أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حسقيل قوجمان - سياسة الاحلاف والجبهات بين الماركسية والانتهازية















المزيد.....



سياسة الاحلاف والجبهات بين الماركسية والانتهازية


حسقيل قوجمان

الحوار المتمدن-العدد: 689 - 2003 / 12 / 21 - 09:32
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


منذ ان انهارت جبهة الحزب الشيوعي المعروفة مع حزب البعث و"اضطر" الحزب الى التحول الى المعارضة (على حد تعبير قادته) رفع شعار الجبهة العريضة واحتل المكان الاول في جميع الصحف والمجلات "الشيوعية" والديمقراطية المعارضة الصادرة خارج العراق. وليس لدينا اية معلومات عن صحافة صادرة وموزعة داخل العراق. لذا نرى من الضروري جدا مناقشة سياسة عقد الجبهات من وجهة النظر الماركسية ومقارنتها بالسياسة الانتهازية في عقد الجبهات.
السياسة الماركسة في عقد الجبهات
نتناول هذا البحث من الجوانب التالية:
1    هل الحبهة هدف بحد ذاته ام تكتيك نضالي خاضع للهدف الاستراتيجي؟
2   الاحلاف والجبهات يجب ان تقوم على اساس التحليل الطبقي لمرحلتي الثورة، مرحلة الحد الادنى اي الثورة البرجوازية الديمقراطية ومرحلة الحد الاقصى اي الثورة الاشتراكية.
3    الاحلاف والجبهات باعتبارها احلاف وجبهات نضالية تستند الى النضال اليومي الفعلي للجماهير وهي وسائل لرفع هذا النضال الى مستويات اعلى.
4    مراجعة تجارب الحزب الشيوعي في عهد الرفيق فهد في هذا المضمار على قلتها.
5   التحالفات في المرحلة الثانية من الثورة، مرحلة الثورة الاشتراكية.
6  استعراض المثال الرائع للجبهة الشعبية التي تكونت في البانيا اثناء حرب التحرر من الاحتلال الفاشي الايطالي ثم من الاحتلال الالماني
 
الجبهة تكتيك نضالي خاضع للاستراتيجي
ان الحزب الماركسي اللينيني يبقى حزبا ماركسيا حقيقيا طالما بقي متمسكا بهدفه الاستراتيجي. وما ان ينسى اي حزب هدفه الاستراتيجي البعيد ولو لحظة واحدة الا وينتفي كونه حزبا ماركسيا حقيقيا في تلك اللحظة مهما كان اسمه ومهما رفع من شعارات براقة تبدو شعارات ثورية في ظاهرها ولكنها ليست في الواقع سوى تغطية مزخرفة لارتداد الحزب ولتحوله عن طريق الماركسية وانحداره الى مستنقع الانتهازية.
ان الهدف الاستراتيجي البعيد لكل حزب شيوعي هو الثورة الاشتراكية، واقامة دكتاتورية البروليتاريا التي تقوم بتدمير الكيان الراسمالي للمجتمع وببناء مجتمع اشتراكي على انقاضه.
هذا الشعار قد يكون شعارا استراتيجيا مباشرا كما هو الحال في بلدان اوروبا الراسمالية مثل انجلترا وفرنسا والمانيا وايطاليا وغيرها اذ سبق ان تمت فيها الثورات البرجوازية او قد لا يكون شعارا استراتيجيا مباشرا كما هو الحال في البلدان شبه المستعمرة حيث توجد مرحلتان للثورة، مرحلة الثورة البرجوازية ومرحلة الثورة الاشتراكية. ويتحدد ما اذا كان بلد ما يمر في المرحلة الاولى ام في المرحلة الثانية بالطبقة التي تقوم بحكم البلاد في تلك اللحظة المعينة. فحيثما تكون الطبقة الحاكمة مؤلفة من الاقطاعيين وكبار الراسماليين المتحالفين في مصالحهم مع الاستعمار كانت الثورة تمر في مرحلة الحد الادنى التي تهدف الى اسقاط نظام الحكم شبه الاقطاعي شبه الاستعماري وتحقيق الثورة البرجوازية. وحيثما اصبحت البرجوازية هي الطبقة الحاكمة، سواء أكانت متحالفة مع الاستعمار وبقايا الاقطاع ام لم تكن، تكون الثورة في مرحلتها الثانية، مرحلة الثورة الاشتراكية.
ولا فرق بالنسبة للحزب الماركسي اللينيني ان تكون الثورة في مرحلتها الاولى ام الثانية من حيث التمسك بالشعار الاستراتيجي الاقصى. فان وجود الثورة في مرحلتها الاولى لا يمكن ان يشكل سببا لنسيان الهدف الاساسي وان سياسة الحزب الماركسي في تحقيق هدفه الاستراتيجي الادنى ، اي تحقيق الثورة البرجوازية هي الاخرى تكون خاضعة لسياسته في تحقيق هدفه الاقصى. لذا تؤكد الاحزاب اللينينية في كل لحظة من لحظات نضالها على شعارها الاستراتيجي البعيد رغم وجود الثورة في مرحلة الحد الادنى وكان وضع الشعار الاستراتيجي البعيد في منهاج كل حزب شرطا اساسيا من شروط قبوله في الاممية الثالثة.
ان الحزب الماركسي الحقيقي ينظر الى سياسة عقد الاحلاف والجبهات بمنظار هدفه الاستراتيجي. انه يتخذ هذه الاحلاف والجبهات كوسائل اضافية من وسائل النضال تساند الحركة في بلوغ اهدافها شأنها في ذلك شأن المظاهرات والاضرابات وتقديم الاحتجاجات وتعبئة العمال والفلاحين في النضال الاقتصادي وغيرها من مسائل النضال العديدة التي تربط النضال السري بالنضال العلني وتتقدم بالحركة حتى حمل السلاح واعلان الثورة.
يجوز للحزب الماركسي ان يعقد حلفا او جبهة اذا كان يرى ان هذا الحلف او هذه الجبهة تقرب الحركة الثورية خطوة في طريق تحقيق هدفه الاستراتيجي القريب ومن ثم هدفه الاستراتيجي البعيد. ولا يجوز للحزب الماركسي ان يعقد حلفا او جبهة اذا كان من شأن هذا الحلف او هذه الجبهة ابعاد الحركة الثورية عن تحقيق هدفه الاستراتيجي القريب ومن ثم هدفه الاستراتيجي البعيد.
ان عقد اية جبهة او اي حلف، فيما عدا الحلف الاساسي بين الطبقة العاملة والفلاحين، لا يكون على هذا الاساس هدفا بحد ذاته بنبغي تحقيقه باي ثمن كان، ولا يشكل خطوة اساسية لا يمكن تحقيق الثورة بدونها. بل ان عقد الجبهة او الحلف هو وسيلة من وسائل النضال من اجل تحقيق الهدف الاستراتيجي يجب ان تنسجم مع وسائل النضال الاخرى وتساندها.
ان الثورة اذن تكتيك وليست استراتيجيا.
الاحلاف والتحليل الطبقي لاصطفاف قوى الثورة
تتحدد المرحلة التي تمر بها كل ثورة استنادا الى التحليل الطبقي للمجتمع في تلك الفترة. والتحليل الطبقي يحدد قبل كل شيء الطبقة او الطبقات الحاكمة في تلك الفترة من حياة البلاد. وهذه الطبقة او الطبقات الحاكمة هي العدو الاساسي الذي يجب الاطاحة به في الثورة ولذلك فانها لا تدخل ضمن تعريف الشعب في تلك المرحلة. وتؤلف طبقات ومراتب الشعب التي تستغلها هذه الطبقات الحاكمة قوى الثورة في تلك المرحلة. ويختلف دور كل طبقة او كل مرتبة من الطبقات او المراتب الشعبية في الثورة كما تختلف مواقفها من الثورة حسب موقعها من الانتاج الاجتماعي وليس حسب عددها.
كانت الطبقة الحاكمة حسب التحليل الطبقي الذي اجراه الرفيق فهد لدى اعادة بناء الحزب تتألف من الاقطاعيين وكبار الراسماليين المرتبطين بالاستعمار ارتباطا تاما. ولذلك سمي نظام الحكم في العراق تظاما شبه اقطاعي شبه استعماري.
وكان الشعب يتألف من الطبقة العاملة، وهي اوعى طبقة من الناحية السياسية واكثر الطبقات تجمعا واكثرها قدرة على قيادة النضال من اجل الاطاحة بالنظام القائم واكثرها مصلحة في تسيير الثورة البرجوازية حتى النهاية لان نجاح الثورة نجاحا كاملا من شأنه ان يقرب البروليتاريا نحو هدفها الاستراتيجي للمرحلة الثانية. والطبقة العاملة لها نظريتها المجربة التي تمثل مصالحها، النظرية الماركسية، وهي الطبقة الوحيدة  القادرة على تحرير المجتمع بكامله لانها لا تستطيع ان تحرر نفسها من الاستغلال بدون ان تحرر سائر الطبقات والمراتب الكادحة الاخرى من الاستغلال في الوقت ذاته.
ونشأ الحزب الشيوعي في العراق بقيادة الرفيق فهد كحزب الطبقة العاملة يضم اوعى عناصرها واكثرها استعدادا للتضحية في النضال من اجل تحقيق اهدافها في الثورة. ان الحزب هو مفرزة الطليعة للطبقة العاملة يعود اليها نشوؤه ومن اجل قيادتها في النضال يبنى كيانه. وليس يغير من كل ذلك وجود عناصر من طبقات ومراتب اخرى في صفوفه. فهذه العناصر تدخل الحزب بعد اقتناعها بنظريته القائدة وتخليها عن مصالحها الطبقية الذاتبه وتبنيها مصالح الطبقة العاملة. ان ما يحدد طبيعة الحزب الشيوعي كطليعة البروليتاريا هو تمسكه التام بالنظرية الماركسية اللينينية، نظرية الطبقة العاملة. وفي تطبيقها على ظروف البلاد من اجل قيادة الطبقة العاملة وحلفائها في الثورة تطبيقا صحيحا.
واهم فئة بشرية بعد الطبقة العاملة في المجتمع العراقي لتلك الفترة كان الفلاحون. والفلاحون في تلك المرحلة لم يعودوا يشكلون طبقة واحدة من حيث ارتباطهم بالانتاج بل انقسموا الى ثلاث مراتب. مرتبة فقراء الفلاحين هي مرتبة شبيهة بالبروليتاريا من حيث حرمانها من وسائل الانتاج وعملها لقاء اجور نقدية او عينية مما ادى الى تسميتها البروليتاريا الريفية. وهذه المرتبة هي بطبيعتها حليفة ثابتة للبروليتاريا سواء في هذه المرحلة او في المرحلة الثانية من الثورة.
والمرتبة العليا من الفلاحين هي مرتبة اغنياء الفلاحين او برجوازية الريف. كانت هذه المرتبة تسمى "كولاك" باللغة الروسية، وبما ان اول من وضع سياسة ماركسية صحيحة تجاه الفلاحين ومن جملتهم الكولاك الحزب البلشفي بقيادة لينين وستالين شاع اسم الكولاك للتعبير عن مرتبة اغنياء الفلاحين في جميع انحاء العالم. هذه المرتبة من الفلاحين هي جزء من البرجوازية الوطنية في البلاد وتتحدد سياسة الحزب الشيوعي تجاهها بنفس الطريقة التي يتحدد فيها موقفه من البرجوازية الوطنية في المدينة. الا ان برجوازية الريف تكون لها بحكم علاقاتها العائلية والعشائرية تأثيرات اجتماعية على الفلاحين اشد من تأثيرات البرجوازية في المدينة على العمال لذلك فان تحرير الفلاحين من نفوذ البرجوازية الريفية اشد صعوبة ويتطلب نضالا دائما متواصلا لا هوادة فيه.
كانت اغلبية الفلاحين عدديا في تلك الفترة المرتبة المتوسطة من الفلاحين، اي مرتبة متوسطي الفلاحين. هذه المرتبة تملك ولو من الناحية الشكلية بعض ادوات الانتاج كقطعة ارض مملوكة او مستأجرة وبعض الحيوانات ولكن العائلة المتوسطة تكدح كلها طوال السنة فلا يبقى لديها من الانتاج عند القسمة الا ما لا يكاد يسد الرمق. هذه المرتبة هي من مراتب البتي برجوازية وهي شأنها شأن المراتب البتي برجوازية في المدينة متذبذبة بين البرجوازية وفقراء الريف. انها مستعدة للنضال في سبيل الغاء الاسلوب الاقطاعي للملكية الزراعية لغرض الحصول على الارض لكنها ليست معادية للملكية الخاصة بكافة اشكالها.
حين تشكلت الحكومة العراقية بعد ثورة العشرين وفقا لارادة المستعمرين الانجليز اختار الاخيرون بعض الاقطاعيين والراسماليين الكبار ليكونوا وكلاءهم في تنفيذ سياسة الحكم الاستعماري واستغلال الشعب العراقي وثرواته وابقاء العراق عمليا تحت الحكم الاستعماري البريطاني وابقاء القواعد العسكرية البريطانية رسميا في العراق. هؤلاء كونوا الطبقة الحاكمة في العراق وكان على كل  من يريد استقلال العراق وسيادته ان يطيح بهذه الطبقة الحاكمة.
ولكن هذه الطبقة لم تضم سوى عدد قليل من الراسماليين الكبار الذين ارتبطت مصالحهم ارتباطا وثيقا بالمصالح الاستعمارية. بقيت هناك مراتب برجوازية كان هذا النظام يعيق تقدمها لان تقدمها يشكل خطرا على مصالح الشركات الاجنبية التي كانت تصدر الى العراق كل شيء من الخيط والابرة الى عربات ومحركات السكك الحديدية. هذه المراتب من البرجوازية تسمى البرجوازية الوطنية لان من مصالحها زوال السيظرة الاقتصادية الاستعمارية ولو جزئيا لكي يفسح لها المجال واسعا للتطور وانشاء المعامل والمصانع وزيادة ارباحها والحلول محل الاستعمار والاقطاع في استغلال الطبقات الكادحة. فهي تدعو الى الاستقلال من أجل تحقيق مصالحها الاقتصادية ولذلك فهي برجوازية وطنية.
على اساس هذا التحليل الطبقي للمجتمع يجري تحديد سياسة الحزب الشيوعي في التحالفات التي تخدم الثورة وتقربها من انتصارها وتضمن هذا الانتصار والتحول من المرحلة الاولى الى المرحلة الثانية.
والطبقة الوحيدة القادرة على قيادة الثورة بمرحلتيها حتى النهاية هي الطبقة العاملة. الا ان الطبقة العاملة في المرحلة الاولى من الثورة، وهي المرحلة التي كان يجتازها العراق لدى اعادة انشاء الحزب الشيوعي، كانت تشكل عددا قليلا نسبيا اذا ما قورن بعدد الفلاحين والعناصر البتي برجوازية الاخرى. الا ان الرفيق فهد شخص المفاهيم التي كانت تروج انذاك من ان الطبقة العاملة يكاد لا يكون لها وجود او هي اقلية ضئيلة لم تنضج بعد لتحمل اعباء القيادة في كراسه القيم "البطالة". الا ان مهمة القيادة لم تقع على عاتق البروليتاريا استنادا الى عددها بل استنادا الى موقعها التأريخي في تطور المجتمع. ونتيجة لهذا الموقع التأريخي للبروليتاريا نشأت نظريتها كضرورة تأريخية واصبح التمسك بهذه النظرية واتقان تطبيقها المقياس الذي يميز حزب البروليتاريا عن سائر الاحزاب الاخرى سواء في مرحلتي الثورة ام في مرحلة بناء المجتمع الاشتراكي والتقدم نحو المجتمع الشيوعي اي مرحلة دكتاتورية البروليتاريا.
ولكي تصبح الطبقة العاملة قائدة للثورة يجب ان يكون لها جيشها الذي تقوده وهذا الجيش هو الفلاحون الذين يشكلون في المرحلة الاولى اغلبية المجتمع الساحقة. ولذلك يشكل حلف البروليتاريا والفلاحين بقيادة البروليتاريا القوة الدافعة للثورة الذي بدونه لا يمكن تحقيق الثورة تحقيقا كاملا وبدونه لا تصبح البرولياريا قائدة للثورة اذ ان القائد لا يصبح قائدا الا اذا كان له جيش يقوده.
وهكذا فان الهدف الاساسي في سياسة الاحلاف التي يتبناها وينفذها الحزب الشيوعي في المرحلة الاولى من الثورة هي حلف العمال والفلاحين بقيادة الطبقة العاملة المتمثلة بقيادة الحزب الشيوعي مفرزتها الطليعية.
في فترة اعادة بناء الحزب في عهد الرفيق فهد لم تكن ثمة احزاب سياسية علنية او شرعية وكان الحزب الشيوعي حزبا سريا يمارس نشاطه بين الجماهير ويخفي اعضاءه وقيادته عن السلطات. كان الحزب انذاك الحزب السياسي الوحيد ولكن ظروف المجتمع لا تبقى ثابتة بل تتغير وتأتي ظروف تتألف فيها احزاب اخرى وسياسة الحزب الشيوعي يجب ان تحدد موقفها من هذه الاحزاب لدى وجودها وفقا لطبيعتها الطبقية والجماهير التي تمارس عليها نفوذها. فاذا نشأت احزاب تمثل الفلاحين او احزاب بتي برجوازية عموما، فلا يرى الحزب الشيوعي اي مانع يعيق تعاونه مع هذه الاحزاب ضمن نظاق الحركة. ولكن الموقف من مثل هذه الاحزاب موقف مزدوج. فمن ناحية يجب ان يكون الحزب يقظا كل اليقظة تجاه مثل هذه الاحزاب التي تنافس الحزب على نفوذه بين الجماهير وان يكشف للطبقة العاملة وللفلاحين الطبيعة الانتهازية لهذه الاحزاب وخطر انتشار نفوذها بين الجماهير ومن الناحية الاخرى يدعو هذه الاحزاب الى التعاون مع الحزب الشيوعي حول تحقيق اهداف وشعارات انية. ان سكوت الحزب الشيوعي ولو لحظة واحدة عن فضح انتهازية هذه الاحزاب البتي برجوازية بحجة عدم استفزازها وعدم ابعادها عن التعاون يفقد الحزب طابعه الماركسي ويجعله ذيلا للبرجوازية بصرف النظر عن تبجحاته الثورية ولذلك يجب ان يبنى الحزب الماركسي اتفاقات تعاونه مع مثل هذه الاحزاب على اساس النضال الدائم والتعاون المحدود.
وموقف الحزب الماركسي حساس بدرجة رئيسية في تعامله وتعاونه مع البرجوازية واحزابها. فالبرجوازية لها مصلحة في الثورة البرجوازية لانها تفتح امامها مجالات التطور الاقتصادي البرجوازي وزيادة ارباحها ولكن البرجوازية من الناحية الثانية تخشى البروليتاريا لانها ترى فيها خطرا على مصالحها وحفارا لقبرها. ولذلك فان اساليب البرجوازية في تحقيق الثورة تتحدد نتيجة لمصلحتها المزدوجة هذه. فهي تريد من ناحية ابعاد جماهير البروليتاريا والفلاحين عن قائدهم الثوري، الحزب الشيوعي، وان تحقق الثورة بالطرق الاصلاحية والمساومة لكي لا تضطر الى تسليح الشعب خوفا من ان يقوم بتحويل السلاح ضدها للقضاء عليها.
على الحزب الماركسي ان يفهم هذه الظاهرة فهما عميقا والا ينساها لحظة واحدة. فلكي تنجح الثورة وتتحقق قيادة الطبقة العاملة فيها يجب عزل البرجوازية عن الجماهير. فكلما ازداد انعزال البرجوازية ازداد الامل بنجاح الثورة الحاسم تحت قيادة البروليتاريا. ومن الناحية الثانية يدعو الحزب هذه الاحزاب الى التحالف معه من اجل تحقيق اهداف وشعارات معينة. ولكن البرجوازية لا ترغب بالتعاون مع الحزب الشيوعي وتظهر اشمئزازها الواضح من ذلك مختلقة الحجج لتبرير ذلك. ولكنها تضطر في حالات معينة الى التعاون مع الحزب الشيوعي بصورة مباشرة او غير مباشرة. فحين تحتاج البرجوازية الى مساندة ومشاركة الجماهير لتحقيق هدف سياسي معين، وحين تكون الجماهير سائرة بصورة مطلقة تحت قيادة الحزب الشيوعي فانها تبدي استعدادها للتعاون لتحقيق هدفها لانها لا تستطيع دعوة الجماهير الى النضال الا عن طريق الحزب الشيوعي. وما ان تنتهي من تحقيق هدفها الا وتعود الى امتناعها عن التعاون واتهام الحزب بشتى الاتهامات لغرض ابعاد الجماهير عنه. من ذلك نرى ان احتمال التعاون مع الاحزاب البرجوازية يزداد بازدياد انعزالها عن الجماهير. وهكذا كلما ازداد نفوذ الحزب الشيوعي على الجماهير وكلما ازداد حلف العمال والفلاحين صلابة ازداد ايضا احتمال خضوع البرجوازية والتعاون مع الحزب في حالات معينة.
ولكن البرجوازية من ناحية اخرى تبدي استعدادها للتعاون مع الحزب ولكن حسب شروطها هي. وشروطها تتلخص بتحويل الحزب الشيوعي من حزب ماركسي لينيني ثوري الى حزب انتهازي اصلاحي لا خطر فيه على البرجوازية. وفي مثل هذه الحالة لا يصبح التحالف بين الحزب "الشيوعي" المنحرف والبرجوازية حلفا بين معسكري الثورة، حلفا بين الطبقة العاملة والفلاحين من جهة والبرجوازية من الجهة الثانية، بل يصبح حلفا بين البرجوازية وبين حزب انتهازي يخدم البرجوازية في صفوف الطبقة العاملة فيصبح الحلف في واقع الحال اداة لابعاد الطبقة العاملة عن الثورة وتحقيق الانتقال بالاسلوب البرجوازي ولمصلحة البرجوازية. ومثل هذا الحلف، مهما اطلقت عليه من اسماء براقة ومهما اضفيت عليه من الصفات الثورية ليس في الواقع سوى حلف معاد للبروليتاريا والفلاحين والجماهير الشعبية.
كان الحزب الشيوعي بقيادة الرفيق فهد واعيا لهذه الظاهرة اشد الوعي وكان وعيه هذا منارا له في سياسة التعاون وعقد الجبهات سواء مع الاحزاب البتي برجوازية ام مع الاحزاب البرجوازية.
الجبهات يجب ان تعقد على اساس حلف راسخ بين الطبقة العاملة والفلاحين
ان الاساس الراسخ لعقد تحالفات او جبهات مع القوى الوطنية سواء منها الاحزاب البتي برجوازية ام البرجوازية الوطنية في مرحلة الثورة الاولى يجب ان يكون حلف العمال والفلاحين بقيادة الطبقة العاملة. فهذا الحلف هو القوة الدافعة الاساسية في الثورة وبدونه لا يمكن ان تتحقق حركة ثورية حقيقية في اية لحظة من لحظات المرحلة. وحلف العمال والفلاحين، سواء في النضالات اليومية ام في الاعداد للثورة وحمل السلاح وفي الثورة ذاتها امر ضروري لا مفر منه. وكلما ازداد هذا الحلف صلابة، وابتعد نفوذ الاحزاب البرجوازية والبتي برجوازية عن جماهير العمال والفلاحين، ازداد ايضا خضوع هذه الاحزاب لقيادة الحزب الشيوعي وازدادت موافقتها على عقد احلاف وجبهات مؤقتة لتحقيق اهداف معينة. لذا فان تنازل الحزب الشيوعي المبدئي تجاه البرجوازية ليس من شأنه ان يقرب احتمال موافقة البرجوازية والبتي برجوازية على التقارب بل ان يبعده.
لذا يجب ان لا يرفع الحزب الشيوعي شعار الجبهة مع البرجوازية كشعار اساسي ينبغي تقديم تنازلات مبدئية من اجل تحقيقه.
نذكر على سبيل المثال المطالب التي اقترحها حكيم البرجوازية العراقية في مرحلة الثورة الاولى، كامل الجادرجي، امام ممثل الحزب، عامر عبدالله، سنة ١٩٥٥ استنادا الى كتاب الدكتورة سعاد خيري حول ١٤ تموز. طالب كامل الجادرجي بامرين اساسيين كشرط لعقد الجبهة هما ترك التحدث عن المراحل وترك التحدث عن القيادة. وقد ادى تنازل الحزب عن هذين الامرين في المنهاج الذي اتخذه في الكونفرنس الثاني الى ان يصبح الحزب في الجبهة الوطنية التي عقدت في ١٩٥٧ ذيلا للبرجوازية وخادما لها في صفوف الطبقة العاملة.
٤،ــ تجربتان للجبهة في عهد الرفيق فهد
اتفقت جميع الاحزاب والمنظمات الوطنية المجازة وغير المجازة سنة ١٩٤٥على ضرورة القيام باضراب عام على نطاق القطر ليوم واحد للمطالبة بالحريات واجازة الاحزاب ومطاليب وطنية اخرى. وقد اضطرت هذه الاحزاب الى التعاون بصورة غير مباشرة مع الحزب الشيوعي رغم اعتبارها اياه حزبا غير شرعي ورغم اشمئزازها من مجرد فكرة التعاون مع الحزب الشيوعي وتنصلها من ذلك. وجرى التعاون غير المباشر عن طريق عصبة مكافحة الصهيونية والهيئة المؤسسة لحزب التحرر الوطني وعن طريق النقابات التي كان يقودها الحزب الشيوعي. وقد وافقت هذه الاحزاب البرجوازية والبتي برجوازية على التعاون مع الحزب الشيوعي لعلمها ان اية دعوة للاضراب لا يكتب لها النجاح بدون اشتراك الحزب الشيوعي نظرا لنفوذه الواسع على الجماهير فعقدت جبهة بين الحزب الشيوعي وبين الاحزاب الوطنية الاخرى لغرض تحقيق الاضراب العام وحمل ممثلو الجبهة شارات خاصة تخولهم تنظيم الاضراب وتوجيهه.
وكان من رأي الحزب الشيوعي القيام بمظاهرة تساند الاضراب العام وتعززه فعرض ذلك على الاحزاب فرفضت رفضا باتا. ولكن الحزب الشيوعي في الوقت الذي التزم كل الالتزام بانجاح الاضراب العام اخذ على عاتقه وحده تنظيم مظاهرة جماهيرية نظرا الى ان الاحزاب الاخرى رفضت الاشتراك بها.
وقامت المظاهرة مبتدئة من كلية الحقوق متجهة نحو كلية الهندسة ولكن الشرطة حاصرتها في كلية الهندسة فبقيت المظاهرة داخل الكلية وكانت هتافاتها تشق عنان سماء الاضراب الهادئة ولم تتفرق الا بعد انحسار الشرطة عن حصار الكلية.
وخرجت الصحف البرجوازية والبتي برجوازية والرجعية ايضا في اليوم التالي بالهجوم على الحزب الشيوعي واتهام المظاهرة بتدنيس قدسية الاضراب العام. فرد عليهم الرفيق فهد رده الساخر المشهور حين شبه فيه الاضراب العام بمعركة حربية وسأل البتي برجوازيين الذين ابتدعوا عبارة تدنيس قدسية الاضراب ان كان قصف المدفعية والطائرات يدنس قدسية هجوم المشاة في المعركة. ومنذ ذلك الحين صارت الجماهير تطلق على هؤلاء عبارة "اصحاب قدسية الاضراب".
في منتصف ١٩٤٦ رأى الحزب ان من المناسب تنظيم مظاهرة جماهيرية في بغداد للمطالبة بالحريات الديمقراطية واجازة الاحزاب غير المجازة كحزب التحرر الوطني واعادة اجازة عصبة مكافحة الصهيونية ومطاليب اخرى تخص القضية الفلسطينية انذاك وغير ذلك من المطاليب الشعبية الانية.
ودعا الحزب الشيوعي كافة الاحزاب والمنظمات الوطنية الى عقد جبهة على غرار جبهة الاضراب العام للقيام بالمظاهرة. ولكن الاحزاب كلها رفضت طلب الحزب الشيوعي واختلقت الحجج لتبرير رفضها فادعت ان الشعب العراقي لم يبلغ بعد من النضوج ما يخوله القيام بمظاهرة. وزعمت ان اية مظاهرة في شارع الرشيد لابد ان تتحول الى فرهود ونهب الاسواق وغير ذلك من الحجج والمزاعم.
كان على الحزب انذاك ان يقرر احد امرين، فاما ان يتنازل عن المظاهرة في انتظار موافقة الاحزاب البرجوازية والبتي برجوازية على الاشتراك في الدعوة اليها ونحن نعلم ان الحزب كان سينتظر الى ابد الابدين بدون ان تحصل هذه الموافقة نظرا الى ان ثقة الاحزاب بالجماهير الشعبية تنخفض كلما ارتفع وعي الجماهير وازدادت تنظيما وتعاظم استعدادها للنضال، واما كان عليه ان يأخذ المظاهرة على عاتقه وحده.
ومن الطبيعي ان الحزب الشيوعي بقيادة الرفيق فهد الحكيمة اتخذ الموقف الثاني اي الموقف الماركسي الوحيد فاعد المظاهرة بسرية تامة وانطلقت كالقنبلة صباح ٢٨ حزيران ١٩٤٦ فكانت اول مظاهرة جماهيرية تشق شارع الرشيد تحت قيادة الحزب الشيوعي بعد الحرب العالمية الثانية وكان الرفيق فهد يتتبع المظاهرة خطوة فخطوة ويغير مقره مع سير المظاهرة لكي يقودها عن كثب ولكي يسهل عليه الاتصال بمنظمي المظاهرة وتوجيهها.
بلغ المشتركون بالمظاهرة في ذلك اليوم على اقل تقدير عشرة الاف متظاهر. وتجمعت جماهير المشجعين والمؤيدين بالالاف على جانبي الرصيف واشترك الجنود ببزاتهم الرسمية في حراسة المظاهرة وضرب يد كل من تسول له نفسه الاخلال بنظامها والقيام بعمل استفزازي. وتفرقت المظاهرة لدى اطلاق النار عليها من اسوار السفارة البريطانية في الكرخ واسفرت عن استشهاد الرفيق شاؤول طويق الذي سمي بحق شهيد الحزب الشيوعي الاول وجرح عدد كبير من المتظاهرين واعتقل عدد كبير اخر منهم وفتحت ابواب البيوت في الكرخ لايواء المتظاهرين وحمايتهم من الشرطة حيث بقوا حتى المساء.
وصدرت جميع الصحف الوطنية في اليوم التالي وعلى صفحاتها الاولى صورة الشهيد مؤطرة بالسواد ومقالات تهاجم الحكومة على اطلاق النار على مظاهرة سلمية وتطالب بمعاقبة المسؤولين واطلاق سراح المعتقلين. واصبح بيت شاؤول طويق خلال سبعة ايام الحداد مزارا امه السياسيون والادباء والشعراء ورجال الدين من ارجاء القطر والقيت فيه الخطابات الوطنية والاشعار الشعبية والوطنية فاصبح هذا البيت مدة اسبوع كامل اجتماعا وطنيا سياسيا متواصلا. ومع ذلك تجرأ زكي خيري فوصف مظاهرة ٢٨ حزيران في مقدمته لاحد كتب زوجته بانها "المظاهرات الحزبية الضيقة و‘الخاطئة‘ ووضع الخاطئة بين قويسين ربما للتشديد عليها.
يرينا هذان المثلان الموقف اللينيني الصحيح الذي ينبغي على الحزب اتخاذه في جميع الحالات في سياسة عقد الجبهات والاحلاف في مرحلة الثورة الاولى. ونرى منهما ان قوة الحزب تتقرر بالتفاف الجماهير حوله لا بوجود الجبهة وعدم وجودها وان تحقق الجبهة مشروط بالتفاف الجماهير واستعدادها لخوض النضالات الثورية مهما كانت درجتها وفي جميع الظروف.
سياسة التحالفات في المرحلة الثانية من الثورة
يتحدد الانتقال من المرحلة الاولى من الثورة الى المرحلة الثانية منها بالاطاحة بالسلطة الاقطاعية وانتقال السلطة الى طبقة اخرى. فاذا جرت الاطاحة بالسلطة جراء ثورة شعبية تقودها الطبقة العاملة ونجاح الثورة نجاحا حاسما فتأتي دكتاتورية عمال وفلاحين ثورية تقوم بتحقيق المرحلة الثانية من الثورة من اعلى وبدون حاجة الى ثورة عنفية ثانية. اما في حالة ما اذا حدثت الثورة بصورة اخرى كالانقلاب العسكري ام المساومة مع العائلة المالكة او غير ذلك او اذا جرت ثورة جماهيرية بقيادة الطبقة العاملة فلم تنجح نجاحا حاسما وجاءت البرجوازية الى السلطة باية صورة من الصور تصبح البرجوازية منذ ذلك اليوم العدو الاساسي الذي يجب الاطاحة به بثورة مسلحة تقودها الطبقة العاملة لاقامة دكتاتورية البروليتاريا وبناء المجتمع الاشتراكي واحباط كل محاولات البرجوازية لاستعادة سلطتها المفقودة.
وتقوم سياسة التحالفات في المرحلة الثانية، مرحلة الثورة الاشتراكية، على نفس الاسس الماركسية اللينينية. الا ان فرقا هاما يطرأ على التحليل الطبقي للمجتمع في هذه الفترة. فبينما كانت البرجوازية الوطنية عاملا ايجابيا ولو متقلبا وضعيفا في مرحلة الثورة البرجوازية تصبح هي الطبقة الحاكمة التي ينبغي الاطاحة بها والقضاء عليها في هذه المرحلة ولذلك ينتفي امكان عقد التحالفات مع البرجوازية نظرا الى انها هي العدو الاساسي للثورة. واذا حدث وجرت اتفاقات مؤقتة مع فئة من البرجوازية ضد فئة أشد خطورة منها على الحركة فيجب على الحزب ان يعلن ذلك صراحة للبروليتاريا ويفهمها ان هذا الحلف المؤقت يشكل اتفاقا مع عدو ضد عدو اشد منه خطرا على الثورة. لكن هذا التحالف مع البرجوازية غير وارد في الثورة البروليتارية التي تهدف الى الاطاحة بها كطبقة.
وكذلك يطرأ تغير على موقف الحزب من البتي برجوازية في الريف والمدينة. فالبتي برجوازية تتصف بالتذبذب بين البرجوازية والبروليتاريا ولا تؤمن بالغاء الملكية الخاصة كليا. والان وقد اصبحت البرجوازية عدو الثورة الاساسي فان تحولها الى جانب البرجوازية يشكل خطرا على الثورة وسياسة الحزب يجب ان تسعى الى تحييد البتي برجوازية على الاقل ان لم تستطع كسبها او كسب اغلبيتها الى جانب الثورة. ان الجبهة الاساسية التي تشكل القوة الاساسية الدافعة في الثورة هي حلف البروليتاريا وفقراء الريف الذين تتحد مصالحهم ومصالح الطبقة العاملة في الثورة بكافة مراحلها حتى بناء الاشتراكية.
وبينما كانت امام الثورة البرجوازية امكانيتان لانجاز المرحلة، انجازها بالطريقة البرجوازية الاصلاحية التي تطيل امد المرحلة الثانية وتجعل الثورة البروليتارية المسلحة الطريق الوحيد لاسقاط البرجوازية او انجازها بقيادة الطبقة العاملة واقامة دكتاتورية عمال وفلاحين ثورية تنجز المرحلة الثانية من الثورة من اعلى استنادا الى الجماهير بلا حاجة الى ثورة مسلحة عنفية. لا توجد في مرحلة الثورة الاشتراكية سوى امكانية واحدة هي الاطاحة بالبرجوازية واقامة دكتاتورية البروليتاريا.
تجربة الجبهة في البانيا في حرب التحرير المعادية للفاشية
حين احتل الفاشست الايطاليون البانيا سنة ١٩٣٦كانت الحركة الشيوعية مفككة تتألف من كتل منطوية على نفسها تناضل احداها ضد الاخرى. وقد شعر القادة الثوريون المخلصون والكثير من القواعد بان هذه التجزئة للحركة الشيوعية تضعف الحركة وتقوي المحتلين فبذلوا جهودا جبارة في سبيل توحيد الحركة تتوجت بتأسيس الحزب الشيوعي الالباني (حزب العمال الالباني حاليا) سنة ١٩٤١.
كان النضال ضد المحتلين الفاشست وتحرير الوطن الالباني منهم الواجب المقدس الذي جعل الحزب يواجه النضال المسلح منذ يوم تأسيسه وقد وجه الحزب منذ بيانه الاول نداء يدعو به الشعب الى حمل السلاح وتوجيه الجهود من اجل انقاذ ارض الوطن من رجس المحتلين الاجانب.
في سبيل تحقيق هذه المهمة المشرفة كان على الحزب، وهو في دور التكوين، ان يوحد الشعب كله وان يقوده في الحرب ضد المحتلين بكل مراحلها حتى النهاية. ولذلك دعا الى تكوين جبهة شعبية موحدة تضم كل الشرفاء الغيورين من ابناء الشعب لانجاز هذه المهمة الجبارة وقد حلل الحزب تحليلا ماركسيا التكوين الطبقي للشعب الالباني وحدد موقفه من كل طبقة او مرتبة منها. فحدد ان الطبقة العاملة على قلة عددها هي القوة القائدة لهذا النضال وان الفلاحين هم الجيش الواسع الذي يجب ان تقوده الطبقة العاملة. ولذلك كان حلف العمال والفلاحين القوة الاساسية في الجبهة.
وحلل الحزب مراتب المثقفين على اصنافهم وميز بين المراتب العليا من المثقفين كالصحفيين وكبار الموظفين والمهندسين والاطباء والاساتذة والضباط الذين انحاز اغلبهم الى الطبقات الحاكمة في شتى المراحل وانحازوا حتى الى جانب المحتلين الفاشست في الفترة موضوع البحث وبين المراتب الدنيا الكادحة شأنها شأن العمال والفلاحين كمدرسي المدارس الابتدائية وصغار الموظفين من ابناء العمال والفلاحين الذين كانوا على اتم استعداد لحمل السلاح ومقاتلة المحتلين حتى النهاية.
أدرك الحزب ان وحدة العمال والفلاحين والجنود من ابنائهم والمثقفين الثوريين هم القوة التي يجب الاعتماد عليها في تشكيل الجبهة الموحدة. ولكنه لم يهمل العناصر البرجوازية والمراتب العليا من المثقفين ولا الشخصيات ذوي السمعة الوطنية او الماضي الثوري الذين كانوا يعيشون في المنافي وعادوا الى البانيا بعد الاحتلال الفاشي. ورغم ان هذه الفئات انحازت باغلبيتها الساحقة الى المحتلين الفاشست وتعاونت معهم وتسنمت المناصب التي قدموها لها واخذت تبتدع مختلف الحجج لتبرير الاحتلال والزعم بفائدته في تطوير الاقتصاد الالباني المتأخر وغير ذلك من المفاهيم الرامية الى اضعاف النضال ضد المحتلين فقد بذل الحزب جهودا بالغة للاتصال شخصيا بالافراد المعروفين وذوي السمعة الوطنية الديمقراطية لمحاولة اقناعهم بضرورة انحيازهم الى جبهة النضال ضد العدو المحتل من اجل تحرير البانيا.
ودحض الحزب المفاهيم الانتهازية التي ظهرت انذاك مثل مفهوم ان الحزب يجب ان يرسخ جذوره ويقوي تنظيمه اولا ثم يتغلغل بين الجماهير ومفهوم كون الحزب يجب ان يضع هدفه الاول الاتحاد مع الشخصيات المعروفة من ذوي السمعة الوطنية والذين يمارسون نفوذا على الجماهير وان الجماهير ستأتي تلقائيا الى هذا الاتحاد. ومفهوم ضرورة تأجيل النضال المسلح نظرا لتأخر الشعب وعدم امكانية الاعتماد عليه في مثل هذه المهمة العظمى. ومفهوم ضرورة الانتظار الى ان تتالف احزاب برجوازية وبتي برجوازية لكي يستطيع الحزب التعاون معها من اجل عقد الجبهة. ومفهوم ان البروليتاريا بوضعها القائم ليست قادرة على قيادة الفلاحين وسائر ابناء الشعب في النضال.
كانت الجبهة بالنسبة للحزب جبهة نضال لا جبهة تدبيج مقالات وجدالات في المقاهي والندوات. وكان المقياس المطلوب ممن يبغي الانضمام الى الجبهة هو استعداده للنضال ضد المحتلين بشتى الوسائل بما فيها حمل السلاح.
تألف الحلف الاساسي في الجبهة من العمال والفلاحين والمراتب الدنيا من المثقفين الذين حملوا السلاح ولجأوا الى الجبال لتكوين فرق الانصار التي تطورت عبر النضال الى جيش التحرير. وقد اصبح هذا الجيش بعد التحرير الجيش الشعبي الذي يقوم الان بصيانة النظام الاشتراكي ويدافع عن الوطن الاشتراكي ضد كل من تسول له نفسه الاعتداء عليه سواء من داخل البلاد ام من خارجها.
ولكن الحزب في الوقت ذاته لم يتخل عن اي عنصر يمكن انضمامه الى جبهة القتال ضد المحتلين بصرف النظر عن وضعه الطبقي ومركزه الاجتماعي. واستنادا الى التحليل الطبقي الدقيق حدد الحزب موقفه من كل طبقة او مرتبة او فئة.  فدرس مثلا اوضاع رجال الدين وميز بين رجال الدين الاسلامي الذين لم تكن لهم ارتباطات عالمية تمولهم وتوجه لهم اوامرها وبين رجال الدين المرتبطين وثيق الارتباط بالكنيسة الكاثولوكية في روما. وبذل الحزب جهودا لاجتذاب رجال الدين ذوي الضمائر الحية والشعور الوطني ويرغبون في بذل ما يستطيعون بذله في سبيل تحرير بلادهم من المحتلين الفاشست. وانضم فعلا عدد كبير من رجال الدين الى الجبهة وبلغ عدد منهم الى المراكز القيادية فيها بل واصبح منهم اعضاء فعالون في الحزب الشيوعي فيما بعد. ولم يشترط الحزب انذاك تخليهم عن عقائدهم الدينية او حتى عن ازيائهم التقليدية من اجل الانتماء الى الجبهة. يكفي ان يساهموا في النضال او يساندوه لكي يصبحوا اهلين لعضوية الجبهة.
وفعل الحزب الشيء ذاته بالنسبة للمراتب العليا من المثقفين وصغار التجار والبرجوازيين رغم ان اغلبيتهم انحازوا الى جانب المحتلين بعد ان كانوا من قبل ادوات بايدي النظام الملكي.
كانت انذاك في البانيا فئة من السياسيين يتمتعون بسمعة وطنية من جراء اشتراكهم في حركات وطنية او انتفاضات شعبية سابقة. وكان هؤلاء قد اضطروا الى الهجرة واللجوء السياسي في البلدان المجاورة. ولكن الحكومات المضيفة حاولت شراء ضمائرهم بالرواتب الضخمة وتوفير ملذات الحياة في هذه الدول مما حول اكثريتهم الى خدم وعملاء للدولة التي استضافتهم. وعاد اغلب هؤلاء اللاجئين السياسيين الى البانيا بعد الاحتلال الايطالي. وكان واضحا لدى الحزب منذ البداية ان هؤلاء سيستغلون رصيدهم الوطني لخدع الشعب ومقاومة النضال الثوري الحقيقي ضد المحتلين. ومع ذلك كله لم يبخل الحزب باية جهود للاتصال الشخصي بالعناصر المهمة منهم ومحاولة اقناعهم بالوقوف الى جانب الشعب في نضاله المصيري لكي لا يفرط باي عنصر يمكن ان يؤدي خدمة للنضال العظيم الذي كان الشعب يخوضه. الا ان الاكثرية الساحقة منهم فضلوا الانحياز الى جانب المحتلين حبا بجني الارباح واختلقوا شتى الحجج لذلك، كادعائهم بوجوب اعطاء الفرصة للمحتلين لتطوير الصناعة وخلق البروليتاريا، ومفهوم ضرورة الاستيلاء على قلعة المحتلين من داخلها، وضرورة الانتظار الى ان يرتفع مستوى الشعب. ولكنهم في اخر المطاف نهضوا وقاتلوا وحملوا السلاح فكونوا منظمة سميت "بالي كومبيتار" اي الجبهة الوطنية التي حاربت الانصار وجيش التحرير الى جانب المحتلين الايطاليين ثم الالمان وبسلاحهم.
منذ تأسيس الجبهة اخذت على عاتقها قيادة النضال المسلح ضد الكحتلين. ورغم ان وحدات الانصار كانت وحدات صغيرة متباعدة اول الامر الا ان قيادة هذه الوحدات كانت الجبهة. فلم تكن قيادة الانصار متفككة تعمل كل فرقة منها منعزلة عن الاخرى، بل كانت مترابطة توضع لها الخطط من الاعلى، من الجبهة، وتنجز وفقا لاوامر الجبهة. وقد ادى هذا الى ان تتوسع فرق الانصار فيما بعد لتتحول الى نواة الجيش الشعبي ثم الى الجيش الشعبي الذي حرر البلاد تحت قيادة الحزب والجبهة الشعبية.
كانت الجبهة في البانيا مثالا رائعا للطريقة الماركسية في تأليف الجبهات وكانت حرب الانصار ذاتها نتاجا لمثل هذه الجبهة. وهذا ما لم يحدث في فرنسا وايطاليا خلال الحرب العالمية الثانية مما ادى الى بقاء النظام الراسمالي في هذين البلدين بعد تحررهما من الفاشية والنازية، رغم التضحيات الغزيرة التي قدمتها شعوب هذين البلدين. وقد سجل انور خوجا اخطاء الحزبين الفرنسي والايطالي في هذا المجال في كتابه القيم "الاوروشيوعية معاداة للشيوعية".
سياسة المحالفات اللاماركسية
رأينا في القسم الاول من هذا المقال ان الماركسية تعتبر حلف العمال والفلاحين النضالي الفعال بقيادة البروليتاريا الحلف الوحيد القادر على قيادة الثورة البرجوازية والسير بها حتى النجاح التام وتأليف حكومة دكتاتورية العمال والفلاحين الثورية القادرة على تحقيق المرحلة الثانية من الثورة، مرحلة الثورة الاشتراكية، استنادا الى حلف العمال وفقراء الفلاحين ونسبة عالية من بتي برجوازية الريف والمدينة دونما حاجة الى ثورة عنفية للاطاحة بنظام الحكم. وراينا ان البرجوازية في مرحلة الثورة البرجوازية تكون طرفا في الثورة، يزداد احتمال انحيازه الى جانب ثورة العمال والفلاحين بازدياد انعزاله عن الجماهير وتضاؤل قيادته لها. وراينا ان شكل الثورة البرجوازية الديمقراطية وشكل الحكومة الناشئة عنها يتحدد وفقا للتناسب بين قيادة البروليتاريا وقيادة البرجوازية لها.
لذا فمن الطبيعي ان يحتدم الصراع بين الطبقة العاملة متمثلة بقيادتها الماركسية اللينينية وبين البرجوازية بشتى احزابها ومنظماتها على قيادة الجماهير وقيادة الثورة وان تحاول كل من القيادتين توجيه الثورة وفقا لمصالحها وضد مصالح القيادة الاخرى. فالبروليتاريا تعمل على تنظيم الجماهير ودفعها واعدادها لانجاز ثورة عنفية تطيح بالنظام شبه الاقطاعي واقامة دكتاتورية العمال والفلاحين الثورية. اما البرجوازية فتحاول اخماد ثورية الجماهير واستغلال تذمرها من النظام القائم لتحقيق مصالحها الخاصة وهي الاستيلاء على السلطة واقامة نظام حكم برجوازي يحل محل النظام السابق في استغلال الطبقة العاملة والفلاحين وسائر الكادحين.
ورأينا كيف كانت سياسة الرفيق فهد شديدة الحذر من هذه الناحية. فالحزب لم يتنازل في تلك الفترة عن قيادة البروليتاريا لغرض اجتذاب البرجوازية ولكنه من الجهة الثانية لم يفرط بالشحنة الثورية للبرجوازية لمصلحة الحركة الثورية.
يلاحظ اننا هنا نتحدث عن معسكرين فقط في الثورة ولا نتحدث عن البتي برجوازية. وسبب ذلك يرجع الى ان البتي برجوازية لا تشكل طبقة منسجمة المصالح بل تتألف من مجموعات ومراتب عديدة لا يربطها ببعض سوى طابعها المتوسط بين البرجوازية والطبقة العاملة. والبتي برجوازية لا يمكن ان تؤلف سلطة بتي برجوازية بل تكون اما ممثلا للبرجوازية وشريكا لها في السلطة او تكون حليفا للطبقة العاملة وشريكا لها في السلطة الثورية. وهذه الطبيعة الوسطية تنعكس على الاحزاب البتي برجوازية ومنها تنشأ المفاهيم التوفيقية التي تحاول عدم التمييز بين مصالح البرجوازية ومصالح الطبقة العاملة وتدعو الى الانسجام الطبقي بينهما.
ينعكس الصراع القائم بين البرجوازية والطبقة العاملة على قيادة الثورة على سياسة كل من الطبقتين تجاه الجبهة كما ينعكس على كل مجال اخر من مجالات الحركة الثورية.
فبينما يمكن تحديد المبادئ الاساسية الماركسية للاحلاف كما جاء في القسم الاول يتعذر تحديد مبادئ محددة للمفاهيم والسياسات الانتهازية والتحريفية حول الجبهة والتحالف. فالمفاهيم الانتهازية عموما هي مفاهيم انية متغيرة ومتضادة احيانا تستفيد من الظروف المتغيرة للحركة الثورية رغم انها تجمع كلها على حرف البروليتاريا عن طريق النضال الثوري الحقيقي وعلى جرها كذيل للسياسة البرجوازية.
من الاشكال التحريفية الانتهازية في الحركة الثورية في مرحلة الثورة البرجوازية خلط مفهوم القيادة بمفهوم المساهمة في الحركة الثورية. رأينا ان البتي برجوازية قوة ذات اهمية كبرى في الثورة البرجوازية. فحلف العمال والفلاحين هو بالدرجة الاولى حلف بين الطبقة العاملة وجميع مراتب الفلاحين. ولكن متوسطي الفلاحين يشكلون الاغلبية في هذه المراتب. ومتوسطو الفلاحين هم اكبر مجموعة من البتي برجوازية في البلاد. كذلك رأينا ان للبرجوازية الوطنية شحنة ثورية ينبغي الاستفادة منها في الثورة البرجوازية. ولكن موضوع القيادة امر يختلف كل الاختلاف عن المساهمة في الثورة. فقيادة البروليتاريا للثورة هي الشرط الحاسم من اجل نجاح الثورة نجاحا تاما. وقيادة البروليتاريا لا تتحقق الا بابعاد الجماهير عن قيادة البرجوازية.
واذا كانت كل الطبقات عاجزة عن قيادة الثورة بمفردها أصبح التحالف شرطا اساسيا لا يمكن ان تتحقق الثورة بدونه وبذلك يرتفع شعار الجبهة الى مصاف الشعار الاستراتيجي "كل شيء في سبيل الجبهة".
وبدلا من الاعتماد في الحركة الثورية على حلف العمال والفلاحين في النضال اليومي يركز الانتهازيون على التحالف العلوي، بين القيادات، بين قيادات الاحزاب ويزعمون ان التحالف بين الاحزاب من شأنه ان يرفع المد الثوري للحركة وان يجتذب الجماهير الى الحركة.
وبعد الثورة البرجوازية، حين تستولي البرجوازية على السلطة، يضطر الانتهازيون الى ايجاد مفاهيم جديدة تتفق والظروف الجديدة.
فبدلا من اعلان تحول المرحلة من مرحلة الثورة البرجوازية الى مرحلة الثورة الاشتراكية والبدء بالضغط على البرجوازية من اجل تحقيق اكثر نسبة ممكنة من اهداف الثورة البرجوازية كالاصلاح الزراعي الجذري والمطاليب العمالية الاخرى وتجميع القوى على هذا الاساس من اجل الاعداد للثورة الاشتراكية والاطاحة بالطبقة الحاكمة البرجوازية الجديدة يدعو الانتهازيون الشعب الى منح السلطة الجديدة فرصة لاثبات وطنيتها وتطوير المجتمع الجديد ويضفون هالة حول قادة البرجوازية خدعا للشعب وتخديرا ليقظته.
وبدلا من تثقيف الشعب بان البرجوازية لا تريد ان تحقق من اهداف الثورة البرجوازية سوى ما يتلاءم ومصالحها وان تحقيق هذه الاهداف يعتمد على نضال الجماهير الكادحة بقيادة البروليتاريا من اجل فرض تحقيق هذه الاهداف على السلطة البرجوازية يدعو الانتهازيون الشعب الى التريث وانتظار التشريع عبر الروتين البيروقراطي البطيء لاصدار القوانين اللازمة لتحقيق هذه الاهداف.
وبدلا من تثقيف الناس بانتهاء المرحلة البرجوازية من الثورة في يوم اعتلاء البرجوازية اليها يرفع الانتهازيون شعار استكمال الثورة الديمقراطية. ويتطلب شعار استكمال الثورة استمرار التعاون مع الاحزاب البرجوازية استمرارا لشعار الجبهة الذي كان شعار ما قبل الثورة. وهنا ايضا يبرز شعار الجبهة كشعار اساسي وكأن وصول البرجوازية الى السلطة لم يغير شيئا.
وبدلا من حمل شعار الثورة الاشتراكية والاطاحة بالبرجوازية واقامة دكتاتورية البروليتاريا يجتر الانتهازيون شعار سلطة العمال والفلاحين الثورية اذ يزعمون ان الحكومة الثورية شرط اساسي من اجل استكمال الثورة البرجوازية وبذلك يريدون ارجاع عجلة التأريخ الى الوراء. ان الثورة البرجوازية تنتهي بتحول السلطة من ايدي الاقطاعيين الى ايدي البرجوازية ودكتاتورية العمال والفلاحين هي نتاج لانتصار الثورة البرجوازية تحت قيادة البروليتاريا المطلقة وابعاد البرجوازية عنها. وبعد ان استولت البرجوازية على السلطة لم يبق اي موجب لرفع شعار سلطة العمال والفلاحين الثورية لان الثورة البرجوازية انتهت بدون ان تستطيع البروليتاريا تحقيقها تحقيقا حاسما. واية سلطة طبقية جديدة لا تأتي الا عن طريق اسقاط الحكومة البرجوازية.
كان من تأثير قرارات المؤتمر العشرين التحريفية التي جعلت الانتقال السلمي الى الاشتراكية مبدأ لجميع الاحزاب الشيوعية ظهور مفاهيم انتهازية اخرى في البلدان المستعمرة سابقا كالعراق وهكذا رفع شعار حكومة وطنية تمنح الشعب فرصة الانتقال السلمي نحو الاشتراكية وقد رأينا ذلك واضحا في منهاج الحزب الذي اقره الكونفرنس الثاني سنة ١٩٥٦.
وينجم عن هذا الشعار بالضرورة امكانية التعاون مع الحكومة الوطنية في سبيل التقدم نحو الاشتراكية سلميا وهذا برر امكانية عقد جبهة مع حزب حاكم مهمته خدمة البرجوازية المحلية والامبريالية في تشديد استغلال الشعب وادامة استعباده.
ومن المفاهيم التي ساعدت على شيوع سياسة التوافق بين الاحزاب "الشيوعية" التحريفية وحكوماتها البرجوازية بل حتى الاقطاعية قضية عدم الانحياز التي كان تيتو زعيمها وروحها الخبيثة. فقد زعم ان دول ما يسمى العالم الثالث او دول عدم الانحياز هي كتلة من الدول معادية للامبريالية ولذلك على شعوب هذه الدول ان تساندها لان مساندتها تعني النضال ضد الامبريالية. وقد رحب الامبرياليون بهذه الحركة فاصبحت دول عدم الانحياز تضم اكثر الدول انحيازا وخضوعا للامبريالية وليس ادل على ذلك من وجود المملكة العربية السعودية والاردن والعراق ودول الخليج ضمن دول عدم الانحياز.
ليست في الواقع حدود للمفاهيم الانتهازية التي تنشأ خلال الحركات الثورية في مختلف البلدان ولذلك يتعذر احصاء هذه المفاهيم وشرحها. ويصدق هذا القول على موضوعنا، موضوع الجبهات والتحالفات ايضا. لذا نفضل اتخاذ الحزب الشيوعي العراقي بعد فقدان قادته فهد وحازم وصارم مثالا للانتهازية في سياسة التحالف والجبهة وفي عقدها خلال مختلف المراحل التي مر بها العراق منذ ١٩٥٦ وحتى هذا اليوم.
كان فقدان الرفيق فهد مرحلة تحول حاسمة في تأريخ الحزب وتأريخ الحركة الثورية في العراق. وقد ظهر ذلك بدرجات متفاوتة طيلة حياة الحزب بعد الكارثة التي اصابته رغم استمرار الزخم الثوري لعدة سنوات بعد اعدام الرفيق فهد.
بعد وفاة ستالين سنة ١٩٥٣ واستيلاء طغمة خروشوف التحريفية على الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي وعلى الدولة السوفييتية اتسع نفوذ العناصر الانتهازية في العديد من الاحزاب الشيوعية ومنها الحزب الشيوعي العراقي بتشجيع وضغط القيادة التحريفية السوفييتية. وقد تتوج هذا الاتجاه في الحزب الشيوعي العراقي بما سمي باعادة توحيد الحزب او تصفية المنظمات الانتهازية حين اعتبر ادخال هذه المنظمات الانتهازية الى الحزب تصفية لها وتوحيدا للحركة الشيوعية. وفي سنة ١٩٥٦، وبعد هذه "الوحدة" عقد الكونفرنس الثاني للحزب اقر برنامجا انتهازيا تحريفيا تاما ما زال حتى اليوم المرجع الذي يهتدي به قادة هذا الحزب بمختلف اتجاهاتهم.
من ابرز صفات هذا البرنامج كان التخلي عن الهدف الاستراتيجي. فليس في هذا البرنامج اشارة واحدة الى المرحلة الاشتراكية ودكتاتورية البروليتاريا. كذلك لا توجد فيه اشارة الى وجود المرحلتين او الى الثورة البرجوازية ذاتها. بل اكتفى الحزب بالحلم في مجيء حكومة وطنية بطريقة سلمية تمنح الديمقراطية للشعب وتحقق اهدافا وطنية وتفسح المجال للشعب بقيادة الطبقة العاملة بالسير سلميا نحو الاشتراكية. كما ان الحزب اعلن صراحة بانه لا يشترط الاشتراك في مثل هذه الحكومة الوطنية من اجل مساندتها.
كان لابد ان ينعكس هذا المنهاج التحريفي على سياسة الحزب في تكوين الجبهة. فقد كان المنهاج خنوعا لكل الشروط التي وضعها كامل الجادرجي من اجل عقد جبهة. وبدلا من ان تكون الجبهة تكتيكا خاضعا لاستراتيجي الحزب اخذت الجبهة تتحول شيئا فشيئا الى هدف بحد ذاته تخضع له كل وسائل النضال الاخرى.
من المعروف ان مستوى النضالات الجماهيرية قد انخفض في سنتي ١٩٥٥ و ١٩٥٦ الى درجة جعلت عددا من اعضاء وكوادر الحزب ينتقدون القيادة على الاكتفاء بنضالات بسيطة تقتصر على صدور الجريدة وعدم تنظيم الجماهير في نضالات من مستوى اعلى. فأجابتهم القيادة بردها المعروف الذي، كما هو الحال لدى جميع الاتجاهات الانتهازية، يلقي اللوم في ذلك على عاتق الجماهير الشعبية. وقد حاججت قيادة الحزب انذاك كما يلي: اذا كانت الجماهير غير مستعدة حتى الى خوض هذه النضالات البسيطة فكيف يمكن ان نطلب منها ممارسة نضالات اعلى منها؟! وبعد الكونفرنس الذي اتخذ فيه خط النضال السلمي تحت حكم نوري السعيد حين اعتبرت الظروف في العراق ذات طابع سلمي "غالب" فوجئ الحزب بانتفاضة الحي التلقائية التي اعترف بعدم الاشتراك فيها وتخلى عنها حتى بعد الاعتراف بخطئه بحجة استشارة الرفاق "الحزبيين وغير الحزبيين". ومع ذلك استمر الحزب بعد الانتفاضة والمجزرة التي رافقتها بالتبشير بفلسفة دراسة استعداد الجماهير لكي يقرر مستوى النضالات التي يخوضها.
في تلك الفترة ارتفع مستوى المفاوضات في سبيل عقد جبهة بين الحزب الشيوعي والاحزاب البرجوازية. وقد اشترط زعيم البرجوازية على مندوب الحزب سنة ١٩٥٥كما اسلفنا التخلي عن سياسة المراحل والقيادة وطالب باشتراك الاحزاب اليمينية المتطرفة في الرجعية في الجبهة بحجة موازنة تأثير الحزب الشيوعي اليساري. فجاءت جبهة ١٩٥٧ مصداقا لكل ما طلبه كامل الجادرجي اذ تخلى الحزب الشيوعي عن المراحل وعن قيادة الجبهة ووافق على اشتراك احزاب مثل حزب الاستقلال في الجبهة وبذلك تحقق للبرجوازية هدفها الرئيسي وهو جعل الحزب الشيوعي ذيلا لها واداة بيدها لحرف العمال والفلاحين عن طريق الثورة.
وبدلا من عقد الجبهة على اساس حلف العمال والفلاحين النضالي واشتداد الحركة الثورية عنفا تحت قيادة الحزب الشيوعي وجه الحزب دعوته على صفحات جريدته الى ضرورة ارتفاع المد الجماهيري على اساس عقد الجبهة وعلى الانتماء الجماهيري المباشر للجبهة. وقد اصيب الحزب بخيبة امل من عدم بذل الاحزاب البرجوازية مجهودا في هذا الاتجاه. وبدلا من ان يكون منهاج الجبهة متفقا مع منهاج الحزب الشيوعي لمرحلة الثورة البرجوازية انحدر منهاج الحزب ذاته الى مستوى ميثاق الجبهة البرجوازي. وكانت من النتائج الواضحة لكل ذلك مرور الاتحاد الهاشمي مر الكرام بدون ان يلاقي معارضة حقيقية سواء من الجانب الحزبي ام من جانب الجماهير التي من المفرروض ان يقودها الحزب ام من جانب الجبهة.
وجاءت ثورة ١٤ تموز باحدى الطرق التي تفضلها البرجوازية اي الانقلاب العسكري. واظهرت الحكومة البرجوازية منذ الدقائق الاولى لنجاحها في الاستيلاء على السلطة ابعادها للحزب الشيوعي وعدم اشراكه معها رغم وجوده في الجبهة ولم يحرك الحزب ساكنا في هذا الموضوع نظرا الى انه كان قد اعلن رسميا انه لا يشترط الاشتراك في الحكومة من اجل تأييدها.
سارت البرجوازية في ثورة ١٤ تموز الى ابعد من كل ما كان يتصورة الحزب الشيوعي. ففي ١٢ تموز طالب الحزب الشيوعي بتحويل الاتحاد الهاشمي الى اتحاد وطني بينما الغت الثورة الاتحاد الهاشمي وقضت على الملكية وجاءت بالجمهورية. الا ان جميع احزاب الجبهة عدا الحزب الشيوعي ادركت منذ يوم ١٤ تموز ان الجبهة قد انهت مهمتها وحققت اهدافها ببلوغ البرجوازية السلطة ولذلك لم تبق ضرورة لوجودها. الا ان الحزب الشيوعي، الذي لم يدرك هذه الحقيقة وأصابه مزيج من الغضب والذهول لعدم ادراك البرجوازية اهمية الجبهة فأخذ يعاتبها ويقدم لها النصح ويطالبها بالعودة الى الايام الخوالي. واخذ يذكرها كيف حققت الجبهة المعجزات ويعظها بان التخلي عن الجبهة مضر بمصالح الشعب والثورة وكأن الطبقة البرجوازية تفكر مرة في مصالح الشعب عدا ما يتعلق بمصالحها هي في مضاعفة استغلاله وزيادة ارباحها الى الحد الاقصى.
ولكن البرجوازية في الوقت الذي لم تسمح للحزب الشيوعي بالمشاركة في الحكومة الجديدة عملت على استغلاله الى اقصى حدود الاستغلال مستفيدة من سياسته الخانعة لنظام الحكم الجديد فسمحت بتغلغل اعضائه في الدوائر الحكومية وخصوصا في الاذاعة والتلفزيون وبممارسة نفوذ كبير في الحركة النقابية وجمعيات الفلاحين ومنظمات الشبيبة والنساء والمقاومة الشعبية وغيرها وظهر الحزب كأنه المسيطر الوحيد على الجماهير في المظاهرات والاجتماعات العامة. والواقع هو ان هذه الجماهير لم تكن جماهير الحزب وحده بل كانت جماهير واسعة تأثرت بالثورة فاندفعت متحمسة ولم يكن غير الحزب الشيوعي في الميدان نظرا الى ان الاحزاب الاخرى كانت منهمكة في اقتسام الكعكة.
شجعت الحكومة المظاهرات التي كان يدعو لها وينظمها الحزب لان هذه المظاهرات لم تكن تشكل خطرا عليها بل على العكس كانت تؤيد الحكومة تأييدا اعمى وتهتف بحياة الزعيم الاوحد وصيانة الجمهورية. كانت هذه المظاهرات في الواقع تثبيتا لمركز البرجوازية الحديثة العهد بالسلطة. ومما يثبت ذلك ان هذه المظاهرات والتجمعات انحسرت نهائيا بمجرد ان اظهرت الحكومة عدم رضاها عنها او معاداتها لها فلم يستطع او لم يرغب الحزب الشيوعي في القيام بمظاهرات ترفع شعارات معارضة او معادية للحكومة.
وبقي الحزب وحده مستمرا على شعار الجبهة ووحدة الصف وحاول عقد جبهات مع احزاب غير موجودة او جماعات غير منتظمة في احزاب لكي يظهر ان الجبهة قد تم عقدها فعلا وان هذه الجبهة الجديدة هي نواة لجبهة اوسع منها (او قل اعرض منها).
وحتى حين تحولت حكومة قاسم من مداعبة الحزب الشيوعي واستخدامه اداة في ايديها الى معاداته واخراجه من الساحة والقاء اعضائه في السجون بتهم لا سياسية شتى وحين الغت اتحاد النقابات وجمعيات الفلاحين لم يتحول الحزب الشيوعي عن سياسته بل استمر على شعار الجبهة مع الاحزاب الحكومية وعلى شعار صيانة الجمهورية ووحدة الصف.
وقد اثبت عبد الكريم قاسم وقادة البرجوازية الاخرون انهم احرص على مصالح البرجوازية منهم حتى على بقاء حكمهم فتعاونوا مع حزب البعث الذي كان يعمل على المكشوف على اسقاطهم وابعدوا عن القوات المسلحة الفعالة كل ضابط يلمس منه معاداة اقصى اليمين المتمثل بالبعث بحجة المحافظة على التوازن بين اليسار واليمين.
وحدث انقلاب ١٩٦٣ البعثي وجاء عبد السلام عارف فاغرق شوارع المدن العراقية بدماء الشيوعيين وغير الشيوعيين على حد سواء وانتهى من تلقاء ذاته شعار الحزب الشيوعي في اعادة تشكيل الجبهة كما انتهى شعار صيانة الجمهورية بانهيار الجمهورية. وقد حدثت انتفاضات في بعض معسكرات الجيش وما زالت كل الكتل السياسية تدعي انها هي التي نظمتها ولا نعرف حقيقة ما حدث او ما اذا كانت هذه الانتفاضات عفوية وتحققت بمعزل عن هذا الحزب او ذاك نظرا لعدم وجود بحث تأريخي نزيه يدرس الوقائع على حقيقتها ويعطي كل طرف حقه سلبا ام ايجابا في تلك الحركات. (من النماذج الصارخة على تزييف التاريخ ادعاء سعاد خيري في الكتاب الذي كتبته مع زوجها بان الحزب هو الذي نظم وقاد انتفاضة الحي في حين انها كانت قد برهنت بما لا يقبل الشك في كتابها السابق مستشهدة بالوثائق الحزبية ان الحزب لم يشترك في تلك الانتفاضة بل وقرر حتى بعد قيامها تأجيل الاشتراك فيها الى ان يستشير رفاقه الحزبيين واللاحزبيين).
قبل ان تجف دماء شهداء عبد السلام عارف نظم جمال عبد الناصر لقاء في القاهرة بين خروشوف وعبد السلام عارف حصل فيه الاخير على ما يبدو تعهدا من خروشوف بتصفية الحزب الشيوعي العراقي على غرار ما حدث في مصر والجزائر وسرعان ما بدأت ابواق الدعاية الحزبية بالتحدث عن وطنية عبد السلام والدعوة الى مساندته توجت بالقرار الذي اتخذته قيادة الحزب بحل الحزب والانضمام الى الحزب الجديد الذي اسسه عبد السلام عارف. الا ان القيادة لم تستطع فرض هذه السياسة على قواعد الحزب ومنظماته الموجودة داخل العراق فلحست بصاقها وانكرت قرارها.
ولم يختلف الوضع في ١٩٦٨ حيث جاء الانقلاب الجديد فاعاد الكرة واغرق ساحات بغداد والمدن الاخرى بدماء الشعب ومنهم اعضاء الحزب. الا ان توثيق العلاقات بين قادة الانقلاب الجديد وبين حكومة الاتحاد السوفييتي جعل قادة الحزب الشيوعي تبدأ المفاوضات مع الحكومة الجديدة بمباركة ومساعدة قادة الاتحاد السوفييتي. وتتوجت المفاوضات بعقد الجبهة الذائعة الصيت مع حكومة حزب البعث وما تلاها من وصف قيادة حزب البعث بانها تؤمن بالاشتراكية العلمية وسائرة في الطريق اللاراسمالي صوب الاشتراكية ورفع الحزب اسمي الرفيقين البكر وصدام حسين الى اعنان السماء، بل بلغ الوضع الى درجة ان جريدة الحزب اجرت مقابلة صحفية مع رفيقها محمد ميشيل عفلق في قصره في بغداد ونشرتها على الصفحة الاولى من الجريدة.
وطبل الحزب وزمر لحل القضية الكردية حلا لينينيا واطلق على سياسة تعريب كردستان منح الحكم الذاتي الديمقراطي للاكراد وسكت عن تهجير الاكراد بالجملة الى المناطق العربية. في حين كان الحزب قد اشترك مع الحكومة في محاربة الاكراد بحجة خيانة قيادة الثورة الكردية وتعاونها مع الاستعمار ومع اسرائيل. وسكت الحزب حتى عن اعتقال الالاف من اعضاء قاعدته وعن الاعدامات بالجملة وانضم الى الحكومة في تحطيم مظاهرة النجف واعلن عن تاييده لاعدامات النجف على اساس انها صيانة للثورة.
كانت هذه الجبهة جبهة "متكافئة" بين حزب يملك السلطة والجيش والشرطة والمحاكم والسجون ووسائل الاعلام ويسيطر سيطرة تامة على اقتصاد الدولة والحركة العمالية والطلابية والفلاحية وحزب لا يملك سوى الفتات الذي تلقيه له شريكته في الجبهة لقاء كيل المديح لها كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة ولقاء التعهد التام بعدم ممارسة نشاط بين القوات المسلحة وفي نقابات العمال وجمعيات الفلاحين ومن ثم في اتحاد الطلبة ومنظمات الشبيبة والمنظمات النسائية بعد ان اعلن سكرتير عام الحزب الشيوعي من على منبر المؤتمر وبحضور ضيفي الشرف البكر وصدام تجميد جميع المنظمات التي وضعت في الحزب ثقتها وانتخبته لقيادتها وصيانة مصالحها فقدم الحزب بذلك وثيقة تثبت كل الاتهامات التي لفقت منذ عهد الرفيق فهد وحتى ذلك الحين بان هذه المنظمات هي منظمات شيوعية.
وابتدع الحزب الشيوعي، في معرض تمجيده لنظام الحكم الفاشي، او بالاحرى نبش من القبور موضوع "الاختيار" وزعم الحزب الشيوعي ان من حسن حظ الشعب العراقي ان الله قد ارسل له قادة مثل البكر وصدام الذين اختاروا الطريق اللاراسمالي صوب الاشتراكية. وموضوع الاختيار هو بحد ذاته موضوع تجدر مناقشته بصورة مفصلة في مقال منفصل. ولكننا نود ان نؤكد هنا ان موضوع الاختيار هو نقض الماركسية نقضا تاما من الاساس لان النظرية الماركسية مبنية على اساس ان الاساس الاقتصادي للمجتمع هو الذي يحدد البناء الفوقي ومنه سياسة الطبقة الحاكمة. وعلى هذا الاساس حددت الماركسية سياسة الطبقات الحاكمة في مختلف المراحل التاريخية بصرف النظر عن الاشخاص او رغباتهم او اختياراتهم. فاذا امنا ان طبقة حاكمة، او بعض قادتها، يمكن ان يختاروا الطريق بانفسهم بصرف النظر عن الاساس الاقتصادي للمرحلة التي يمرون فيها ومصالح الطبقة الحاكمة التي يخدمونها فاننا بذلك ننقض الماركسية نقضا تاما.
رأينا ان الجبهة تعني الاتفاق بين طرفين او اكثر على تحقيق هدف مشترك. وهذا يعني ان هؤلاء الاطراف يختلفون احدهم عن الاخر والا لما كانت ثمة حاجة الى اتفاقهم على هدف مشترك. وطبيعي ان كلا من اطراف الجبهة تكون له سياسته الخاصة المختلفة عن سائر اطراف الاتفاق يواصل العمل بموجبها حتى اثناء وجود الاتفاق فهل كانت الجبهة القومية التقدمية من هذا النوع؟ كلا. فمن ناحية لم يعلن الحزب الشيوعي ولم يمارس سياسة منفصلة عن سياسة الجبهة. فقد كان الشعار الاول للمنهاج الذي اتخذه المؤتمر الثالث في ايام الجبهة تعزيز الجبهة وتقويتها ولم يكن في محتوى المنهاج ما يتعدى تحقيق هذا الشعار. فمن هذه الناحية اتحدت سياسة الحزب كلها مع سياسته في الجبهة ولم يبق وجود لسياسة مستقلة عن سياسة الجبهة. ومن الناحية الثانية لم تكن للجبهة اهداف معينة ينبغي تحقيقها لكي تنتهي الجبهة بعد هذا. فقد اعلن السكرتير العام في التقرير الذي القاه في المؤتمر ان هذه الجبهة هي جبهة زواج كاثوليكي لا يمكن ان تنفصم عراها حيث قال ان هذه الجبهة ليست مؤقتة ولا مرحلية بل تستمر حتى الاشتراكية. وهذا يخالف كل قواعد الجبهات في اية مرحلة من مراحل الثورة.
ثم ان الجبهة عقدت بين حزب في السلطة وحزب اخر تفضلت عليه السلطة فمنحته مقعدين وزاريين ثانويين فيها. والقاعدة اللينينية لاشتراك حزب شيوعي في حكومة ثورية (وليس حكومة فاشية) هي ان يتخذ الوزراء مواقفهم وفقا لقرارات قيادة الحزب وان يكون اشتراك الحزب في الحكومة نضالا اضافيا من اعلى يساند النضال الشعبي في السير قدما الى الامام ولاسقاط البرجوازية بالثورة الاشتراكية. لم يظهر في سياسة الحزب شيء من هذا القبيل اذ ان اشتراك الوزيرين الشيوعيين اتصف بخضوعهما لكل قرارات الحكومة ومجلس قيادة الثورة حتى اذا كانت موجهة ضد الحزب الشيوعي نفسه كما اتصف بتجميد الصراع الاقتصادي والاقتصار على الصراع الفكري طيلة مدة قيام الجبهة.
ثم ان الجبهات تعقد من اجل تحقيق هدف معين ضد عدو مشترك. وكانت الجبهة القومية التقدمية جبهة حكومة مع حزب شيوعي فضد من عقدت هذه الجبهة؟ واذا كانت حكومة البعث تؤمن بالاشتراكية العلمية كما زعم الحزب الشيوعي فمن الذي يمنعها من تطبيق اهداف الاشتراكية وبناء مجتمع اشتراكي؟ ولماذا تقوم هذه الحكومة بتطوير الانتاج الراسمالي وتشجيعه سواء في القطاع العام او الخاص بدلا من ان تقضي على الانتاج الراسمالي كما تفعل الحكومات المؤمنة بالاشتراكية العلمية؟ قد يقال ان الجبهة عقدت ضد الامبريالية والاستعمار. ولهذين الاسمين وقع جميل على مسامع الناس. فكيف تناضل حكومة معينة ضد الامبريالية؟ يكفي ان تبدأ بالغاء المصالح الامبريالية في بلادها وفضح مؤامرات المستعمرين التي تهدف الى المزيد من استعباد الشعوب. فما الذي يمنع الحكومة من ان تفعل ذلك فورا وفي ايديها مقاليد الحكم؟ ان الجماهير تشن نضالا في الشوارع ضد الامبريالية لفضح حكوماتها المتعاونة معها وتجبرها على اتخاذ خطوات لمصلحة البلاد ضد الامبريالية. فما الداعي الى عقد جبهة نضال ضد الامبريالية من قبل حكومة تستطيع الغاء جميع المصالح والامتيازات والشركات الامبريالية في بلادها؟ ان النضال ضد الامبريالية والصهيونية قميص عثمان الذي ترتديه الاحزاب التحريفية لغرض تبرير تعاونها مع حكوماتها الضالعة مع الامبريالية والصهيونية.
نرى من كل ذلك انه لم تكن في الجبهة الوطنية القومية التقدمية، رغم اسمها البراق، اية صفة من صفات الجبهات التي تعقد وفقا للخط الماركسي اللينيني وقد اثبت التاريخ ذلك. وكانت نتائج هذه الجبهة تثبيت اقدام حكومة البعث وتخدير يقظة الجماهير.
حين انجزت الجبهة مهمتها ولم يعد حزب البعث بحاجة الى خدمات الحزب الشيوعي تنكر للجبهة وطرد الوزيرين والقى معظم اعضاء الحزب في غياهب السجون واجبر قادة الحزب وكوادره المتقدمة على الهجرة فنشأ وضع جديد اضطر قيادة الحزب الى التحول الى موقف المعارضة ويا أسفاه. وهذا يعني ان هذه القيادة لم تكن تفكر او ترغب حتى في تلك الاوضاع في ممارسة موقف المعارضة للبرجوازية. يا لها من "ماركسية" عجيبة.
منذ ان تحول الحزب الشيوعي مضطرا الى موقف المعارضة رفع شعار الجبهة العريضة لاسقاط حكومة صدام وتحقيق الديمقراطية للشعب والحكم الذاتي الحقيقي لكردستان وفيما بعد، اضيفت عبارة انهاء الحرب بين العراق وايران، واضيفت عبارة انهاء الحرب بدون الحاق. وقد اصبح عمر هذا الشعار حوالى عشر سنوات ويبدو انه لم يبلغ بعد عمر المراهقة. فما زال الشعار كما هو وما زال صدام كما هو وما زالت الحرب تأكل الحرث والنسل وتحول دماء الشعبين المجبولة بتراب البلدين الى ذهب رنان يملأ خزائن تجار الحروب في الشرق والغرب.
كان كل متتبع لسياسة الحزب في فترة حياة الجبهة القومية التقدمية ينتظر من الحزب تقييما حقيقيا لهذه الجبهة وانتقادا ذاتيا لدخولها وبحثا نزيها لسياسة الحزب في عقد الجبهات ولشعارات الحزب اثناء انعقادها ولتحديده انذاك لطبيعة حكومة صدام وتقديره لخطها السياسي اثناء التحالف. الا ان الحزب اكتفى بالقاء ستار من الكتمان على تلك الفترة كلها وكان شيئا لم يحدث واخذ يثقف اعضاءه بان هذه الحكومة كانت حكومة فاشية منذ مجيئها وحتى بدون استثناء الفترة التي كان فيها حزب البعث الحزب الحليف والحزب القائد وكانت حكومة البعث تسير في الطريق اللاراسمالي صوب الاشتراكية وفقا لمبادئ الاشتراكية العلمية. وبين الحين والحين يشير الحزب الى انه نجح في اجبار حزب البعث لفترة ما على عقد الجبهة والتعاون معه. وبهذا اغلقت تلك الصفحة من صفحات تاريخ سياسة الحزب وبدأ التبجح من جديد في شتى المناسبات بان الحزب قاد الشعب العراقي طوال تأريخ وجوده قيادة صحيحة ورفع الشعارات الصحيحة مهتديا بالنظرية الماركسية اللينينية والشعار الماركسي اللينيني الذي يرفعه الحزب اليوم هو شعار الجبهة العريضة الذي بدونه لا يمكن تحقيق اي شيء لان التاريخ اثبت على حد زعمهم ان وجود الجبهة حقق المعجزات وعدم وجودها ادى الى النكسات والكوارث.
هل يختلف شعار الجبهة العريضة الحالي عن الشعارات السابقة للجبهة؟ وهل اصبح شعار الجبهة في هذه الفترة شعارا يستهدي الماركسية اللينينية؟ وهل توجد ضمانات بالا تكون هذه الجبهة شبيهة بسابقاتها؟ للاجابة على هذه الاسئلة علينا ان نفحص الظروف التي نشأ فيها شعار الجبهة العريضة وكيفية النضال من اجل تحقيقها.
نشأ شعار الجبهة العريضة بعد النكسة التي اصابت الجبهة السابقة مع حزب البعث وحكومته. وكان من المفروض ان يقوم الحزب بانتقاد نفسه ذاتيا على دخوله في جبهة مع حكومة فاشية ومساهمته في اضطهاد جماهير الشعب والمنظمات المعارضة. فلم يفعل الحزب شيئا من هذا القبيل وهذا يؤدي الى التشكك في اخلاصه وصدق نواياه في دعوته الجديدة.
رأينا ان الجبهات الحقيقية بين حزب شيوعي حقيقي واحزاب او منظمات اخرى بتي برجوازية او برجوازية يجب ان تعقد على اساس حركة ثورية جماهيرية يقودها الحزب تجبر هذه المنظمات على الموافقة على التعاون مع حزب شيوعي. ورأينا ان الجبهات التي دخل فيها الحزب او عمل لها منذ سنة ١٩٥٦ لم تستوف هذا الشرط فهل في شعار الجبهة العريضة ما يختلف عن سابقاتها في هذا المجال؟ في الدعوات السابقة للجبهة كان للحزب على الاقل بعض المنظمات التي يقودها ويمارس نفوذا عليها. وقد ظهر ذلك بجلاء اكثر بعد ١٤ تموز حين كان الحزب يدعو الى اعادة تكوين الجبهة المنحلة مستندا الى النفوذ الظاهري على الجماهير العمالية والفلاحية وفي الجيش وبين الضباط الاحرار الخ.. وحتى في الجبهة التي عقدت سنة ١٩٧٣ كان للحزب نفوذ واسع نوعا ما بين الجماهير ان لم يكن نتيجة نضالاته الاخيرة فعلى الاقل نتيجة سمعته التي اكتسبها تأريخيا في عهد الرفيق فهد. وفي النضالات التي تلت ذلك رغم ان الحزب لم يتخذ فيها الطريق الماركسي الصحيح. وقد جاءت الدعوة الحالية للجبهة العريضة في ظروف تختلف كثيرا عن ظروف الدعوات السابقة.
منذ تفكك الجبهة مع البعث هربت كل العناصر الحزبية التي استطاعت ان تتفادى السجن او القتل الى مختلف المهاجر في البلاد العربية المختلفة وفي اوروبا الشرقية منها او الغربية. ولم يعد يوجد للحزب اي نشاط نضالي في المنظمات الجماهيرية التي تخلى عنها رسميا وعمليا. وفي الحقيقة لم يبق له وجود في اغلب مناطق العراق فيما عدا بعض مناطق كردستان حيث يجري نضال مسلح ضد نظام الحكم القائم. ولذلك لا يمكن القول حتى بمجرد الكلام ان دعوة الحزب الشيوعي تستند الى حركة ثورية جماهيرية يقودها داخل العراق. فوجود الحزب منذ انفصام الجبهة هو خارج العراق بالدرجة الرئيسية وداخل العراق حيث توجد حرب الانصار. والدعوة الى الجبهة العريضة تجري بالدرجة الرئيسية خارج العراق حيث تعقد الاجتماعات وتصدر كافة النظريات والجرائد الحزبية. وتجري المفاوضات على عقد الجبهة مع احزاب ومنظمات تعاني هي نفسها نفس المشكلة اي ان وجودها ونشاطها يقتصر على خارج العراق بالدرجة الرئيسية وكثيرا ما تتحول هذه المفاوضات والاتصالات الى جدالات اكاديمية على صفحات الجرائد وفي الندوات فقط.
ورأينا ان الشرط الاخر الذي يجب ان يتحقق في جبهة صحيحة هو دراسة التكوين الطبقي للحزب الذي تعقد معه الجبهة وتحديد مدى امكانية التعاون مع حزب معين والشعارات المشتركة التي يمكن تحقيقها بنضالاتها المشركة. فهل جرت دراسة صحيحة للتركيب الطبقي للاحزاب المدعوة الى تشكيل الجبهة العريضة؟ ليس في ادبيات الحزب الشيوعي المتوفرة وادبيات الجهات الاخرى المشتركة في الدعوة الى الجبهة العريضة اية اشارة الى مسألة التركيب الطبقي لدى حزب او منظمة. فبمجرد ان تعلن المنظمة موافقتها على معارضة الحكم القائم وعلى شعار الجبهة اي الديمقراطية للشعب او للعراق والحكم الذاتي الحقيقي لكردستان يجعلها صالحة للدخول في الجبهة. وقد تكونت عدة جبهات منذ رفع شعار الجبهة العريضة لحد الان. واهم هذه الجبهات هي الجبهة الوطنية الديمقراطية (جود) التي تتألف لحد الان من سبعة احزاب ومنظمات. كما عقدت جبهات اخرى احداها في دمشق واخرى في ليبيا تحت رعاية رئيسي البلدين وقد بلغت الاحزاب والمنظمات التي اشتركت فيها ١٩ حزبا او اكثر ولكن الشعار ما زال كما كان اذ ان هذا العرض لم يكف على ما يبدو لجعلها الجبهة العريضة المنتظرة. ويبدو ان ما تحتاج اليه الجبهة لكي تصبح جبهة عريضة بدرجة كافية هو انضمام الاحزاب الدينية الاسلامية المعارضة التي تتمركز قياداتها في ايران وتتفق مع ايران على وجوب اقامة حكم اسلامي شبيه بحكم الخميني في العراق. ولكن هذه الاحزاب الحاقدة على الحزب الشيوعي على الاقل بسبب موقفه من مظاهرة النجف والاعدامات التي رافقتها تمتنع لحد الان عن التعاون مع الحزب الشيوعي. وقد أخذ عدد الاحزاب والمنظمات يزداد ازديادا مطردا وعدد الجبهات المعقودة بين هذه الاحزاب يتضاعف وكلها تزعم ان وجودها لا يعني الاستغناء عن الجبهة العريضة المنشودة لانها تؤمن بالجبهة العريضة وقد تأسست كخطوة في طريق النضال من اجل تحقيقها. يكفي ان يجتمع اربعة اشخاص يطلقون على انفسهم اسم حزب او منظمة لتأليف حزب جديد ويكفي ان يتألف هذا الحزب الجديد لكي يحتل مكانه في احدى الجبهات القائمة او في الجبهة العريضة المرتقبة. فقد قرأنا مؤخرا في الغد الديمقراطي لسان التجمع الديمقراطي ان خمسة احزاب كردية لم تذكر حتى اسماءها قد شكلت جبهة تساند جبهة جود وتعمل في سبيل الجبهة العريضة. ولعلنا نسمع غدا عن تأليف عدد كبير اخر من الاحزاب والجبهات وكلها ترفع شعار اسقاط صدام وتحقيق الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان وانهاء الحرب مع ايران انهاء عادلا. (واثناء طبع هذه الصفحات قرأنا عن تشكيل جبهة من خمسة احزاب قومية كردية مع الحزب الشيوعي بضمنها الحزب الوطني الكردستاني الذي شن في ١٩٨٥ هجومه المفاجئ على مقرات الحزب الشيوعي وقتل العديد من الرجال والنساء والاطفال). فلماذا هذا التعدد في الاحزاب؟ وما هي الطبقات الاجتماعية التي تمثلها؟ وما الداعي الى نشوء هذا العدد الهائل من الاحزاب اذا كانت كلها مؤمنة بالجبهة العريضة وشعاراتها؟ علم ذلك عند الله. نرى من كل ذلك واضحا انه لا الحزب الشيوعي ولا الاحزاب الاخرى المنضمة او غير المضنمة الى الجبهة او الجبهات عناء تحديد الطابع الطبقي لاي حزب اخر وكأنما لم تبق اية اهمية للتمثيل الطبقي في الاحزاب.
رأينا كذلك ان الاحزاب الشيوعية حين تضطر الى التحالف مع احزاب اخرى بتي برجوازية او برجوازية تحتفظ بسياساتها الخاصة وتخوض نضالاتها المنفصلة اضافة الى مشاركتها في الجبهة. فاذا تعارضت سياساتها مع سياسة الجبهة فتمنح الافضلية لسياساتها وليس لسياسة الجبهة. ولكننا لا نجد في سياسة او تثقيف او ادبيات الحزب الشيوعي اية اشارة الى سياسة او شعارات او تأكيدات على الفرق بين سياسته الخاصة وسياسته في الجبهة. فالجبهة لدى الحزب احتلت محل الشعار الاستراتيجي. فالكل في سبيل الجبهة العريضة. ولهذا اصبح الحزب الشيوعي مجرد واحد من الاحزاب المكونة للجبهة لا فرق بينه وبين الاحزاب الاخرى في شيء. وليس في سياسات وشعارات الحزب الشيوعي اي شيء يجتذب العامل اليه اكثر من انجذابه الى الاحزاب الاخرى. واذا كان هذا الحزب مثل سائر الاحزاب فمن الافضل ان ينتمي العامل البسيط الى حزب اخر لا يتعرض الى نفس الدرجة من الاضطهاد الذي يتعرض له الشيوعيون.
رأينا كذلك ان الحزب الشيوعي يجب الا ينسى شعاره الاستراتيجي ولو لحظة واحدة سواء بوجود الجبهة او عدمه وان الحزب الذي ينسى شعاره الاستراتيجي لحظة لن يبقى حزبا شيوعيا خلال تلك اللحظة. والحزب الشيوعي العراقي لم يذكر شعاره الاستراتيجي منذ ١٩٥٦ وهو لا يتحدث عن هدف الاستيلاء على السلطة واقامة دولة اشتراكية (ولا تقل دكتاتورية البروليتاريا لان هذه الدكتاتورية من مخلفات ستالين) بل يحلم في ان تأتي حكومة وطنية تفسح المجال للبروليتاريا للانتقال سلميا الى المرحلة الاشتراكية. وقد سبق لهذا الحزب ان تحالف مع حزب البعث تحالفا لا مرحليا ولا مؤقتا حتى الاشتراكية ظنا بان حكومة البعث هي الحكومة الوطنية المنتظرة. كما سبق له ان ايد وخدم حكومة عبد الكريم قاسم البرجوازية لانه تعشم فيها الحكومة الوطنية التي راها في احلامه. وبعد ذلك وضع اماله في حكومة عبد السلام عارف على انها الحكومة الوطنية المطلوبة. ان هذا الحزب اذن ينتظر من غيره ان يبني له الاشتراكية ولا يفكر هو نفسه ببناء الاشتراكية باية صورة.
ورأينا ايضا ان الجبهات لا يمكن عقدها مع عدو الثورة المباشر، اي الطبقة الحاكمة التي ينبغي اسقاطها لغرض الانتقال الى مرحلة جديدة. ورأينا ان المرحلة التي يجتازها العراق منذ يوم ١٤ تموز ١٩٥٨ هو مرحلة الثورة الاشتراكية التي اصبحت فيها البرجوازية طبقة حاكمة ينبغي اسقاطها من اجل الانتقال الى الاشتراكية. الا ان الحزب ما زال يعتقد بان المرحلة التي يجتازها العراق ما زالت كما كانت عليه قبل ثورة ١٤ تموز، اي مرحلة الثورة البرجوازية رغم اعترافه بان هذه الحكومة هي حكومة برجوازية بحجة استكمال الثورة او تحقيق اهدافها وهو ما لا يمكن تحقيقه في ظل الحكم البرجوازي. وبذلك اصبح الحزب الشيوعي حزبا رجعيا يريد ارجاع عجلة التاريخ الى الوراء وادامة النظام الاقتصادي البرجوازي. ونتيجة لذلك فانه لا يميز بين حزب بتي برجوازي وحزب برجوازي وانما يدعو كل معارض ولو بمجرد الكلام لسياسة صدام من اقصى اليسار الى اقصى اليمين الى تشكيل الجبهة العريضة. بل ويطلب من البرجوازية التفضل على الطبقة العاملة بالسماح لها بالغاء نظامها البرجوازي وبناء مجتمع اشتراكي.
ان الجبهات التي عقدت او التي ستعقد خارج العراق سواء اعقدت في سورية ام في ليبيا ام في اليمن ام في موسكو ام في براغ ليست في الواقع سوى جبهات ورقية تقتصر اساليب نضالها على الثرثرة في المؤتمرات التي تعقد تحت رعاية رؤساء الجمهوريات وبتمويلهم السخي وعلى صفحات الجرائد والمجلات ويقتصر تأثيرها السياسي على تخدير عقول العراقيين ذوي الضمائر الحية الذين يريدون حقا ان يفعلوا شيئا في سبيل اخراج العراق من الورطة التي تحيط به وتحرير الشعب من سيطرة البرجوازية التي انتفخت جيوبها واكتضت خزائنها سوية مع قوارين المال بالذهب المستمد من دماء الشعب. وليس لهذه الجبهات امل في تحقيق اي تغيير سياسي في العراق على اساس عمل جماهيري لانها في واد والجماهير في واد. وكل ما تحلم به هو ان تفلح احدى المؤامرات العديدة التي تعدها عناصر شتى بالتحالف مع دول عربية او اجنبية مختلفة لاحداث انقلاب عسكري او لاغتيال صدام او ازاحته باية صورة كانت واذ ذاك يبدأ كل عضو في الجبهة بالبحث عن لقمة سائغة مما تبقى من الكعكة البرجوازية بعد الدمار الذي حل بالعراق طيلة هذه العقود وحرمان اعضاء الجبهة الاخرين منها.
وقد يقول قائل ان جبهة جود كانت منذ سنوات عديدة وما زالت تخوض حرب انصار فعلية ضد النظام الغاشم وتقدم في سبيل ذلك ضحايا غزيرة. وهذا صحيح. ولكن هل تشكل جود في تركيبها جبهة نضالية حقيقية تستطيع التطور وتحويل حرب الانصار الى ثورة شاملة لقلب النظام؟ للاجابة على هذا السؤال علينا ان نفحص تركيب جود واساليب نضالها.
تتألف جبهة جود، وهي الجبهة التي يعتبرها الحزب الشيوعي نموذجا مصغرا مثاليا للجبهة العريضة المنشودة، من عدة احزاب متحالفة على اساس القتال المسلح ضد النظام. وتوجد لكل حزب من هذه الاحزاب بيشمركة خاصة به او الانصار المنتمين اليه ويحاربون تحت قيادته ووفقا لاوامره. كل جماعة تحارب على حدة وتعتبر كل منطقة تحوز عليها منطقتها. ونرى ذلك واضحا حتى في اخبار القتال التي تنشرها جرائد الحزب والجرائد الاخرى المنتمية او المؤيدة لجود مثل الغد الديمقراطي الصادرة في دمشق. تشير الاخبار عادة الى ان بيشمركة الحزب الشيوعي خاضت المعركة الفلانية وكبدت العدو كذا وكذا من الخسائر او ان بيشمركة الحزب سوية مع بيشمركة حزب كذا اصطدمت بقوات الحكومة في قرية كذا.
ان هذا التعدد في القوات والقيادات يعني تفكك القوى المحاربة وعدم وجود قيادة موحدة لها تضع الخطط الموحدة التي تخضع لها جميع قوات الانصار، وتشرف على المعارك المختلفة واضعة تكتيكها وفق استراتيجي واحد محدد في القتال. كما يعني هذا التفكك عدم امكانية تطوير حرب الانصار المتفرقة الى حرب جبهوية في المستقبل وتحويل مختلف فرق الانصار الى نواة جيش شعبي يؤلف جيش الثورة وجيش حكومة الثورة في المستقبل. لذا فان حرب الانصار القائمة لا تشكل سوى مضايقة طفيفة للحكومة الحالية.
وينطوي تعدد القوات في جبهة جود ايضا على امكانية المنافسة والتسابق. اذ ان بيشمركة كل حزب تعمل على الاستيلاء على مناطق اوسع من الاخرى مما قد يؤدي احيانا الى التصادم المسلح او غير المسلح بين قوات جود ذاتها. وقد سمعنا عن حوادث من هذا القبيل اما بصورة مباشرة صريحة ام في نداءات وقف الصراعات الداخلية حتى في منشورات احزاب جود.
واذا كانت هذه المنافسة تجري بصورة علنية او مستورة خلال التحالف لمحاربة النظام القائم فلا شك انها ستظهر للعيان وبصورة اشد خطورة بعد سقوط الحكومة الحالية ونشوء حكومة جديدة.
اضافة الى وجود الجيوش المتعددة داخل الجبهة توجد احزاب اخرى وجبهات اخرى لها بيشمركة وقوات خاصة بها. وسبق ان راينا كيف ان قوات الاتحاد الوطني الكردستاني (اوك) تحولت بصورة مفاجئة من خندق معارضة الحكومة الى خندق الحكومة وشنت هجومها المفاجئ على مقرات بيشمركة الحزب الشيوعي ومقرات جود الاخرى وفتكت باعداد كبيرة من الرجال والنساء والاطفال وحين هدأت سورة الغضب من الطرفين تاب اوك وعاد الى حضيرة المقاومة وعادت قيادات جود الى مفاوضة قيادة اوك وتتوجت المفاوضات بالنجاح واعتبر ذلك نجاحا لجود ولفكرة الجبهة العريضة (وقد دخل الحزب الشيوعي مع اربعة احزاب اخرى كردية من ضمنها اوك في جبهة جديدة). فمن الضامن في الا تعود قيادة اوك في حالة سكر او في حالة استياء من سياسة احد اطراف جود او الجبهة الجديدة الى شن هجوم مفاجئ اشد من سابقه؟
ان جود نفسها اذن ليست جبهة موحدة حقيقية وليست لها القدرة بتركيبها الحالي على توسيع حرب الانصار المبعثرة الى حرب ثورية جبهوية تسقط النظام القائم وتكون جيشا شعبيا للحكومة الديمقراطية المقبلة.
وضع هذا المقال نصب عينيه دراسة الجبهات من جانبيهما : الجانب الماركسي اللينيني والجانب الانتهازي التحريفي. لذا ليس من صلب موضوع هذا المقال بحث شعار الجبهة العريضة "الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي الحقيقي لكردستان". ومع ذلك لابد من الاشارة بصورة عابرة الى معنى الديمقراطية للعراق.
نعلم ان التحدث عن الديمقراطية بشكل مجرد لا معنى له الا اذا ارفقناه بالمحتوى الذي نقصده بالديمقراطية. وقد تبجحت البرجوازية منذ الثورة الفرنسية حتى يومنا هذا بالديمقراطية ولكنها مارست ابشع وافظع انواع الجرائم في التاريخ باسم هذه الديمقراطية وفي ظلها. وما زالت الراسمالية العالمية وعلى راسها الامبريالية الاميركية تتبجح بالحرية والديمقراطية وتتخذ ذلك حجة لتحطيم كل حركة تهدف الى التحرر من نير الاستغلال والعبودية الراسمالية. ونعلم ايضا ان التحريفيين الخروشوفيين وابناءهم واحفادهم حاربوا الاشتراكية وحولوا بلادهم من دولة اشتراكية متقدمة نحو الشيوعية الى دول راسمالية تستغل شعوبها وشعوب العالم الاخرى تحت شعار الديمقراطية. لذلك لا يمكن ان يكون اي محتوى مادي تطبيقي لشعار الديمقراطية للعراق الا اذا حدد نوع الديمقراطية المطلوب والطبقات التي تتمتع بها.
ولكن الحزب الشيوعي واحزاب الجبهة العريضة الموجودة حاليا لا تكلف نفسها عناء تحديد نوع الديمقراطية الذي تريدها او الطبقات التي ستتمتع بها. انما تترك كل ذلك للشعب يختار الحكم الديمقراطي الذي يريده. ولكننا نعرف ان التأريخ الانساني لحد الان لم يشهد حادثا واحدا اختار فيه الشعب نظام الحكم الذي يريده الا عن طريق التنظيم السياسي والقيادة الحكيمة وقيادة التنظيم السياسي المنتصرة هي التي تحدد طبيعة النظام الجديد والطبقات التي تتمتع فيه بالديمقراطية والطبقات التي تعاني فيه من الدكتاتورية. وما سيحدث في العراق بعد سقوط هذه الحكومة سيتقرر وفقا للجهة التي ستكون المنتصرة وليس وفقا لارادة الشعب العراقي.
وليس شعار الحكم الذاتي لكردستان بافضل من ذلك. فقد سبق لحزب البعث الحالي ان منح الاكراد حكما ذاتيا واعتبره الحزب الشيوعي عادلا وحقيقيا. وهذا يعني ان الحزب الشيوعي ذاته لا يستطيع التمييز بين الحكم الذاتي الحقيقي الذي يحرر كردستان جزئيا من الاستغلال القومي العربي. فهل يمكن ان يتبجح هذا الحزب بادراكه لمعنى شعار الحكم الذاتي الحقيقي لكردستان في المستقبل او ان يضمن بان تحقق احزابه الحليفة مثل هذا الحكم؟
ما الحل اذن؟
ان الحل الوحيد هو تأليف حزب شيوعي حقيقي في العراق يعلن ان المرحلة التي يجتازها العراق هي مرحلة الثورة الاشتراكية ويجتذب الجماهر الواسعة للنضال في هذا السبيل. واذ ذاك فقط، حين تلتف الجماهير حول الحزب يستطيع الحزب ان يخول لنفسه دراسة القوى المعارضة الاخرى وان يختار منها الاحزاب او المنظمات التي تكون على استعداد حقا لخوض المعارك الى جانبه وتحت قيادته من اجل الاطاحة بالبرجوازية سواء اكانت متمثلة بحكومة صدام ام بحكومة اخرى واقامة دكتاتورية البروليتاريا لبناء الاشتراكية في ظل ديمقراطية عمالية. وعلى اية حال لا يجوز لاي حزب ماركسي لينيني ان يعقد جبهة طويلة الامد مع حزب برجوازي لان البرجوازية في هذه المرحلة سواء منها الموجودة في الحكم او غير الموجودة في الحكم هي العدو الاساسي للثورة.
يجوز لحزب كهذا فقط ان يجري اتفاقات مؤقتة من اجل تحقيق اهداف بعينها وان يثقف البرولياريا وسائر الطبقات الشعبية بان هذا الاتفاق هو اتفاق وقتي مع عدو اقل خطرا من العدو الاخر في اللحظة المعينة.
الى هنا انتهى المقال كما نشر في مجلة الشيوعي في أيلول ١٩٨٨
لقد التزمت في كل مقالاتي القديمة نقلها حرفيا بدون تغيير. وهذا ما فعلته في هذا المقال لحد الان. ولكني ارجو من القراء الكرام السماح لي في هذه المقالة ان اشذ عن القاعدة وان اضيف اليها تجربة جبهة ربما كانت اعظم جبهة في تاريخ الحركة الشيوعية كلها.
في سنة ١٩٣٦ عقدت جبهة او عقد اتفاق بين الحزب الشيوعي الصيني وحكومة الكومنتانغ بقيادة جان كاي جك، الحكومة التي مارست منذ اول ايام حكمها وحتى تاريخ عقد الجبهة افظع الجرائم ضد الحزب الشيوعي وحكمت زعيمه ماو تسي تونغ بالاعدام غيابيا.
وفي اواخر ايام الحرب العراقية الايرانية وتحول بعض المعارك الى الاراضي العراقية شعر بعض قادة الحزب الشيوعي العراقي ان الحرب التي كانت منذ بدايتها حربا عدوانية من جانب العراق ضد ايران تحولت بقدرة قادر الى حرب وطنية يقوم جيش صدام فيها بالدفاع عن الوطن العراقي. وكتب زكي خيري، الذي كان من ابرز قادة الحزب الشيوعي واعرقهم، كراسا يثبت فيه ان الحرب قد اصبحت حربا عادلة للدفاع عن الوطن العراقي ودعا الشباب الشيوعي الى الالتحاق بالجيش رغم ان قيادته رجعية، ورغم وجود قانون الحكم بالاعدام على كل عسكري يثبت ان له علاقة قريبة او بعيدة بالحزب الشيوعي وتنفيذ هذا القانون فعليا على الدوام. فليس من المعقول ان يتقاعس الشيوعيون عن الدفاع عن الوطن وترك البرجوازية وحدها تقوم بهذا الدور المشرف. وقد اورد زكي خيري في كراسه عدة امثلة تثبت حسب رأيه ان البروليتاريا والشيوعيين يتفقون مع الحكم البرجوازي للدفاع عن الوطن. وكان من جملة الامثلة الجبهة الصينية التي تحالف فيها الحزب الشيوعي مع حكومة الكومنتانغ في الدفاع عن الوطن ضد الغزاة اليابانيين. وهذا ما دعاني الى اضافة هذه الفقرات الى المقال الذي كتب ونشر سنة ١٩٨٨.
كان الثوار الشيوعيون سنة ١٩٣٦ يعانون من المطاردة المستمرة لجيش الكومنتانغ التي اضطرتهم الى المسيرة الكبرى التي اودت بحياة الالاف منهم الى ان قطعوا الصين من جنوبها الى شمالها سيرا على الاقدام. كان هؤلاء الثوار يعيشون في الكهوف ويفتقرون الى ابسط وسائل العيش من غذاء وملابس واسلحة وكل شيء وفي الوقت نفسه يجابهون جيوش الحكومة المدججة بالسلاح والجيوش اليابانية الغازية التي استولت على جزء واسع من الصين.
في هذا الوضع جرت مفاوضات مع حكومة جان كاي جك وتوصل الطرفان الى ضرورة الاتفاق والتحالف للدفاع عن الوطن ضد الغزاة اليابانيين. ولكن هذا الاتفاق جرى وفقا للشروط التي فرضها الحزب الشيوعي. فقد اصبح الشيوعيون جزءا من الجيش الصيني وبذلك جهزته الحكومة بالملابس والغذاء والسلاح فتحول من عصابات تشن حرب انصار ضد الحكومة وضد الغزاة الى جيش نظامي مجهز بكل وسائل القتال اللازمة. ولكن شرط الحزب الشيوعي كان ان يكون هذا الجيش منفصلا عن الجيش الحكومي وان تكون قيادته قيادة شيوعية وان يحتفظ بكل منطقة يحررها من الغزاة اليابانيين تحت سيطرته. وفعلا حرر الجيش الشيوعي مساحات شاسعة من الصين وكان يحقق مهام الثورة البرجوازية كالاصلاح الزراعي والقضاء على الاقطاعيين في كل منطقة يحررها. فاصبح لدى انتهاء الحرب العالمية الثانية جيشا جبارا يحكم منطقة تضم مئات الملايين من البشر. ولم يسمح الجيش الشيوعي في فترة الجبهة للجيش الحكومي بالتدخل في شؤونه باي شكل من الاشكال. وحين كان يتجرأ الجيش الحكومي بالتحرش بالجيش الشيوعي كان الاخير يرد عليه بكل ما لديه من قوة.
بعد انتهاء الحرب وانسحاب اليابانيين نهائيا من الاراضي الصينية طلب جان كاي جك حل الجيش الشيوعي واستعادة المناطق الواقعة تحت سيطرته بتأييد اميركا التي كانت تزوده باحدث الاسلحة. ولكن الحزب الشيوعي رفض ذلك مما ادى الى التصادم والى تحرير الارض الصينية كليا من حكومة الكومنتانغ وهروبها الى تايوان وتكوين الجمهورية الشعبية الصينية بقيادة الحزب الشيوعي. ان التاريخ اثبت ان هذه الجبهة كانت اعظم جبهة في تأريخ الحركة الشيوعية كله.
هل يشبه هذا التحالف باي شكل من الاشكال التحاق الشباب الشيوعي العراقي في الجيش الذي يقوده صدام؟ اي مصير كان ينتظر هؤلاء الشيوعيين بعد انقاذ الوطن من من العدوان الايراني؟ هل كان صدام سيعفي هؤلاء الشيوعيين من حكم الاعدام؟ وهل كان الشيوعيون سيرفضون المساهمة في حرب الابادة التي شنها صدام ضد الشعب الكردي او في احتلال الكويت؟ ان علم ذلك عند القادة الشيوعيين.
 

[1] كتب هذا المقال خصيصا لمجلة الشيوعي التي صدر منها ثلاثة اعداد في الدانمارك ونشرت في العدد الثالث في شهر ايلول ١٩٨٨



#حسقيل_قوجمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبادة الشخصية بين المادية والمثالية
- عراق اليوم بنظر ماركسي يتتبع الاحداث من بعيد
- الحوار المتمدن
- مستلزمات انشاء الحزب البروليتاري الجديد
- من يزرع الريح يحصد العاصفة - حول انهيار المانيا الشرقية واتح ...
- أنهاية حرب باردة ام بداية حرب حارة؟
- دفاع عن الماركسية في محنتها
- التعايش السلمي من ستالين الى خروشوف
- أزمة الخليج
- زواري الاعزاء
- ذكرياتي في سجون العراق السياسية- الجزء الاول
- ذكرياتي في سجون العراق السياسية- الجزء الثاني
- معركة تفكيك الرؤوس الذرية
- الحرب العالمية الثالثة خصائصها المميزة
- خطرات من قراءة كتاب عزيز سباهي - عقود من تاريخ الحزب الشيوعي ...
- خطرات من قراءة كتاب عزيز سباهي - عقود من تاريخ الحزب الشيوعي ...
- كتاب : الثورة التكنولوجية واقتصاد العولمة - الجزء الاول
- كتاب : الثورة التكنولوجية واقتصاد العولمة - الجزء الثاني
- كتاب : الثورة التكنولوجية واقتصاد العولمة - الجزء الثالث
- كتاب - خارطة طريق الولايات المتحدة الاميركية برؤية ماركسية - ...


المزيد.....




- هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال ...
- الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف ...
- السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا ...
- بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو ...
- حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء ...
- الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا ...
- جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر ...
- بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
- «الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد ...
- الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»


المزيد.....

- الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) / شادي الشماوي
- هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي ... / ثاناسيس سبانيديس
- حركة المثليين: التحرر والثورة / أليسيو ماركوني
- إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات ... / شادي الشماوي
- المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب - ... / شادي الشماوي
- ماركس الثورة واليسار / محمد الهلالي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حسقيل قوجمان - سياسة الاحلاف والجبهات بين الماركسية والانتهازية