|
شيزوفرانيا ثقافيه
حنان بديع
كاتبة وشاعرة
(Hanan Badih)
الحوار المتمدن-العدد: 2225 - 2008 / 3 / 19 - 10:32
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ابتسمي فأنت عانس
الحياة حفلة تنكرية نقتات فتات عبثنا على أطباقها ، حيث تكثر في بلاطها النفايات الفكرية في العقول لنشعر وكأننا في مجتمع يعاني من الشيزوفرانيا أو الفصام وهي في الطب النفسي حالة من اضطراب العقل يمكن ملاحظته من خلال ضعف الترابط المنطقي في التفكير والسلوك. وإذا كان هذا هو التعريف الشائع للشيزوفرانيا فمن سوانا يسلك ويتحدث ويتعامل مع الآخرين بطريقة تبدو طبيعية تماما ويقوم بتصرفات مغايره وكأنه فرد آخر في أحيان أخرى؟ هذا الفصام يظهر جليا سواء على المستوى الشعري أو الأخلاقي أو المجتمعي.. نقول عكس ما نفعل، ونكثر من التشدق بالألقاب والأوصاف بشكل مجاني لتتحول فيما بعد إلى ثقافة تناقض الواقع والحقيقة بل والمنطق. الأمثلة قد تكون كثيرة لكنها تصب في الأغلب في الجانب الأخلاقي للمجتمع رغم أن الأخلاق ليست مطلقه وهي متغيرة باختلاف المجتمعات. وفي معظم الأحوال فان الأحكام الأخلاقية تطال المرأة بشكل خاص نظرا للاستئساد ألذكوري الذي يتغذى على محاصرتها في حركاتها وسكناتها .. في مجتمعاتنا الشرقية نستخدم كلمة (سافرة) و(عانس) و(عاهرة) وهي كلمات أو مصطلحات لا مقابل لها لوصف شريكها الرجل ! من هذا المنطلق فقط تصبح النظرة إلى صاحبات هذه الألقاب جائرة إضافة إلى تحميلها معاني لا تحتملها وإصرارنا عليها حتما سيدمر لغتنا الجميلة فالحجاب مثلا هو حجب الشيء وسافرة معناها كاشفة فأي امرأة تكشف وجهها تسمى سافرة وما زاد عن الوجه يسمى تبرج هذا بالرجوع إلى القاموس اللغوي ، وبعيدا عن اللغة هناك المعنى المكروه الذي حملناه للكلمات ومضامينها فالسافرة أصبحت تشبه في مفاهيمنا المتعرية والعانس تتجاوز مصطلح العز باء التي تأخرت في الزواج أو التي لم تتزوج لتشبه في صورتها الفتاة المنبوذة والمعاقبة اجتماعيا لأنها لم تسرع أو تفلح في الحصول على زوج حتى كثرت البرامج والتحقيقات الصحفية التي تطرح وتناقش موضوع العنوسة وكأنه مشكلة أو كارثة اجتماعيه يعاني أصحابها أكثر مما يعاني سواهم من فئات المجتمع متزوجين أو مطلقين أو أرامل. أذكر أن كتبت الزميلة الدكتورة زكيه مالله مؤخرا في الموضوع حثت فيه على تجاوز هذا المفهوم للفتاة التي لم تتزوج ل،ها لا تعاني إلا كما يعاني كل البشر في حال تزوجوا أم لم يتزوجوا أنجبوا أم لم ينجبوا تطلقوا أو ترملوا وغيرها من الحالات الاجتماعية لأفراد المجتمع على اختلاف ظروفهم وأسبابهم في حياة لا تخلو من المشاكل والنواقص . لكن الأمر لا يتوقف برأي الشخصي هنا .. إذ لا يجب أن نستجدي المجتمع بتغيير هذه المفاهيم المشوهة والاعتراف بازدواجيته الفكرية أو حتى نبذها فنحن من يغير نظرة المجتمع .. أما كيف ؟ فهذه مهمة أصحاب العلاقة ، فتخيلوا معي لو أننا أطلقنا على سبيل المثال لقب سافر أو عانس على رجل فانه سيضحك مستهزأ غير مبال ليفوت علينا فرصة ترسيخ هذه الألقاب أو مطالبته بالإذعان لها أما المرأة المستضعفة فتواجه الموضوع كمتهمة وكأنها مرشحة لفضيحة اجتماعيه كبرى! فإذا كنت أيتها المرأة سافرة فافتخري بسفورك لأن وجهك هو شخصك الذي تعتزين به ليس إلا. تعاملي مع المصطلحات بقدر حجمها واقبليها كما هي في حقيقتها .. وإذا كنت عانسا فابتسمي .. كما يبتسم شريكك الرجل معتزا بعزوبيته متفاخرا بها على أقرانه فلا أعاد الله الزمن الذي قيل فيه ( ظل رجل ولا ظل حيطه) فالرجل نفسه يعيش الآن في الظل وربما في الهامش بعد أن تنازل عن الكثير من أدواره التي كانت عنوانا للرجولة والنخوة.. لهذا فالسبب الرئيسي للارتباط به ربما لم يعد موجودا. أما إذا كنت متعلمة ومنتجه وجميلة وناجحة ومستقلة أو خفيفة دم وذكيه أو فتاكة الأنوثة أو متحررة منطلقة فأنت حتما تدفعين ثمن هذه المواصفات التي يتمناها أي رجل إلى حد معاقبتك عليها ! فأنت نموذج للمرأة التي تخلب الألباب وتستفز الرجل لكونها غير نمطيه قد يعيش معها الرجل سعادة لا توصف لكونها الحلم المفقود ولكن الرجل الشرقي لا يملك عن القرار سوى الفرار لأنها نموذج يهدد ذكورته وسي السيد بداخله فاعذريه. إنها شيزوفرانيا ثقافيه ليس إلا .. ومرض الفصام لا يعالج إلا بتجاهل الوجه الآخر القبيح حتى يقتنع بعدم جدوى وجوده . أيكون انفصام الشخصية العربية سببه صعوبة تقبل الرجل المساواة مع المرأة ؟ جاءت نسبة التصويت على هذا السؤال في برنامج حوار العرب على قناة العربية على النحو التالي : 45% نعم 55% لا وهي نتيجة تكاد تكون متقاربة وذلك لأن المجتمع الشرقي قائم بنسبة 70% على العادات الشرقيه والتقاليد . لكن ماذا عن ازدواجية المرأة العربية؟ وهل المرأة التي تنشد الحرية والمساواة هي من تطالب كذلك بالتمتع بحماية الرجل ورعايته ؟ هل هي أيضا ازدواجية نسائية ؟ ولماذا نبدو في حاضرنا وواقعنا الذي تغير عن ما مضى وكأننا في حالة خوف وانصياع تام للعادات والتقاليد خوفا من الحرية وتبعاتها ؟ فنقول ما لا نفعل . هل نحن شعوب معقدة ؟ ازدواجيتنا هذه تتجاوز الحدود الاجتماعية إلى الازدواجية السياسية والاقتصادية فبتنا نعتبر أمريكا دولة ذات أطماع في ذات الوقت الذي طالبنا فيه منها تحرير الكويت كما نطالب بحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره في الوقت الذي يطالبنا فيه الأكراد والأمازيغ بالحق ذاته مثلا ! ازدواجية فكرية واضحة تترجم ثقافة يشترك فيها الرجل والمرأة كضحايا الخلط بين الديني والدنيوي أي الإرث الديني والحداثة والموروث طبعا ليس كله ايجابيا . فالموروث السلبي هو عامل يعوق التقدم عندما يفسر الموروث الديني بطريقة سلبيه إضافة إلى القيود الاجتماعية كالعشائرية والطائفية. ونحن من نضع أنفسنا ضمن خيار بين الحداثة أو العادات والتقاليد فيما يجب أن تكون لدينا القدرة على الانتقاء بدل الاختيار بينهما.
حنان بديع [email protected]
#حنان_بديع (هاشتاغ)
Hanan_Badih#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
على هواي
-
القلم وأنوثة الورقة
-
ما بين جرأة الطرح وجرأة المشهد
-
أحبك بالمقلوب
-
النصابين ونظرية الحب الأعمى
-
فنجان قهوة..
-
فلسفة شعوب
-
النظرة المتوجسة للآخر الحضاري
-
-إصبع الحظ-
-
من قال أني معاق!
-
غواية الشوكولاته
-
قلة أدب
-
للحب ناسه وللزواج ناسه
-
عورات العقل
-
القانون لا يحمي المغفلين ..
-
هنا بيروت
-
مطرود من الجنة
-
صورة صدام على وجه القمر!
-
ماجدة الرومي خلطة ملائكية فريدة
-
أطارد أرانبي البيضاء
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|