عبدالوهاب العسال
الحوار المتمدن-العدد: 2220 - 2008 / 3 / 14 - 00:53
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
أذا أردنا أن نستعرض مسيحيي العراق كتعريف مجرد لابد من التمييز بين الطوائف في العراق بين نوعين من الانتماء إضافة إلى الجذر الوطني, وهما الانتماء القومي والانتماء الديني المتشابكين, ففي النوع الأول يبرز – الآشوريين – الذين لا خلاف على صفتهم القومية وتوفر العديد من دلائلها لأصولهم الحضارية القديمة وكذلك – الكلدان – رغم توزعهم على عدة توجهات بينها من يعتبرهم قومية مستقلة من أرومة إبراهيم الخليل ومن أحفاد قدماء – أور – وبينها من يعتبرهم مسيحيين كردستانيين ( بالمفهوم الجغرافي )ويستغل الأكراد هذه الميزة ويعتبرهم من الكرد بينما يصنفهم المؤرخون كمسيحيين عرب حيث أن مسيحيي العراق هم من أقدم الطوائف على أرض الرافدين وقبل تواجد الكرد أنفسهم والجدل ما زال مستمرا بين مثقفيهم وساستهم دون أن ننسى أتباع هذه الديانة من – الأرمن – كقومية قائمة بذاتها , وفي مجال الانتماء الديني السائد يبرز – السريان – رغم توزع البعض من نخبهم بين الانتماءين الكردستاني والعربي القابلين دوما للنقاش والأخذ والرد جراء استئثار الأكراد بشمال العراق وهناك نظريات تاريخية تتشعب و عوامل سياسية و إيديولوجية تتكاثر وتتعارض ومن إفرازاتها الحديثة نظرية الكلدو – آشور التي يستخدمها الشيوعيون وبعض الأحزاب العراقية في أدبياتهم وكذلك نظرية – الآراميون – بجمع – الآشوريين والكلدان والسريان – في البوتقة القومية - الدينية الواحدة ويتبناها الأحزاب والحركات – الآشورية - الجديدة على وجه الخصوص وتلاقي الرفض الكامل من مثيلاتها – الكلدانية – والحذر من المرجعيات الكنسية.
الكلدانيون:
هم سكان بلاد مابين النهرين الأصليون حيث إن أجدادنا كانوا يتكلمون ويكتبون الكلدانية وان هذه اللغة هي لغة أهل العراق العامة آنذاك وكانت بابل عاصمة الإمبراطورية الكلدانية التي تعتبر من أقوى الإمبراطوريات وقتها , وما يدل على صدق هذه الحقائق التاريخية هو تداول كلمات بين عامة أهل العراق في وقتنا الحاضر ترجع إلى اللغة الآرامية مثل(– بلابوش – و – حريشي- ومسگوف- ويشجر التنور- و عَزَه وطرگاعة- وسرسري- وأسليمة الطَمِّتَك- و ما طول( وهي تعني بسبب)) .
أن تسمية الجانب الغربي من بغداد بالكرخ جاء من أسم قرية محصّنة كما يشير إلى ذلك أسمها الآرامي – كرخا – وسكانها كانوا من الآراميين في غالبيتهم وإن " كرخا " الآرامية كانت تشير إلى مدينة محاطة بالأسوار المنيعة وفعل كَرَخَ يعني أحاط أو سوَّر أو لف وهناك منعطف للنهر يدعى كرخايا . ألبير أبونا – بغداد عاصمة العباسيين – بين النهرين العدد 121-122/2003 ص 52
وهناك من يقول أن كلمة الكلدان تشمل الطوائف(السريان والصابئة والاثوريين) الذين هم من مكونات الشعب العراقي القديم والحالي.
الأشوريون:
البعض يقول أن الآشوريين منحدرين من الانتماء إلى الملك الآشوري أشور بنيبال، الذي دخل الديانة النصرانية على يد أحد تلامذة سيدنا المسيح عليه السلام، والذي عالجه من مرض ألم به, ولكن البعض يفند هذه الرواية ويقول أنهم أثوريين بحرف الثاء وهم من أقوام سكنت بلاد مابين النهرين منذ القدم.
الطائفة الأرمنية الأرثوذكسية:
للمطرانية الأرمنية في العراق أربع كنائس في بغداد وكنيسة واحدة في كل من الموصل والبصرة وزاخو وكركوك، فضلاً عن كنيسة أخرى تم تكريسها هذا العام في قرية (آفزروك) الأرمنية القريبة من زاخو. وترعى الطائفة أربع جمعيات ثقافية في بغداد، فضلاً عن الجمعيات الثقافية في المدن المذكورة آنفاً. ويبلغ تعداد الطائفة في العراق نحو 19-20 ألف نسمة، منهم حوالي 13-14 ألفا في بغداد، والبقية موزعون بشكل رئيس في زاخو (1500) والموصل (1250) والبصرة (1000) وكركوك (600). وفي عام 1985
الطائفة الأرمنية الكاثوليكية:
يبلغ تعداد الطائفة في العراق نحو 2000 نسمة، منهم حوالي 1700 في بغداد والبقية في الموصل وسنجار. رئيس الطائفة منذ عام 1983 هو سيادة المطران بولس كوسا. وتمتلك الطائفة (كنيسة قلب يسوع الأقدس) في بغداد المشيّدة عام 1937، فضلاً عن كاتدرائية العذراء سيّدة الزهور (ناريك) في بغداد.
السبتيين الادفنست:
وهؤلاء من أقل الطوائف عدداً في العراق ويختلفون عن الديانة المسيحية في بعض طقوسهم وأقرب الى الديانة اليهودية منها إلى الديانة المسيحية حيث أن يوم قداسهم هو يوم السبت ولذلك أخذوا تسمية السبتيين منها.
أن المسيحيون في العراق هم أصحاب ارض وانتماء رغم ما قيل هنا أو هناك فالكلدان والسريان والأرثوذكس وغيرهم من الفرق المسيحية في العراق، لهم تاريخ مجيد في الدفاع عن هذه الأرض يبدأ قبل ظهور الإسلام، ومن اليوم الأول الذي حمل به بني شيبان المسيحيون في العراق السيف بوجه الفرس دفاعا عن الأمانة التي ائتمنهم عليها الملك العربي النعمان بن المنذر في معركة أبناء العراق العرب الخالدة في ذي قار، وكلنا يعرف الانتصار الذي تحقق في معركة ذي قار، وامتدادا لها استمر الحارث الشيباني في معركة القادسية إلى أن استشهد دفاعا عن المبادئ واستلم القيادة المجاهد سعد بن أبي وقاص، الذي تزوج من زوجة الحارث وقبل الهدية التي أوصى الحارث بها لسعد، وهي فرسه البلقاء، التي كانت لها حكاية مع ابن محجن أيام القادسية، يقال أن الحارث الشيباني دخل الإسلام في أيامه الأخيرة والعهدة على القائل. أما في العصر الحديث فلا بد أن نذكر المقدم شليمو ميخائيل الذي شارك بقيادة فوج في اللواء العراقي الذي قاده عمر علي في حرب 48 في فلسطين والذي شارك فيه عبد الكريم قاسم كآمر فوج أيضا، والذين شاركوا في هذه الحرب يتحدثون كثيرا عن النداءات التي وجهها الصهاينة إلى المقدم شليمو لحثه على الالتحاق بهم وكيف كان يواجه هذه النداءات، سأل ابنه الأستاذ المرحوم بهنام ميخائيل عن ظروف خروج أبيه من الجيش العراقي، أخبرني بأن عبد الكريم قاسم استدعاه بعد ثورة 14 تموز 1958 وسأله ماذا يريد، فطلب إحالته على التقاعد، فمنحه رتبة (زعيم) أي عميد، وأحيل على التقاعد كتكريم لدوره البطولي، وهناك أكثر من مثال!
إن التأريخ يحدثنا عن أن الخليفة الفاروق رضى الله عنه الذي أوصى في رسالة إلى قادة الجند من المسلمين أن يتركوا قيادة الجيش إلى قائد من المسيحيين إذا أرادوا فتح تكريت والموصل بأقل الخسائر، والسؤال هل كان المسيحيون يقاتلون في صفوف الجيش الإسلامي؟ والجواب ببساطة، نعم، وهذا امتياز لأبناء العراق من المسيحيين، فعندما طالبهم المسلمون بدفع الجزية رفضوا ذلك وقالوا بأنهم أشجع من أن يقعدوا في البيوت، وقرروا أن يقاتلوا مع المسلمين وأن يدفعوا المال، فأطلق عليهم آنذاك "ذو الجزيتين" أي أنهم يدفعون الجزية ويقاتلون في صفوف المسلمين.
ولم يكتف أبناء الديانة السماوية من المسيحيين بالمساهمة بالقتال ودفع الجزية، بل كان لهم الفضل على الثقافة العربية الإسلامية في العمل على تربية الخلفاء من بني العباس، وكان ذلك معروفا أيام الخليفة هارون الرشيد وابنه المأمون، فالوزير إبراهيم الموصلي وابنه إسحاق الموصلي معروف للمؤرخين وكذلك الدور الذي لعبوه في ترجمة التراث اليوناني إلى العربية في منطقة "نصيبي".
واليوم يتعرض المسيحيون العراقيون الأبرياء كباقي الطوائف من المسلمين وأمام أنظار الحكومة والعالم، إلى ملاحقة وقتل وتهجير ليس لمخالفتهم قانون السكن أو سرقة أموال الدولة العراقية، ولا لأنهم ينتمون إلى ميليشيا حزبية طائفية معينة، إنما السبب هو لأنهم ينتمون إلى الديانة المسيحية السمحاء، فهؤلاء الأبرياء بين نارين، نار دولة الطائفية الدخيلة ونار دولة الإمارة الإسلامية المتطرفة، هذا القوم المسيحي المسالم والذي تعايش مع المسلمين منذ ألاف السنين، يواجه اليوم وخاصة في بغداد حملة شرسة متطرفة لإجباره على اعتناق الإسلام أو دفع الجزية أو الرحيل عن العراق, حيث يتم قتل وتهجير وتكفير المسيحيين استنادا لذلك، وأخر ما وصلنا من المعلومات، إن في منطقة الدورة والتي كانت مكانا آمنا للمسيحيين قبل العدوان على العراق يطلب اليوم من القلة المسيحية المتبقية إشهار إسلامهم وإما دفع الجزية أو انتظار مصيرهم المجهول!
اما النساء المسيحيات الأبرياء بعد العدوان على العراق فقد اضطررن لارتداء الحجاب من اجل عدم تمييزهن من قبل المتشددين او الطائفيين، وما زالت هذه الظاهرة قائمة وأمام أنظار الوزراء والمسئولين وخاصة في الدوائر الرسمية.
ووجه قداسة البطريرك مار دنخا الرابع في نداءه إلى أعضاء الحكومة العراقية والبرلمان..
{ نحن المسيحيين و منذ ألفي سنة عشنا ولا نزال نعيش في هذه البلدان المشرقية خاصة مابين نهري العراق، معا مع جيراننا المسلمين بالمحبة و الاحترام و السلام، نحن ابناء العراق الأصليون فلماذا اليوم وفي القرن الحادي و العشرين ترتكب اعمال ظلامية لا انسانية ضد مسيحيي العراق }.
لم يتعرض مسيحيي العراق الى اضطهاد وملاحقة من قبل كما يحدث اليوم لآنهم وببساطة أكثر مسيحيو العالم يتبعون تعاليم السيد المسيح التي بنيت على التسامح والسلام لذلك كانوا وعلى مر العصور متآخين ومتحابين مع المسلمين في العراق وهم الذين يرمز لهم بحمائم السلام ,ولكن تعرضوا السيحيين بكافة مسمياتهم الكلدانو السريان والصابئة والآثوريين في كردستان والموصل وبغداد والبصرة أثناء الحرب العالمية الأولى إلى أعمال القتل والبطش والأغتصاب وقد أستبيحت أموالهم وأعراضهم شأنهم شأن اهل العراق الاخرين, وقد بدأت هجرتهم الى اوروبا واميركا خصوصا منذ ايام النظام السابق لا لانهم مسيحيون ولكن لآحساسهم انهم اقليه تندثر ,لآحساسهم بالاضطهاد كعراقيين كباقي العراقيين الاخرين الذين هاجروا الى الخارج , حيث يتقلص عددهم يوما بعد يوم و بالعودة إلى الإحصاء السكاني للعراق الذي أجري في 1947 –والذي يسود الاتفاق المبدئي بين الباحثين والمتخصصين بهذا الشأن العراقي على دقته و مرجعيته العلمية– نجد أن النسبة الفعليه للمسيحيين في العراق هي 3.1 بالمئة !
فهل هناك مسيرة نضالية وطنيه أكثر من هذه الشواهد التاريخية لمسيحيي العراق لكي يكونوا أبناء وطن بارين؟أعتقد أنهم أولى ممن جاء لاحقا للعراق مدعيا الإسلام متسترا بالطائفية لنهب ثروات البلد والسيطرة تحت الفاشية الدينية الجديدة ,إن المسيحيون عاشوا في العراق منذ ألاف السنين متآخين متحابين مع الطوائف والأجناس الأخرى ليس خوفا وإنما إيمانا منهم بالوطن والإخلاص لتربته.
#عبدالوهاب_العسال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟