حازم الحسوني
الحوار المتمدن-العدد: 689 - 2003 / 12 / 21 - 09:16
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
سيطر خبر أعتقال صدام , قبل عدة أيام على كل وسائل الأعلام في العالم , فقد كُتب الكثير وتعددت الروايات حول طريقة القبض على الدكتاتور ( تخدير , أستسلام , صفقة , خيانة...ألخ) فهذهِ الروايات في واقع الحال , لن تغير من الحقيقة المُعلنة وهي أعتقال صدام ووقوعهِ في الأسر عند الأمريكان , بغض النظر عن الوسيلة ,وقبل ذكر الدوافع وراء أعتقال صدام وعدم قتلهِ , نقول, أن امريكا لاتفكر الا بمشروعها السياسي الجديد في المنطقة , فهيَ جادة بإزالة العراقيل التي تقف في وجه هذا المشروع وفيما يتعلق الأمر بصدام فهي حقاًَ غير معنية بما أرتكبهُ صدام ضد الشعب العراقي و ضد معارضيه ولا حتى بالحروب التي أشعلها ضد جيرانهِ وأنما معنية بدرجة أساسية بالمعلومات ,التي بمقدور صدام وحدهُ الأفصاح عنها وهيَ :
1ـ أسلحة الدمار الشامل وما الذي حصل بها وخصوصاً في فترة غياب المفتشين , فهل لازالت بقاياها موجودة في العراق أم سربت الى دول أخرى وأين ؟ وما الذي حصل بالوثائق والمعلومات السرية حولها ( الدول , الشركات , العلماء ..) وغيرها من الأمور التي تخص برامج أسلحة الدمار الشامل.
2ـ الكشف عن صفقات التسليح خلال فترة الحصار وخاصة من دول مثل روسيا وفرنسا وألمانيا والصين وغيرها , لأستخدام هذهِ الورقة في الضغط على هذهِ الدول ودفعها للمشاركة في أرسال القوات العسكرية و الدعم المالي, والضغط عليها مستقبلا ً,لأستصدار قرار جديد من الأمم المتحدة حول ذلك .
3ـ معرفة مصير الأموال والأرصدة المسجلة بأسم صدام أو أقاربهِ في البنوك الدولية , والكشف عن البنوك والمؤسسات المالية والحكومات والأحزاب واعضاء البرلمانات المختلفة في العالم والصحف والصحفيين ووسائل الأعلام ...ألخ التي كانت تُدار و تمُول من صدام ونظامهِ , طيلة العقود المنصرمة .
4ـ التعرف على طبيعة العلاقة مع تنظيم القاعدة وبقية المنظمات الأرهابية التي كانت تتلقى الدعم والمساعدة من نظام صدام , فهذهِ ورقة مهمة كما هي َالفقرة الأولى والتي يود بوش سماعها , للأستفادة منها في حملتهِ الأنتخابية المقبلة في تبرير الحرب .
5ـ الأفصاح عن عمل المخابرات العراقية وشبكاتها التجسسية وعلاقتها بالمخابرات الدولية الأخرى ومعرفة تأثيرها على أسرائيل والمصالح الأمريكية في المنطقة والعالم .
6ـ التعرف على أسلوب عمل المخابرات العراقية وشبكات التجسس والتخريب والأستفادة من الركائز المعلوماتية , الموجه َ ضد دول الجوار وخاصة أيران وسوريا , وكذلك اسلوب العمل مع القوى السياسية العراقية , تحسباً للمستقبل .
بتقديري هذهِ أهم الأسباب والدوافع التي حالت دون اقدام امريكا على قتل صدام , ويتضح من خلالها , أنهُ هناك مصلحة أمريكية خالصة بالبقاء عليهِ لحين تنقشع غيمة الأنتخابات الأمريكية وبعدها يحُدد مصيرهِ , فهو في كل الأحوال لم يعد ورقة مثمرة لأمريكا , فهذهِ الورقة الصدامية يجب حرقها أو أبعادها عن الساحة بعد أن أستنفذت دورها المرسوم , منذُ قرابة أربعة عقود , وطبيعي لم يخطر ببال أمريكا تسليم صدام مباشرة الى العراقيين , حرصاً على هذهِ المعلومات , ولكي لاتفقد السيطرة على مفردات الملف العراقي وتطوراتهِ .
محاكمة صدام
هناك من يعتقد او يود أن يرى محكمة عراقية خالصة ومعنية بمحاكمة صدام عن كل الجرائم التي أرتكبها بحق الشعب العراقي , أي محكمة تُعنى بالشأن العراقي فقط, وهناك من يريد ان يرى محكمة دولية لمحاكمة صدام عن الجرائم التي ارتكبها ضد الدول وتهديدهُ للسلام العالمي . الموضوع كما نرى شائك ومعقد , فهناك تداخل بين مسؤولية صدام ونظامهِ عن مجمل الجرائم , التي لاتعد ولاتحصى ضد الشعب العراقي ومسؤوليتهِ عن الحروب التي أشعلها ضد أيران والكويت , ولكن هذهِ الحروب تمت بدعم ومباركة أمريكية , وكانت هناك أيضاً الكثير من الدول التي لها مصلحة في هاتين الحربين ووقفت داعمة لهما , ففي الحرب الأولى وقفت أغلب الدول العربية ومن بينها دول الخليج مع صدام بحجة حماية البوابة الشرقية للوطن العربي , كما وقفت أوربا وأسرائيل نفس الموقف , فمدوا صدام بكل عوامل البقاء وأستمرار الحرب , فالضحية كان الشعب العراقي والأيراني , اللذين دفعا من أبنائهما قرابة المليون ونصف المليون ضحية بين قتيل ومعوق ,فمن يتحمل المسؤولية عن كل هذهِ الضحايا هل صدام بمفردهِ , أم هذهِ الأطراف مجتمعة ؟ ومن يعوض ذوي الضحايا ؟ وفي الحرب الثانية على دولة الكويت ( كان المخطط الأمريكي واضح ولانريد الخوض في تفاصيلهِ فقد كُتب عنهُ الكثير ) ففي الوقت الذي كان الشعب الكويتي الضحية للأحتلال, كان الشعب العراقي هو الضحية أيضاً جراء الحرب وتدمير البنية التحتية للعراق , وقمع الأنتفاضة والحصار الأقتصادي الذي ترتب على أثر غزو الكويت , فمن يتحمل مسؤولية الضحايا التي سقطت ؟ الواضح , أن شعوب المنطقة كانت هي ّ الضحية ولكي نسمي الأشياء بأسمائها , نقول , أن المسؤولية تقع على أمريكا وكل من لهُ مصلحة في ظهور الأمبراطورية الأمريكية الجديدة , هنا لايمكن تبرئة أو نفي مسؤولية الحكام العرب ( سلاطين وامراء وملوك ورؤساء جمهوريات ) فهم كانوا أدوات التنفيذ وكلٌ منهم حسب دوافعهِ ومصالحهِ الخاصة .
ستدفع الأدارة الأمريكية مع أقتراب موعد الأنتخابات ( بعد أن تم احتلال العراق وألقاء القبض على صدام ) بأتجاه الدفاع عن حقوق الشعب العراقي , في أقامة محكمة عراقية لمحاكمة صدام وأركانَ نظامه , على كل الجرائم التي ارتكبوها ضد العراقيين والعراقيات طيلة فترة حكمهم الأسود على العراق , ولكن ستفرض بنفس الوقت أجندتها على سير أعمال هذهِ المحكمة , وتركز على كل جرائم صدام ضد الشعب العراقي فقط , لأن اي محاولة لتحويل هذهِ المحكمة الى الأطار الدولي , ستجلب بلاشك الكثير من المتاعب والأسئلة الحرجة ضد الأمريكان , بكلمة أخرى تعني فتح ملفات عمرها أربعة عقود أو أكثر من المسؤولية عن بقاء صدام وبقية الحكام العرب , وفتح الملفات الأمنية والمخابراتية والمالية ..ألخ من هنا أستطيع أن أجزم , بأن امريكا سوف لن تسمح باقامة محكمة دولية لمحاكمة صدام وأركان نظامهِ على غرار محاكمة ميلوسوفيش , فمن العروف ان أي طلب من هذا النوع ( محكمة دولية لجرائم الحرب ) يجب أن تتقدم بهِ الدول , فالدول المُرشحة في هذا المجال هيّ ( أيران والكويت , وممكن دخول أسرائيل وأمريكا على الخط ) فسوف تضغط أمريكا على الكويت بعدم المطالبة هذهِ ,تجنباً لفتح ملفات الدور الخليجي في الحرب على أيران ومجمل الدعم الذي قُدم لحكم صدام طيلة فترة السبعينيات والثمانيات من القرن الماضي , وسوف تضغط على أيران بعمل نفس الشئ مستغلة موضوعة البرنامج النووي الأيراني ومجاهدي خلق وحقوق الأنسان وأستخدام الأسلحة الكيمياوية في الحرب ضد العراق وغيرها من أوراق الضغط . أما أسرائيل فستجد نفسها , مُحقه في المطالبة بمحاكمة صدام , مُستغلة موضوعة الصواريخ التي نزلت عليها في حرب الخليج الثانية , دون أن تدخل رسمياً في الحرب ! ؟ وستستغل الملفات التي بحوزة صدام للضغط على المنظمات الفلسطينية صاحبة العلاقة مع صدام وخصوصاً في هذا الظرف (ظرف مكافحة الأرهاب ! ؟ ) في فرض رؤيتها السياسية لحل القضية الفلسطينية , فهل يفكر الأخوة العرب والفلسطينين خصوصاً , بآثار صواريخ القعقاع , وتأثير نظام صدام على قضية العرب الأولى . أعتقد أن أسرائيل ستسحب المطالبة هذهِ طالما أحُتل العراق وأصبحَ تحت الأمرة الأمريكية , وبنفس الوقت لتجنب إثارة الملفات والعلاقات السرية الأسرائيلية مع الحكام العرب . الطرف الدولي المتبقي والذي ممكن أن يتقدم بطلب محاكمة صدام دولياً هو الطرف الأمريكي , وهنا ممكن أن تُثار موضوعة مسؤولية صدام عن قتل الجنود الأمريكان وتنظيم مايسمى بالمقاومة وخصوصاً بعد الأول من آيار , تاريخ أنهاء العمليات العسكرية في العراق , ولكن هذهِ الورقة ممكن غض الطرف عنها , طالما الملف العراقي بمجملهِ بيد الأمريكان . فلهذهِ الأسباب مجتمعة ً أستبعد امكانية عقد محكمة دولية لمحاكمة صدام وأركان نظامهِ بسبب جرائم الحرب والتطهير العرقي وتهديد السلام العالمي ..الخ .
بعد أن أستبعدنا امكانية عقد محكمة دولية لمحاكمةصدام على جرائم الحرب , ونرفض أن تكون المحكمة مقتصرة على مسؤولية صدام واركانَ نظامهِ لوحدهم , عن كل الجرائم والتدمير الذي حل بالعراق أرضاً وشعباً وتخلف حضاري وفقر..الخ كما تُريد أمريكا أن تجعلها, فيحق لنا أن نطالب كعراقيين بمحكمة عراقية على :
1ـأن يتم تعيين وأنتخاب القضاة والحكام من قبل العراقيين انفسهم , دون تدخل وإملاءات من أي طرف ً كان .
2ـ أن تعُقد المحكمة في العراق مع أهمية وضرورة , مشاركة قضاة دوليين نزيهين كمساعدين , غير مرتبطين بالأمريكان واللوبي الصهيوني , مع التأكيد على أشراف الأمم المتحدة و حضور الأتحاد الأوربي وبقية التجمعات الدولية الأخرى , كمراقبين وحضور جلسات المحكمة وكشهود على مجرياتها أيضاً والتي يجب أن تكون علنية .
3ـ أن تحضر وفود المنظمات الأنسانية الدولية مثلا ً منظمة العفو الدولية وأطباء بلا حدود والسلام الأخضر, لما أصاب البيئة العراقية من تدمير وكذلك المنظمات التي تعُنى بالطفولة والمرأة ..ألخ لما لهذهِ المنظمات من أمكانية في التوثيق وخبرة في محاكمة مجرمي الحرب .
4ـ أن تكون لها الجرأة في أستجواب ممثلي الدول التي مدت وساعدت صدام في حروبهِ وتكتمت على كل أنتهاكات حقوق الأنسان العراقي .
5ـ أن تطرح موضوعة الدمار الشامل الذي أصاب العراق , أرضاً وشعباً , جراء الحربين الأخيرتين والتدمير المنظم والغير مبرر للبنية التحتية وركائز الأقتصاد العراقي , الذي مارستهُ القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها والمطالبة بالتعويضات لضحايا الحصار الأقتصادي الذي أنهك الشعب وخاصة الأطفال , فهيّ جريمة حرب لايمكن غض الطرف عنها .
6ـ أن تُطالب المحكمة , بألغاء كل الديون المترتبة على العراق , فالشعب العراقي غير مسؤول عن تلك الديون , فهي كانت للحروب التي خاضها صدام ونظامهِ نيابة ً عن أمريكا وأتباعها .
أني لاأستبعد تماماً الضغوط التي ستمارسها قوات الاحتلال الأمريكي على الحكومة الأنتقالية بعد تشكيلها في يونيو المقبل(لأنهُ من غير المتوقع عقد المحكمة هذهِ في الظروف الحالية ) لأعطائها صبغة الشرعية ولتسجيلها مكسب يضاف الى سجل جورج بوش الأنتخابي , فالضغوط ستنصب على , حصرها في جرائم صدام على الشعب العراقي وعدم فتح الملفات الأخرى , ولكن سيكون بمقدور القوى السياسية وضحايا النظام وضحايا المؤامرة الدولية على الشعب العراقي طيلة أربعة عقود , أن يتحركوا بمظاهرات ومسيرات أحتجاجية مطالبين بحقوقهم وتشكيل ورقة ضغط قوية على القوات المحتلة وأمام المجتمع الدولي في أثناء انعقاد جلسات المحكمة . ستكون بلاشك أيام عقد جلسات محكمة مجرمي الحرب عرساً شعبياً حقيقياً للعراقيين وهم يرون المجرمين ورأسهم صدام في قفص الأتهام وأن تُكشف كل الأوراق المستورة وتنغلق صفحة مظلمة والى الأبد من تاريخ العراق الحديث , صفحة تميزت بسياسة الحزب الواحد وأحتكار السلطة وإلغاء الأخر وأنعدام الديمقراطية وهدر حقوق الأنسان والتطهير العرقي الشوفيني , فليكن لنا نحنُ العراقيون من تجربة صدام وحزب البعث درساً تاريخياً وأن لانسمح بأحتكار السلطة تحتَ أي مسمى كان , قومياً أو دينياً أو مذهبياً , فالمؤمن لايُلدغ من جحرهِ مرتين .
السويد
19-12-2003
#حازم_الحسوني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟