|
- إعلان دمشق بين مطرقة النظام وسندان أزمته الداخلية - 3/3
محمود جديد
الحوار المتمدن-العدد: 2221 - 2008 / 3 / 15 - 09:37
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
- إنّ انعقاد المجلس الوطني لإعلان دمشق عمّق أزمة هذا الإعلان بدلاً من أن يصهره أكثر ، ويدعم مسيرته السياسية ، إذ ضاقت هوامش التقاطع بين تحالف التيار الليبرالي ، والتيار القومي اليساري التي تؤهلهما لاستمرار النضال المشترك لإجراء التغيير الديمقراطي المنشود ، وكان من نتيجة ذلك اتخاذ حزب الاتحاد الاشتراكي قراراً بتجميد عضويته من إعلان دمشق ، وكذلك فعل بعده حزب العمل الشيوعي ، بينما انطلقت القيادة الجديدة لإعلان دمشق لتدافع عن وجهة نظرها حيال ما تمّ ، حيث ترى أن عدم انتخاب ممثلي حزب الاتحاد والعمل لم يكن متعمّداً ، وإنّما كان خياراً ديمقراطياً ... بينما لجأ النظام السوري كعادته إلى نهجه الأمني القمعي في التعامل مع أطراف المعارضة ، حيث أقدم على حملة اعتقالات للعديد من أعضاء المجلس الوطني لإعلان دمشق ، وعلى رأسهم المناضلة : الدكتورة فداء الحوراني ، وهنا لابدّ من التأكيد مجدّداً على توجيه أشدّ الإدانة لهذه الاعتقالات ، ومطالبة السلطات السورية بإطلاق سراحهم ،واحترام حرية التعبير ، والعمل السياسي ، وحقوق الإنسان ... - أسرع المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في توجيه رسالة تهنئة إلى القوى المشاركة في تجمّع إعلان دمشق ، وممّا جاء في ردّ السيّد رياض الترك على هذه التهنئة بقوله:" لقد قرأت تحيّة المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين لنا عبر الأنترنيت ، ونحن نشكره على ذلك ،لأنّه في الحقيقة هو يهنّئ نفسه لأنّه عضو أساسي ضمن تجمّع إعلان دمشق ، ولكنّه مبعد قسريّاً بسبب الظروف غير الطبيعية التي تحرم الإخوان من التواجد السياسي وفق القانون 49 ..الخ( قدس برس 7/12/2007 ) . وهنا تتأكّد ازدواجية جماعة الإخوان المسلمين في العمل السياسي ، ولا أعتقد أنّ أحداً اعترض على حقها في المشاركة في إعلان دمشق ، ولكنّ الاعتراض والنقد توجّه لها عندما أقدمت على تقديم صكوك الغفران ل/ عبد الحليم خدّام / ، وجهدت لتبييضه سياسيّاً ، والعمل تحت قيادته في جبهة الخلاص ، وسمحت لبيضته التي أودعها في عشها بعد الاحتلال الأمريكي للعراق أن تفقس ، من خلال رسالة شفهية منمّقة ربّما وجّهها إلى عدة جهات معارضة لتكون القشة التي تحميه مستقبلاً من المحاسبة ، ولضمان موطئ قدم جديد في أي نظام بديل ... - سعت القيادة الجديدة في إعلان دمشق لإيصال صوتها إلى العالم ، وتوضيح توجهاتها السياسية ، وخاصة الخارجية منها ، مستفيدة من " أمانة بيروت لإعلان دمشق " الذي يقوده السيد : مأمون الحمصي (نائب سالق في مجلس الشعب السوري والمعتقل لمدة خمس سنوات في سورية) للقيام بنوع من العلاقات الخارجية لصالح الإعلان ، حيث توجّه إلى واشنطن بعد ثلاثة أيام من عقد المجلس الوطني ، ومقابلة عدد من المسؤولين الأمريكيين ،وعلى رأسهم الرئيس :بوش نفسه، ونظراً لأهمية هذه الزيارة ،وجدت من المفيد عرض وتحليل حيثيات هذا اللقاء وما رشح عنه من معلومات : وفقاً لما نُشِر في موقع "أخبار الشرق " التابع لجماعة الإخوان المسلمين السورية في الخارج ، فإنّ أوّل المعلومات الواردة حول الموضوع وردت في مقال للصحفي / ديفد شينكر/ في مقال بنشرة "كاونترتيروزم" يوم 8/12/2007 ، وقد أفاد "بأنّ الوفد ضمّ كلاًّ من البرلماني السوري السابق مأمون الحمصي، و الناشط السوري في واشنطن / عمّار عبد الحميد / ، والناشط الكردي السوري المقيم في ألمانيا / جنكيز خان حسو/ (* ملحق مختصر عن عمار عبد الحميد في نهاية المقال ، وعن ديفد شينكر) وبأنّ "القليل ممّا دار في ذلك الاجتماع تمّ معرفته " ،وأضاف " قيل أنّ الحمصي وعبد الحميد دعيا في الاجتماع إلى زيادة الضغط على سورية فيما يخصّ حقوق الإنسان ". وتزيد "أخبار الشرق" في التوضيح فتقول : " لكنّ مصدراً أمريكياً قريباً من اللقاء أبلغ أخبار الشرق أنّ الرئيس بوش أكّد لضيوفه أنّ المحادثات مع النظام السوري غير متوقعة ، لأن" سلوك النظام لن يتغيّر إلاّ بمعجزة " وتعتبر أخبار الشرق بأنّ هذا يُعتبَر موقفاً جديدا في السياسة الأمريكية التي بقيت تعلن حتى الآن سعيها إلى تغيير سلوك النظام السوري ، وليس تغيير النظام . أمّا كيف حدث لقاء بوش مع الوفد فيوضّحه المصدر الأمريكي لأخبار الشرق " بأنّ اللقاء جاء ردّاً على دعوة الوفد السوري إلى مؤتمر أنابولس حتى لايقرأ السوريون الدعوة إلى أنابولس بأنّها انفتاح على النظام السوري الذي ما زال أمامه الكثير ليخوض حواراً مع الإدارة الأمريكية وإنّما كان الغرض من دعوة سورية هو " دعم الموقف الفلسطيني عند إطلاق عملية السلام "، وتوضح "أخبار الشرق" بأنّ الخارجية الأمريكية هي التي رجّحت كفة دعوة الوفد السوري الرسمي إلى أنابولس ، الأمر الذي أغضب مسؤولين في مجلس الأمن القومي الأمريكي التابع للبيت الأبيض ، وتشير إلى أنّ المجلس المذكور هو الذي دعا إلى هذا اللقاء الذي تمّ يوم الثلاثاء 4/12/2007 ،واستغرق 55 دقيقة "،وتعود "أخبار الشرق وعلى لسان المصدر الأمريكي ليذكر :" إنّ الرئيس بوش أبدى اهتماماً كبيراً بانتهاكات حقوق الإنسان خلال اللقاء ، واستمع باهتمام إلى محدّثيه وهم يؤكدون له رفض المعارضة السورية بكل أطيافها أيّ عمل عسكري ضدّسورية ،وأيّ احتلال أجنبي ،كما استمع إلى تحذير المعارضين السوريين من التعامل مع النظام السوري ،ودعوتهم إلى عزله ،وإلى التعامل مع الشعب السوري ، ووضع حقوقه في صلب اهتمام السياسة الأمريكية " ... وهكذا يثبت بأنّ دعوة وفد من المعارضة السورية برئاسة الحمصي تمّت عن طريق مجلس الأمن القومي الأمريكي ، وبمبادرة من هذا المجلس ، وبأنّ المصدر الأمريكي الذي اتصل بأخبار الشرق ومبادرة منه أيضاً ليس سوى موظف في مجلس الأمن القومي (حسب تقديري) ، كما اتضح الهدف الأمريكي من ذلك هو ( الزكزكة ) على النظام السوري ، وتوجيه المزيد من الضغوط عليه لتفيير سلوكه في فلسطين والعراق ولبنان ، أي قطع علاقاته مع مقاومات هذه الساحات ، وقد أشار وفد إعلان دمشق إلى هذه النقطة في لائحة المطالب التي قدّمها إلى الرئيس بوش بالفقرة 8 كما وردت في بيانه حول الزيارة ،وفقاً للصيغة التالية :" وضع حدّ لعدوانية النظام على دول الجوار – لبنان. العراق . فلسطين- وعدم التدخّل في شؤونها الداخلية ." كما شكرت أمانة بيروت لإعلان دمشق الإدارة الأمريكية وعلى رأسها الرئيس جورج دبليوبوش لدعمه الحقيقي لنضال الشعب السوري من أجل الحرية ." وهنا ، ومن حقي وواجبي أن أوضح رأيي حول هذا اللقاء دعوة ،ومضموناُ ، وأهدافاً بالقول :إنّه من الخطأ السياسي الكبير مطالبة الرئيس بوش بالتعامل مع الشعب السوري وتأمين حقوقه ومصالحه ، لأنّ مَن يدعم ويحمي القتلة والمجرمين في فلسطين المحتلة ، وقتلت قواته ما يزيد عن مليون عراقي ، ودمّر العراق ،وخرّب نسيجه الوطني ، وأمر بالعدوان الإسرائيلي على لبنان ،ودعّمه ، وحماه ....الخ لايمكن أن يكون مؤهّلاً ،ولا جديراً بالثقة لكي يقوم بتأمين حقوق أي شعب على وجه الكرة الأرضية ...لأنّ الإدارة الأمريكية ليست جمعية خيرية توزّع صدقاتها وهباتها على الشعوب لوجه الله ، وإنّما تعمل وفقاً لرزنامة مصالحها ، ويبدو أنّ بعض المعارضين السوريين لم يتعلّموا شيئاً من دروس فلسطسن والعراق ولبنان وافغانستان والصومال والسودان ..ولم يشهدوا بأمّ أعينهم ماذا قدّمته هذه الإدارة للشعب الفلسطيني الذي يتعرّض يومياً لجرائم حرب إسرائيلية موثّقة بالصوت والصورة وعلى مرأى ومسمع العالم بأسره ، بالرغم من انجرار أعمى من قبل فريق أوسلو وراء الأوهام المعلّقة على بركات الإدارة الإمريكية التي لم تقدّم شيئاً ملموساً سوى الأسلحة والقذائف الحديثة المحرّمة دولياً للكيان الصهيوني ليقتل ،ويدمّر بها الشعب الفلسطيني في غزة البطلة وغيرها من الأرض العربية المحتلة ، ثمّ تقديم الحماية لهذا الكيان في مجلس الأمن ، ليبقى يعربد بعيداً عن أيّ حساب ،أوعقاب ... كما أضيف هنا بأنّ تعبير المعارضة عن رفضها لأي هجوم عسكري على سورية أو احتلالها ، لن يكون إلاّ نوعاً من تبرئة الذمّة مستقبلاً ، ولن يقدّم أو يؤخّر شيئاً إذا كان المخطط الأمريكي يستهدف ذلك ، فالمصلحة الأمريكية والصهيونية هي التي تقرّر وتحسم ، وهل تستطيع هذه الرغبات أن تمنع الأسطول الأمريكي في البحر المتوسط من وقف تحركات قطعه لإرهاب شعوب المنطقة ، أولجمها عن أيّ عدوان محتمل ؟... وعلى كلّ حال ، فإنّ تغيير الأنظمة يجب أن يتمّ بقوى الشعوب وكفاحها ، وليس سلعة غربية نستوردها ... وبتاريخ 14/12/2007 صرّح الرئيس بوش :" أصفّق للتشكيل الأخير للمجلس الوطني لإعلان دمشق فإنّ النساء والرجال الشجعان الذين شكّلوا هذا المجلس يعكسون رغبة أغلبية الشعب السوري للعيش في الحرية والديمقراطية والسلام في وطنهم ومع جيرانهم وطالب بالافراج عن المعتقلين ..." وفي لقاء صحفي أجرته وكالة قدس برس مع السيد : رياض الترك أعرب عن ترحيبه بهذا التصريح وتابع قائلاً :بغض النظر عن قائلها إن كان جادّاً أو تأثر بهذه الاعتقالات ،لأنّه قام بعمل إنساني نبيل " وشكر الرئيس بوش على ذلك ...فلو كان بوش من أصحاب السوابق في الأعمال الإنسانية النبيلة لتحرّكت مشاعره تجاه المجازر الإسرائيلية المستمرة في فلسطين المحتلة ،ولحاكم جنوده وضباطه وشركاته الأمنية التي تبطش بالأبرياء في العراق وغيرها ، ولما أقام معتقل غوانتنامو والسجون الطائرة ...الخ وتتقاطع "حبهة الخلاص " في عقد الآمال على الإدارة الأمريكية ، وبشكل متكامل مع إعلان دمشق حيث أرسلت هذه الجبهة رسالة إلى بوش والبابا بتاريخ 3/1/2008 تطالبهما " بالاهتمام إلى معاناة الشعب السوري ،وناشدتهما التحرّك من أجل تحقيق طموحات هذا الشعب إلى التحرّر والحرية والديمقراطية ...واتهمت الرئيس السوري بالتسبّب بالكثير من شقاء الدول المجاورة ...الخ " وما زج قداسة البابا في الرسالة نفسها الموجهة إلى بوش إلاّ للتمويه على الوجهة الأصلية للرسالة ، والمراهنة على الدور الأمريكي في عملية التغيير داخل سورية ... علماً أنّ عبدالحليم خدّام كان دائماً تحت الطلب للإدلاء بتصريحات وشهادات يعبّر فيها عن مواقف أشد المتطرفين في تيار الموالاة اللبناني، وعن الانحياز المفضوح ضد المعارضة الوطنية اللبنانية والمقاومة الإسلامية ، وبشكل يتطابق مع مواقف المسؤولين الأمريكيين من الوضع اللبناني ... تجميد حزبي الاتحاد الاشتراكي ،وحزب العمل الشيوعي عضويتهما في "إعلان دمشق " : - قبل الخوض في التفاصيل نودّ الإشارة إلى أنّ السبب الحقيقي – حسب تقديري -لعدم انتخاب ممثلين عن حزبي الاتحاد الاشتراكي ، والعمل الشيوعي يعود إلى الاختلاف في الرؤى السياسية مع تحالف التيار الليبرالي داخل ّإعلان دمشق" حول العديد من المسائل التي أشرت إليها في الحلقتين السابقتين من هذا المقال ، ولكن لابدّ من الاعتراف أيضاً أنّ قيادة حزب الاتحاد ارتكبت مجموعة من الأخطاء تتعلّق بتقدير الموقف السياسي داخل إعلان دمشق ، وعدم التحضير الجيد لتأمين فعالية أفضل داخل المجلس الوطني منها : 1 - القبول منذ البداية بهيمنة بعض القوى داخل الإعلان ، وباعتماد لائحة داخلية لاتنسجم مع روحية الائتلافات في العمل المعارض ، وتسمح للمستقلين لعب دور أكبر من حجمهم الحقيقي لصالح هيمنة التيار الليبرالي ، لأنّ التهديد بتجميد العضوية في البداية كان يعطي ثماراً إيجابية أكثر من التجميد نفسه بعد الانتخابات ، ولبدا الخلاف موضوعياً ومبرراً ،بدلاً من أن يبرز على السطح ذاتياً ... 2 - ويبدو أيضاً أنّ تقدير الموقف أثناء جلسات المجلس الوطني لم تكن دقيقة ، وبالتالي فإنّ الاختلاف ، وتجميد العضوية كان من الأفضل أن يتمحورحول الأفكار السياسية ، وليس على نتائج الانتخابات . 3 - غياب التنسيق داخل أغلبية أحزاب التجمع من أجل المساهمة بفعالية في تحضير وثائق المجلس وجلساته ، والسعي المشترك لتأمين حشد وحضور كافة ممثلي التجمع في المجلس الوطني ... 4 - يبدو أنّ قيادة الاتحاد الاشتراكي ما كانت تتوقع في لحظة من اللحظات أن لاينجح رئيس الحزب في الأمانة العامة لإعلان دمشق ، والذي هو رئيس التجمع الوطني الديمقراطي أيضاً ، أي أنّها كانت تعتبر تمثيله عبارة عن تحصيل حاصل ليس إلاّ، وهي بذلك لم تستطع معرفة النوايا الحقيقية للتيار الليبرالي داخل المجلس الوطني .. 5 - إنّ الخطأ في تقدير الموقف داخل إعلان دمشق جعل قيادة حزب الاتحاد تتفاجأ بما خطّط التيار الليبرالي لجلسة المجلس الوطني ممّا أربكها ، وخاصة عندما فشلت اقتراحاتها في إيجاد صيغة محددة لقيادة جماعية لرئاسة إعلان دمشق لتجنيبها الاستئثار من قبل أي طرف عندما طالبت بجعل رئاسة الأمانة العامة بالتناوب ، أوجعلها جماعية عن طريق هيئة رئاسة ... ومن المحتمل أن تكون قيادة حزب الاتحاد قد خططت لأن يكون السيد حسن عبد العظيم رئيساً للمجلس الوطني ، والسيد عبد المجيد منجونة ممثل الحزب في الأمانة العامة ، وعندما قُطِع الطريق على وصول عبد العظيم إلى رئاسة المجلس تمّ ترشيح الاثنين للأمانة العامة ممّا ساعد على تبديد اصواتهما ... وعلى كلّ حال ، حاول البعض أن يُرجِع سبب تجميد حزب الاتحاد عضويته من "إعلان دمشق" إلى نتيجة الانتخاب داخل المجلس الوطني ، وبالرغم من أنّ الصورة تبدو كذلك بملامحها الخارجية ، إلاّ أنّ هذه النتيجة لم تكن سوى الذريعة فقط ، بينما يعود السبب الحقيقي إلى الخلافات السياسية والتنظيمية التي أوصلت الأمور إلى هذه النتيجة ... - أمّا بالنسبة إلى حزب العمل الشيوعي ربّما كان يتوقع أن يكون لمذكّرته القيّمة التي قدّمها للمجلس الوطني فعلها داخل المجلس ، وتترك بصمات إيجابية على توجهاته ، ولكنّ تحالف التيار الليبرالي عاقبه على هذه المذكرة بعدم انتخابه ،وقطع الطريق على تمثيله في الأمانة العامة ،هذا إن لم يكن لاعتبارات أخرى، وبالتالي لم يقدّروا بشكل صحيح التوجهات الحقيقية لهذا التيار ، وتركيبة المجلس الوطني ، كما أنّ تجميد عضوية الاتحاد شجّعتهم على اتخاذ قرار التجميد أيضاً ... وهكذا كانت المحصّلة النهائية لعقد المجلس الوطني سلبية بدلاً من أن تشكّل نقلة نوعية على طريق تعزيز ،وتمتين العمل المعارض من أجل التغيير الديمقراطي الجذري المنشود ،حيث أنّ إعلان دمشق أصبح بعد المجلس بين مطرقة النظام الأمنية ،وسندان أزمته الداخلية ، ولذلك لجأ مؤيدوه في الخارج لمضاعفة نشاطاتهم وتشكيل فروع في العديد من الدول الغربية . أمّا بالنسبة إلى التيار القومي ، فقد أعدّ حزب الاتحاد الاشتراكي مشروع إعلان مبادئ للحوار الوطني الديمقراطي ، وقام بنشره وتعميمه بهدف إغنائه " من قبل كافة القوى والأحزاب السياسية ،والشخصيات الوطنية المعارضة داخل وخارج التجمع الوطني الديمقراطي وإعلان دمشق ...وذلك من أجل إعادة التأسيس لتحالف سياسي ديمقراطي يضم الطيف الأوسع من المعارضة في سورية بهدف التغيير الوطني الديمقراطي السلمي ." ( كماورد في نص المشروع المقترح). ويُعتبَر ما ورد في مشروع إعلان المبادئ هذا تطويراً نظرياً إيجابياً لأفكار التجمع الوطني الديمراطي ، و"إعلان دمشق " ،واستكمالاً للثغرات والنواقص في منطلقاتهما السياسية ... ملاحظات واستنتاجات : - إنّ أزمة إعلان دمشق الداخلية هي تعبير عن صعوبة الانسجام والتكيّف بين التيار الليبرالي بتوجهاته السياسية التي أشرت إليها في حلقات هذا المقال ، وبين التيار القومي اليساري وأهدافه السياسية وتطلعاته القومية المعادية للمشاريع الإمبريالية والصهيونية ، وخصوصاً بعد أن مرّت إمكانية التعايش بينهما باختبار سلبي خلال التحضير للمجلس الوطني ،وأثنائه ، وظهور النوايا الحقيقية للتيار الليبرالي .. - يبدو أنّ حزب الاتحاد اختار السير على طريق بلورة تيار معارض أكثر انسجاماً بتوجهاته السياسية ، ومستوعباً الخلل الذي شاب مسيرة إعلان دمشق وساعياً لتجاوزه من خلال خط معاد للتحالف الامبريالي – الصهيوني بشكل واضح ، ومنسجم مع تطلعات الأغلبية الساحقة من الجماهير العربية في كل مكان ، واهتمام أكبر بمسألة العدالة الاجتماعية، وخاصة في ظل الظروف الاقتصادية والمعاشية والاجتماعية البائسة التي تعيشها معظم الشرائح المكوّنة للمجتمع في سورية ، وتُعتبَر هذه المسألة شديدة الأهمية ،لأنّ تبنّيها ،والنضال الجدّي لتحقيقها سيفسح المجال للجماهير السورية ، ويشجعها على العودة ثانية للعمل السياسي ،وزج طاقاتها في عملية التغيير الديمقراطي المنشود ...ولكنّ السؤال الذي يطرح نفسه هنا : هل أقدم حزب الاتحاد الاشتراكي على هذه الخطوة بمبادرة منه فقط ؟ أم نتيجة تفاعل وتشاور مسبق مع معظم أطراف التجمع الوطني الديمقراطي ،والقوى السياسية والاجتماعية الأخرى ؟ وإذا تمّ ذلك فاحتمال نجاحها سيكون كبيراً ... - وهكذا يبدو أنّ التطورات الأخيرة في صفوف المعارضة السورية قد أدّت إلى تبلور تيارين جديدين معارضين يلتقيان في مسألة الرغبة الأكيدة في عملية التغيير ، ويختلفان في مسألةالعدالة الاجتماعية ، والعلاقةوالتناغم مع الخارج ، والموقف من المشاريع الأمريكية – الصهيونية ، والأنظمة التابعة للإدارة الأمريكية ، والمقاومات العربية...ولكنّ هذا التبلور والتباعد بالرغم من سلبيته ، قد يخلق حراكاً سياسياً جديداً ، ويفسح المجال لتنشيط الساحة السورية الراكدة ، ويزج بقطاعات مهمة من الشارع السوري في العمل السياسي ...ولكن مهما كانت التطورات يبقى من واجب القوى المعارضة أن لاتفرّغ نضالها في مسارب جانبية ، ويبقى هدفها الأساسي هو السير الجدّي على طريق التغيير الديمقراطي بعيداً عن المهاترات السياسية والاتهامات المتبادلة ... - إنّ المراهنة على الخارج في عملية التغيير ليس إلاّ خطأً كبيراً قد يؤدّي إلى منزلقات خطيرة ، لأنّ الدول العظمى لاتوزّع هباتها بالمجان على الشعوب المظلومة والمستضعفة في العالم ، ومَا المراهنة على تجيير سياسة هذه الدول لصالحه إلاّ ضرباً من الوهم القاتل ، سيجعل صاحبه في المحصلة النهائية ،شاء أم أبى أداة رخيصة بيدها ، لأنّ الطرف الأقوى هو الذي يجيّر الطرف الأضعف لصالحه ، وما الامبريالية الأمريكية سوى المرابي الأكبر في العالم الذي يغرقك بديونه حتى يفلسك ، وبعد ذلك تصبح الخيارات أمامك صعبة ،وتتراوح بين الانتحار السياسي والتبعية ،وربّما العمالة ، ودروس المعارضة العراقية شاهد حيّ طازج ماثل أمام أعيننا ، ولانتمنّى لأيّ طرف سوري أن يمرّ بتجربتها المرّة...ولذلك يجب أن تبقى المراهنة الحقيقية على تنظيم وحشد وتعبئة وتوحيد طاقات شعبنا لتصعيد كفاحها الديمقراطي من أجل التغيير الديمقراطي الجذري المنشود.. وأخيراً ، من المفيد الإشارة إلى أنّ لوحة الصراع في المنطقة متكاملة ، ومن الخطأ الفادح تجزئة رؤيتها والنضال ضدها ، لأنّ عدوّنا واحد هو التحالف الإمبريالي – الصهيوني ، ومشروعه واحد يشمل وطننا العربي ، وما يحيط به من جوار ، ولذلك فإنّ أيّة نظرة قطرية ضيّقة ، ومحاولة تقزيم الصراع لن يجدي شيئاً إلاّ كما أجدى مع ملوك الطوائف في الأندلس ، فنجاح أيّة مقاومة في أيّ مكان من وطننا والعالم هو نجاح لكل صاحب حق مسلوب ،أو مضطهد أينما وُجِد ، وكل مراهنة على إيجاد أرضية مشتركة للتعايش مع المشاريع الامبريالية والصهيونية ليس إلاّ وهماً ،لأنّها تستهدف المزيد من تفتيت وتمزيق أشلاء أمتنا العربية ونهب خيراتنا ، وتأبيد هيمنة أعدائنا على أقطارنا ، وما سعارالتحالف الإمبريالي – الصهيوني وتصاعد عربدته ، وحشدجيوشه في وطننا العربي ، وجواره ، إلاّ دليل على مدى فعالية المقاومة الحقيقية الصادقة لمشاريعه ،حيث أنّ تضحيات وبطولات المكافحين الصامدين من أبناء أمتنا ، وبالتعاون مع شرفاء ومناضلي العالم قد تسرع في دحر العتاة الطغاة ، مهما أبدوا من جبروت وطغيان ...فالنصر دائماً حليف الشعوب المكافحة ضد أعدائها مهما طال الزمن... في : 11/3/02008 ****** ****** ****** ****** ****** ******* ******* ******* ملحق توضيحي : - مَن هو عمّار عبد الحميد : هوقاص وشاعر سوري ، ركب موجة الليبرالية عقب احتلال العراق2003 ، وسأفسح المجال له هنا ليعرّف عن نفسه في مقال في نيسان2004 :" ولقد كنت معنياً، وبشكل شخصي، بإطلاق مبادرة أخرى، هي مشروع ثروة، (موقع على الانترنيت) http://www.tharwaproject.com ، المشروع الذي طالما رأيته كواحد من الطرق التي تمكن العالم العربي من مخاطبة مشاكله المتعلقة بأقلياته الدينية والعرقية. وعلى الرغم من إقليمية أهداف المشروع، وعالمية ألوان مجلسه الاستشاري، إلا أن مكاتب مشروع ثروة موجودة في دمشق، وسوف تستمر إدارته من هناك. (تعني كلمة ثروة، الغنى، بالعربية). ترافق إطلاق مشروع ثروة قبل شهر من اليوم، وبشكل غير مقصود، مع أحداث الشغب الكردية الأخيرة التي هزت شمال سورية. وقد تضافر اجتماع هذا الأمر مع الأسماء البارزة في مجلسه الاستشاري (مثل سعد الدين إبراهيم، وهو باحث اجتماعي مصري معروف، وجيل كابيل الخبير الفرنسي في الإسلام السياسسي، وفلينت ليفيريت، وهو عضو في منظمة بروكين المؤسساتية)، إضافةً إلى حساسية موضوع حقوق الأقليات في العالم العربي بشكل عام، لتحقيق صداً ملحوظ للمشروع، وطنياً وإقليمياً وعالمياً. ،( من مقال له في عام 2004 ) وفي عام 2005 توجّه إلى الولايات المتحدة ليقيم فيها ، ومن هناك رصده /زهير العمادي /ليكتب عنه في مقال عنوانه :"أمراء المعارضة السورية وإغراءات الحياة في واشنطن" مايلي :"إنّ آخر القادمين الجدد والطامعين ببريق الشهرة ..والدولارات ، والمنافس اللدود ل/الغادري/ هو اليوم (عمار عبد الحميد ،الذي عيّنه مركز سابان لسياسات الشرق الأوسط زميلاً زائراً فيه ( وهو المركز الذي أُعطِيَ اسم مموّله الرئيسي الثري الإسرائيلي سابان).بادر المركز الذي الذي يرأسه /مارتين أنديك/(الرئيس السابق لأحد أقوى مراكز اللوبي الإسرائيلي في واشنطن والسفير الأمريكي إلى إسرائيل ومساعد وزير الخارجية الأسبق) لتوظيف جهود السيد عبد الحميد بشكل فوري ،في خضمّ الجهود الهادفة للتحريض ضد سورية والنيل منها ،ذلك عبرإشراكه كأحد المناظرين في ندوة بعنوان "سورية بعد ميلس التي عُقِدت في مقر المركز في واشنطن بتاريخ27/10/2005 ،والتي تملّكني فضول للذهاب إليها والاستماع لما يحمله هذا القادم الجديدفي جعبته ....أدار الندوة مارتين أنديك الذي استهلّها بالتعريف ب/عبد الحميد/ الذي تمّ تقديمه إلى الجمهور وكأنّه/ سيمون بوليفار/ سورية الذي قدم بعد طول انتظار ليحرّر دمشق ،وقيل له أثناء التقديم أنّه ،البطل الكبير"، وأنّه خبير في شؤون الأقليات وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط ." الصحفي :ديفيد شينكر : هو خبير السياسات العربية بمعهد واشنطن ...
#محمود_جديد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
- إعلان دمشق بين مطرقة النظام وسندان أزمته الداخلية - 2/3
-
- إعلان دمشق بين مطرقة النظام وسندان أزمته الداخلية - 1/3
-
من صفرو الى بومال دادس...لا لتجريم النضال الاجتماعي ! ولا لإ
...
-
واجب ُنصرة صفرو المناضلة المحكمة تقرر السراح المؤقت ل 42 معت
...
-
لقاء أنابولس ملهاة استعراضية جديدة لكسب الوقت لمزيد من الاست
...
-
تنامي حركة مقاومة الغلاء: تظاهر أكثر من 2000 مواطن بمدينة صف
...
-
على ضوء خطاب الولاية الثانية في سورية ، وما ورد بخصوص الإصلا
...
-
من تاريخ قمع النقابة العمالية بالفصل 288 من القانون الجنائي
المزيد.....
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|