|
حديث الروح(20)
فلاح أمين الرهيمي
الحوار المتمدن-العدد: 2223 - 2008 / 3 / 17 - 08:11
المحور:
سيرة ذاتية
انقلاب شباط الأسود
في أوائل سنة 1962 أصيب المرحوم والدي بمرض السرطان فذهب مع خالي للعلاج في انكلترا فاضطررت للحلول محله في إدارة عمله في علوة المخضرات لانشغال أخي الأكبر في عمله المستقل في المقاولات،فطلب مني المرحوم أخي إدارة العمل في المحل والإشراف على العمال والقيام بجميع الأعمال التي يقوم بها أبي لحين عودته من العلاج،فكان عملي يأخذ جل وقتي صباحا ومساء ولا توجد أي فسحة من الوقت لانجاز إعمالي الحزبية فقدمت طلبا إلى الحزب شارحا فيه وضعي الخاص طالبا إعفائي من المهام والواجبات الحزبية والاتصال بي بصورة فردية مع دفع الاشتراكات والتبرعات لحين عودة والدي لعدم استطاعتي التوفيق بين عملي في المحل ومهامي الحزبية المتشعبة فوافق الحزب على طلبي وبعد قدوم والدي من انكلترا بعد إجراء العملية أصبح عاجزا طريح الفراش لا يستطيع القيام بأي عمل آخر مما اضطرني إلى الاستمرار بعملي في الحلة وإبقاء صلتي الفردية بالحزب،وكانت القوى الرجعية تستخدم مختلف الأساليب لمحاربتي في عملي وتحرض إفراد الشرطة المتواجدين في العلوة ضدي بتهم ملفقة وباطلة واعتقلت مرتين في مركز الشرطة بتهم كيدية لا نصيب لها من الصحة وحاولوا الاعتداء علي وتحريض الملاكين على عدم التعامل معي لأنني شيوعي أحرض الفلاحين عليهم واساهم في تطبيق قانون الإصلاح الزراعي مما اضطر أخي إلى ترك عمله في المقاولات والعمل في العلوة بعد أن طلب مني ترك العمل،وكان الموسم صيفا وقد أنهيت دراستي المتوسطة في ثانوية الحلة المسائية فتقدمت بطلب نقل إلى ثانوية الحلة الصباحية لاكمال دراستي هناك وداومت في الثانوية وظلت علاقتي فردية بالحزب ونجحت تلك السنة ولكن حياتي لم تخلو من المشاكل فكنا أنا والشهيد الراحل محسن البصبوص والأستاذ صلاح الربيعي في شجار مع البعثيين ورديفهم العناصر القومية العميلة وكان الشهيد محسن بطلا شجاعا جسورا يقتحم الصعاب ولا يعبا بالمعارك ورغم إن البعثيين والقوميين أكثر منا بسبب اعتقال آلاف الشيوعيين وإبعادهم واختفائهم لممارستهم العمل السري ولكن الشهيد البطل كان يضرب أي واحد منهم ضربة واحدة يطرحه أرضا ونجحت للخامس الإعدادي،وبالرغم من تلك الظروف القاهرة وممارسات السلطة بالتضييق على الشيوعيين واتحادهم المناضل إلا إننا مارسنا نشاطنا واحتفلنا في قاعة المدرسة بمناسبة ذكرى تأسيس اتحاد الطلبة العام وقد ألقى كلمة في الاحتفال الشيوعي الجسور سامي عبد الرزاق الملا إبراهيم وكانت احتفالية رائعة أغاظت البعثيين وحلفائهم من الرجعيين والموتورين والعناصر الحاقدة. ومضت الأيام والأشهر وحدث انقلاب شباط الأسود،فاضطررت للاختباء وانقطعت عن المدرسة لمدة أسبوع ثم ذهبت للدوام تحت إلحاح العائلة يوم 14 شباط كنت في الصف الخامس إعدادي في ثانوية الحلة للبنين وفي الدرس الثاني جاء الغربان ذوي الوجوه الصفراء من جلاوزة الحرس القومي واقتادوني إلى مركز الشرطة ومن هناك إلى مقر الحرس القومي في بيت أنور الجوهر في الصوب الصغير وأدخلوني إلى غرفة وجدت فيها الراحل الدكتور طارق الحلي وشخص أخر لا اعرفه،وفي المساء فتحت باب الغرفة ونادي باسمي شخص يرتدي ملابس الحرس القومي ويحمل رشاشة بور سعيد الناصرية -التي قدنا المظاهرات من اجل صمودها بوجه الغزاة-، واقتادني إلى سرداب تحت الأرض فوجدت وهاب كريم(الأعور) وبجانبه شخص يحمل الصوندة فطلب مني وهاب الجلوس على كرسي، يفصل بينه وبين الكرسي الذي جلست عليه طاولة ،وكان الشخص الذي يحمل الصوندة يقف خلفي وبعد أن جلست تكلم وهاب وقال لي في صباح هذا اليوم جاءني الحاج ملا عبد واني احترمه وهو صاحب فضل علينا حيث دفن والدي مع عائلته في سردابهم الخاص وطلب مني إطلاق سراحك فإذا تعاونت معنا وتعترف بما أريد فسأطلق سراحك فورا) فقلت له إنني تارك الحزب كما تعلم منذ سنوات عديدة وليس لي إي علاقة أو ارتباط به لذلك يتعذر علي الإدلاء بمعلومات لا اعرفها، فقال اسمع جيدا إنا أعرفك منذ سنوات واعرف جيدا انك شيوعي قديم منذ سنة 1956 وإنا كنت في الثالث المتوسط بعثي وأنت في الأول المتوسط شيوعي وفصلنا معا ثم الم تذهب إلى مهرجان موسكو سنة 1957 أنت شيوعي وألان أريد منك أن تذكر لي أسماء التنظيم العسكري في الحلة وأطلق سراحك فقلت له كل الذي قلته صحيح ولكني تركت التنظيم والنشاط الشيوعي منذ وفاة والدي قبل سنوات. فتركني ونهض وأشار إلى الواقف بجانبه وما أن خرج حتى انهال علي ذلك الشخص باللكمات والركلات والضرب المبرح بالصوندة على راسي ووجهي وإذني فسقطت على الأرض فرأيت اثنان من الحرس القومي يركلاني بأحذيتهم على ظهري وبطني وأنحاء جسمي وبعد دقائق جاء وهاب وأشار بيده إلى احدهم فسحبني من يدي إلى الغرفة المجاورة التي كنت فيها وفي الطريق مسحت الدماء النازفة من وجهي ولم اعلم بالدماء الجارية من أذني حتى وصولي إلى الغرفة التي كنت معتقلا فيها حيث نبهني الدكتور طارق الحلي عنها فمسحتها وبعد أن جلست شاهدت الألم والامتعاض على وجهه ووجه الشخص الذي معه،وبعد ساعة انسدل الظلام فقال الراحل الحلي:حينما كنت في التعذيب جلب هذا الكيس وفيه طعام وبيجاما شخص اسمه عدنان ملا عبد ولم أتناول الطعام أو اشعر بالراحة لان الألم والدوار سبب لي دوخة وتشويش في الرؤيا وعدم السمع جيدا وبقيت بدون أكل أو شراب حتى ظهر اليوم التالي ولم استبدل ملابسي المدمات،وفي الصباح الباكر نودي علي فوجدت ثلاثة أشخاص كانوا في غرفة أخرى وقادونا نحو سيارة بيكب واقفة أمام الباب فصعدنا إليها وسارت بنا إلى سجن الحلة المركزي وأدخلنا إلى ردهة كبيرة فيها الكثير من المعتقلين من أبناء الحلة فرأيت البشر أكداسا والازدحام شديد جدا بحيث يتعذر الحصول على مكان للجلوس ناهيك عن النوم وكان الفصل شتاء والبرد قارص ذلك العام ولا يمكن الخروج خارج الردهة، وشاهدت بعض الأشخاص قد ضاق تنفسهم وخلعوا ملابسهم من شدة الازدحام وتجمع الهواء الفاسد وعدم وجود منافذ لخروج الهواء مما يجعل الإنسان يتصبب عرقا ويشعر بالغثيان وكانت الردهة لا تستوعب إلا خمسون شخصا وقد حشر فيها المئات وقد زج بالناس في السجون لمجرد الشبهة على قاعدة من ليس معي فهو ضدي،وقد رأيت الضرير والأعرج ومقطوع اليد والصبي الصغير والشيخ الكبير وكان أكثرية المعتقلين وقوف وتجري عملية النوم بالجلوس للراحة وبالمناوبة إما إذا أراد الإنسان قضاء حاجته فعليه أن يقف في طابور طويل مستمر لمدة أربعة وعشرون ساعة وبالرغم من هذا الوضع المزري والمأساوي نجد الشباب الشجعان أصحاب المبادئ والروح التي تتجسد فيها كل معاني الإنسانية والتضحية والفداء ونكران الذات ساهرين ليل نهار من اجل توفير الراحة والاطمئنان لهذه الجموع التي زجت في السجون والمعتقلات وقد تذكرت قول الزعيم الفيتنامي الراحل هوشي منه(إن المآسي الإنسانية وما يعانيه الإنسان من إلام وإحداث تزيد من إنسانيتنا وعملنا وطموحنا وأملنا في خلاص الإنسان من الماسي والآلام ومن اجل بناء السعادة والرفاهة والازدهار والاطمئنان للبشرية جمعاء) فشاهدت ذلك الإنسان الطيب والشيوعي النبيل الأصيل عبد الأئمة عبد الهادي(أبو نصار) ولطيف بربن وآخرين يبذلون الجهد المستحيل لخدمة الآخرين وخلق الراحة والاستقرار النفسي ورسم الابتسامة على الوجوه المعذبة والشفاه اليابسة،وكانوا يقدمون المساعدة للمحتاجين من المعتقلين وإعانتهم على تجاوز المحنة. وقد حاولنا نحن لفيف من الطلبة الذين أودعنا السجن أداء الامتحان النهائي،فقدمنا طلبا إلى إدارة السجن للسماح لنا بأداء الامتحان،وقبل أيام من أجراء الامتحانات حصلت الموافقة على إشراكنا في الامتحان،ولكن ظروف السجن وعدم إكمالنا للمادة الدراسية بسبب الاعتقال وعدم توفر الكتب المنهجية كانت النتيجة رسوب غالبية الطلبة وبذلك ضاعت علينا تلك السنة.
#فلاح_أمين_الرهيمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وحدة القوى الوطنية والمرحلة الراهنة
-
حديث الروح(19)
-
حديث الروح(7)
-
حديث الروح(8)
-
حديث الروح(9)
-
حديث الروح(10)
-
حديث الروح(11)
-
حديث الروح(12)
-
حديث الروح (13)
-
حديث الروح(14)
-
حديث الروح(15)
-
حديث الروح(16)
-
حدسث الروح(17)
-
حديث الروح(18)
-
حديث الروح(6)
-
حديث الروح(1)
-
حديث الروح(2)
-
حديث الروح(3)
-
حديث الروح(4)
-
حديث الروح(5)
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|