|
الاتجاه المعاكس برنامج استفزازي لا يحقِّق الفائدة المنشودة
صبري يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 2220 - 2008 / 3 / 14 - 08:45
المحور:
الصحافة والاعلام
كنتُ وما أزال من المتحمِّسين لحضور برنامج الاتجاه المعاكس، وحلقة بعد أخرى أجدني أنفر من هذا البرنامج مع أنَّه أخذ صيتاً وانتشاراً كبيراً في العالم العربي والغربي أيضاً!
لا شكَّ أن الدكتور فيصل القاسم اعلامي بارز وبارع في إدارة الحوار كحوار عبر برنامجه المشهور، ولكن البرنامج لا يحقِّق الهدف المنشود ولا الفائدة المرجوّة، لهذا يراودني الكثير من التساؤلات المتعلقة بهذا البرنامج وبصيغة تقديم البرنامج وإدارة الحوار وكيفية انتقاء ضيوف البرنامج وصيغة تقديم الضيوف والهدف من البرنامج ككل!
أعلم جيداً كما يعلم الجميع، أن القاسم حصل على جوائز عديدة لقدراته ومؤهلاته العالية في مهنته الاعلامية كأحد الاعلاميين البارزين على الساحة العربية، من حيث جرأته وقدرته الفائقة على تحريك الحوار الدائر بين ضيفيه الذين ينفشان ريشيهما مثل الديكة، حيث كل واحد منهما يحاول أن يتهجَّم على الآخر، محاولاً عبر صراخه وضجيجه وأوراقه أن يقنع المشاهد على أنه على صواب! هذه النقطة التي يرتكز عليها البرنامج لا تعجبني على الإطلاق، حيث أنه يسعى إلى تعميق الخلاف بين الضيفين وبين المشاهدين، مؤيدي هذا الضيف أو ذاك، وقد بدأتُ شيئا فشيئاً أرى أن هدف البرنامج يتزحزح عن مساره ويضيع في متاهة الصراخ والتهجم وكيل التهم لبعضهما بعضاً، ويبقى أحياناً مدير البرنامج في حيرة من أمره، ممَّا يرى، فيفقد أحياناً السيطرة على قيادة البرنامج فلا ينصاع له الضَّيف، بل سرعان ما تتداخل أصوات الضيوف وكأننا في معركة حوارية، حيث يفقد الضيفان آداب الحوار، فيتهجمان على بعضهمها بعضاً وكأنّ القاسم استضافهمها كي يشتما بعضهما أو يتهجما على بعضهما ويجرحا مشاعر المشاهدين، تاركين الهدف الذي رُسِمَ من أجله البرنامج جانباً، وكم من مرة وجدت مدير البرنامج في حالة يرثى لها لعدم قدرته على ضبط الحوار الساخن بين ضيفيه، حتى أنه وصل إلى مرحلة توسَّل إليهما كي يتوقفا عن الصراخ والشتائم، وسمعته مرّة يتوسل أحد ضيوفه قائلاً أبوس اِيدك توقّف، ورجاءاته لا تتوقف في أغلب البرامج المعاكسة على مدار سنوات، كما أنه أحياناً بصعوبة بالغة يقفل برنامجه من ضيق حالة التنفس، ويبدو وكأنه سينهار من شدة الأسى والضغط الذي يرافقه من جراء تأزم الحوار، لهذا أودُّ عبر هذه الورقة أن أتوقف عند هدف البرنامج، منافعه ومضاره، نجاحه وفشله، ترجمته لما يحصل على الساحة العربية والعالمية، كل هذه النقاط سأتوقف عندها تباعاً!
قبل أن أخوض في تفاصيل البرنامج، أودُّ الاشارة إلى أن فكرة البرنامج فاشلة أو بالأحرى أثبتت فشلها من خلال أكثر البرامج التي شاهدناها على امتدادِ سنوات، لأننا لا نخرج بنتيجة مفيدة، بل غالباً ما يزداد المشاهد والمتابع والسياسي والمسؤول، تشبثاً في الأخطاء المتفشية في عالمنا العربي، أو بتعبير أدق يتعمق الخلاف بين مَن يدافع على هذا الضيف أو ذاك، وأسأل بدوري الدكتور فيصل، هل من المعقول أن تستضيف ضيفين على طرفي نقيض، إلى برنامج اسمه الاتجاه المعاكس وتؤجج الحوار من دون أن يشتعل فتيل النار بين ضيفيك؟ فمن البديهي أن يجنَّ جنون الضيفين ويتهجما على بعضهما بعضاً، لأنكَ يا دكتور تقوم بمهمة اِلهاب النقاش والحوار ويشبه دورك كمدير البرنامج كمن يضع الزيت على النار، وكلا الضيفين يجمران ناراً، وأنت تزيد من لهيب النارِ ناراً، وبنفس الوقت تطلب منهما أن يخفِّفا من لهيب النَّار المسعورة في قلب كلٍّ منهما، كيف سيتوقفا وهما على طرفي نقيض قلباً وقالباً، وحضرتكَ لا تقدِّم عبر حوارك وبرنامجك ما يمكن أن يتَّفقا عليه، بل تقدِّم كلّ ما يمكن أن يختلفا عليه وكلَ ما يمكن أن يعمِّقَ الخلاف بينهما؟ لهذا أدين البرنامج بشدّة، لأنني لا أراه يحقِّق الفائدة المرجوّة، ولا الهدف المنشود من الحوار، لأنه يقوم على أسس استفزازية من قبل مدير البرنامج ويحاول كل ضيف أن يبرهن للمشاهد على أنه على صواب وعبقري زمانه في الدقة والموضوعية والحقيقة، في الوقت الذي أرى أن كليهما على خطأ في طريقة تقديم أفكاره ورؤاه للآخر وللمشاهد، لأنني لا أجد متحاوريَن يحترمان بعضهما بعضاً، ولا أجد حواراً بالأساس، بل أشاهد صراخاً وكيلاً من التهم لبعضهما بعضاً، فتضيع الفائدة من لقائهما عبر حوار متشنج مستفز وغير هادف، فلا يمت هكذا حوار إلى آداب الحوار، أريد أن أشاهدَ حواراً مفيداً مثمراً وخلاقاً، لا حواراً نارياً مليئاً بالسباب والشتائم وكيل التهم والتهجم الشخصي أحياناً وتجريحات لا تمتُّ بصلة إلى موضوع الحلقة أحياناً أخرى، ولا إلى مضمون الهدف المرسوم من أجله البرنامج!
من هذا المنظور أتساءل، لماذا يا دكتور فيصل تستضيف ضيفين متناقضين مع بعضهما بعضاً حتى النخاع، وتركِّز على مدار الحلقة على تأجيج نقاط التناقض والنفور بينهما، ولا تركز على نقاط التلاقي ونقاط التفاهم كي تخفِّف من الهوّة بين كلٍّ منهما؟! على الأرجح ستجيبني أن هذا هو هدف البرنامج، وأنا أجيبك لهذا أعتبر البرنامج غير هادف وفاشل، رغم انتشاره الكبير، فمثلاً عندما تقدم ضيفاً علمانياً وضيفاً آخر ذات منحى ديني، لماذا لا تقرّب وجهات نظرهما إلى بعضهما بعضاً بحيث يبيِّن كلّ منهما على أنّه يكمِّل الآخر، ونخرج بنتيجة مفادها أن الدين بقيمه ومعاييره الأخلاقية السامية تعاضد وتساند العلوم الإنسانية، فلا قيمة للعلوم من دون الأخلاق ولا قيمة للأخلاق من دون العلوم فكل منهما يتمِّم الآخر بصيغة أو بأخرى، لا أن تقدِّم العلماني وكأنه ملحد أو مناقض للدين والأديان، والديني كانه منقذ البشرية، كلاهما له من القيم والفائدة في المجتمع والدولة والحياة، ولهذا من خلال البرنامج يزداد المشاهد والمتابع تشدُّداً على نزوعه الديني ذات الرؤية الأحادية أي لا ينفتح على علمانية العلوم، على أساس انها ضدّ الرؤى الدينية، وبالتالي يظل العلماني على الطرف المعاكس من الدينيين، مع العلم أنه بكل بساطة ممكن أن نستفيد عبر الحوار وعبر البرنامج وعبر الحياة مما هو ديني ومما هو علمي بحيث أن نعطي لكل جانب حقَّه سواء في البرنامج أو في مشاهد الحياة، كل من موقعه، بحيث أن يساهم كل واحد على تعاضد الآخر.
لماذا لا يسير برنامج الاتجاه المعاكس بشكل هادئ وحضاري، لماذا عندما أحضر البرنامج يتراءى أمامي مظاهر التخلف والتحجُّر الفكري وحوار الطرشان؟! عندما أتمعَّن في قسمات وجهكَ وفي طريقة إدارة الحوار، أشعر أحياناً كثيرة وكأنك في بلوة أو ورطة، تنتظر الخلاص، خلاص البرنامج! وعندما تقفل البرنامج تبدو لي وكأنَّ حجرة كبيرة أزيحت عن صدرك، لماذا كل هذا التوتر، فيما بينك وبين الضيوف وبين الضيف والضيف؟! يا عزيزي دكتور فيصل، أنت أعلامي بارز جداً ومحاور بارع للغاية، لكني لا أراك تسخّر براعتك الحوارية لما هو مفيد للمشاهد والقناة والحياة، هدّئ من روعكَ وروع الضيوف، وتذكَّر جيداً أن البرنامج يحتاج إلى الكثير الكثير من إعادة صياغة الحوار، وأهداف الحوار، وكيفية تقديم الحوار، بحيث أن تخرج بنتيجة مفادها، تقريب وجهات نظر الضيوف من بعضهما بعضاً وخلق لقاء تلاقي وتفاعل، لا أن تركِّز فقط على التناقضات وكشف العيوب والعورات وتعميق الخلاف والاختلاف، ألا يكفينا تخلفنا واختلافنا فتأتي أنتَ عبر برنامجك المعاكس، تعمِّق هذا الجانب المخلخل في مجتمعنا والمصاب أصلاً بتخمة مفتوحة على الهلهلة، فتجعل الغرب وكل مَن له رؤية انفتاحية حضاريّة يضحك علينا، مردِّداً: إذا كان مفكِّري ومنظِّري ومتديني الشرق العربي هكذا فما على الشرق بكل نفطه ودفئه السلام؟!!!
لاشك أن كشف العيوب والأخطاء من كلا الطرفين مهمة جداً، لكن الأهم من هذا هو كيف ممكن أن نعالج هذه العيوب وبالتالي نتجاوزها من كلا الطرفين، بحيث يفنّد كل ضيف فكرته بهدوء ودقة وموضوعية، ويقنع كل منهما الآخر بما لديه من تبريرات صحيحة وسليمة تكمّل أحدهما الآخر، على أن يصلا إلى نقاط مشتركة ومفيدة يجتمع الضيفان عليها، لا أن يخرجا من البرنامج وكل منهما يحقد على الآخر، وأحياناً كثيرة أخشى أن يقوم أحدهما من شدة استفزازه وغضبه ويلكم الآخر، وبعضهما خرج من البرنامج ولم يعد، وآخرين بُحّتْ أصواتهم في البرنامج، فمَن المسؤول عن إعادة الأصوات المبحوحة؟!
لهذا أرى أنه من الضروري أن تضع قناة الجزيرة ومدير البرنامج في الاعتبار الفوائد والمضار الناجمة عن هكذا برنامج، فأنا أرى أن المضار أكثر من المنافع، حيث يعكس البرنامج للغرب وللعالم أجمع، أنَّ العالم العربي متصارع مع ذاته وغير قادر على الحوار مع ذاته وهو في حالة غليانية بين أطيافه وتطلعاته وأهدافه متطاحنة مع بعضه بعضاً بشكل اعتباطي، وهو غير قادر على خلق حالة حوارية حضارية مفيدة، لأن البرنامج بعيد كل البعد عن الحوار الحضاري الفعّال والمفيد، وهو معركة مؤجَّجة على مدار البرنامج، حتى أن سير البرنامج غالباً ما يخرج عن اطاره وعن جوهر الموضوع المطروح ليصبَّ في خانة التهم وتصفية الحسابات بين الطرفين، لهذا يخرج البرنامج عن دائرة الحوار الجادّ والهادئ والفعَّال، فلا ضرورة لهكذا برنامج طالما يسير وفق استنفار الضيفين، وبالتالي استنفار المشاهد، فهذا يصفُّ مع الضيف الفلاني وآخر يصفُّ مع الضيف المعاكس، وكلاهما يعاكس الآخر، وتجد الكثير من المشاهدين لا يصفّ مع أيٍّ من الضيفين، فيركِّز على اغلاق البرنامج لارتفاع ضغطه من الصراخ وكيل التهم والشتائم بين الضيفين، وكأنهما يتسابقان في الغوص في جوف الصحراء بدون أية بوصلة، فلا يصل أيٌّ منهما إلى الهدف المطلوب، بل يزداد ضياعاً وتيهاً واختلافاً!
التساؤل القائم إزاء كل مانراه هو، إلى متى سيدور العالم العربي وما يجاوره وينضوي تحت لوائه من شعوبٍ وأقوام في حلقات مفرغة، بعيداً عن الحوار المثمر والمفيد، تائهين وضائعين وغير قادرين على تثبيت موطئ قدم راسخة وقوّية على خارطة حضارة العصر، ومدنية العصر وتقدُّم العصر، وجمال وإبداع العصر، ضارباً نفطه ودفئه وشمسه عرض الحائط وكأنه غائبٌ عن الوعي وفي صراع مرير مع نفسه للعبور في أقصى أقاصي الظلمات؟!!!
هل وصل المرسال؟!
ستوكهولم: 8 ـ 3 ـ 2008
صبري يوسف كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم [email protected] www.sabriyousef.com
#صبري_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الذكرى الثلاثون لإقامة أوّل معرض للفنَّان التشكيلي حنا الحائ
...
-
الإنسان أخطر من أيّ حيوان مفترس على وجه الدُّنيا
-
أنشودة الحياة ج8 ص 747
-
أنشودة الحياة ج 8 ص 746
-
سركون بولص في مآقي الشعراء
-
سركون بولص من نكهةِ المطر
-
أنشودة الحياة ج 8 ص 745
-
أنشودة الحياة ج 7 ص 744
-
أنشودة الحياة ج 8 ص 743
-
أنشودة الحياة ج 8 ص 742
-
أنشودة الحياة ج 8 ص 741
-
أنشودة الحياة ج 8 ص 740
-
أنشودة الحياة ج8 ص 739
-
أنشودة الحياة ج 8 ص 738
-
أنشودة الحياة ج 8 ص 737
-
أنشودة الحياة ج 8 ص 736
-
أنشودة الحياة ج 8 ص 835
-
أنشودة الحياة ج 7 ص 734
-
أنشودة الحياة ج 7 ص 733
-
أنشودة الحياة ج 7 ص 732
المزيد.....
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|