مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 2222 - 2008 / 3 / 16 - 11:26
المحور:
القضية الفلسطينية
علي أبو نعيمة و عمر البرغوثي , 4 يناير كانون الثاني 2008
ز نت
كاثنين من كتاب وثيقة حديثة العهد تدافع عن حل دولة واحدة للصراع العربي الإسرائيلي الاستعماري , فإننا نرغب بأن نخلق نقاشا . قام الصهاينة بشكل يمكن التنبؤ به بالتنديد بالإعلان كإثبات آخر أيضا على إصرار المثقفين الفلسطينيين – و بعض الإسرائيليين الراديكاليين - الذي لا يتزحزح على "تدمير إسرائيل" . بعض الناشطين المناصرين للقضية الفلسطينية اتهمونا بالتخلي عن حقوق فلسطينية ملحة و هامة جدا بحثا عن حلم "طوباوي" .
مستلهما في جزء منه صك حرية جنوب أفريقيا و اتفاق بلفاست , فإن إعلان دولة واحدة الأكثر تواضعا , و الذي كتبه مجموعة من الأكاديميين و الناشطين الفلسطينيين و الإسرائيليين و العالميين , أكد أن "الأرض التاريخية لفلسطين تعود إلى كل الذين يعيشون فيها و كل الذين طردوا أو نفوا منها منذ عام 1948 , بغض النظر عن الدين , الانتماء الأثني , الأصل القومي أو مواطنتهم الحالية" . يتصور الإعلان نظام حكومة يقوم على "مبدأ المساواة في الحقوق المدنية , السياسية , الاجتماعية , و الثقافية لكل المواطنين" .
إن هذا الإصرار الأساسي على المساواة بالتحديد هو ما يفهمه الصهاينة كتهديد وجودي لدولة إسرائيل , مضعفا أسسها التمييزية التفضيلية المتأصلة التي تميز مواطنيها اليهود فوق سواهم . كان رئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود أولمرت صادقا على نحو منعش عندما اعترف مؤخرا أن دولة إسرائيل "ستنتهي" إذا ما واجهت صراعا من أجل حقوق متساوية من قبل الفلسطينيين .
لكن مقدمات تغيير نظام من العنصرية الممأسسة , أو الأبارتيد , إلى ديمقراطية و الذي قد فهم على أنه انتصار لحقوق الإنسان و القانون الدولي في جنوب أفريقيا و شمالي ايرلندا , جرى رفضها في الحال في حالة إسرائيل كإخلال بما هو جوهري لحق مقدس للتفوق الأثني الديني ( الذي يعبر عنه لفظيا ب"حق إسرائيل في أن تكون دولة يهودية" ) .
تجري دعوة الفلسطينيين من قبل موكب لا يتوقف من المبعوثين و الوكلاء السياسيين الغربيين – آخرهم كان توني بلير – ليقبلوا بما رفضه المؤتمر الوطني الأفريقي عن حق عندما عرضه نظام الأبارتيد في جنوب أفريقيا : معازل فصل عنصري ( بانتوستان : معازل الفصل العنصري في جنوب أفريقيا تحت حكم الأبارتيد , المترجم ) خليط من غيتوهات معزولة تقع دون المتطلبات الدنيا للعدالة بكثير .
كان هناك أيضا مناصرون مخلصون لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي بين من انتقدوا بحدة الدعوة لحل الدولة الواحدة على أسس أخلاقية و براغماتية . اعترض البعض أنه يجب على أي مقترح أخلاقي أن يركز على تأثيره المتوقع على الناس , خاصة أولئك الذين هم تحت الاحتلال الآن , محرومين من معظم حاجاتهم الضرورية , كالغذاء و المأوى و الخدمات الرئيسية . و يستنتجون أن المهمة الأكثر إلحاحا هي الدعوة لإنهاء الاحتلال , و ليس الترويج لأوهام الدولة الواحدة . عدا عن حرصهم على المقدمات – التي يعرف هؤلاء المؤيدون لسبب ما يحتاجه الفلسطينيين أكثر مما نعرف نحن – فإن هذه الحجة مشكوك بصحتها في أنها تفترض أن الفلسطينيين , على عكس كل البشر في أي مكان آخر , يرغبون بخسارة حقوقهم على المدى البعيد في الحرية و المساواة و تقرير المصير مقابل بعض التخفيف الآني لمعاناتهم الأكثر إلحاحا .
إن رفض الفلسطينيين في غزة الاستسلام للطلب الإسرائيلي بأن يعترفوا "بحقها" في أن تمارس التمييز ضدهم , حتى في وجه حصار التجويع الإجرامي الذي تفرضه بدعم الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي , هو فقط البرهان الأخير على خطأ هذه الافتراضات .
حجة أكثر قوة جرى التعبير عنها مؤخرا على موقع سيف من قبل ناديا حجاب و فكتوريا برتين تقول أنه في ظل الظروف الراهنة للاضطهاد حيث تقصف إسرائيل و تقتل دون تمييز و تعتقل الآلاف في ظروف قاسية , و تبني الجدران لتعزل الفلسطينيين عن بعضهم و عن أرضهم و عن مصادر المياه , مستولية دون توقف على الأرض الفلسطينية و موسعة المستوطنات , محاصرة ملايين الفلسطينيين العزل في معازل متباعدة و معزولة , و مدمرة تدريجيا نسيج المجتمع الفلسطيني ذاته , فإن الدعوة إلى دولة علمانية ديمقراطية هو بمثابة "إخراج لإسرائيل من شركها أو مأزقها" .
إنهم قلقون فيما يتعلق بإضعاف حركة التضامن العالمية التي هي الآن "في أوسع حالاتها خلف حل الدولتين" . لكن حتى لو تجاهل المرء حقيقة أن "الدولة" الفلسطينية المعروضة الآن ليست أكثر من بانتوستان ( معازل فصل عنصري وفق نموذج الأبارتيد الجنوب أفريقي , المترجم ) متفرقة و بحالة مزرية تحت الهيمنة الإسرائيلية الدائمة , فإن المشكلة الحقيقية في هذه الحجة هي أنها تفترض أن عقودا من دعم حل الدولتين قد قدمت و لو أي شيء ملموس لإيقاف أو حتى التخفيف من انتهاكات حقوق الإنسان المروعة هذه .
منذ اتفاقيات أوسلو الفلسطينية الإسرائيلية التي وقعت عام 1993 , زادت وتيرة بناء المستوطنات في الضفة الغربية و بقية الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي باستمرار و بحصانة مطلقة . إننا نرى هذا أيضا بعد مؤتمر أنابوليس : مع استمرار إسرائيل و مسؤولي السلطة الفلسطينية غير التمثيلية و العاجزة بالمضي في "محادثات السلام" , فإن المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية و جدار الأبارتيد يستمر بالتقدم , و عقابها الجماعي الوحشي لمليون و نصف فلسطيني في غزة يشتد دون أن يحرك "المجتمع الدولي" ساكنا في مواجهته .
"عملية السلام" هذه , لا السلام و لا العدالة , قد أصبحت هدفا بحد ذاتها – لأنه طالما استمرت لن تواجه إسرائيل أية ضغوط لتغير من سلوكها فعلا . إن الوهم السياسي بأن حل الدولتين يقع هناك دوما في المتناول لكن ليس أبدا في أيدينا هو ضروري لتخليد أو تأبيد هذه المسرحية و للمحافظة إلى ما لا نهاية على الوضع الحالي لهيمنة إسرائيل الاستعمارية .
لتجنب مخاطر تقسيم آخر في حركة الحقوق الفلسطينية فإننا نلتقي مع حجاب و بريتين في دعوة الناشطين من كل الطيف السياسي , بغض النظر عن آرائهم في نقاش دولة أو دولتين , أن يتوحدوا وراء دعوة المجتمع المدني الفلسطيني لعام 2005 للمقاطعة و حرمان و معاقبة المحتل , كأكثر إستراتيجية فعالة سياسيا و أخلاقيا للمقاومة المدنية يمكنها أن تلهم و تحرك الرأي العام العالمي في سبيل الظفر بالحقوق الفلسطينية .
إن المقاربة المستندة إلى الحقوق هي في مركز هذا النداء الذي جرى تأييده على نطاق واسع الذي يركز على الحاجة لإصلاح المظالم الثلاثة الأساسية التي تحدد معا القضية الفلسطينية – إنكار حقوق اللاجئين الفلسطينيين , و الأول بينها هو حقهم في العودة إلى أوطانهم , كما ينص على ذلك القانون الدولي , احتلال و استيطان أراضي 1967 , بما في ذلك القدس الشرقية , و منظومة التمييز ضد المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل .
إن 60 عاما من الاضطهاد و 40 عاما من الاحتلال العسكري قد علمت الفلسطينيين , أنه بغض النظر عن الحلول السياسية التي نؤيدها , فإنه فقط من خلال المقاومة الشعبية المقترنة بالضغط العالمي المستمر و الجدي يمكن أن تلوح أمامنا أية فرصة لتحقيق سلام عادل .
يدا بيد في هذا النضال من الضروري قطعا أن نبدأ بالتخطيط و مناقشة الرؤى لمستقبل ما بعد الصراع . ليس من قبيل المصادفة أن المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل , اللاجئين و الذين يعيشون في المنافي , أي المجموعات التي حرمت من حقوقها بسبب "عملية السلام" و التي تعرضت حقوقها الأساسية للانتهاك بسبب حل الدولتين قد لعبت دورا أساسيا في وضع أفكار جديدة للخروج من هذا الطريق المسدود .
عوضا عن رؤية المساواة المنبثقة ديمقراطيا على أنها تهديد , تمزيق أو مجرد طريق عقيم , إنه الوقت بالفعل لنراه كما هو : البديل الأكثر المرجو لمبدأ الدولتين الميت بالفعل .
ترجمة : مازن كم الماز
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟