أعتقد جازماً ان القرار الليبي بالتخلي عن البرنامج النووي مهما كانت مراحله يتسم بالعقلانية والحكمة الصائبة سيما أن ليبيا قد أدركت بشكل جدى وملموس نتائج أمتلاك هذه الاسلحة أو السعى لامتلاكها دون مبررات موجبة.
ان الدول التى تسعى لامتلاك هذه الاسلحة انما تسعى لاستنزاف مواردها المالية في مشاريع خاسرة مسبقاَ حيث لا تتمكن في احيان كثيرة من الوصول الى كافة تلك الحلقات المطلوبة في تطوير تلك البرامج مما يضطرها لصرف مبالغ هائلة للحصول على الحلقات الجزئية ويستغرق مثل هذا السعي الى مدة زمنية اطول والى عمليات سرية تتعرض الى مشاكل دولية في احيان كثيرة.
الكثير من العرب نظروا للقيادة الليبية بعين عدم الرضى نتيجة تخبطها في مسألة علاقاتها الدولية ومساهمتها بشكل أو اخر في بعض العمليات التى تدرج في لائحة الارهاب او التمويل لطرف على حساب طرف أخر مما يشكل تدخلات لا مبرر لها، لكن اتجاه ليبيا الاخير لحسم قضية لوكربي يبدو عقلانيا مهما كان الثمن الذى اضطرت ليبيا والشعب الليبى تحديداً دفعه بسبب سياسة القيادة الليبية ، فهو أفضل بكثير من استمرار العقوبات والعزل الاقتصادى ودفع ليبيا الى مزيد من التخلف اكثر مما هي فيه.
أما فيما يتعلق بالملف النووي فاعتقد ان ليبيا ادركت جدياً عدم الحاجة الى المضى بمثل هذا البرنامج المكلف مالياً سيما بعد ما ترتب عليها من التزامات مالية في قضية التعويضات اولا وادراكها ان المجتمع الدولي برمته اصبح متأثراً بمسالة الربط بين موضوع الارهاب وامنه بشكل وبين ماتثيره امتلاك هذه الاسلحة من مخاوف بشكل عام.
كما ادركت ليبيا حتماً ماحصل للعراق تحت ذريعة التفتيش عن الاسلحة النووية المحظورة ولاشك انها كذلك تتفهم معنى ان تنفرد الولايات المتحدة بمهمة الشرطي الدولي في محاولة السيطرة عل الدول التى تمتلك مثل هذه البرامج ، ولاشك ان الدول الكبرى تساند الاتجاه الاميركي في عملية التخلص من هذه البرامج بالطرق السلمية. ولهذا فان الاتجاه العام السائد هو الضغط على ايران وعلى كوريا الشمالية لتفكيك مثل هذه المشاريع النووية .
عموما: فأن بلدا صغيراً مثل ليبيا بموقعه وسكانه ليس بحاجة ماسة لامتلاك هذه البرامج الا مايقضى لاستخدامات سلمية تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة ، ,اذا كانت ليبيا قد هندست مشاريعها النووية كجزء من سياسة مفهوم الامن القومي العربي ، فان هذا المفهموم اصبح جثة محنطة بعد انهياره عقب قيام صدام حسين باحتلال الكويت وتدخل القوات الاجنبية في أمن المنطقة .
كما انها الفرصة المناسبة والوقت المناسب لكى تتجه ليبيا الى اعادة بناء وضعها الاقتصادى والاهتمام الجدى في تطوير البلد ورفاهية السكان فيه ومحاولة الاستفادة من مواردها النفطية لبناء الغد الافضل لمواطنيها.