|
أركون علماني أم أصولي
حسن مشيمش
الحوار المتمدن-العدد: 122 - 2002 / 5 / 6 - 19:20
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
قال أركون(1): ولكي يفهم المرء الفرق بين الفضاء العقلي للحداثة، وبين الفضاء العقلي للقرون الوسطى نحيله الى تفسير فخر الدين الرازي للآية/256/ من سورة البقرة ((لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)). كيف يفسر الرازي الآية؟ إن تفسيره هو الذي يذكرنا بالفضاء العقلي للقرون الوسطى، فهو يقول بأن الله يريد ان يضع الانسان على المحك او ان يبتليه، هذا هو معنى الآية وليس معناها ان الانسان حر في ان يتدين او لا يتدين او يؤدي الشعائر او لا يؤديها، وإن حكم الله النهائي يعتمد أخيرا على ((التكليف)) أي على تأدية الفرائض الدينية، فإذا لم يؤدها فلا تسامح معه ابدا. هكذا نجد أنفسنا وقد انتقلنا دفعة واحدة الى داخل المناخ الديني الذي ساد القرون الوسطى كلها، والذي لا يزال ممتدا حتى اللحظة في قطاعات واسعة من عالم الاسلام، فالتسامح هنا مشروط ومحدود جدا وهناك فرق بينه وبين التسامح بالمعنى الحديث للكلمة. إن الباحث المفكر الاستاذ محمد اركون واحد من عشرات الباحثين والمفكرين في عصرنا من الذين استنفروا طاقاتهم العلمية العظيمة ووظفوها في قراءة النصوص الدينية، وما أنتجه الفهم البشري منها، قراءة وفق نظري أضاءت إضاءات مشرقة للغاية على جوانب هامة في أسسها، ومن حقه الطبيعي ان يختار هذه الوظيفة في حياته ومن الطبيعي ان يقع تحت التهمة بخلفيته وغايته، حيث يصفه العلمانيون بأنه إسلامي في أعماق نفسه، ويصفه الاسلاميون بأنه علماني أكثر سوءا من الغربيين العلمانيين وأخطر؟! واني أعتقد بأن إيكال التهم لأركون وأمثاله ما هي إلا علامة من علامات العجز والضعف والمحدودية في عقل ((المتّهِم)). إلا أنني أضع الاستاذ محمد أركون تحت الانتقاد بما نسبه للرازي من تفسير قوله تعالى: ((لا إكراه في الدين))، حيث بعدما أحالني الى تفسير الرازي وتحولت اليه فلم أجد ما نسبه اليه مطلقا؟!؟! وقد قال الرازي ما نصه بالحرف: في تأويل الآية وجوه: أحدها: معناه انه تعالى ما بنى أمر الايمان على الاجبار والقسر وإنما بناه على التمكن والاختيار. الثاني: هو ان الاكراه ان يقول المسلم للكافر: ((إن آمنت وإلا قتلتك فقال تعالى: لا إكراه في الدين)). الثالث: لا تقولوا لمن دخل في الدين بعد الحرب انه دخل مكرهاً، قد تم كلامه في تفسير الآية من دون ان أرى كلمة دالة على ما نسبه اليه الاستاذ محمد أركون؟!؟! والحق يملي على المرء ان يسجل على الباحث المفكر محمد أركون ملاحظة كبيرة قد جعلته تحت الانتقاد العادل، آملين منه ان يعيد النظر في منسوباته للآخرين كي تأتي أبحاثه وإثاراته وإناراته القيمة ((دائما وعلى عادته)) بصورة علمية نزيهة وموضوعية، مع تسليمنا بما قدم ((أركون)) من كتابات نفيسة وإثارات قد بعثت في كل طالب معرفة روح الاستقصاء والمتابعة بحثا عن المعنى الافضل لحياة أفضل؟! علما اني لست على مسافة قريبة ابدا من الرازي فكريا لا في الأصول والفروع ولا في الظواهر ودلالات النصوص ولا في تحليل الاحداث التاريخية، الا ان ذلك لا يمكن ان يكون مبررا بالمعيار العلمي يسوغ السكوت في مورد يقع فيه الرازي او أركون تحت التجني والتهمة والتأويل الموجه خلاف المقصود؟! علما أني أتفق مع المفكر ((أركون)) في ما يتهم العهود السياسية على امتداد التاريخ الاسلامي انها كانت عهودا لا تعر للحرية معنى وفارغة ومفرغة الانسان من روح التسامح، ولم تقم إلا على إلغاء مبدأ حرية التعبير السياسي على وجه الخصوص والفكري على وجه العموم، وقد ألغت وعطلت حقوقا إنسانية اخرى قد طالت تداعياتها المسلم أكثر من غير المسلم، وبطريقة لم تعكس الا صورة قلوب كانت أشد قسوة من الحجارة، لم يكن يحركها سوى العشق الأعمى للسلطة، والمال، وموارد النزوات باسم الدين؟! علما أني أتفق مع المفكر أركون اتفاقا تاما في ان الاجتهادات الفكرية ((الاسلامية)) لم تختلف في إنتاجها الثقافي عن طبيعة العهود السياسية ((الاسلامية)) على امتداد التاريخ الاسلامي، حيث من الواضح انها جميعا تقف حاجزا ضخما معقدا امام مبدأ حرية التعبير الفكري على وجه الخصوص والسياسي على وجه العموم، وتقوم بتسويق آراء ومفاهيم ((وفتاوى)) تستند فيها الى ظاهر آية او رواية او حدث يحمل في دلالته معاني متنوعة متغايرة في مضمونها، إلا انها لا يحلو لها سوى الاستنتاج منها ما يؤسس ثقافة قهر الآخر ومصادرة حريته، إلغاء الآخر وسلب إرادته واختياره حتى تم بالتالي توليد أجيال، جيل يرث جيلا لا يرى الحق الا في ثقافته وسياسته وعقيدته وتحليله، الى أن فتح بذهنيته باب المجتمعات المسلمة على مصراعيه أمام سرطان ((الاستبداد)) ليدخل الى كل مفاصل الحياة الاجتماعية والسياسية والفكرية في مجتمعات المسلمين، حتى فتك وما زال يفتك في كل خلاياها الحية، الى أن جعلها في منازل الشعوب البائسة؟! (1) كيف نفهم الاسلام اليوم /ص/244/ دار الطليعة/.
©2002 جريدة السفير
#حسن_مشيمش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل تعاني من الأرق؟.. طريقة بسيطة تسحبك إلى نوم عميق
-
ماذا نعرف عن العالم الخفي لمنجم ذهب تديره إحدى العصابات بجنو
...
-
وزارة الصحة اللبنانية: مقتل 4 أشخاص وإصابة 23 في الغارة الإس
...
-
ما هي الدول والشركات التي تبيع أسلحة لإسرائيل؟
-
سلسلة غارات إسرائيلية على منطقة البسطا وسط بيروت
-
تحليل لـCNN: كيف غيرت الأيام الـ7 الماضية حرب أوكرانيا؟
-
هل الدفاعات الجوية الغربية قادرة على مواجهة صاروخ أوريشنيك ا
...
-
كيف زادت ثروة إيلون ماسك -أغنى شخص في العالم- بفضل الانتخابا
...
-
غارة عنيفة تهز العاصمة بيروت
-
مراسلة RT: دوي انفجارت عنيفة تهز العاصمة بيروت جراء غارة إسر
...
المزيد.....
-
فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال
...
/ المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
-
الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري
...
/ صالح ياسر
-
نشرة اخبارية العدد 27
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح
...
/ أحمد سليمان
-
السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية
...
/ أحمد سليمان
-
صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل
...
/ أحمد سليمان
-
الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م
...
/ امال الحسين
المزيد.....
|