|
الثابت والمتحول في النظام الفيدرالي بحث في القواعد التي تحكم النظام الفيدرالي
قاسم العبودي
الحوار المتمدن-العدد: 2224 - 2008 / 3 / 18 - 02:29
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
الفدرالية ليست بمصطلح وصفي بل معياري وهي تهدف الى تحقيق القيمة المسلم بها والقائمة على بلوغ التنوع والوحدة في آن واحد (رونالد واتس)( ). وكان السؤال المهم الذي يدور في الفقه التقليدي هو هل أن النظام الفدرالي نظام استقرار أم تحول أي أن النموذج الفدرالي وجد ليبقى بتعقيداته أم هو مرحلة في طريق العودة إلى شكل الدولة البسيطة، ويجيب الفقه الدستوري العربي على أن النظام الفدرالي وجد ليبقى مستدلا ببعض النماذج الفدرالية التي ذكرناها التي تؤشر مزيداً من الاتساع في الوحدات المكونة ومزيد من تقاسم السلطة والسيادة( ). لكن هذا الحكم لا يمكن ان يعمم على مجمل التجربة الفدرالية كما سنرى لاحقا، وعلى الرغم من تفاوت الأنظمة الفدرالية في طبيعة العلاقة بين الوحدات والمركز وبالمستويات الحكومية واختلافها من نموذج إلى آخر إلا أننا نستطيع أن نؤشر مجموعة من القواعد التي تحكم النظام الفدرالي إلى حد كبير: أولاً؛ الديمقراطية : من الثابت أن الديمقراطية هي من أهم ضمانات استمرار الاتحاد وديمومته، بل انه لا يمكن تخيل النظام الفدرالي من دون الديمقراطية وهذا ما يفسر انفراط عقد الاتحادات التي كانت تحكمها أنظمة ديكتاتورية شمولية كالاتحاد السوفيتي السابق والاتحاد اليوغسلافي والاتحاد الجيكوسلفاكي، ولا عبر بمرونة النصوص الدستورية أنما العبرة بالنظام السياسي السائد، فعلى الرغم من إن الدستور السوفيتي كان ينص على حق الوحدات المكونة بالانفصال إلا إن النظام السياسي الحاكم آنذاك لا يسمح عمليا حتى بالحديث عن هذه المسألة، بل إن بعض الوحدات المكونة للاتحاد السوفيتي تم ضمها بالقوة (دول البلطيق). ثانياً؛ يؤشر الفقه الدستوري إلى ثلاث طرق في توزيع الصلاحيات بين سلطات الأقاليم و السلطات الاتحادية وتتمثل تلك الطرق بتحديد الصلاحيات الحصرية للسلطات الاتحادية فقط من دون ذكر صلاحيات الوحدات المكونة أو تحديد صلاحيات الوحدات المكونة والسكوت عن صلاحيات دولة الاتحاد أو ذكر صلاحيات كل منهما حصرا. وتبنَي الطريقة الأولى من شأنه أن يجعل كل ما يستجد من أمور تدخل ضمن اختصاص الوحدات المكونة، وتكشف هذه الطريقة عن حرص الوحدات المكونة على المحافظة على مكاسب الحكم الذاتي والسيادة الداخلية، بل وربما اتساعها في المستقبل وفق لتطور النظام السياسي، وهو الأسلوب الذي أخذت به الولايات المتحدة الأمريكية وكندا ودستور فنزويلا عام 1953.وقد أخذ قانون إدارة الدولة العراقية في المرحلة الانتقالية بهذا الأسلوب فنص على الاختصاصات الحصرية للحكومة الاتحادية وسكت عن صلاحيات الأقاليم( ). وقد نهج المشرع ذات النهج في دستور العراق لعام 2005 ولكنه أيضا نص على اختصاصات مشتركة بين السلطات الاتحادية وسلطات الأقاليم وأعطى الأولوية فيها لسلطات الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم في حالة الخلاف بينهما، بل انه لم يكتف بالسكوت عن ذكر صلاحيات الأقاليم والمحافظات وإنما ذكر صراحة أن كل ما لم ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية يكون من صلاحيات الإقليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم( ). وهذا يكشف قلق الكورد وحرصهم على الحفاظ على مكاسب الحكم الذاتي الذي تمتعوا به ردحا من الزمن. ثالثاً؛ يحدد فقه القانون الدستوري ثلاث طرق للإدارة تتبعها النماذج الفدرالية في إدارة شؤونها داخل الأقاليم، وهي طريقة الإدارة المباشرة وغير المباشرة وطريقة الإدارة المختلطة. وتتبع الولايات المتحدة الأمريكية طريقة الإدارة المباشرة حيث توجد للسلطات الاتحادية هيئات تدير الشؤون الخاصة بها داخل الولايات تكون تابعة بشكل مباشر للسلطات الاتحادية كدوائر الشرطة الاتحادية والضرائب وغيرها. وعلى الرغم مما يؤشر من انتقاد لهذه الظاهرة في أنها تؤدي إلى زيادة نفقات السلطات الاتحادية، إلا أن النموذج الأمريكي الاتحادي قد وازن بهذه الطريقة بين التحديد الحصري للصلاحيات السلطات الاتحادية في الدستور وبين النشاط الفعلي لهذه السلطات داخل الولايات. ولا يعني ذلك أن أسلوب الإدارة غير المباشرة أو المختلطة من شانه أن يؤدي إلى ضعف هيمنة السلطات الاتحادية على الوحدات المكونة لان التأثير والسيطرة والتحكم تظهر من خلال جملة من التدابير السياسية والمالية التي تفرضها السلطات الاتحادية والتي من شانها الضغط على الوحدات المكونة لانتهاج السياسة التي ترسمها السلطة الاتحادية . وهنا لا بد من الإشارة عندما ندرس النموذج السويسري نلاحظ أن السياسة المالية على المستوى الأفقي ترسم ملامحا لنظام اقتصادي اشتراكي على الرغم من أن الدولة السويسرية هي دولة تبنت النظام الاقتصادي الحر بكل مفرداته ، وهذا ليس لتحقيق العدالة الاجتماعية لذاتها لكن لخلق نوع من التوازن بين الكانتونات لكي لا يصبح بعضها طاردا بينما يصبح بعضها الآخر جاذبا على خلفية التفاوت الذي قد ينشأ في المستويات المعيشية ومستوى الخدمات . وتظهر بجلاء هيمنة السلطات الاتحادية في ألمانيا حيث توجه السلطة الاتحادية السياسات المالية في الأقاليم ربما بشكل اكبر من النموذج السويسري فبينما تطالب قوى السوق وأنظمتها التوزيعية النظام السياسي بمرونة أكبر في قدرته على إبداء ردة فعل , اخذ النظام السياسي يفقد مرونته أكثر فأكثر بسبب الواقع الدستوري في ألمانيا نتيجة للمهام للضرائب المشتركة وبسبب النظام الموحد لإعادة توزيع الدخل الحكومي من الضرائب , وكما أسلفنا فأن تحقيق قدر من المساواة بين الولايات لا يهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية لذاتها وإنما لضمان التوازن بينها. رابعاً؛ ثنائية الهيئة التشريعية الاتحادية عادة ما تتكون الهيئة التشريعية الاتحادية من مجلسين احدهما تتمثل فيه الولايات بشكل يتناسب طرديا مع عدد السكان فيها بحيث يكون للولاية (الوحدة المكونة) عدد أكبر من النواب في هذا المجلس الذي يسمى عادة مجلس النواب إذا كان عدد سكانها أكبر من الولايات الأخرى أما المجلس الأخر الذي يسمى عادة مجلس الشيوخ كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية ومجلس الكانتونات في سويسرا فتتمثل فيه الولايات بصورة متساوية فهناك لكل ولاية شيخان في مجلس الشيوخ الأمريكي ويمثل كل كانتون في سويسرا عضوان في مجلس الكانتونات وعضو واحد لكل نصف كانتون. أما في ألمانيا فلكل ولاية ثلاثة مندوبين على الأقل ولكل ولاية يزيد عدد سكانها على مليونين فلها أربعة مندوبين والولاية التي يزيد عدد سكانها عن ستة ملايين فيكون خمسة مندوبين( )، وينتخب أعضاء مجلس النواب بالاقتراع المباشر من شعب دولة الاتحاد اما أعضاء مجلس الاتحاد أو مجلس الشيوخ فان الأغلب الأعم أن يكونوا منتخبين غير ان بعض النماذج الفيدرالية أخذت بطريقة التعيين حيث يتم تعيينهم وعزلهم من قبل حكومات الولايات كما هو الحال في ألمانيا( ) . أما عن تفسير التساوي في عدد مندوبي الولايات في مجلس الاتحاد فيعزى إلى رغبة الولايات في الاحتفاظ بما تبقى لها من سيادة ولكي لا تغبن الولايات الأصغر حجما من خلال التشريعات التي تصدر عن الهيئة التشريعية بسبب قلة مندوبيها ومن السمات المميزْ لمجلس الاتحاد في بعض النماذج الفيدرالية الجمع بين عضوية مجلس الاتحاد وعضوية المجالس الاقليمية كما هو الحال في سويسرا إذ ان حوالي خمس المشرعين الفدراليين اعضاء كذلك في الهيئات التشريعية في الكانتونات وقد سمى الدستور الدائم لعام 2005 مجلس الاقاليم بـ ( مجلس الاتحاد ) الذي سيضم ممثلين عن الأقاليم والمحافظات وبانتظار القانون الذي سيصدره مجلس النواب استنادا للمادة 65 من الدستور الذي سيبين العضوية فيه واختصاصاته سيكون لنا ان نقيم قوة ونفوذ هذا المجلس. وإذا كانت المساواة في عدد مندوبي الولايات في مجلس الشيوخ أو الاتحاد اوالمجلس الاعلى. إحدى سمات الهيئة التشريعية فأن التدابير غير المتناسقة للفدرالية التي تحدثنا عنها سابقاً التي أملتها الحلول السياسية لاحتواء نزعة الانفصال وكذلك قوة بعض الولايات الاقتصادية والسكانية دفعت الى الخروج عن هذه القاعدة في بعض النماذج الفدرالية بالإضافة إلى ألمانيا التي ذكرناها انفاً تتمثل المناطق الأربعة الرئيسية في كندا بـ(24) مقعداً لكل منها بينما يمثل مقاطعة نيوفاو لاند (6) مندوبين ولا يكون لأقاليم السكان الأصليين الا ثلاثة مقاعد. وتتفاوت قوة نفوذ كل من المجلسين وفقاً لتفاوت النماذج الفدرالية في العالم فقد تكون سلطات مجلس الشيوخ مساوية لسلطات مجلس النواب كما هو الحال في أمريكا وسويسرا وقد تكون سلطات مجلس النواب اكبر من مجلس الشيوخ كما هو الحال في استراليا وكندا وقد تكون لكل من المجلسين صلاحيات أكبر من الآخر في أمور معينة كما هو الحال في ألمانيا. كما تختلف مدة العضوية في المجلسين من دولة إلى أخرى فمدة العضوية في مجلس النواب هي سنتان في الولايات المتحدة الأمريكية وثلاث سنوات في استراليا وخمس سنوات في كندا وأربع سنوات في كل من سويسرا وألمانيا. بينما تكون العضوية في مجلس الشيوخ ست سنوات في كل من أمريكا واستراليا وتستمر العضوية في مجلس الشيوخ في كندا حتى بلوغ العضو سن الخامسة والسبعين. ويتم انتخاب ثلث أعضاء مجلس الشيوخ في الولايات المتحدة كل سنتين بحيث يوافق انتخابات مجلس النواب، وتحرص السلطات الاتحادية الى وضع القواعد العامة المنظمة للعضوية ولشروط الانتخاب للهيئة التشريعية لمنع التمييز العنصري. وإذا كان السؤال عن الصلاحيات التي ستمنح لمندوبي الأقاليم العراقية في مجلس الاتحاد المزمع إنشاؤه بقانون سيشرعه مجلس النواب استنادا للمادة 65 من الدستور فان من شان ذلك القانون ان يؤدي إلى تعديل أحكام الدستور بالنسبة لصلاحيات مجلس النواب. وقد نجحت التجربة الحزبية في بعض النماذج الفيدرالية كما اشرنا أنفا في هذا البحث إلى تحويل التمثيل الإقليمي والمناطقي في مجلس الاتحاد إلى تمثيل حزبي ( وطني) كما هو الحال في مجلس الشيوخ الأمريكي ومجلس الشيوخ الاسترالي وفي ذلك جواب على تساؤلات رونالد واتس في كتابه (الفيدرالية دراسة مقارنة) عن ظاهرة هيمنة الأحزاب في استراليا وأمريكا على مجلس الشيوخ في الهيئة التشريعية.
الهوامش
#قاسم_العبودي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
7 شهداء نتيجة قصف الاحتلال خيام النازحين في مواصي خانيونس
-
ترامب يتعهد بإغلاق الحدود أمام المهاجرين غير الشرعيين في أول
...
-
-لابيد- يهاجم حكومة نتنياهو بشأن صفقة الأسرى
-
العراق.. إصدار أحكام بالإعدام على 82 متاجرا بالمواد المخدرة
...
-
الأمن العام بقطاع ركن الدين والمهاجرين في دمشق: ممنوع دهم أو
...
-
صحافة عالمية: نتنياهو يجري حسابات سياسية لدعم صفقة الأسرى
-
صحافة عالمية: نتنياهو يجري حسابات سياسية لدعم صفقة الأسرى
-
تكريساً للإبادة الجماعية:الاحتلال يستهدف مستشفى كمال عدوان م
...
-
غانتس: نتنياهو يخرّب مفاوضات صفقة تبادل الأسرى من جديد
-
إعدام 82 تاجر مخدرات في العراق
المزيد.....
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
-
حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما
...
/ اكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|