، يُحبط كل المعلمين والمدرسين، ويجعلهم يمقتون مهنتهم، ويعتبرونها مهنة المتاعب؟! أليس ما يحدث للمدرسين، هو انتقامٌ بأثر رجعي لمخزوننا الوطني من رجال التربية والتعليم الذين بنوا كثيرا من الأوطان، حتى نكفَّ عن ترديد هذا الافتخار؟! أليس ما يحدث لأهل التربية والتعليم، هو مؤامرة تهدف بالدرجة الأولى إلى الإطاحة بأسس البناء الفلسطيني التعليمي الذي يقودنا إلى المستقبل، لنظل نحيا في ماضينا ؟! وأخيرا فإن الذين يُعرِّفُون النضالَ الفلسطيني بأنه (فقط) نضال السلاح والسجن، هم في الواقع يسيئون إلى تاريخنا النضالي، لأن كل الفلسطينيين كانوا مناضلين، وإن تنوّع النضال، فإذا كان النضال المسلح والسجن شرفا وغارا على جبين كل فلسطيني ، وهو كذلك بالفعل ، فإن كل الذين اغتربوا عن الوطن قسرا، هم أيضا إكليلٌ فوق ربى وجبال فلسطين، فكم مدرسٍ اغترب لينفق على أهله وعشيرته المحاصرين ، ويدفع أقساط التعليم لإخوته وحتى أقاربه في جامعات العالم ، اليس هذا نضالا، يستحق التقدير والاحترام ؟! وكم طبيب عمل في غرفة نائية في إحدى الصحارى العربية، وقضى سنوات عمره ينام وسط العقارب والأفاعي،ولم يتمكن من السفر طوال المدة، قدّم العون لإخوته وأقاربه حتى حصلوا على أعلى الدرجات العلمية، ألا يستحقُّ أن يكون مناضلا، يمنحه الوطن إضافات حقيرة إلى راتبه الشهري، إن لم يمنحه وسام الشرف من المرتبة الأولى ؟! إلى متى سنظل جاهلين بالمؤامرة التي تحاك على مستقبلنا كله، إلى متى سنظل نطارد المدسوسين الصغار، ونُعلى قدر المفسدين الكبار، الذين يهددون مستقبل الوطن، بالانتقام من مربي أجيال الوطن ؟!
#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
موتوسيكلات .. لأوتو سترادات غزة !
-
غفوة ... مع قصيدة مريم العسراء للشاعر أحمد دحبور
-
في وصف إسرائيل !
-
لقطات حديثة من العنصرية الإسرائيلية
-
هل أصبح الرعب هو التجارة الإعلامية الرابحة؟1
-
مرة أخرى .. إحراق مكتبة جمعية الشبان المسيحيين في غزة !
-
ملاحظات حول تقرير البنك الدولي عن التعليم في العالم العربي !
-
العرب ... يطلبون حق اللجوء الإعلامي للقنوات الأجنبية !
-
إسرائيل إما أنها في حالة حرب... وإما أنها تستعد للحرب !
-
باراك أوباما....وعشق إسرائيل !
-
ازدهار النظام الوراثي في الألفية الثالثة
-
بين تربية العقول ... وتربية (العجول) !
-
تنبَّهوا واستفيقوا أيها العربُ !
-
من إسرائيل دولة يهودية ... إلى إسرائيل دولة [ اليهود]!
-
قتل النساء بادّعاء الشرف جريمة بشعة تُخلُّ بشرف الرجال !!
-
الإعلاميون العرب والتسلية على أسماء الشخصيات الأجنبية !
-
الإعلام ...لواء مدرع في سلاح الشركات متعدية الجنسيات !
-
الإعلام العربي ... كلام حتى الموت !
-
هل ستصبح غزة تحت وصاية حلف الناتو ؟!
-
إعلان براءة إيهود أولمرت بعد لاءاته الثلاثة !
المزيد.....
-
برلمان كوريا الجنوبية يصوت على منع الرئيس من فرض الأحكام الع
...
-
إعلان الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. شاهد ما الذي يعنيه
...
-
ماسك يحذر من أكبر تهديد للبشرية
-
مسلحو المعارضة يتجولون داخل قصر رئاسي في حلب
-
العراق يحظر التحويلات المالية الخاصة بمشاهير تيك توك.. ما ال
...
-
اجتماع طارئ للجامعة العربية بطلب من سوريا
-
هاليفي يتحدث عما سيكتشفه حزب الله حال انسحاب انسحاب الجيش ال
...
-
ماسك يتوقع إفلاس الولايات المتحدة
-
مجلس سوريا الديمقراطية يحذر من مخاطر استغلال -داعش- للتصعيد
...
-
موتورولا تعلن عن هاتفها الجديد لشبكات 5G
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|