|
دالة العنف ... ما بين الأرهاب والجهاد
هيبت بافي حلبجة
الحوار المتمدن-العدد: 2230 - 2008 / 3 / 24 - 03:55
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
العنف كظاهرة قديمة جديدة شقت طريقها في الزمن المعاصر من خلال مفهومين منفصمين منفصلين ( في الأساس ) هما مقولتا الجهاد والإرهاب ، اللتان تتداخلان في مستوى التفسير و الرؤيا و الفتاوى ، عبر مرتكزات ومقولات عقائدية تشريعية لامندوحة من الوقوف الدقيق عند أهمها بالنقد والتحليل وبالتالي تفنيد هذه الرابطة ودحض تلك الذهنية القاتمة الدامسة ثم الفرز بينهما على الصعيد الأنطولوجي ~ التأصيلي المحض .لا أحبذ ولا أود أن أدخل في سجال عقيم عاقر حول هذه المسائل مع علماء وفقهاء الدين ( سواء المنتمين للعقل السني أم للعقل الشيعي على حد تعبير محمد عابد الجابري ) إنما أجتبي و ارتأي أن أعالج ذهنية الجهاد و الشهادة في سبيل الله ( جل و عز ) من خلال المرجعين الأساسيين ~ القرآن و االسنة ~ دون المقارنة ما بين الإرهاب والجهاد . ولكن رغم ذلك لا مناص من إيفاء الموضوع حقه الكامل في كل تداعياته ، من تعريفه و حكمه الشرعي فيما يخص الجهاد ، أما بالنسبة للأرهاب فلا بد هو الآخر من تعريفه وبيان عوامل نشأته ومسوغات وجوده مع إمكانية تبيين كيفية الحد من نجاوزاته الفكرية بالنتيجة أو الحجر القانوني عليه بالأستنتاج . أولاً . الجهاد : فالجهاد مفهوم معياري ، مقنن ، غائي ، عقائدي ، ذرائعي إيديولوجي ، له بواعثه ومجالاته و أساليبه وغاياته العامة . معياري له شروطه الذاتيه ، مقنن له شروطه الموضوعية ، غائي عقائدي له شروطه العقلية الفكرية ، ذرائعي إيديولوجي له ظروفه وعلاقاته وتداخلاته وعمقه السوسيولوجي و الجيوفيزيائي . فالجهاد كحدث واطروحة يبدأمن لحظة تسليم الشخص نفسه وجاهه وماله وعرضه وكل مايخصه ( في ذاته ، وفي موضوعه ، وفي درجته ) من قريب أم يعيد ، إلى المسالك الإلهية الميتافيزيقية ( وهي هنا حصراً الله جل وعز ، إذ لا إله إلا الله ) ، ثم ينذرها لها ولصددها دون تردد أو خوف أم وجل بعيداً عن كل المآرب البعدية والذرائع الدنيوية . فأبتداءً من تحقيق هذا الركن الجهادي ، الذي هو الوقف الوجودي لله ( تعالى ) تنجز الشهادة سواء بالقوة أم بالفعل (أرسطو ) ، بالقوة (كون الشخص مستعداً للمفاتلة ولإن يُقتل في تلك اللحظة ) وبالفعل ( إذا ما تم و تحقق أحد المستويين ) . وهذا ما أسميه الجهاد الأنطولوجي ( الدائم الكامل الشامل الجامع المانع ) ، في حين إن تحقق الجهاد في جزيئية خاصة فإنني أسميه الجهاد الوقائعي ( هسرل ~ هيدجر ) . أما من حيث النتيجة فهما يتطابقان ويتماثلان ( الشهادة ) ، وانطلاقاً من الركن الجهادي ( الوقف لله تعالى ) ندرك ونعي أن مقولة الجهاد لاتنفر تأصيلاً ثم لاتتنافى ذرائعياً وكذلك لاتتعارض في الأعراض مع مفهوم العنف ( مقاتلة ) الذي لايمكن بأي صورة من الصور أن يندمج أو أن يتماهى مع الغايات الإلهية بالمعنى الأستقرائي للكلمة ، لكن ما بين بينيين قد تندرج العلاقة كشحنة احتماعية عقائدية تحت تعبير جيوسوسيولوجي (قل هو الله أحد ) ، ( قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ، ولا أنتم عابدون ما أعبد ، ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد ، لكم دينكم ولي ديني ) لتنطلق ~ تلك العلاقة ~ من الوجود الإلهي إلى الوجود المشخص ، لتنعكس استغراقاً بنفس المحاكاة على كل المخلوقات ( الأرض ، الفضاء ، الكون ، الأكوان برمتها ) بالحق والخير والمحبة والعدالة والمساواة وكافة المقولات الحميدة لأنها مفعمة بالبناء والسلم والسلام والأمن والسكينة ( وهذه حالة افتراضية ، و إقرار إلهي ) . ثانيا ً . الإرهاب . ( العنف المنتظم ، الجريمة المنظمة ) بالتضاد من طبيعة الجهاد فأن طبيعة الأرهاب متسقة ومتناغية ومتضمنة لمفهوم مقولة العنف كأحتواء أي مجموعة جبرية المجموعة الفارغة بالضرورة . فأنطلاقاً من الأئتلاف التأصيلي نتأكد إن الإرهاب غير معباري ، بعيداً عن التقنين ، فوضوي عبثي عدمي . فهو مفهوم لامعياري لأنه كشحنة اجتماعية عاطفية تنطلق من الشخص إلى الوجود الأجتماعي مباشرة وهي مفعمة بالحنق والحقد والضغينة والشنآن . وهو بعيد عن التفنين لأنه تخريب وتقويض وهدم وتدمير وفناء ، فهو إذاً السلب المطلق المدمر ، وكأنه دبالكتيك السلب التهديمي (هربرت ماركيوز : فلسفة النفي ، ثورة النفي ) ، وهو عبثي وعدمي لأنه يتنافر ويتباغض مع موضوعية البواعث والأساليب والغايات ~ وذلك أن العدمية المطلقة ، العدمية التي تقبل بتسويغ الأنتحار ، تسرع بمزيد من السهولة أيضاً إلى القتل المنطقي . حسب تعبير ألبير كامو في مؤلفه الإنسان المتمرد ~ . وهذه المرتكزات ، وذاك العنف ، وتلك الفطيعة الشرخية يجسدها بأدق صورها وأجلى تماهيها الخوف الذي يتفاقم إلى درجة نفي إمكانية الحياة فيما بعده ، وكأنه الأستبداد المطلق والشمولي لحالة ليست بعدها حالة . وهذا ما يتماثل في التحاكي والتزامن مع ذروة الذعر الوجودي و الدحر الأنساني والقمع الحسي ، وهو ما يتآلف ويتوافق مع العدم الملغي الذي يختزل الوجود الأنساني إلى مقولة الذعر فينفبه ويلغيه لصالح مقولة أنطولوجية ( أنا مذعور ، إذن انا موجود ) ~ كيركجارد : المرض حتى الموت ~ على غرار مفولة ديكارت الشهيرة ( أنا أفكر ، إذن أنا موجود ) ، وهذا ما أسميه بالمسلوب السالب الذي من أهم إحدى صوره مقولة المقموع القامع . وهنا بيت القصيد حيث يتقارب هذا بالنسبة لبعضهم وينباعد بالنسبة للبعض الآخر مع ما تستهدف إليه أوتصبو إليه الآية الكريمة ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) لكن ثمة إختلاف ~ في رأي ~ في المحمول والموضوع .. فالآية الكريمة تصبو إلى حماية المسلمين من بطش العدو ، ف ( ترهبون ) هنا ينم عن تدبير احترازي زجري ردعي ، يتضمن قوة السلب والنفي لكل إمكانية للعدو في التفكير بالفتك بالمسلمين ، وكيلا تستبد بهم الجرأة والهمة للقضاء عليهم هذا أولاً . ثم ثانياً إنه تنفيذ غير مباشر وعن بعد ، فهو لايتضمن هجوم المسلمين على العدو والإغارة عليهم وغزوهم . وكذلك ثالثاً . إنه يشمل ويشمل فقط الفئة المحاربة ( الشاهرة السلاح ) ويقصي الشرائح المدنية والنسوية والطفولية ، أي ثمة تميز وتمايز ما بين حالة الحرب وحالة الإرهاب ، فحالة الحرب هي جزء من الحالة العامة السلمية ونقيضة لها ضمن تلك الجزئية ، بالمقابل وبالتضاد فإن حالة الإرهاب هي حالة العداء التام والمطلق ضد الوجود المشخص ، أي عداء الكل للكل (هوبس ) ، أي هي حالة الفوضى والغثيان ( سارتر : الآيادي القذرة ، الغثيان ) .ومن هنا تحديداً ، إنني أسمي الإرهاب ( كظاهرة إجتماعية ) بالعنف الأنطولوجي ~ ويلهلم رايش ، النشاط الجنسي وصراع الطبقات ~ الذي يتقاطع على مستوى الأدلجة مع القلق الأنطولوجي ، وكذلك مع مفهوم اليأس لدى كيركجارد ، وهذا ما تحاشته وتفادته الشريعة الأسلامية حيث قول الرسول ( صلعم ) لكل سرية ( اغزوا بأسم الله ، في سبيل الله ، تقاتلون من كفر بالله ، لاتغلوا ، ولاتمثلوا ، ولاتقتلوا وليداً ) ~ المؤطأ ، مالك بن الأنس ~ . وكذلك قول أبي بكر ( رضي الله عنه ) ليزيد بن أبي سفيان ( وإني موصيك بعشر : لاتقتلن امرأة ولا صبياً ، ولاكبيراً ولاهرماً ، ولا تقطعن شجراً مثمراً ، ولاتخربن عامراً ، ولاتعقرن شاة ولا بعيراً إلا لمأكلة ، ولاتحرقن ...) ~ المؤطأ : مالك بن الأنس ~ . ثالثاً . مسوغات وجود الإرهاب . للإرهاب مسوغات ستة .1 – إشكالية النصوص الدينية . 2 – إشكالية النظم شبه التوتالينارية . 3 – إشكالية الخطاب العام السياسي والديني . 4 – إشكالية الشعور ( الشعور بالغبن ) . 5 - إشكالية ثقافة العنف ( وحدة الوعي ) . 6 – إشكالية الإرهاب نفسه .... 1 – إشكالية النصوص الدينية . تبدأ الإشكالية عندما يدرك الفرد المسلم بطريقة مثلى عقائدية إن حياته وقف لله ( كونه من عباد الله وليس عبيداً له تبارك ) وينبغي عليه أن يكرسها جهاداً في سبيله ( تعالى ) إضطرادياً ~ ومن رأى منكم منكراً فليغبره بيده ، وإن لم يسنطع فبلسانه ، وإن لم يستطع فبفلبه وهو أضعف الإيمان ~ . وتكتمل دائرة تلك الإشكالية عندما يدرك الفرد المسلم إن الجهاد في قسمه الأعظم هو فرض عين وليس فرض كفاية ، وبالنتيجة من يتقاعس أو يتلكأ فقد عصى سنناً ونواميساً تشريعية ، وبالتالي يُحرم من ميراث الله ( جل جلاله ) . فهكذا إن الفرد المسلم يحس احساساً سليماً إن إسلامه لن يكتمل إلا إذا جاهد ( الجهاد الأصغر وهنالك الجهاد الأكبر ) وفي الحالة الضرورية استشهد في سبيل الله ( تبارك ) ، فالشهادة أعلى مراتب الأجتباء والأصطفاء من الله لعباده ~ ألا أخبركم بخير الناس منزلاُ ؟ رجل أخذ بعنان فرسه يجاهد في سبيل الله ... ~ ( المؤطأ : أنس بن مالك ) . وتبلغ الإشكالية ذروتها المطلقة حينما يتيقن ذلك الفرد إن أجله هو هو ، فلاتقدبم ولا تأخير ( إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولايستقدمون ) ~ سورة يونس ~ .... 2 – إشكالية النظم شبه التوتاليتارية . لاعلاقة لهذه الإشكالية بالقمع والأستبداد والديكتاتورية التي تمارسها هذه النظم شبه التوتاليتارية ، فهذه المظاهر وإن كانت سلبية فهي تستوجب نقيضها الإيجابي ( هيجل ، ماركس ، أنجلس ، سارتر ، ماركيوز ، بوليتزر ) وبالتالي يلج التصارع مجاله التاريخي ، ونكون إزاء الثالوث الديالكتيكي المعروف . في حين هذه الدول ~ وبالتضاد ~ تزور وتزيف طبيعتها ووظيفتها وتتمسك ( بمبادئ ) وهمية هي نفسها لاتؤمن بها ( كالوطنية ) وتلزم نفسها إدعاءً باطلاً بالتناقضات الشكلية الظاهرية لكي يغدو الدفاع عنها وعن بطشها وقمعها أمراً ضرورياً لازباً ، بل تابوً مقدساً . والأنكى والأدهى إنها تصادر التناقض الداخلي الفعلي الحقيقي ( الأستبدادي ضد الديمقراطي ) لصالح التناقض المزعوم الوهمي الخارجي ، كما إنها تراهن بهتاناً على الخطر الخارجي السرابي للقضاء على النشاط الداخلي ( الخارجي يعقل الداخلي ) . ومن ثم تبلغ هذه الإشكالية أيضاً ذروتها في توسم هذه النظم بالعجز ، والترهل ، والبلادة إزاء هذا التناقض التعسفي ، وكأننا ( في إنتظار غودو ) و( غودو ) لن بأتي ~ لن يظهر ~ أبداً . ( مسرحية لبريشت الألماني ) . ومن هنا ماسميت ( بالجبهة الوطنية التقدمية في سورية ) أمست مصيدة للأحزاب ~ بما فيها الحزب الشيوعي السوري ~ التي أنضمت إليها ، لأنها نافحت عن سلوكية النظام السوري ، وبررت قمعه وبطشه ، بل بررت كل تصرفاته و أقواله ، ومنحته حصانة تقدمية وهمية بحيث من يعاديه هو رجعي متآمر ولاوطني متصهين ..... 3 – إشكالية الخطاب العام السياسي والديني . إذا ما استثنينى الأصوات الفكرية المتميزة ( نصر حامد أبو زيد ، سيد قمني ، طيب تيزيني ، فاطمة المرنيسي ، فهمية شرف الدين ، صدق جلال العظم ، العفيف الأخضر ، وآخرون طبعاً ) فإن الخطاب الشرق أوسطي في حده الغالب ( تماهياً مع السمة السائدة ) ارتجالي غير تأملي ، حسب تعبير ( الجاحظ ، محمد عابد الجابري ) فيه الكثير من الهمجية المعرفية والجهل الفكري ، وحتى التلفيق العلمي ، وهو لايدرك ما هو موضوعي ويتنافرمعه ومع نقد الذات هذا في البداية ، ثم هو خطاب أحادي الجانب ( سوقي ) ينأى بنفسه عن التشخيص بل يمفته وهو يحبذ البعد الطولي ضمن الأبعاد الكونية الخمسة ( الطول ، الغرض ، الأرتفاع ، الزمان ، نسبية المنطق ) . لذا ابتعد حتى عن أصول الفقه الأسلامية ( الجاحظ ، الشافعي ، وغيرهما ) ، وأضحى فريسة للأنتماء السطحي الواهم الذي يتناقض مع الأنتماء الحقيقي ( كولن ويلسن ، الأنتماء ، ماوراء الأنتماء ) . والأدهى والأمر إنه يدافع بضراوة ~ أدرك أم جهل ~ عن تلك النظم شبه التوتاليتارية ، ويكرس و يؤصل لاسيما المعادلة الثانية ، مضحياً بذهنية الدمقرطة ، ودمقرطة الداخلي ( المساواة ، الحرية ، العدالة ) لصالح الثالوث القبيح ( البطش ، القمع ، الأستبداد ) . وهو في الحقيقة لايستكفي بعملية الأسناد ، إنما يعمم شرطه الخاص على الموضوعي ويصادر مجال العمل الكفاحي الداخلي لصالح العجز في المجال الخارجي الوهمي ، أي إنه يعمم جهلاً شرط استسلامه وتنازله عن وظيفته التاريخية المفترضة ، كما عمم تروتسكي بذكاء شرط الثورة الدائمة ضد الأمبريالية ..... 4 – إشكالية الشعور ( الشعور بالغبن ) . إن إشكالية الشعور بالغبن تتجاوز بيانياً وتأصيلاً معاناة الفرد الشرق أوسطي وإحساسه إنه مهمش مغدور مهدور الكرامة ، قدره أن يلعق المرارة والألم ( مصطفى الحجازي ، سيكولوجية الأنسان المقهور ) ويتلمظ أوار جذوة التمرد ( ألبير كامو ) وينلظى ويصطلي نار الثأر والأنتقام السلبي والتدميري ، لتستتب ~تلك الأشكالية ~ وتستقر في إحساسه بالغبن ومحاولة إنتصاره لهذا الغبن ( سارتر ، الوجود والعدم ) ، فيصطدم بعجزه وضياعه لذا لايملك بعد ذلك سوى الهروب إلى الأمام ليلملم ما تبقى من آثار سلبيته ليقذفها تدميراً وتحطيماً في المعدوم العادم (الأنتحار ، الأندحار ، الدحر ) ... 5 – إشكالية ثقافة العنف ( وحدة الوعي ) . إنني لاأقصد هنا العنف التاريخي الحدثي من أيام العرب والأغتيالات والأحداث الدموية إذ يمكن تبربر ذلك جزئياً من خلال مقولة ( وحدات الوعي ) تلك التي تستأثر بالكينونة وتسعى إلى استحواذ ما هو مطلق وتام ، في حين إنها تفتقر إلى المقومات الأئتلافية ، أي أن إشكالية وحدة الوعي تركز حصراً على عملقة الأنا ضد الأنت وتصادرها لنغيبها وتبيدها ونمحقها ، وكأن الوجود الموضوعي هو إنعكاس للأنا ( فيخته ) تلك المقولة (الأنا ) التي تكره التمايز والحوار ( فيورباخ) والأقرار بالآخر . وهذا هو المشترك النسبي مابين ثقافة العنف وعنف الثقافة ، لكن ثقافة العنف تتجاوز تلك الإشكالية لتزامن إشكاليتين في واحدة وذلك لأنها تغتصب ذاتها وتغيب نفسها في النهاية . ضف إلى ذلك إنها عديدة المراكز ، مثلها مثل الموندات لدى سبينوزا شريطة أختلاف كل مركز عن الآخرفي مونداه الخاص ، في حين إن عنف الثقافة يتمحور حول مركز بؤروي ، مثلها مثل الموندا لدى لايبنتز .وإذا كنا نمايز ما بين ثقافة العنف ومقولة عنف الثقافة فأننا ندرك العلاقة الجدلية ما بين الأثنتين ، فالثانية قابلة للتدارك وللتأطير وهي مقصودة لذاتها لنسقها لنظامها ، في حين إن الأولى تتكاثر بشكل وحشي ولا تستقطب أي إمكانية قصدية في ذاتها ، فعنف الثقافة في ( النازية ، الفاشية ) خدم الأدلجة الخاصة بهما وجعل الخارجي أسيراً للداخلي .... 6 – إشكالية الأرهاب نفسه .بعد أن يولد الإرهاب كجنين مشوه ، وتقوى شكيمته ويغلظ عضده وساعده ، فإنه يلد نقسه بنفسه ويتكاثر ويتفرخ ، لذا تغدو من أهم وظائفه الحفاظ على ذاته ، وحماية نسله . فكل ظاهرة إجتماعية بعد أن تتجاوز المرحلة الأنفعالية ، وتمسي قوة فاعلة فعالة فإنها تنفي الوجود الخارحي الإيجابي ( هوسرل ) وتضفي عليه الذعر حيث ينكشف العدم ( هيدجر ) . أي أن الإرهاب في مرحلة متطورة مما بعد تحوله إلى ظاهرة إجتماعية يتجاوز مرحلة إشباع الغرائز الإجتماعية ( فرويد ) ليلج مرحلة يفتش فيها عن نفي كلي ، نفي الآخر بالضرورة ، ونفي كينونته بنفس الضرورة ، لأنه بكل يساطة لم يعد يحتمل لا ( الإيجاب ) ولا ( السلب ) إنما يسعى إلى إفناء الذات ( أدورنو ، هوركهايمر )....... . رابعاً . الحكم الشرعي للجهاد . نستمد الأستقراء من أحكام الشريعة الأسلامية في مصدريها ، المصدر الإلهي ( القرآن الكريم ) ، المصدر الرسولي ( السنة ) ~ أي الأحاديث النبوية الشريفة ~ لنستنبط على هديها المعادلة والقاعدة التشريعية الأساسية في الإسلام بصدد مقولتي الجهاد والشهادة واللتان استضمرتا من بداية الدعوة حتى بعد ثلاثة عشر سنة ( أٌذن للذين يقاتلون بأنهم ظٌلموا وإن الله على نصرهم لقدير . الذين أٌخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ..سورة الحج ) والتي حسيها وحسب آيات أخرى كريمة ، سٌنت القاعدة الشرعية الأساسية تطابقاً مع مفهوم ( القتال ، المقاتلة ) أي المنافحة والمكافحة ، بعيداً عن مفهوم ( القتل ) ، فالجهاد في سبيل الله حسب هذه القاعدة التشريعية يعني ( قاتل ، يقاتل ، مقاتلة ) ، وليس ( قتل ، يقتل ، قتلاً ) . كيف ذلك ؟؟ فلو راجعنا سوية الفهم القرآني والسنوي للمسألة من خلال نصوصها الشريفة المقدسة ، مستخدمين نفس منطقها الجليل والقويم لأدركنا وجود ثلاثة مستويات فراغية في الهندسة الإسلامية : المستوى الأول . يٌسن فيه قانون مشروط للجهاد في سبيل الله ...( وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله ) سورة آل عمران الآية 167 ..( والذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان ) سورة النساء الآية 76 ...( فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيٌقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيماً ) سورة النساء الآية 74 ....( ومالكم لاتقاتلون في سبيل الله ..) سورة النساء الآية 75 .... ( وقاتلوا المشركين كافة كما بقاتلونكم كافة ..) سورة التوبة الآية 36 ....( وقاتلوا الذين لايؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ..) سورة التوبة الآية 29 ...( فقاتلوا أئمة الكفر إتهم لا إيمان لهم لعلهم ينتهون . ألا تقاتلون قوماً نكثوا إيمانهم وهموا بإخراج الرسول ...) سورة التوبة الآيتان 12 – 13 ...( يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال ..) سورة الأنفال الآية 65 .... ( قالوا يا موسى إن لن تدخلها أبداً ما داموا فيها فأذهب أنت وربك فقاتلا إننا هنا قاعدون ...) سورة المائدة الآية 24 ... ( فلما كٌتب عليهم القتال ~ بني اسرائيل ~ تولوا إلا قليلاً منهم ...) سورة البقرة الآية 246 ....( وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم ...) سورة البقرة الآية 244 ....ويصورة عامة ( كٌتب عليكم القتال ) ( وهو كره لكم ) ( كٌتب عليكم القتال كما كٌتب على الذين من قبلكم ....) ..... - - عن أبي هريرة أن رسول الله ( ص ) قال ( والذي نفسي بيده لوددت أني أقاتل في سبيل الله فأٌقتل ، ثم أحيا فأٌقتل ، ثم أحيا فاٌقتل ...) المؤطأ . مالك بن الأنس ..أي ثم أحيا فأقاتل فأقتل .....عن أبي هريرة أن رسول الله ( ص ) قال ( يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة ، يقاتل هذا في سبيل الله فيٌقتل ، ثم يتوب الله على القاتل ، فيقاتل ، فيسنشهد ...) المؤطأ . مالك بن الأنس ..... المستوى الثاني . يٌسن فيه قانون أزلي يميز ما بين ( القاتل ، القتل ) من جهة و ( المقاتل ، القتال ) من جهة أخرى ، وكذلك يميز ما بين القتل العمدي القصدي والقتل بطريقة الخطأ ....( ومن قتل نفساً بغير نفس أو فساداً بالأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً ...) سورة المائدة الآية 32 .....( ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً ...) سورة النساء الآية 93 ....( وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقية ....) سورة النساء الآية 92 ..... - - قال مالك :( في الكبير والصغير إذا قتلا رجلاً جميعاً عمداً ، إن على الكبير أن يٌقتل وعلى الصغير نصف الدية ..) المؤطأ . مالك بن الأنس .....قال مالك .( وكذلك الحر والعبد يقتلان العبد ، فيٌقتل العبد ، ويكون على الحر نصف قيمته ) المؤطأ . مالك بن الأنس ....أو بصورة عامة ( كٌتب عليكم القصاص في القتل الحر بالحر والعبد بالعبد ) ...وكما قال مالك : الأمر عندنا أنه يٌقتل في العمد الرجال الأحرار بالرجل الحر الواحد ، والنساء بالمرأة كذلك ، والعبد بالعبد كذلك ) ...... المستوى الثالث . يٌسن فيه قانون منفرد لحالة خاصة ومميزة جداً ، وهي حالة القتال عند المسجد الحرام حيث عنده يٌحرم القتال تحريماً تاماً ، ولذلك فإن القرآن الكريم ولأول مرة يستخدم كلمة ( فأقتلوهم ) عوضاً عن ( فقاتلوهم ) كيف ذلك ؟؟ ( ولاتقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فأقتلوهم كذلك جزاء الكافرين ) سورة البقرة . الآية 191 .. لأنهم بكل بساطة يقترفون جريمة عند المسجد الحرام ( إنتهاك والأعتداء على حرمة وقدسية هذا المسجد ) ، عندها لاتصح المفاتلة وإن كان الحدث في حيثياته هو في عرف المقاتلة ، إنما على المسلمين قتلهم وهذا ما تؤكده بقية الاية الكريمة (كذلك جزاء الكافرين ) . وبالتضاد فإن القتال والمقاتلة لاتتضمنان اطلاقاً مفهوم الجزاء . أي ثمة خرق مباشر لحد إلهي مما يستوجب تنفيذ مباشر لحكم إلهي ، لأنه يٌحرم على المسلم نفسه قتال المشركين عند المسجد الحرام . ومن هنا تحديداً لايفيد المشرك استسلامه ولا إعلانه الشهادة ، تماماً مثل مشرك سرق ثم أسلم بعد السرقة ، فهل نزعم أنه أسلم ولا داعي لتنفيذ الحكم الإلهي ( قطع اليد ) لأن المسلم لو سرق لقٌطعت يده ( لو إن فاطمة سرقت لقٌطعت يدها ) ...... إذن اعنماداً وطبقاً للمستويات الثلاثة ، بمقدورنا أن نحدد الشروط العامة للعمل الجهادي القتالي ضمن الصيغ التالية : الصيغة الأولى . يتحتم أن يكون الشخص الأول مسلماً ، ويكفي لذلك النبس بالشهادة ( أشهد إن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله ) ...... الصيغة الثانية . لامناص أن يكون القتال خالصاً لوجه الله تعالى ( اغزوا بأسم الله ، في سبيل الله ) ....... الصيغة الثالثة . ينبغي أن يكون الشخص الآخر إما كافراً ملحداً لايؤمن بالله ، أو مشركاً يشرك يوجود الله ..... الصيغة الرابعة . لكي يتحقق العمل الجهادي لا مندوحة من أن يكون الحدث نفسه قتالاً و مقاتلة ، وإقصاء لمفهوم القتل( وقاتلوا في سبيل الله ) ، فالقتال حدث متبادل بعكس القتل ...... الصيغة الخامسة . لايكفي أن يكون الحدث ذاته قتالاً ، إنما لابد من توافر الشروط الموضوعية و الوضعية للقتال . إذ لايجوز ( للمسلم ) أن يوقظ ( الكافر ) في منتصف الليل ويطلب منه أن يتقاتلا ، كي يتم أحترام نتائج القتال وما يترتب على ذلك من استسلام أو أسر ، وربما الشهادة ، حيث يتم وقف القتال ..... الصيغة السادسة . كي لايشوب العمل الجهادي أي شائبة يتحتم أن يكون القتال حدث دفاعي حقيقي ، حيث يدافع المسلم عن ذاته بالدرجة والأخيرة ، فلا يجوز له وهو متعطش للشهادة في سبيل الله أن يمنح فرصة أكيدة للخصم كي يقتله ، عندئذ وحينئذ تنطبق وتتحقق حالة المنتحر .......... وهكذا إذا أدركنا تمام الأدراك مدلولات هذه الصيغ لرأيناها تتوافق تمام الوفاق مع القاعدة التشريعية الرئيسية في الإسلام والتي حسبها يٌحرم القتل مهما كانت اامسوغات والبواعث كل التحريم ، ويبلغ حد الجريمة وهو كذلك ، إلا إذا كان ذلك لحكم إلهي بصدد خرق حد من حدوده ، حلله الله يصورة لالبس و لا غموض ولا إلتباس فيها ، كحكم قتل المشركين الذين يقاتلون المسلمين عند المسجد الحرام ..... والآن واعتماداً على دالات تلك الصيغ وذهنية القاعدة التشريعية الرئيسية في الإسلام بمقدورنا أن نحدد مفسدات ومبطلات العمل الجهادي : أولاً . أن يرتد الشخص الأول عن إسلامه ....ثانياً . أن يعلن الكافر استسلامه .( حكم الأسير). ثالثاً . أن يشهر الكافر إسلامه ، وينطق بالشهادتين .....رابعاً . أن تصيب الكافر عاهة ( مثل الشلل ) تعيقه بصورة أكيدة وجلية من الدفاع عن نفسه ، بالمقابل إذا أصابت المسلم عاهة ( مثل الشلل ) وقٌتل فإنه شهيد يالضرورة ........ إلى ذلك ، ومع إدراكنا التام والموضوعي أن الجهاد والشهادة أمران إلهيان ، لاتبت فيهما ولا بصادق عليهما إلا الإرادة الإلهية ، فإن العمليات التفجيرات أو التي يفجر فيها الفاعل تفسه في أي ميدان كان يكون حكمها استنباطاً كالآتي : 1 – إن الفاعل يقرر عن سابق إصرار وتعمد وهو يتمتع بكامل قواه العقلية والنفسية أن يقتل نفسه ( حكم المنتحر ) . يستثنى من هذا البند غير المكلفين شرعاً ( كالمعتوه مثلاً ) ...2 – إن الفاعل يلغي مفهوم ( القتال ) وشروطه ، ويلتجئ إلى القتل مباشرة مبطلاً وضعية تبادلية القتال . وهذا خرق للصيغة الرابعة والخامسة ....3 – إن الفاعل يعدم مضمون الاستسلام ... 4 – إن الفاعل يبطل حدث إشهار الخصم إسلامه ....5 – إنه يغتال عملية الدفاع عن النفس بالنسبة لكلي الجانبين ( إنتهاك الصيغة السادسة ) .....6 – إنه يقتل الأطفال والشيوخ والنساء والرجال ( المسلمين وأهل الكتاب ) .... 7 – إنه يغدر بالآخرين ( ...ولاتغدروا ، ولا تمثلوا ، ولاتقتلوا وليداً ....8 – إنه لايحترم تعاليم الإسلام ( الأشهر الحرم ، لا تخربن عامراً .....الخ ...الخ ...) ...... وهكذا فإن تلك العمليات قاطبة ، طبقاً للأحكام الشرعية ، إنتحارية ثم إجرامية ثم ...ثم ....صاحبها في جهنم وبئس المصير والمآل ( النساء 93 ) . وهنا لا تشفع القاعدة الدينية الكبرى ( الضرورات تبيح المحظورات ) ، التي اعتمدها سيدنا عمر بن الخطاب ( رض ) بخصوص جريمة السرقة في عام المجاعة .....إذ لا توجد أي ضرورة مهما كانت عظيمة أن تبيح (القتل) .....باستثناء ، وربما باستثناء حالة ( قتل الرحمة ) للمرضى الميؤوس من علاجهم والذين يعانون من آلام مبرحة ..
#هيبت_بافي_حلبجة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رسالة نضالية إلى المؤتمر الرابع للحزب الشيوعي الكردستاني
المزيد.....
-
كلمة قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي بمناسبة
...
-
قائد الثورة الاسلامية: التعبئة لا تقتصر على البعد العسكري رغ
...
-
قائد الثورة الاسلامية: ركيزتان اساسيتان للتعبئة هما الايمان
...
-
قائد الثورة الاسلامية: كل خصوصيات التعبئة تعود الى هاتين الر
...
-
قائد الثورة الاسلامية: شهدنا العون الالهي في القضايا التي تب
...
-
قائد الثورة الاسلامية: تتضائل قوة الاعداء امام قوتنا مع وجود
...
-
قائد الثورة الإسلامية: الثورة الاسلامية جاءت لتعيد الثقة الى
...
-
قائد الثورة الاسلامية: العدو لم ولن ينتصر في غزة ولبنان وما
...
-
قائد الثورة الاسلامية: لا يكفي صدور احكام اعتقال قيادات الكي
...
-
قائد الثورة الاسلامية: ينبغي صدور أحكام الاعدام ضد قيادات ال
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|