|
من الذى يحمى أراضى الدولة؟!
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 2224 - 2008 / 3 / 18 - 10:53
المحور:
الادارة و الاقتصاد
فجر الكاتب والشاعر الكبير فاروق جويدة قضية خطيرة جديدة، يوم الجمعة الماضى فى مقاله الأسبوعى بـ "الأهرام". والقضية باختصار هى صفقة أخرى مريبة تجرى بين الحكومة وإحدى شركات الاستثمار.. وتدور حول 26 ألف فدان، أى اكثر من 110 مليون متر مربع من الأراضى .. تقع فى قلب محافظة الجيزة، وبالتحديد فى زمام مركز العياط بجوار ترعة الجيزة على بعد أمتار من مياه النيل ولها موافقة من وزارة الموارد المائية للترخيص بفتحة مياه خاصة ليتم الرى من مياه النيل مباشرة، وفى الوقت الذى كان الجميع ينتظر فيه أن تتم زراعة هذه المساحة الضخمة بحيث تشارك فى زيادة إنتاجنا الزراعى وافقت الحكومة أخيرا بقرار من مجلس الوزراء على تحويل كل هذه المساحة فجأة إلى أرض بناء حيث يجرى تقسيمها لكى تباع بالمتر رغم أن الشركة اشترت الفدان بسعر 200 جنيه فقط . وإزاء هذا السيناريو الكابوسى يطرح فاروق جويدة خمسة أسئلة: 1- لماذا تبيع الدولة المصرية فدان الأراضى فى مركز العياط بقلب الجيزة بسعر 200 جنيه للفدان؟ (حدث هذا عام 2001 حين وافق مجلس الوزراء على تخصيص هذه المساحة بهذا الثمن التافه للشركة المصرية الكويتية لاستصلاح الأراضى). 2- كيف يتم سريان تعاقد أخلت فيه الشركة بكل التعهدات وأهمها استصلاح هذه الاراضى وزراعتها؟ 3- كيف قبلت الحكومة المصرية بمبدأ تحويل هذه المساحة إلى أراضي بناء، وبهذا السعر المضحك لأنه لا يوجد فى مصر كلها متر أرض بناء سعره عشرة جنيهات حتى فى الواحات! 4- بحسبة بسيطة هذه المساحة من أراضى البناء تزيد قيمتها على 55 مليار جنيه على أساس أنها 26 ألف فدان أى 110 مليون متر مربع. فإذا كان سعر المتر 500 جنيه فإن حجم الصفقة يصل إلى 55 مليار جنيه فكيف تبيعها الحكومة على أساس 10 جنيهات للمتر أى بثمن اجمالى مليار جنيه فقط. وأى المشروعات فى الدنيا يحقق هذا الربح ما بين مليار واحد و55 مليار جنيه. 5- على أى أساس أو أى مبدأ وافق مجلس الوزراء على تحويل هذه المساحة إلى أراضى بناء أصلا؟! *** هذه الكارثة التى التقط الزميل والصديق فاروق جويدة خيوطها المذهلة تمثل فضيحة متكاملة الأركان وتتطلب رداً من كل الأطراف المسئولة عنها، لكن المؤسف أن هذه الكارثة المروعة – على بشاعتها – ليست إلا غيضا من فيض، وليست سوى الجزء البارز من جبل الجليد الذى يختفى معظمه تحت السطح. فهى مجرد حلقة من سلسلة طويلة بشعة، حيث التعدى على أراضى الدولة مسلسل طويل لم تنته حلقاته بعد، فمافيا الاستيلاء على الاراضى منتشرة فى جميع أنحاء الجمهورية وتعمل بطريقة منسقة بالتعاون مع بعض كبار البيروقراطيين فى جهاز الدولة. وهذا ليس كلاما مرسلا وإنما هو ما أكده تقرير صادر عن "المركز القومى لحماية أراضى الدولة كشف فيه عن إهدار الحكومة لموارد بيع أراضى الدولة تصل قيمتها إلى 200 مليار جنيه، مؤكدا على فشل الحكومة فى حماية أملاك الدولة وسعى بعض المسئولين إلى تقنين هذه الأوضاع بالمخالفة لقرارات جمهورية وقوانين صدرت منذ عام 2001 تحظر تقنين حالة الأراضى بهذا النظام نهائيا. وأشار التقرير الذى عرض على 17 جهة بوزارات ومواقع مختلفة، إلى تنازع ثلاث جهات حكومية فى السيطرة على الاراضى وتسابق كل منها على بيع ما لديها من مساحات دون وجود خطة حكومية محكمة تضمن استغلالها بدقة وتحقق العائد المادى المطلوب للدولة وتعمل على ضمان استغلال المشترين لهذه الأراضى فى الأغراض المخصصة لها. وأوضح التقرير – على سبيل المثال – أن وزارة الزراعة لجأت إلى خفض سعر المتر فى الاراضى الجديدة من 35 جنيها إلى 7 جنيهات بغرض إتاحة الفرصة لاستصلاح الاراضى وزراعتها- وهذا أمر جيد - كما منحت أراضى للاستصلاح لشركات بسعر 50 جنيها للفدان إلا أن هذه الشركات تولت بدورها بيعها كمساحات للمبانى بسعر يتراوح ما بين 50 ألف جنيه ومليون جنيه للفدان. وأشار التقرير – كذلك – إلى حصول قيادات وشخصيات رفيعة المستوى على مساحات تقدر بنحو 300 فدان فى أول طريق القاهرة- أسكندرية الصحراوى بسعر 7 ألاف جنيه للفدان ثم حصلت هذه الشخصيات المرموقة والمحظوظة على تراخيص من جهاز مدينة 6 أكتوبر بضم هذه الاراضى الى كردون المدينة ومد شبكات الكهرباء والمياه العامة إليها وذلك بالمخالفة للقانون وإعادة بيع الفدان بسعر مليون جنيه. وفى نهايته طالب التقرير مجلس الوزراء بالتدخل لدى الجهات التى تتسابق على عمليات البيع والتى تتسبب فى إهدار المال العام. لكن المشكلة أن الفضيحة التى كشف عنها النقاب صديقنا وزميلنا فاروق جويدة تبين أن تقرير هذه الجهة الرقابية مثل المستجير من الرمضاء بالنار، فهو قد لجأ إلى مجلس الوزراء يطالبه بالتدخل فإذا بالأوراق التى وصلت إلى يد فاروق جويدة تبين أن مجلس الوزراء نفسه، وبجلال قدره، هو المتورط فى هذه الصفقة التى تتم بناء على موافقته! والأعجب أن مجلس الوزراء يوافق على التفريط فى 26 ألف فدان من أراضى الدولة بهذا السعر البخس لتلك الشركة المصرية الكويتية فى ذات الوقت الذى تشهد فيه أسعار أراضى البناء ارتفاعا جنونيا، شاركت فيه الحكومة نفسها بمزادات بيع الاراضى التى وصل فيها سعر المتر المربع إلى أكثر من 4 آلاف جنيه. وكان هذا الارتفاع الجنونى فى أسعار الأراضى، المتزامن مع الارتفاع المسعور فى الأسعار الاحتكارية لمواد البناء، سببا فى احتدام أزمة حصول أبناء الطبقة الوسطى على وحدة سكنية مناسبة. وهذه السياسات المتناقضة، التى تتراوح بين التفريط فى أراضى الدولة وبيعها بتراب الفلوس، وبين المغالاة فى أسعارها مما جعلها مادة للمضاربات، تفتح الباب مرة أخرى للمطالبة بوقف بيع أراضى مصر للشركات الأجنبية، وهذه ليست دعوة "أنغلاقية" ولا "شمولية" والعياذ بالله، وإنما هى نفس ما تفعله دول عربية (مثل السعودية) ودول نامية (مثل اندونيسيا). ولا أنسى أبداً كيف أن وزيرة التجارة الاندونيسية، ماريا بانجستو، قد انتفضت عندما سألتها: هل تبيعون الأرض للمستثمرين الأجانب من أجل تشجيعهم على الاستثمار لديكم، وقالت لى بصورة استنكارية: كيف نبيع تراب الوطن؟! علماً بان اندونيسيا ليست أقل منا شطارة فى جذب الاستثمارات الأجنبية، بل إنها أنجح بكثير، وعلماً أيضاً بأن هذه الدولة عبارة عن أرخبيل يتكون من آلاف مؤلفة من الجزر، المأهول منها بالسكان عدده محدود جداً، والآلاف منها خاوية على عروشها. ومع ذلك فإن إندونيسيا ترفض رفضاً قاطعاً أن تتنازل عن ملكية جزيرة واحدة منها للأجانب. *** أن "الأرض" فى كافة أنحاء ا لعالم لها دور مهم فى السياسة والاقتصاد. لكن دورها فى مصر دور متميز لدرجة جعلت مفكراً كبيراً مثل الدكتور جمال حمدان يصفه بـ "عبقرية المكان". وإذا كان ما أقصده – فى هذا المقال – عندما أتحدث عن "الأرض" ليس "الجغرافيا"، وإنما القيمة العقارية، فإننا لابد أن نتذكر أولاً وقبل كل شئ أن مصر لم تعرف الملكية الخاصة لـ "الأرض"، وبالذات "الأرض الزراعية" إلا منذ فترة قصيرة جداً، وبالتحديد عند صدور "اللائحة السعيدية" فى عصر سعيد باشا. وهى فترة بالغة القصر بالنسبة لدولة لها تاريخ عريق مثل مصر. وكثيراً ما تم استخدام هذه الأراضى الخاضعة للحكومة المركزية كمكافأة لـ "الموالاة" – بالتعبير اللبنانى – عن طريق منح الوسايا والتكايا بمئات والآف الأفدنة . ورغم أن الملكية الخاصة أصبحت مشروعة فإن الطريق إليها – فيما يبدو – ليس قانونياً دائماً، وإنما يتأتى أحياناً بـ "الدراع" أو "وضع اليد" .. أو غير ذلك من مسميات ليس لها سوى ترجمة واحدة بالعربى الفصيح هى "نهب أرض مصر". وهو نهب يحول شخصاً رقيق الحال من خانة الطاقة والفقر والإملاق إلى خانة المليونيرات والمليارديرات بمجردة "تأشيرو"!
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سنة خامسة إصلاح: وماذا بعد؟! (1)
-
حاجة تكسف: هكذا تحدث «مشرفة» منذ 83 عاما!
-
جنون -الحجر-
-
سنة خامسة إصلاح .. وماذا بعد ؟(2)
-
قراءة هادئة في أوراق عصبية
-
إنتبهوا: محمود عبدالفضيل يدق نواقيس الإنذار المبكر
-
الإهانة -الأكاديمية- لبابا الفاتيكان .. والتطاول -الفنى- على
...
-
رغيف »العيش«!
-
بارقة أمل .. من -الصعيد الجوانى- (3)
-
تعمير سيناء .. مشروع مصر القومى
-
نصف أمريكا الآخر (2)
-
السعى بين -المهندسين- و-صلاح سالم-
-
بارقة أمل .. من -الصعيد الجوانى- (1)
-
بارقة أمل .. من -الصعيد الجوانى- (2)
-
الإنفاق الحكومى.. بين العقلاء والمجانين
-
فى مجتمع غارق فى الحنين إلى الماضى ..رؤية مستقبلية لمصر
-
.. إنها الفوضى -الخلاقة-
-
حتى لا تضيع دماء شهدائنا .. هدراً
-
الكونجرس الأمريكى أمس .. والبرلمان الأوروبى اليوم .. وماذا ب
...
-
هدايا -بوش- من بنوك الخليج
المزيد.....
-
السعر كام النهاردة؟؟؟ تعرف على سعر الذهب فى العراق اليوم
-
الاحتياطي الفدرالي: عبء الديون يتصدر مخاطر الاستقرار المالي
...
-
الدين الحكومي الأمريكي يصل إلى مستوى قياسي جديد
-
صندوق النقد يرحب بالإصلاحات المصرية
-
مدفيديف: الغالبية العظمى من أسلحة العملية العسكرية الخاصة يت
...
-
-كلاشينكوف- تنفذ خطة إنتاج رشاشات -آكا – 12- المطورة لعام 20
...
-
إيلون ماسك يحطم الرقم القياسي السابق لصافي ثروته.. كم بلغت ا
...
-
اتهامات أميركية لمجموعة أداني الهندية بالرشوة تفقدها 27 مليا
...
-
تونس.. توقف بطاقات -UnionPay- الصادرة عن بنك -غازبروم- الروس
...
-
مصر.. بيان رسمي حول أزمة سفينة -التغويز- وتأثيرها محليا
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|