|
أخطاءٌ منهجيّة!
سنان أحمد حقّي
الحوار المتمدن-العدد: 2226 - 2008 / 3 / 20 - 11:57
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
حال الفكر والثقافة والسياسة والحكمة والفلسفة هذه الأيام كحال أغاني هذا الزمن..وعندما نحاول أن نخضعها للنقد والنقاش نجد أنه لا بد من مقارنتها باغاني زمان أو ما يُسمّيه البعض بالزمن الجميل وبرأيي المتواضع فإن أهم ما تم إهماله وإغفاله في هذا الزمن غير الجميل هو التأمّل حيث تم القفز فوق فعل التأمّل في تلقّي الأفكار والطروحات الفكريّة كنّا زمان نتناول نقد النصوص الفنيّة والفكريّة والمواقف السياسيّة ونحللها ونستند إلى البديهيات العامّة والنظريات التي ننطلق منها حسب قواعد المنطق وبما يشبه حلّ مسائل الهندسة المستوية والمجسّمة(الهندسة الإقليديّة) نمرّ بما هو متوفر من معلومات متوفرة ومعطيات متّفق عليها لنتّجه إلى إثبات حقائق ومباديء جديدة قد تكون في صالح طروحاتنا أو قد لا تكون إذ أنّ الحقيقة هي غاية البحث وليس إثبات وتحقيق ذات الكاتب سواءً كان بالحقّ أو بالباطل ويبدو لي أن مفكّري أو بعض مفكّري هذا الزمن غير الجميل يضعون النتائج المطلوب الوصول إليها نصب أعينهم ثم يبدأون بترتيب منهج ومسار التحليل بما يوافق الوصول لتلك النتائج !!!وهذا ما يسمّيه بعض الطلبة (الترهيم) أنا كمتلقّي لفن وأعمال( فرانز ليست) مثلا لا يهمني إن كان (ليست) راهبا أو رجلاً متبذّلاً فالمهم ما يقدّمه لنا من أعمال موسيقيّة خالدة ورائعة ولا يهمّني إن كان فريد الأطرش ماجنا في حياته الخاصّة ومتبذّلا في مباهجها أم كان ساميَ الخلق فالمهم عندي هو ما يقدّمه من ألحان وأغاني ولا يهمّني إن كان المستشار أديناور يضع قدميه في جريش من الثلج أم في الطين عندما كان يفكّر وكذلك الأمر بالنسبة للشعراء والمفكرين والسياسيين.المهم هو ما يقدمونه من طروحات وأفكار سليمة وأصيلة وصالحة ونتاج متميّز. لا أريد أن أحصيَ عدد الفنانين الذين خانتنا انطباعاتنا على سيرهم الشخصيّة عن أن نقّيم قدراتهم الإبداعيّة ..هل كنّا نتوقع مثلا أن نجيب حنكش يُمكن أن يقدّم لحنا وموسيقى كأغنية جبران خليل جبران،إعطني الناي وغنّي؟ أو أن نتوقع شيئا كبيرا من فيلمون وهبةبحيث نستمع له بصوت فيروزوسواها أجمل الألحان! ؟ ولو تتبعنا شخصيّة بودلير مثلا ما كنّا سنتوقع أن نحصل على أدب كالذي قدّمه للعالم ! أن نصب اهتمامنا على السيرة الشخصيّة والإخفاقات والإنحرافات الشخصيّة لنجعل منها عنصرا رئيسا في الطعن بالنتاج العلمي أو الفني أو المعرفي الذي يقدّمه المبدعون والمفكرون هو عين الخطأ ،إنه خطأ منهجي أساسي ، وكل ما علينا أن نقدمه في تحليلنا العلمي الرصين هو الإهتمام بتحليل النصوص والطروحات والأعمال الفكرية والفنية والأدبية أو الإبداعية أيا ما كانت كنّا سنقول أن نقد الفكر مطلوب على الدوام ولكن الإتجاه به نحو المهاترات والسبّ والشتائم والتمسّك بالمسالك الشخصيّة لأصحاب الطروحات الفكريّة لا يقدّم للتراث الفكري سوى الترهات والتفاهات للأسف واليوم نراقب حركة نقديّة تستهدف الفكر الديني بسبب الأخفاقات التي أحاقت باجتهادات عدد من المفكرين الدينيين غير التنويريين وليس هناك بأس أن يحدث أو يقوم نقد أو تحليل على أساس الحجّة والمنطق السليم وتقبّل الرأي الآخر والتزام المنهج العلمي السليم في البحث والنقد ولكن الأمر سرعان ما توجّه إلى الإمساك بتصرفات واقوال شخصيّة تهدف إلى الطعن بفكر كامل شغل البشرية طوال مراحل عريضة من التاريخ إن المنهج الصحيح أن يتم تناول الأفكار والطروحات الفكرية من زوايا عامة وتقديم نقد متكامل وشامل من خلال مسار الفكر العام ولا يصح اجتزاء مقولات ومواقف منعزلة ومختارة بشكل انتقائي ومقصود للتعريض بعمل أدبي أو فكري أو موقف سياسي هذه كانت بديهيات في العمل النقدي الفكري والثقافي ولكنها أساسيات مفقودة هذه الأيام للأسف الشديد أما بالنسبة للفكر الديني فإن الأمر مهما طال وتشعّب فإنه سيتوقف بسرعة عند السؤال عمّا إذا كنّا نؤمن بوجود حياة أخرى أم لا ؟ هل نؤمن بأننا سنلاقي ربنا ويُحاسبنا على ما قدّمنا في هذه الحياة أم أننا لا نؤمن ؟ إن كنّا نؤمن كان علينا أن نستمع إلى التعليمات التي من شانها أن توصلنا إلى برّ الأمان كما يقال وتقينا يوما عبوسا قمطريرا وإن لم نكن نؤمن بذلك فلن نجد في الفكر الديني والأديان عموما ما سيقنعنا أو يجيب على تساؤلاتنا أو مطالبنا الفكريّة، هناك في الأديان أمور تسمو على مدارك العقل البشري وهذا يجب أن يتقبله المؤمنون وإلاّ فكيف يحقّ للخضر (ع) الذي صحب موسى(ع) أن يقتل صبيا بلا ذنب؟ كما ورد في القرآن الكريم؟ هذا أمر منكر غير مقبول! إن محاكمة الفكر الديني بمنطق قدرات ومميزات الذهن الإنساني أمر لم يكن مسلّمٌ به يوما من الأيام وقد تقبل الحياة نفسها تساؤلات وعلامات استفهام شديدة الضخامة! لماذا نأكل نحن الحيوانات ؟ ونقتل منها ما يحاول أن يأكلنا؟ أو لماذا تعتاش بعض الحيوانات على النباتات دون اللحوم؟ أين المنطق في هذا؟ إننا بهذا نسعى إلى منطق ينطلق من زوايا الذهن والعقل البشري ولكن مثل هذه الأمور هي من نتاج ما هو أعلى من ذلك كيف سنجيب عن مقتل الصبي في قصّة موسى(ع)؟ كل الأديان تقوم على قيام قواعد ومسالك على أساس معطيات متنوعة منها ما هو فوق قدرات الذهن والعقل الإنساني ومع هذا فإن كان لدينا نقد أو تقييم فإن أبسط قواعد التحليل المنطقي الإنساني تتطلب التوجه إلى الفكر والعقيدة والنص الأدبي أو الفنّي أو الموقف السياسي وليس الإنحراف به إلى تناول الشخوص والرموز ومحاولة النيل منها بهدف الطعن بالعقائد العليا عبثا من كان يريد أن يرد على عقيدة الأديان فليكن ولكن بمنهج الحجّة بالحجّة وبالمنهج السليم والتحليل الرصين والأديان كلها تنبع من منبع واحد فلا يُعقل أن نتحامل على دين دون آخر من منطلق وجود العالم الآخر من عدمه مثلا ،أما المقارنة بين الأديان فهذا أمر له مبحث آخر يختلف عن الجدل بين الكفر والإيمان! يحدث أن نجد كثيرا من الناس من لا يؤمن بالمسيحيّة ولكنه يؤمن بدين موسى(ع) ويحدث أن نجد من لا يؤمن بدين محمد(ص) ولكنه يؤمن بدين عيسى(ع) وهذا لا يخرج عن وجود الإيمان باختلاف النبيين ولكن الأمر يختلف تماما في البداية عند تناول الإجابة عن الإيمان من عدمه ! إنني بكل تواضع أتمنى لو تم توجيه التحليل والنقد للعقائد الدينيّة بدلا من تناول سيرة الأنبياء والرسل الشخصيّة والطعن بذواتهم الرمزيّة لأن هذا منهجٌ لا نتقبّله مع فنّان أو مغنٍّ فكيف نقبله مع نبيّ أو رسول؟ إننا نجد أنه يتحتّم علينا من حيث الأسس الأخلاقيّة أن ندعو حتى أعدائنا بكامل ألقابهم وبكامل ما يشير إلى احترامنا لشخوصهم على الأقل لاستبعاد وجود ضغائن شخصيّة مسبّقة خطأ..خطأمنهجي ورغم كون سير الأنبياء والرسل جزء من رسالاتهم وتطبيق عملي لأفكارهم ومعتقداتهم ولكن الإرتكاز على التعرض لسيرهم الشخصيّة للوصول إلى دحض فحوى رسالاتهم ليس أمرا سليما منهجيّا أبداً على الأقل من حيث بناء الطروحات والأبحاث الفكريّة ،ولا أشكّ أن أي مفكّر رصين سيعمد حتما إلى إهمال أي بحث أو مقال لا يعتمد المنهج العلمي السليم والمتعارف عليه ،ولا أظنّ أن مقالا لا يتضمن بحثا رصينا يمكن يسترعي انتباه أحد أللهم إلاّ من يحسب الورم شحما! وعلى حد قول الشاعر: أُعيذها نظراتٍ منكَ صادقةً ــــــ أن تحسب الشحمَ فيمن شحمهُ ورمُ
#سنان_أحمد_حقّي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قضايا المرأة والمزايدات السياسيّة!
-
فنطازيا على فنطازيا
-
الحرف التاسع والعشرون!
-
رحلةٌ من محطّة قطار المعقل!
-
مدنيّون!..وماذا بعد؟
-
رِفقاً بِلُغَة السَّماء!
-
الفاشوش والقراقوش!
-
المرحلة الراهنة..والمهام الوطنيّة.
-
إنها رسالة..!
-
أخوة يوسف!
-
صدفات البحر..لآلي لُغتنا
-
فنطازيا ..المنافقون
-
مساواة( للكشر)!
-
النخل الغيباني
-
فيصل القاسم.. محرّضا يساريا!
-
فنطازيا نحيب الكيتار
-
عودة إلى سد الموصل
-
فنطازيا ..تعاويذ ألكترونيّة
-
ذكريات وأسرار من المستقبل
-
فنطازيا قاري مقام
المزيد.....
-
الجهاد الاسلامي: ننعى قادة القسام الشهداء ونؤكد ثباتنا معا ب
...
-
المغرب: إحباط مخطط إرهابي لتنظيم -الدولة الإسلامية- استهدف -
...
-
حركة الجهاد الاسلامي: استشهاد القادة في الميدان اعطى دفعا قو
...
-
الجهاد الاسلامي: استشهاد القادة بالميدان اجبر العدو على التر
...
-
أختري للعالم: هدف الصهاينة والأميركان إقصاء المقاومة الإسلام
...
-
اسعدي أطفالك بكل جديد.. ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي 2025 ع
...
-
شاهد: لحظة إطلاق سراح الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود وتسليمه
...
-
تسليم الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يو
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصناعي النايل سات وال
...
-
مستعمرون يقطعون أشجار زيتون غرب سلفيت
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|