قبضوا على الرئيس.. هذا مستحيل.. فالرئيس لا يُقبض عليه، فهو القابض والضارب والسجّان.. نبشوا لحية الرئيس، هذا امر غير قابل للتصديق، فالرئيس لا تُنبش لحيته، بل ينبش القبور والبيوت والاعراض.. الرئيس في حفرة تحت الارض، كذبوا - وألف مرة كذبوا - الناس هم الذين يختبئون - هم الذين يخافون.. هم الذين يرتعدون فرقًا ان مرّ ذكر الرئيس في الأجواء.. انهم في الغرب لا يعرفون شيئًا عن الروحانيات.. لا يعرفون من أية مادة جبل الله الرؤساء في الشرق.. يحسبون ان الرئيس مجرّد خلطة من طين، نفخ الله فيها.. انهم يكفرون بالرئيس، لا يؤمنون به، ولا يصلون للرئيس اطلاقًا، لا يصومون له.. لا يحجّون حول قصره، ولا يشهدون حتى، بأن لا رئيس الا الرئيس..
هذا الغرب، يفسد علينا كل العادات والتقاليد، يدمّر الرموز.. يستخف بالرئيس سبحانه وتعالى، فماذا نأمل من دولة كالولايات المتحدة.. تزعم ان رئيسًا في بلادهم طاله "الخرف"، فقد الذاكرة، ولا يعرف اسمه، كيف هذا؟ ثم امعنوا في كفرهم، واتهموا رئيسًا آخر منهم، بعلاقات جنسية مع فتاة ما، حاشا للرئيس.. ويلهم من عذاب رئيس، فالرئيس قد يمهل، ولكنه، لا يهمل.
الرئيس ايها الغرب الجاهل! هو الريح والمطر والفقر والثراء.. هو القضاء والقدر، الرئيس لا يأكل الخبز مثلنا، ولا يشرب الماء او ينام و"يشخر" في نومه.. ولا يدخل دورة المياه، او يضاجع امرأة.. فخطيئة الغرب انه صوّر الرئيس بشرًا مثلنا.. يمرض مثلنا.. وينظّف قفاه مثلنا.. سبحان الرئيس عما يصفون.
فالرئيس يا جهلة التاريخ: لا اول له ولا آخر.. ولولاه، لما استطاع الله خلق هذا الكون الواسع.. وربما ان الغرب فارغ العقل والايمان والروحانيات، فمن الصعب عليه استيعاب ان الله والرئيس هما ذات الشيء.. وان الرئيس هو الله، او الله هو الرئيس.. انها قضية شرقية فلسفية معقدة، لا يبلغ ادراكها الا من آمن بالرئيس.. وطوبى لمن آمن بالرئيس، فقد استحق النجاة.
يقول الامريكان - لعنهم الرئيس الذي هو الله - لقد قبضنا على الرئيس!!! فاسخروا منهم ايها الناس! اسخروا يا من عبدتم الرئيس ولا تؤمنون بغيره وقولوا لهم: " وما امسكوه، ولا قبضوا عليه، لكن شبّه لهم".. فهل يصدق ذو عقل سليم ان الرئيس يسمح بأن يكون مقبوضًا عليه؟!! قولوا هذا الكلام في الغرب الغارق في ظلمات الكفر بالرئيس، اما في شرقنا فالرؤساء - ادامهم الله جميعًا واداموه الى ابد الآبدين - ليسوا قضية قابلة للنقاش، وكل من يتحدث بلغة غير مؤدبة عن الرئيس يجرح كرامتنا، ويطعن في معتقداتنا وايماننا..
ويعرضون علينا صورًا كاذبة، يزعمون القبض على احد آلهتنا.. واختاروا إله الكرامة العربية عن قصد وسبق اصرار.. اختاروا الاله العربي الذي حمى العرب، رفع رؤوسهم، وقادهم من نصر الى نصر، اختاروا الرئيس الاله الذي يرى كل شيء ولا احد يراه، يسمع كل حديث بين النمل، ومن بين قدميه يجري دجلة والفرات لارواء الكرامة العربية.. اختاروه حتى يسرقوا منا الكرامة والعزة والنخوة والابوّة والشجاعة والانفة والمجد والكبرياء والمروءة والعبودية.. ولن يسرقوا شيئًا من كل هذا.. نحن نعبد من نشاء. يقولون قتل مئات الآلاف!!! وهل نملك حقًا في محاسبته على تصريف الاقدار.. فكل قتيل على يديه هو عبرة.. وخلف كل مأساة يزعمون انه خلفها، لا بد ان تكون هناك حكمة.. وهيهات ان ندرك احكام الرئيس الذي لا يخطئ، أليس هو أحكم الحاكمين؟!!
وان كنت قد رفعت اليدين من امكانية اعادة الغرب الى حظيرة الايمان بالرئيس - عزّ وجل - لكنني، وحق قامة بشار، وقسمًا بعرش ملك البحرين، لم أتوقع يومًا بان يتغلغل الكفر بالرئيس بلاد العرب.. وارئيساه!!! تصوروا، ان بعض العرب يتنصّلون من ايمانهم بالرئيس. وبلغ الكفر عند بعضهم فقالوا: "إن اعتقال صدّام لم يسبب لنا الشعور بطعن في كرامتنا، لأننا لا نستمد كرامتنا من أحد".. وزاد بعضهم في الكفر والخيانة قائلا: "ان صدّام جرح كرامتنا"، ولولا ضرورة فضح الكفرة لامتنعت عن اقتباس الفئة التي قالت بوقاحة: "كنا نتمنى ان يستلمه العراقيون جثّة".. نعم، لقد خرّب الغرب عقولنا، حطم ايماننا، شوّه تقاليدنا.. وحتى الرئيس المقدّس فقد الكثير من الوهيته..
يا اخوتي العرب في كل مكان.. هبوا الى انقاذ رؤسائكم! هبوا لانقاذ آخر كنوزكم!! ضاعت العلوم، نُهبت الثروات، وهل ظلّ لدينا الا الرئيس نتنفس به ومنه وله؟ ماذا نحن في هذه الدنيا من دون الرئيس؟ هل يعرفنا احد؟ هل يسمع عنا احد شيئًا؟ من يعرف عن اليمن شيئًا؟ من يكلّف نفسه البحث عن مكان وجودها؟ لكن، حين يزور الرئيس اليمني فرنسا مثلاً، تصبح اليمن على خارطة العالم، أليس هذا بفضل الرئيس؟ وهل يعرف احد ليبيا لولا القذافي و"لوكربي"؟ وهل مصل الا هبة من مبارك؟
الرؤساء يا امّة العرب، الرؤساء!!! انهم قطرة ماء وكسرة الخبز، نفديهم بالروح والدم. واصداماه!! يزعمون انهم قبضوا عليك في حفرة مقابل قصرك على دجلة؟!! ويح العراق!! خائن يقول، بأن صدام قتل اولاده، وكافرة تزعم بان زبانية صدام اغتصبوا بناتها، وحزب عميل يدّعي بأن صدام اعدم قادته، وشاعر يقول بانه خرج من سجن صدام " مخصيًا"، وآخر خرج من السجن من دون انف، او أذن، او... ما كل هذه التبريرات التافهة؟!! هل يكفّ المؤمن الحقيقي بالله عن العبادة ان اصابه مكروه؟ فبأي حق نحاسب الرئيس ومعاذ الرئيس ان نحاسبه - لو وجد ان هذا يستحق الموت وذلك لا يحتاج الا الى عين واحدة او اذن واحدة؟ فهل نحن اكثر حكمة من الرئيس؟
ايها العرب!! هل يمكن ان نتحدث مرة واحدة بلغة العقل؟ ولغة العقل تعني، بأنك تضع نفسك ايضًا مكان الطرف الذي تحاوره، حتى تتمكن من فهم الحالة التي يعيشها، وتتعرف على الطرق التي تؤدي الى فهمه وافهامه.. وفي الحالة العراقية التي نعيشها اليوم، اكتشف عُقم الاصلاح في هذه العقلية العربية، ان استمرت على حالها.
ان مشاهدة مخلوق يتعرّض لهذا الاذلال، على الطريقة الامريكية، تثير الغضب، ليس لأن المقبوض عليه كان رئيسًا، بل لأنه انسان.. فمن المثير للاشمئزاز عرض هذه الصور.. وفي نفس الوقت املك القدرة على فهم المواطن العراقي الذي احتفل بالمناسبة، وأفهم المواطن العراقي الذي لم يستطع الا الخروج الى الشارع غاضبًا محتجًا. اما المشترك بين هذا وذاك، فذلك الخوف حتى العبادة، وذلك الحب حتى العبادة، من دون وجود مساحة مهما صغرت للعقل والمنطق.
فان اعداء صدام لم يثابروا على مقاومته، وانصاره لم يثابروا في الدفاع عنه.. وكل الافعال التي صدرت، لم تكن الا ردود فعل تسخن بسرعة وتبرد بسرعة.. وهذه السلوكية تؤدي الى تأنيب ضمير لدى الطرفين.. ويبدأ الطرفان بحياكة ونسج بطولات خيالية لتكون ارثًا للاجيال القادمة، بطولات كاذبة زائفة.. او صرخات ندم على انهزامية.
فاذا كان الشيعة في العراق يعذّبون انفسهم حتى اليوم لأن اجدادهم قبل أربعة عشر قرنًا خذلوا الحسين بن علي، ولم ينصروه حين قطع الامويون رأسه، فليس غريبًا ان يجد السنيّون في العراق اعتقال صدام او اعدامه سببًا لمسيرات تعذيب الناس لأنهم خذلوه.
ورغم كل الكلام الذي قيل وسيقال.. تبقى الحقيقة غير قابلة للتغيير.. لأنها حقيقة.. منذ الحسين بن علي حتى صدام حسين، لا قيمة للانسان العربي، لا قيمة للناس.. ليس لان الرئيس يريد ذلك وحسب.. بل لأن الشعب العربي لم يتخلص حتى اليوم من عبادة الرئيس.. لان الشعب العربي وعلى مدى التاريخ، لم يكترث لنفسه وتسجيل بؤسه ومعاناته، لقد كان تابعًا للرئيس، ولم تكن انتصاراته الا تاريخًا للرئيس.. ولم تؤثر اية هزيمة على مكانة الرئيس.
وبعيدًا عن كل نقاش حول صدام حسين، وبعيدًا عن الشخص والاسم.. لكن، يبقى منصب الرئيس احد رموز الدولة. وهذا الرمز ليس مقدسًا وليس الها.. فهل يكون صدام درسًا للرؤساء العرب.. وليس درسًا لهم لخفض هاماتهم امام العربدة الامريكية.. بل درسًا لهم لخفض هاماتهم امام ارادة شعوبهم. ولكن، هل الشعوب العربية جاهزة لاستيعاب رئيس لا يطلب منها السجود له؟!
نقلا عن موقع الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
http://www.aljabha.org/