السلطة نظام هيمنة يفرض سطوته على مؤسسات الدولة والمجتمع، فبدون تحديد صلاحيات السلطة ضمن الدستور لا يمكن السيطرة على هذا (المارد) لأنه سيبتلع الدولة والمجتمع.
فالسياسي الجيد هو الذي لا يسمح للسلطة أن تُفسده وأن يكون حجمه أكبر من السلطة كي يتحصن ضد الفساد، فأسوء أنواع الفساد هو فساد الجيد. ويجد ((أكتن)) أن السلطة تُفسد، والسلطة المطلقة تُفسد بشكل مطلق. ويتعين على السياسي الجيد أن يقنع نفسه بأنه موظفاً في السلطة تنتهي خدمته بانتهاء تكليفه بمهام الوظيفة، والتكليف الوظيفي للسياسي في قيادة السلطة يفترض أن يكون تكليفاً شرعياً ويخضع لسلطة أعلى هي سلطة البرلمان التي تمثل خيار الناخب.
فالرقابة البرلمانية المستمرة لضمان عدم خرق بنود الدستور، تحد من تجاوزات السلطة وتُلزمها بالانصياع للقوانين وأي تجاوز متعمد يفترض أن يتسبب بسحب الثقة من الحكومة.
السلطة والأحزاب السياسية في العالم الغربي:
الأحزاب السياسية في العالم الغربي لا تنطلق من منطلقاتها الفكرية لكسب أصوات الناخبين، بل من برامجها الانتخابية التي تُلبي حاجات الناخب. وبالتالي فالناخب في العالم الغربي يصوت للبرنامج الانتخابي الذي يُلبي طموحاته خاصة المتعلق منها: بالنظام الصحي؛ وصندوق تعويضات البطالة؛ وتخفيض الضرائب؛ وزيادة الأجور؛ وتحسين نظام الخدمات؛ والبيئة..وغيرها. ولا يعير أهمية للسياسة الخارجية لبلده.
ويمكن أن نسوق المثال التالي: خلال فترة الانتخابات الماضية في السويد، كان ممثلي الأحزاب يعقدون اجتماعات في الساحات العامة من أجل شرح برنامجهم الانتخابي. ومن بين تلك الأحزاب كان ((حزب اليسار)) الذي عقد اجتماعاً في إحدى الساحات العامة في ستوكهولم لغرض طرح برنامجه الانتخابي، وكانت رئيسة الحزب آنذاك ((كونر شيمان)) هي التي تطرح برنامج الحزب الانتخابي.
فقال لها أحد الحضور: أني لا يمكن أن امنح صوتي لحزب اليسار لأنكم شيوعيون وتسعون لانتزاع ملكية الأغنياء لصالح الفقراء؟ فأجابته رئيسة الحزب: بأنها لا تدعوه للانتساء للحزب، بل إلى التصويت على برنامج الحزب الانتخابي، فالبرنامج الانتخابي يدعوا لزيادة الرواتب وتقليل الضرائب فهل هذا في صالحك أم لا؟ اختار بين برنامج الحزب وبرامج الأحزاب اليمينية التي ترفض زيادة الرواتب وتدعوا لزيادة الضرائب، فإذا وجدت هذا لصالحك كناخب فصوت له نحن لا ندعوك للتصويت على أفكار الحزب!!.
وهذا يؤكد حقيقة تعاطي المواطن الغربي مع همومه الداخلية أولاً ولا يكترث للسياسة الخارجية. وبما أن الأنظمة الأوربية، أنظمة (غير ريعية) فأن أغلب مواردها المالية تأتي من استحصال الضرائب من المواطن. وعليه فالمواطن يجد من حقه الاطلاع على أوجه الصرف الحكومي، وانعكاس ذلك على حياته اليومية.
والسلطة السياسية التي تخفق في تحقيق برنامجها الانتخابي تخسر صوت الناخب في الانتخابات المقبلة، لذا ليس هناك خياراً للوصول للسلطة السياسية سوى عن طريق إقناع الناخب بالتصويت على البرنامج الانتخابي، والعمل على تطبيق هذا البرنامج عند الوصول للسلطة بغية عدم زعزعة ثقة الناخب بها في الانتخابات المقبلة.
والأحزاب السياسية الغربية، ليست بحاجة لأن تكون (عميلة) لدولة ما كي تفوز بالسلطة، بل العكس ارتباطها بدولة ما أو تقاضيها مساعدات مالية لتمويل الانتخابات قد يطيح بأسهمها لدى المواطن.
فالمواطن هو الذي يحدد شكل السلطة عبر صناديق الاقتراع، والسلطة يحكمها الدستور وأحزاب السلطة تخضع لنظام رقابة من أحزاب المعارضة في البرلمان. لذا فإمكانية خرق الدستور غير متاحة، وأي تجاوز بهذا الشان يطيح بالسلطة السياسية.
السلطة والأحزاب السياسية في الوطن العربي:
لا يوجد على العموم في الوطن العربي دولة لها دستور دائم وسلطة سياسية منتخبة بشكل شرعي، وشرعية السلطة تأتي من ارتباط الحاكم العربي أو حزبه بدولة أجنبية لضمان استمراره في السلطة. وتُكسب (شرعية) السلطة من المواطن بالإرهاب والاضطهاد وشراء الذمم، فالحاكم العربي يتصرف كأنه مالك للدولة والمجتمع ولا يخضع للمحاسبة وله صلاحية إلغاء الدستور وتشكيل برلمان صوري يصوت إلى جانب قراراته (القروشية) دون رادع أو مسؤولية أخلاقية.
ويعتقد ((أودنيس)) أن الحاكم العربي مازال حتى الآن يتصرف كأنه مالك البلاد والعباد معاً. والإنسان الفرد لا حق له حتى في هويته إذا لم يكن صاحب البلاد راضياً عنه، وهذا يؤكد بعمق أن المالك، وأن كان شرعاً هو الله المتحجب، فأنه في الواقع هو ظل الله على الأرض أيا كان اسم هذا الظل.
فالسلطة في الوطن العربي، لا يتوجب مناقشتها أو مساءلتها أو مطالبتها بالحرية، فالحزب الحاكم عبارة عن عصابة من الأشقياء لا علاقة لها بالمجتمع، بل على المجتمع أن يجد السُبل ليتواءم مع هذه العصابة وليس العكس.
ويجد ((أودنيس)) أن السلطة العربية صارت مجتمعاً منفصلاً داخل المجتمع العريض، مثل قلعة مطوقة ومسورة من جميع الجهات. وهي تملك المجتمع الذي تهيمن عليه بالكامل، فهي إذاً تشل المجتمع وتمنعه من أن يشارك (على أي مستوى) في بناء السياسة التي هي مسؤوليته.
والمطالبة بالحرية السياسية من قبل المواطن بنظر الحاكم العربي، هو تجاوزاً على سلطته!!. لذا يتوجب التعاطي مع هذا المواطن بالسجن كونه خارجاً عن القانون وبالتالي محاسبته لأنه تعدى صلاحيات الحاكم الذي يحدد مساحة الحرية وحياة المواطن.
ولا يحق للمواطن العربي الطعن في (الانتخابات الصورية) التي يجريها الحاكم العربي، (فالقانون) كما عبر عنه طاغية العراق المهزوم عبارة عن ورقة يكتبها مرافقه ويقع عليها الطاغية!!.
ومسؤولية إصلاح الخلل في السلطة السياسية العربية تقع على عاتق المثقف العربي الذي يتوجب عليه فضح تلك الممارسات وتعرية سلوك الأحزاب السياسية الحاكمة بغية صياغة دساتير دائمة تضفي الشرعية على الأنظمة السياسية.
ويعتقد ((أودنيس)) أن السلطات العربية تحولت إلى إقطاع مقنع بألفاظ زائفة لا تعني شيئاً وبانتخابات مزيفة تعني الكثير. والسلطات العربية هي مجرد سلطات قامت على نفي الحرية. فكيف يمكن أن تطلب منها الحرية؟ يجب أن يستعد المفكر والفنان والشاعر ليدافع عن فكره وفنه وشعره ويدفع الثمن.
لذا يتوجب رفع شعار رفض السلطات العربية وعدم التعاطي مع مشاريع جسر الهوة بين الحاكم العربي وشعبه، فأسلوب الرفض يعني كنس هذه الأنظمة وانتخاباتها المزيفة ودساتيرها المنحطة.
فمن يطالب هذه الأنظمة بإصلاحات سياسية وترقيعات دستورية، يوافق ضمناً على استمرارها في السلطة ويعبر (بشكل غير مباشر) عن (شرعيتها) وبالنتيجة فأنه يقف إلى جانبها!!.
ويحث ((أودنيس)) المجتمع على رفض السلطات العربية بقوله: أن السلطة شأن يجب أن نناوئه دائماً، ليس أن نرفضه فقط، بل أن نحاربه، أي أكثر من الرفض: حرب كاملة. أزدري السلطة وادعوا كل شخص إلى أن يحارب السلطة حتى لو كانت سلطتي.
أما أحزاب المعارضة العربية، فهي الأخرى أحزاباً ساعية إلى السلطة ليس من أجل تحقيق مطاليب اجتماعية وإجراء الانتخابات وانقلاب جذري في ماهية السلطة السياسية، وإنما تلبية لرغبة سلطوية متجذرة في أعماق قيادة هذا الحزب المعارض أو تحقيقاً لمشاريع دولة أجنبية تقف وراء هذه القيادة!!.
فالبديل لا يعني استبدال سلطة قمعية بسلطة أخرى أشد قمعية، بل إجراء تغير شامل في بنية النظام السياسي بغية تحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
ويعتقد ((أودنيس)) أن أحزاب المعارضة العربية التي تقدم نفسها بديلاً ومعها أنفار من الحزبين والعلمانيين والماركسيين هم في أعماقهم وفي بنيتهم العقلية سلطويون. ذلك لأن أهدافهم تتلخص في إزاحة سلطة ليقيموا مكانها سلطة أخرى، إما خلخلة أسس المجتمع فهذا ليس في أهدافهم.
إذاً التغير المنشود يتطلب اجتثالاً لكل الهياكل التنظيمية التقليدية وإعادة بناء مؤسسات على أسس ديمقراطية تستند إلى تجارب ناجحة خاضتها دول أخرى في العالم. والجانب الأهم في هذا التغير المنشود هو إعادة تأهيل الإنسان العنصر الأساس والمحرك لعملية التغير كي يمارس دوره في المحافظة على النظام الجديد وضمان استقراره.
وأجد أن التغير المنشود لأنظمة الحكم في الوطن العربي، يتطلب ضمان لاستمراره، وهنا يتوجب أشرافاً من الأمم المتحدة وكذلك أن تكون المساعدات التكنولوجية والمالية والعلاقات الدبلوماسية بين دول العالم الحر (خاصة الاتحاد الأوربي) والسلطات العربية مشروطة بإقامة أنظمة ديمقراطية وبصياغة دستور دائم وانتخابات حرة ونزيهة واحترام لحقوق الإنسان كي يجاري المواطن العربي التطورات الجارية على الصعيد الدولي.
ويساهم مساهمة فعالة في إرساء الاستقرار والأمن العالمي، ولا يُستخدم كأداة للإرهاب نتيجة حالة اليأس والاضطهاد التي يعاني منها بشكل مزمن، ويُحمل مسؤوليتها لحكومات العالم الغربي كونها تشكل أداة الدعم الأساس للأنظمة الفاشية في الوطن العربي.
ستوكهولم بتاريخ 21/12/ 2003.