أسعد أسعد
الحوار المتمدن-العدد: 2229 - 2008 / 3 / 23 - 08:43
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يتساءل العديد من المفكرين و الكتاب الإسلاميين في مناقشاتهم و محاوراتهم مع الكتاب المسيحيين عن أهمية التمسك بعقيدة موت المسيح و قيامته - التي هي صُلب و كيان الديانة المسيحية - و هم في المقابل يتمسكون بنص ما جاء في القرآن من سورة النساء عن نفي تهمة قتل و صلب المسيح عن اليهود, حيث يقول القرآن" وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا(157) بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا(158).
و رغم الردود الكثيرة التي قدّمها العديد من الكتّاب المسيحيين لتفسير هذه الآيات القرآنية , و أنها لا تعني في ظاهرها ما أورده المفسرون المسلمون في تفسيراتهم و شروحاتهم, فمازالت تساؤلات الكتاب المسلمين كثيرة و متنوعة. و من أهم الردود التي طرحها الكتاب المسيحيون هو "إن نفي القرآن أن يكون اليهود هم الذين صلبوا المسيح لا يعني إن المسيح لم يُصلب" حيث أنه مثبت من التاريخ و من الكتاب المقدس أنه صُلب فعلا بيد الرومان و ليس بيد اليهود.
فاليهود بحسب أحكام التوراة كانوا يقتلون من يحكموا عليه – كأن يُرجَم أو يقتل بالسيف – أولا ثم بعد ذلك إذا رأوا إن جريمته يجب التشهير بها فإنهم كانوا يعلقون جثته الميتة علي خشبة أو سارية , أما صلب الإنسان حيا و تسميره بالمسامير علي صليب فكانت طريقة إعدام رومانية و ليست يهودية , لذلك قال القرآن عن اليهود "ما قتلوه" ثم إستطرد " و ما صلبوه". و قد حاول اليهود قتل المسيح أكثر من مرة, فمرة حاولوا إلقائه من فوق جبل و أخري حاولوا أن يرجموه و لكنه كان يجتاز بينهم . فالمسيح لم يغلبه اليهود و لم يقهروه لكنه في الوقت المعيّن و بحسب النبوات السابقة في أسفار الأنبياء و أهمها أشعياء النبي هو قدم نفسه ذبيحة لله و هذا ما سنناقشه في هذه المقالة بإذن الله.
و واضح أن الآيات القرآنية في هذا المقطع كله من سورة البقرة تتكلم عن إدعاءات اليهود و إفترائهم علي المسيح و علي أمه و لا تخص بالضرورة ما حدث فعلا للمسيح . و قد تجاهل جميع المفسرين نصوص القرآن الأخري التي تتكلم عن و فاة المسيح و موته و بعثه حيا قبل رفعه إلي الله , فخالفوا نص القرآن الذي قال عن المسيح صراحة "إني متوفيك و رافعك" و أبدلوه بعقيدة إن المسيح رُفِعَ قبل أن يتوفاه الله , و هم بذلك يُبدّلون و يحرّفون كلام القرآن بفم المسيح "و سلام علي يوم ولدت و يوم أموت و يوم أبعث حيا". و يبدو أن تمسّك المفسرين المسلمين بعقيدة عدم صلب المسيح ليس إلا من باب معاندة و معاداة المسيحيين و لو علي حساب النص القرآني و تفسيره الصحيح, لأن معظم مفسري القرآن الأئمة يرجع تاريخ كتبهم إلي فترة الصراع العربي البيظنطي, و كان يجب علي هؤلاء المفسرين أن يتبعوا تكامل النصوص و الآيات القرآنية عن هذا الموضوع الواحد بدلا من تفكيكها و فصلها. و قد دفع هذا الموقف معظم المسلمين في تعليقاتهم علي المقالات التي نشرت في هذا المجال أن يتركوا مناقشة شرح الآيات القرآنية عن صلب المسيح و ينحوا صوب الهجوم علي الكتاب المقدس و الكنيسة المسيحية, حتي أنهم نبشوا في كتب النقد الغربية و ترجموها و رفضوا الإلتفات إلي الكتب التي ردت عليها متخذين من ضعف الكنيسة العربية في ترجمة كتب الرد من اللغات الأوروبية إلي اللغة العربية فرصة لإثبات دعواهم ضد الكتاب المقدس. و لم يلتفت المسلمون و لم يتطرقوا إلي مناقشة ما قدمه الكتّاب المسيحيون من تفسير لآيات القرآن التي تعني بهذا الموضوع.
و في هذا البحث سأتناول عدة موضوعات مترابطة لعلها توضح للقارئ الذي يرغب في معرفة ما هي العقيدة المسيحية السليمة عن المسيح و عمله الكفاري , و إختلاف ذلك عن ما نسبه القرآن لطائفة النصاري من عقائد تخالف المسيحية الكتابية و أن عقائد هؤلاء النصاري المذكورين في القرآن تُعد هرطقات في ضوء نصوص الكتاب المقدس و قانونية الإيمان المسيحي.
و أنا أقدم – للمسلمين و للمسيحيين - هذا البحث في نصوص كل من الكتاب المقدس و القرآن في محاولة لأن أبين صحة التعليم الإلهي و تطابق القرآن مع الكتاب المقدس في هذه القضية التي يعتبرالبت فيها هو الفرق بين الموت و الحياة.
أولا : قصة الخليقة و حقائقها المشتركة بين الكتاب المقدس و القرآن
يعرض الكتاب المقدس في سفر التكوين الاصحاح الأول لخلق السموات و الأرض و العالم الطبيعي كما نعرفه اليوم فيقول في تكوين 1: 1 "فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ -لسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ " و يورد تفصيل الخليقة في ستة أيام ابتدأت بخلق النور و إنتهت بخلق آدم و حواء. و في الاصحاح الثاني يقول "2وَفَرَغَ اللهُ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ مِنْ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ. فَاسْتَرَاحَ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ. و يعرض لنا القرآن أمور الخليقة فيقول في سورة الأعراف 54"إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ " و في سورة هود 7"وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ"و في سورة الأنبياء 33"وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ " و في سورة الفرقان 59"الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا" و آيات أخري كثيرة تتحدث عن خلق الله للسموات و الأرض في ستة أيام. و يقول سفر الخروج 20:11"لأن في ستة أيام صنع الرب السماء و الأرض و البحر و كل ما فيها و إستراح في اليوم السابع لذلك بارك الرب يوم السبت و قدسه" و واضح إن عبارة "إستراح الله في اليوم السابع" كما وردت في تلك الآيات يقابلها ما ورد في القرآن إن الله "إستوي علي العرش" بعد أن أتم الخليقة , و واضح هنا إن الله أتم الخلق في ستة أيام ثم وضع فاصلا بين عمله في خلق الخليقة و بين عمله في رعايتها. فكما أنه ليس معقول إن الله يستريح كما يستريح البشر فليس معقول أيضا إن الله يستوي علي عرش كما يفعل البشر. و هكذا نري التعبير عن إنهاء الخليقة في ستة أيام يأتي بصورة مختلفة في القرآن عنها في الكتاب المقدس, و الغرض من التعبيرين في كلا الكتابين هو إعلان الإنتهاء من الخلق الذي بدأ في فترة زمنية محددة – و إن كانت غير معلومة لنا – و إنتهي في فترة زمنية محددة أيضا. لذلك يجب مراعاة إختلاف التعبير عن نفس الشئ أو الحدث في القرآن عنه في الكتاب المقدس. و للتأكيد والأستزادة من رؤية الفرق بين تعبيرات القرآن و تعبيرات الكتاب المقدس عن الشئ الواحد نجد أنه في سفر التكوين عند بداية الخليقة يقول الكتاب المقدس "و كانت الأرض خربة و خالية و علي وجه الغمر ظلمة و روح الله يرف علي وجه المياه" بينما يقول القرآن "وكان عرشه علي الماء" و هما تعبيران لغويان مختلفان يقصد بهما نفس الشئ, أي سيادة الله علي العالم المغمور تحت ما أسماه الكتابان "الماء" و ذلك قبل أن يُظِهَر الله العالم بفعل الخليقة. لذلك يجب أن ننتبه إلي هذا الفرق و نحن ندرس الموضوعات المشتركة بين الكتاب المقدس و القرآن مع ملاحظة أن الكتاب المقدس في لغتنا العربية مترجم من اللغات العبرية و الآرامية القديمتين و اليونانية المتوسطة و ليس عربيا كالقرآن , و أن اللغة العربية التي تُرجمت إليها نسخ الكتاب المقدس التي بين أيدينا إنما هي لغة حديثة قد تمت ترجمته إليها منذ أقل من قرن و نصف فقط تقريبا بينما لغة القرآن عربية أصلية كلاسيكية كان يتكلمها العرب سكان الجزيرة العربية لأربعة عشر قرنا مضت, و هي مختلفة في معظم مصطلحاتها عن اللغة العربية التي نتكلمها اليوم.
ثانيا: البحث في من هو آدم وفي ما هية شخصيته و ما هو سبب وجوده؟
أورد لنا الكتاب المقدس تفصيل خلق آدم و حواء. و قبل أن يخلقهما الله قال في تكوين 1: 26 "وقال الله نعمل الإنسان علي صورتنا كشبهنا فيتسلطون علي سمك البحر و علي طير السماء و علي البهائم و علي كل الأرض" فهنا أوضح الله السبب الذي من أجله خلق الإنسان و أيضا الشكل أو المثال الذي خلقه عليه. و قد أكد الله طبيعة خليقته و الغرض منها فقال أيضا في الأعداد التالية 27 "فخلق الله الأنسان علي صورته. علي صورة الله خلقه. ذكرا و أنثي خلقهم 28وَبَارَكَهُمُ -للهُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَثْمِرُوا وَ-كْثُرُوا وَ-مْلأُوا -لأَرْضَ وَأَخْضِعُوهَا وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ -لْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ -لسَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى -لأَرْضِ». 29وَقَالَ -للهُ: «إِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُكُمْ كُلَّ بَقْلٍ يُبْزِرُ بِزْراً عَلَى وَجْهِ كُلِّ -لأَرْضِ وَكُلَّ شَجَرٍ فِيهِ ثَمَرُ شَجَرٍ يُبْزِرُ بِزْراً لَكُمْ يَكُونُ طَعَاماً. 30وَلِكُلِّ حَيَوَانِ -لأَرْضِ وَكُلِّ طَيْرِ -لسَّمَاءِ وَكُلِّ دَبَّابَةٍ عَلَى -لأَرْضِ فِيهَا نَفْسٌ حَيَّةٌ أَعْطَيْتُ كُلَّ عُشْبٍ أَخْضَرَ طَعَاماً». وَكَانَ كَذَلِكَ" ثم فصّل الكتاب المقدس خليقة آدم في الأصحاح الثاني من سفر التكوين فقال "7وَجَبَلَ -لرَّبُّ -لإِلَهُ آدَمَ تُرَاباً مِنَ -لأَرْضِ وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْساً حَيَّةً" أما عن خلق حواء فقال الكتاب المقدس في نفس الأصحاح "21فَأَوْقَعَ -لرَّبُّ -لإِلَهُ سُبَاتاً عَلَى آدَمَ فَنَامَ فَأَخَذَ وَ-حِدَةً مِنْ أَضْلاَعِهِ وَمَلَأَ مَكَانَهَا لَحْماً. 22وَبَنَى -لرَّبُّ -لإِلَهُ -لضِّلْعَ -لَّتِي أَخَذَهَا مِنْ آدَمَ -مْرَأَةً وَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ. 23فَقَالَ آدَمُ: «هَذِهِ -لْآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. هَذِهِ تُدْعَى -مْرَأَةً لأَنَّهَا مِنِ -مْرِءٍ أُخِذَتْ»" و من ناحية أخري فقد ذكر القرآن خلق الأنسان في أكثر من موضع أيضا فقال في سورة الرحمن 14"خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ" و في سورة الأنعام 2"هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ" فالكتاب المقدس يقول إن بدء تشكيل الإنسان كان من تراب , بينما يقدم القرآن صورة أخري فيقول من صلصال و أيضا من طين , فهو يقدم جانب آخر لنفس مادة الخلق أو التشكيل و هي التراب. و لقد ورد التوافق صريحا في سورة الكهف 37 "قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا" فتشكيل الإنسان من تراب أصلا واضح و متفق عليه في كلا الكتابين.
و لنتقدم الآن إلي ما حدث بعد أن شكّل الله الإنسان من التراب, يقول الكتاب المقدس "وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْساً حَيَّةً" و نفس المشهد يقول عنه القرآن في سورة السجدة 9" ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ" و في سورة الحجر "28 وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ 29 فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ" وفي سورة ص 71" إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ 72 فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ" نفس الأفكار بتعبيرات مختلفة لنفس المشهد, و الخلاصة إن الله شكّل آدم من تراب ثم نفخ فيه من روحه ليصير آدم حيا (له السمع و الإبصار و الفؤآد).
فما هوالشكل الذي تشكل عليه آدم؟ يقول الكتاب المقدس " نعمل الإنسان علي صورتنا كشبهنا" و أيضا" علي صورة الله خلقه. ذكرا و أنثي خلقهم" و هنا نقول إن إصطلاح "صورة الله" لايعني إن الله له صورة أي إن له شكلا معينا , لأنه حتي لو قلنا إن هذه الصورة لانهائية إلا أن كونها صورة فهذا يعني أنها محددة , و لكن حيث إن الله غير محدود و لا محدد فإن هذه الصورة هي في الله فيها كل طبيعة الله , و هي صورة أزلية بأزليته موجودة بوجوده و فيها جميع خصائص كيانه و صفاته, فإن الله يحوي هذه الصورة في ذاته الأزلية الأبدية أما الصورة فلا تحويه و لا تحدّه. و ماذا يقول القرآن عن تشكيل الإنسان؟ في سورة الحشر 24 " هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" الله المصوّر ... فماذا يقول القرآن عن فعله بالإنسان؟ نقرأ في سورة غافر 64" اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاء بِنَاء وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ" و في سورة التغابن 3" خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ" و قد بين القرآن في سورة الأعراف 11 إن الخلق تم علي ثلاث مراحل " وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ" و عن خلق الإنسان ككل يقول أيضا في سورة التين 4 " لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ" فما هي هذه الصورة التي خلق الله الإنسان عليها فصار هو الأحسن تقويما بالتفضيل عن كل باقي الخليقة, فصار آدم صورة مادية مرئية إنعكاسا لصورة روحية غير مرئية, و إكتملت الصورة المادية المرئية بأن نفخ الله من روحه فيها؟ , إنها الصورة التي في الله جسّدها في آدم, لذلك أمرَ الملائكة بالسجود لآدم لأنه تجسيدا لها, أي لهذه الصورة التي في الله و التي دعاها الكتاب المقدس "صورة الله" , و حاش لله أن يأمر بالسجود لغير ذاته.
فالصورة الأحسن التي جسّدها الله – أو بلغة القرآن صوّرها - و نفخ فيها من روحه لا يمكن أن تكون من فراغ أو من عدم كبقية الخليقة. لابد أن يكون مصدرهذه الصورة هو صورة فكر الله الأزلية التي عبّر عنها القرآن "صوركم فأحسن تصويركم" فمن هو أحسن في الكون من صورة الله التي في فكره و في ذاته التي يجب أن تكون أزلية لأن فكر الله أزلي , فهذه الصورة الأزليه هي في الله في كيانه و شخصه و هي الصورة التي دُعِي بها الله أنه المصوّر, و هو بذاته نفخ من روحه في آدم الذي جسّّّّّّّّّّّّّّّّّّده علي هذه الصورة , فالروح و الصورة التي خلق الأنسان عليها هما في ذات الله أزليان أبديان. فلم يكن آدم مجرّد كائن حي خلقه الله كبقية الخليقة الحية بكلمة "كن فيكون" بل هو أرفع منها نسبة و مقاما لذلك سلّطه الله عليها لأنه أيضا خلقه من أجل ذلك.
و بالرغم أنه لم يرد صراحة في القرآن إن الله خلق الإنسان علي صورته إلا أن الحديث الصحيح عن النبي محمد قد أورد أنه قال في نصائحه للجنود المقاتلين "تجنب الوجه فإن الله خلق أدم علي صورته".
و لم يكن آدم ملاكا بل أرفع أيضا لأن الله جعلهم يسجدون له و هم الذين لا يسجدون لغير الله. فبحسب القرآن قد سجد الملائكة لآدم بإعتبار الصورة التي خَلَقه الله عليها, و الكتاب المقدس يقول "علي صورة الله خلقه". الله له صورة في ذاته فأحسن تصوير الإنسان علي هذه الصورة لذلك قال القرآن في سورة البقرة 30 " وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ" فيقول القرآن إن الله جعل آدم خليفته في الأرض , فالشكل الذي جُبِلَ عليه و الروح الذي نُفِخَ فيه و السلطان الذي خوّل إليه إنما كان كل هذا إنعكاس لصورة الله الأزلية التي في فكره و في ذاته.
و بذلك تكون أدبيات آدم و مقاييس أخلاقياته و أحكام و قوانين حياته إنما مصدرها جميعها و تجسيدها هو إنعكاسا لتلك الصورة التي في الله و التي صوّره هو و خلقه عليها. و تكون أدبيات و شرائع هذه الصورة التي في الله هي التي تحكم العلاقة بين آدم و بين الله الذي خلقه عليها, و بالتالي تكون طبيعة هذه الصورة التي هي في الله هي مصدر الشريعة التي تُقرر حدود تصرفات و سلوكيات آدم , و هي التي تُحدد له ما هو الخطأ و ما هو الصواب أو ما هو الشر و ما هو الخير.
و كما شرحنا من قبل يوضّح الكتاب المقدس السبب الذي خلق الله آدم لأجله فيقول" وامْلأُوا الأَرْضَ وَأَخْضِعُوهَا وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ -لْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ -لسَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى -لأَرْضِ" و القرآن يعبر عن ذلك بكلمات أخري فيقول " إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً" لم يطلب الله من الإنسان لا تسبيح و لا صلاة و لا أي فروض أو طقوس دينية.
#أسعد_أسعد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟