سناء عبد الاحد ايشوع
الحوار المتمدن-العدد: 2226 - 2008 / 3 / 20 - 00:13
المحور:
حقوق الاطفال والشبيبة
تتسم العلاقات الاجتماعية والإنسانية بالتعقيد والصعوبة خاصة إذا كان البالغون لا يدركون قدراتهم وامكانياتهم في التعامل مع الأحداث وشؤون وشجون الحياة وقسوتها وحدتها ومدى فهمهم ومعرفتهم في استيعاب لغتها وهجاء حروفها.
تحتاج الكثيرمن العائلات المعاصرة إلى التأهيل والرعاية المادية والمعنوية قبل إتخاذ القرارات المصيرية في الزواج والارتباط والأنجاب. تأتي المعرفة والعلم في سلم الأولويات قبل التحضير لهذه المسألة الهامة والحساسة التي تترك أثراها ومراميها على الناس والشعوب.
كما تلعب الصحة النفسية والعقلية والروحية جانب مهم وضروري في بلورة هذا الشان الهام. لهذا بتقديري:
يجب على كل رجل وامرأة قبل القدوم على الزواج وإنجاب الطفل أن يفكر ملياً في هذه المسألة, أن يكون لديهم إلمام كبيرفي زوايا مهمة من المعرفة:
كعلم نفس الطفل, الأساليب العلمية في تربيته وتنشئته, طريقة مأكله ومشربه, الحضانة التي ستستقبله والمشرفين المباشرين عليه.
لم يعد إنجاب الطفل يخضع لمزاجية الأبوين فقط أو عبر قرار اعتباطي وطارئ, وأنما أن ياخذ في الأعتبارمستقبله الصحي والنفسي وقدرته على دخول الحياة وتأمين حياة لائقة وكريمة وجيدة له.
أحياناً كثيرة يخطر ببالي سؤال:
ـ لماذا ينجب الأهل طفلاً جديداً إلى الحياة. في هذا السؤال المهم تترتب إجابات كثيرة ومدخل إلى معرفة عقلية هؤلاء الناس الذين قرروا هذا الأمر.
من المعروف أن الإنسان أغلى كنزفي هذا الوجود, إنه ثروة الوجود, إنه المحورالاساسي لهذه الحياة, لهذا يجب أن يعي البشر دورهم ودورهؤلاء الأطفال في هذه الحياة, لأنه يقع عليهم تطورالبشرية وتنمية مواردها وتحسين بقاءها على هذه الأرض الجميلة.
يكون الرجل والمرأة قبل الزواج وإنجاب الأطفال في حالة أنعدام المسؤولية, احرار, بعيدون عن الارتباطات التي تقيد حريتهم وحركتهم. لذا لا يعرف الكثير مما يقدمون على هذه المسألة ان هناك فواتير قاسية وكبيرة عليهم تقديمها عندما يقرروا الارتباط بعقد الزواج وإنجاب الطفل. أول هذه الأشياء هو التنازل عن حريتهم, رغباتهم وحياتهم القديمة لصالح حياة أخرى مختلفة في شكلها ومضمونها:
طفل وشخص جديد لهذه الحياة.
الحياة المعاصرة وفرت للرجل والمرأة الكثير من وسائل الترفيه والتسلية كالمسابح والملاعب والعلاقات الشخصية المفتوحة كالسهرات الخاصة والعامة في النوادي والبارات, العلاقات المفتوحة بين الجنسين وقدرة الطرفين على ربط علاقات حميمة وربما عابرة مع بعضهم في ظروف بالغة الانفتاح والحرية على هذا الصعيد. لذا يجب على من يخضعوا أنفسهم لمثل هذا الأمروأن يرغموا على تفهم الوضع الجديد القائم على المسؤولية في مجالات كثيرة تمس الحياة والمعيشة والخضوع لأوامرها المقيدة وأن يحسبوا حسابها.
لنعط مثلاً:
رجل وامرأة قررا إنجاب طفل جديد لهذه الحياة:
بمجيئ الطفل تتغيرأشياء جسيمة في حياتهم, أشياء كثيرة تقف عائقاً ومعرقلاً لهم ويصطدم بنوازعهم ورغباتهم كبشرمنفتحين على تطلعات وأمال كثيرة. وفجأة بمجي الصغيرتتبدل حياتهم:
كالحرمان من السهرات الدافئة مع الصحبة والاصدقاء. الحرمان من الذهاب في رحلات طويلة على المراكب البحرية أوالنهرية أوالسفرعلى متن الطائرات إلى البلدان الأخرى من أجل السياحة والترفيه.
يبدأ كل واحد من الزوجين أوالعشيقين بالتذمرمن هذا الوضع الجديد مما يدفع كل طرف على رمي أعباء هذا الحمل على الطرف الأخرأويدخلوا في حوارات مملة وتافهة وطويلة من النق ورمي التهم إلى الطرف الأخرويدخل عامل مهم أخرأيضاً في حسابات الحياة الجديدة كالعمل وثقله وطول مدته. بمجيء الرجل والمرأة إلى البيت بعد عمل يمتد إلى ثمانية أو تسعة ساعات, يعقبها تحضير الطعام والأهتمام بالصغير الحاجز للحرية والحركة والسعادة الشخصية في هذه الحياة المعاصرة.
إن ثقل المسؤولية وأعباء الحياة وضغط العمل والرغبة في الانعتاق يدفع كلا الطرفين, الرجل والمرأة على التخلص من الأخر والهروب إلى الأمام من أجل العودة إلى الحياة الماضية, حياة اللهو والسهرواللعب والفراغ والهروب من السؤولية, ومع مرور الأيام تكبر الفجوة والشرخ بينهم مما يقود هذا الأمرإلى الانفصال, وووالطلاق.
إن الحرية التي وفرتها الحياة المعاصرة للمرأة جعلها تقف مع الرجل في نفس الخندق كأن تقول له سأفعل كما تفعل:
أبقى مع الطفل, سأذهب للسهرمع أصدقائي, أغسل الثياب فأنا مشغولة مع ضيوفي, أجلي الصحون والكأسات فلدي مشوارهام مع أصدقاء العمل, سأذهب إلى المرقص مع صديقي أو صديقتي, لدينا نزهة نهرية أو إلى الغابة أو سأبقى مع أصحابي في المسبح أونشوي اللحم في المنطقة القريبة من بيتنا أو ساسأفرإلى تركية اوإيران أو سورية مدة عشرة أيام.
أبقى مع الأطفال يا عزيزي الغالي وبعدها سيكون دوري!
هذا على الصعيد العمل والعلاقات الاجتماعية العامة والخاصة التي تلقي بظلالها الثقيلة على الأسرة المعاصرة. إن وقت الفراغ والرغبات والانعتاق من القيد يحرك الزوجين المكبلين بظروف جديدة. كلاهما يريد استغلال الوقت والاستفادة من هذا الفراغ في تفريغ شحنات الضغط التي تعرضوا له في العمل وفي العلاقات الأخرى المجبرين عليها.
كلاهما يبحث عن الارتباطات الحميمة مع الأخرين المختلفين أوالبحث في اللقاء معهم في النوادي أومن أجل الذهاب إلى السينما لرؤية فيلم جديد أو لمشاهدة عروض مسرحية أو المعارض الفنية المعلن عنها في الاعلانات أو الانتساب إلى جمعيات خيرية كالصليب الأحمرأو الأخضر او الأزرق. الكثيرمن النساء والرجال يذهبوا إلى المرقص للتطهر من أدران اليوم الممل والطويل للتخلص من الرتابة ونمطية الحياة والعمل المكررة كالمجاملات واللقاءات والتنقل من مكان إلى أخرومحاولة التخلص من التزامات أوقات العمل.
هناك ظواهر جديدة منتشرة بكثرة في العالم وخاصة المتقدم منها, ظاهرة إنتشار المخدرات وتعاطي الكحول والأدمان. هذا الأمر يجعل أحد الزوجين او كلأهما يتهرب من القيام في واجباته. هذا التعاطي يدفع الزوجين للهروب من المنزل إلى أماكن توفر المخدرات أولشرب الكحول مما يودي إلى ترك الطفل الصغير الذي لا يتجاوز ال2 ـ 5 سنوات من العمرنائماً بين جدران البيت لوحده ولا أحد إلى جانبه. لكن عندما يستيقظ هذا الصغيرولا يرى أبويه, يبدأ بالبكاء والصراخ طوال الليل مما يشكل لهذا الطفل عقد نفسية عميقة في وقت مبكر من الحياة ويترك أثاره على شخصيته طوال حياته.
الحالات كثيرة ولا يمكن أن تحصى ولكنها ظاهرة جديدة جاءت مع التطورات الذي طرأت على العالم كله مما دفع إلى تفكك العلاقات الاجتماعية والأسرية. كما أن المتعاطي للمخدرات والكحول يجعل المرء مخلاً بالكثير من القواعد والاعراف ويجعله عاجزاً عن القيام بمهامه كأب او أم أو مسؤول عن شؤون وشجون أسرته ومحيطه وعلاقاته بل لا يستطيع القيام بأداء أبسط الأشياء التي تحتاج إلى الأهتمام.
هناك ظاهرة سيئة أيضاً وهو ترك الطفل الصغيرالذي لا يتجاوز العاشرة من العمرعند الجد أوالجدة, ليقوم برعاية أحدهم, وتحمل مسؤولية حمل أعبائهم كعجائزمحتاجون إلى راعية وأهتمام خاص. هذا الأهتمام بالكباريجعل الطفل يتخلف عن المدرسة والواجبات الدراسية والكثير منهم يذهب إلى مدرسته وهو متعب أونعسان أوثيابه متسخة وغير نظيفة ووجهه لم يغسل ولم يتحمم مدة طويلة لأنشغال ذهنه في مسائل أخرى ووجبات أخرى.
إن إهمال الطفل لشؤونه المدرسية يترك ظلاله على نفسيته وشكله الخارجي كالملبس والمظهر الخارجي مما يجعله في حالة أنطواء على النفس والخوف من الاحتكاك مع الاخرين, والخجل من من نفسه أن يفتضح أمره ويكتشف سلوكه ووضعه مما يجعله أقل مستوى من أترابه ورفاقه وأصدقاءه في المدرسة.
تصرفات الأبوين الخاطئة في إدارة حياتهم وحياة أبناءهم تدفع الأشياء إلى نتائج كارثية, مثل تحكم الأمزجة المتقلبة في مسارالبيت وإدارة شؤونه واختلاف الطبائع ورؤية كل واحد للحياة بزاوية عينيه دون أن يكون في البيت نقاش جاد وهادئ وناجح لما هو في صالح الجميع مما يودي إلى الخلافات والمشاحنات والشجاربين الزوجين يصل إلى الضرب والشتم والسباب والتعنيف دون أن يتنازل أحد الطرفين للطرف الأخر, كل ذلك أمام مرأى ومسمع الصغاروأنظارهم مما يجعل الأمورلا تطاق, ويودي إلى خطأ, منها فتور العلاقة, الضجروالملل من الحياة الزوجية الذي يقود في المحصلة إلى أن يبحث كل واحد عن بديل أخريخفف عنه أعباء الضغط الذي تعرض له من أجل الهروب من جو الكآبة والرتابة والقلق, والبحث عن ملاذ أمن, ملاذ وهمي:
كالسكروالشرب والسهرخارج البيت إلى تصل الأمور إلى حد أن يذهب كل واحد في طريقه.
إن فقدان الاحترام في الأسرة وتركيزكل طرف على أخطاء الطرف الأخروعدم التنازل عن موقفه يدفع الطرفين إلى الطلاق والانفصال وتشرد الاطفال وعدم استقراروضعهم الحياتي مما يترك أثاره عليهم.
كما الكثير من النساء صاروا يضجروا من الأمومة والأولاد ويبحثوا عن سعادتهم الشخصية على حساب البيت والأسرة.
هذا الانفصال بين الزوجين يجعل الطفل يعيش حالة تشتت وضياع ما بين البقاء مع الأب أوالأم, هذه الغربة المفروضة على الطفل تجعله يفقد الاحساس الأمان ويدخل الخوف إلى قلبه من الحياة والمستقبل, ويكون عرضة للاضطراب والقلق.
إن غياب الأهل, والأبتعاد عن شؤون وشجون أولادهم يجعلهم عرضة لظروف خطيرة كالاغتصاب أو الاعتداء الجنسي, الهروب إلى الشوارع والمخدرات والتحشيش والقيام بالأعمال الدونية كالسرقة والنشل وكل الموبقات التي تقف في طريق حركته.
إن غياب الأهل وأهتمامهم بأنفسهم أو نتيجة لتفكك العلاقة الأسرية أو لعدم وعيهم أوأهمالهم لأبناءهم, وعدم مراقبة تصرفات الصغارمما يسهل دفعهم إلى الظروف السابقة الذكر.
هناك حالات أخرى تطرح نفسها على الإنسان المعاصروهو إقتران أومصاحبة الرجل أو المرأة لشريك جديد غير مؤهل على الصعيد النفسي والروحي والثقافي الذي ربما يقدم على أعمال مخلة بالآداب تترك بظلالها السوداء على الكائن الصغير:
كأغتصاب الطفل أوالطفلة ويحولها إلى ضحية ومادة لشهواته ونوازعه الشاذة تحت سمع وبصرالأم أو بعيداً عن عينيها.
بعض الأطفال يرغموا على العمل الصعب والشاق من أجل إعالة الأب أوالأم العاجزأو العاجزة فيكبرالصغيرعلى واقعه ويبدأ بتحمل مسؤولية أهله في سن مبكرة, كأن يعمل في الأقبية المظلة أوالأماكن البعيدة عن الأعين مما يسهل عملية أغتصابه او ممارسة اللواطة أوالفاحشة معه.
الكثيرمن الرجال أوالنساء يدفعوا الطفل الصغير إلى الشارع من أجل خلواتهم مع عشاقهم أو عشيقاتهم والبقاء لوحدهم من أجل الامتلاء بالنشوة الفارغة كالشرب وممارسة الجنس على حساب نفسية ومصلحة نمو الطفل العقلية والروحية والنفسية ويعرض الصغير لشتى الاحتمالات:
كأن يختطف الصغيرأويتحول إلى دية مقابل مبلغ مالي أويهرب من دولة إلى أخرى, ويباع كما تباع الدابة أو غيرها من المواد, ويتحول الطفل الصغير إلى مادة تجارية رابحة أويباع بالمفرق:
كأن يقطع جسده الطري والجميل, وتباع أعضاءه في المزاد كقطع غيارمثله مثل أي سلعة في السوق. والسوق واسع الذمة والضمير, يبلع كل ما يدخل في جوفه.
هناك ظاهرة أخرى لا تقل خطورة عن غيرها, كأن ترسل إحدى العائلات, أحد أبناءها الصغارإلى أوروبا أوالولايات المتحدة الامريكية من أجل إعالتهم مادياً أوالحصول على الإقامة, يتحول الصغير إلى كبش فداء, وفاتورة مدفوعة على حساب نزوات الأب والأم وجهلهم وأنانيتهم وتخلفهم, في هذه الحالة يكون هؤلاء الأوباش مهملين ولا يهمهم ما يحدث أويطرأ على نفسية هذا الكائن الحساس من أثارجانبية تدخل إلى أعماقه وتشوه الوجه الجميل من طفولته البريئة وأحاسيسه ومشاعره المرهفة. عدى عن ذلك:
ربما يتعرضوا لشتى أنواع الغربة والتعذيب الجسدي والمنعوي والنفسي بالإضافة إلى تجويعهم والتمثيل بأجسادهم واللعب بأرواحهم الغضة الطرية.
هناك بعض الأسرالتي تأتي إلى أوروبا, ومستقبلها يكون غامضاً, هذا الأمريدفعهم إلى أختلاق الأسباب والنتائج لحل مشكلتهم, وهي عدم حصولهم على الإقامة والبقاء فيها. في هذه الحالة يسخروا الأطفال للقيام بأدوار فوق طاقتهم كان يؤذوهم جسدياً, يكووا أجسادهم بالنارويشوهوا بعض الأجزاء المهمة من أجسادهم من اجل إدخالهم إلى المشفى ليعرضوا على الطبيب المختص أو الطبيب النفسي ليثيروا شفقة وإحسان الدولة المضيفة لهم من أجل ان تتكرم عليهم وتعطيهم الإقامة واللجواء.
أيها الأهل:
أيها الأب.. أيتها الأم.. أيها المسؤولين الكرام:
أهتموا بالأطفال الصغار, فهم الأمل الجميل لنا في هذه الحياة.. أرعوهم وساعدوهم من أجل أن ينموا جسدياً ونفسياً في البيت بين ظهرانيكم ولا تتركوهم للشواذ والأفاقون والقتلة والشاذون.
راقبوا أولادكم وتصرفاتهم وسلوكهم.
لا تنجبوا طفلاً إن لم تكونوا متأكدين من قدرتكم على رعايته, لأنه أمانة في أعناقكم ورقابكم.
إن الطفل ملاك جميل بين أيديكم, يشكل كصورة على مثالكم.
ساعدوه وربوه وعلموه الحرية والخير والحب والجمال.
زهرة الجبل
#سناء_عبد_الاحد_ايشوع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟