استيقظ جحا مبكرا، فذهب الى الحمام ليغتسل و ليمشط لحيته على عجل، كانت لحيته أطول من لحية صدام و لكنها كانت مرتبة و نظيفة و خالية من القمل و البرغوث. احتذى مداسه و خرج بسرعة من بيته. كان يريد شراء سمكة طازجة و طرية أمرته بها زوجته، و لهذا كان خروجه من البيت بسرعة، فإن الرجل بالنسبة الى جحا لا يكون رجلا إلا بإطاعة زوجته.
ذهب جحا الى سوق السمك لشراء السمكة، فتوجه مباشرة الى حانوت بائع السمك، ليبحث عن سمكة حسب ذوقه و حسب المواصفات التي طلبتها منه زوجته.
لقد خاب أمل جحا، فعلى الرغم من الإستيقاظ مبكرا و سرعته في الخروج فإنه لم يجد أية سمكة طازجة، فاضطر الى أن يأخذ واحدة مما تبقى في حانوت السماك و رفعها الى أنفه، الذي أغلقه بقوة، ثم بدأ يشم ذيلها بشكل يلفت النظر. تعجب البائع و الزبائن الذين وقفوا يحيطون بجحا من تصرفه، و بدءوا يبتسمون و يضحكون من هذا التصرف. فقال له أحدهم: لماذا تشم السمكة بهذه الطريقة العجيبة يا جحا؟
فأجابه جحا بهدوء: أريد أن أعرف الى أي درجة وصل تفسخ هذه السمكة.
- و لكن يا بليد لكي تعرف أن السمكة فاسدة و متفسخة فيجب عليك أن تنظر الى غلاصيمها، الى رأسها، قال آخر و هو يضحك باستهزاء.
أجاب جحا: أنت البليد، أيها الرجل، فإنني أعرف أن رأس السمكة فاسدا و (خايس) من زمان دقيانوس، و ملئ بالدود أيضا، ولكنني أريد أن أعرف هل وصل التفسخ الى الذيل أم بعد و هل هناك رجاء فيه. و بعدها أطلق جحا ضحكته و قهقهته المعروفة.
فقال له ثالث: و أيضا تضحك بصوت غريب.
أجابه جحا: نعم، إن شر البلية مايضحك، وإن اسوء الخياسة ما يجعلك تقهقه!
مشكلتنا العراقية تشبه مشكلة جحا، و تدقيق جحا في ذيل السمكة يعطي لنا مثلا في رؤية الحالة السياسية التي نمر بها:
فالحكومات الديكتاتورية تنهش نهشا فظيعا في عظام الشعوب العربية، و لا تستطيع هذه الشعوب إزاحة أي حاكم من حكامها الطغاة.
و الأعداء نعرفهم أنهم باقون على حالهم، لا تغيرهم شمس، لا شمس حقيقية و لا شمس كاذبة،
و الاقارب كالعقارب لم يتركونا في راحة يوما دون أن يلدغوا مقدمتنا و مؤخرتنا،
أما الأصدقاء، أو الذين نعتبرهم كذلك، فقد انقلبوا الى جانب الأعداء.
و أصبح عراقنا الذي نريد له السلام و البناء مليئا بغدر المرتزقة، الذين يصلوننا متسللين عبر الحدود مع الشام.
و هل من شؤم لا يأتي من الشام؟!
و أخيرا و ليس آخرا أضاف قساة قاسيون قسوتهم الى قسوة قساة العوجة.
قرأت في موقع قاسيون للحزب الشيوعي السوري لمنطقة دمشق موضوعا لصحيفة (اللومانيتيه) الشيوعية الفرنسية، وهي تتحدث عما تسميه "المقاومة العراقية".
إنني أتعجب من هؤلاء، فهم يضعون مقاومة حركات التحرير في نفس خانة إرهاب عصابات البعث العراقية و اصدقائهم الوهابيين. و لو وقع الشيوعيون الفرنسيون في أيدي البعثيين لتم تثريمهم، أو في أيدي الوهابيين لتم تقطيع رؤوسهم.
عجبا من شيوعيي فرنسا، الذين قاتلوا ضد النازيين جنبا الى جنب مع قوات الحلفاء، و بضمنها جيوش الولايات المتحدة الأمريكية. قاتلوا النازيين الألمان و هؤلاء هم بالضبط منبع البعثيين المجرمين. كان النازيون اشتراكيين- قوميين و البعثيين أيضا. الإثنان اتخذوا من الإشتراكية اسما ليطعنوا بها و ينهبوا مال الشعب و مال الله و مال القيصر، فأصبح في أيام حكمهم ما لله للبعثيين و ما لقيصر أيضا و ما للشعب شربة شاي لهم. و استخدموا اسم القومية ليقتلوا بها أبناء قوميتهم في الحروب التي افتعلوها.
الشيوعيون الفرنسيون وقفوا نفس موقف حكومتهم الداعم لحكم الدم في العراق لأن المصلحة القومية الفرنسية، و هي الأعلى بالنسبة لهم، لا تكون إلا في استمرار الحكم الدموي العفلقي. لقد دافعوا عن مصالحهم الأنانية حتى و لو كانت على حساب أرواح العراقيين و تشريدهم.
الى أين وصل التفسخ؟
و شيوعيو المملكة الأسدية السورية ، فما شاء الله عليهم، ما شاء الله ما شاء الله.
إن مصلحة الشيوعيين السوريين هي في بقاء النظام البعثي الإرهابي عندهم، لكي يستمروا في البقاء في ال(?ـصة) الوطنية، مهما كانت الظروف، حتى و لو كانت هذه ال(?ـصة) لا تحل و لا تربط بدون إذن البعثيين، حتى و لو سُجِن كل الرفاق. و لكن ما يمكننا أن نفعل مع الرفاق إذا كان في هذا الموقف المدافع عن حكم عفالقة الغوطة هو صيانة رؤوسهم فوق رقابهم، و الحفاظ على لقمة عيشهم.
بين مدة و أخرى نسمع ما يقوم به بعث سوريه برمي هذا الشيوعي في السجن و رمي ذاك، فهل يعتقد الباقون أن الدور سوف لن يصل اليهم؟
يدين الشيوعيون السوريون الإعتداء على الصليب الأحمر في العراق و تفجير مستشفاه، و بهذا فعلينا أن ننكس لهم رؤوسنا تحية و خنوعا و نقبل لهم شفاههم و كل عضو من جسدهم، ماعدا العضو الذي قبله الخليفة الأموي الوليد بن يزيد في مغنيه. لم لا؟ و هم يزغردون دائما لقتل المئات من أبناء شعبنا، و الآن يشعرون بأن هناك اعتداء ما قد وقع!
و يقف هؤلاء الشيوعيين في الوقت نفسه مع الإرهابيين الذين قاموا بهذا العمل الإجرامي الذي ذهب فيه، فقط في تفجير مستشفى الصليب الأحمر، أكثر من أربعين قتيلا عراقيا، بينهم الأطفال و النساء، و كان سبب وجود هؤلاء القتلى هو البحث عن مفقوديهم في القوائم التي عرضت على واجهة مستشفى الصليب الأحمر.
أدانوا الإعتداء على الصليب الأحمر و لم يدينوا إغتيال مئات العراقيين.
إن قطرة دم طفل عراقي أكبر و أقدس من أكبر شارب دمشقي.
لم يقرأ شيوعيو الشام لحد الآن ما حل بشيوعيينا في العراق، و لم يتعلموا الدرس العراقي، فهم لا يزالون يدافعون عن التوأم البعثي في المملكة الأسدية السورية. و إجرام التوأم الأسدي هو نفس إجرام التوأم الجرذي، فاعتقالات الشيوعيين في سورية مستمرة، و الإرهاب أيضا ما يزال.
و إن اختلفت بعض الشيء كميا ، فإن نوعية إرهاب مملكة الأسد هي نفسها التي كانت في مملكة الجرذي، و لكن ماذا نقول الى ثكلى سوريا؟ ماذا نقول لارملاتها؟ ماذا نقول الى الأيتام الذين أصبحوا أيتاما بفضل إرهاب الأسد الاب و بفضل حكم الأسد الإبن؟
ماذا نقول؟
هل نقول لهم إن حكم مملكة الجرذي كان يقتل أكثر؟ و إن مملكة سلالة العوجة قتلت مليوني عراقي، و إن مملكة الأسد لم تصل الى هذا العدد بعد.
فافرحي أيتها الثكلى السورية؟
و إ فرحي أيتها الأرملة!
إفرح يا شعب سورية فإن عدد المهجرين منكم لم يصل الى خمسة ملايين بعد!
عجبا لشيوعيي مملكة الأسد! عجبا!
يعتبرون إرهاب البعثيين و حثالاتهم مقاومة.
و يعتبرون قتل أطفال العراق بطولة.
و انتهاك أعراض العراقيات شهامة و رجولة.
و قد يكون تسميم أكرادنا عندهم موقفا أمميا.
آه أيتها المقاومة، إن اسمك الشريف قد لطخه الفاشيون البعثيون، مثلما لطخوا سابقا إسم الإشتراكية و مثلما أساءوا الى إسم العرب و العروبة، و هكذا يعملون اليوم على إساءة الدين الاسلامي.
إنهضوا يا ثوار فيتنام فإن أعداءكم أصبحوا يستخدمون إسمكم، بتقتيلهم و تثريم و تفجير أجساد أصدقائكم العراقيين.
يرحمك الله يا فرج الله الحلو يا من أذيب جسده في حوامض القومية و الشوفينية.
يقول المثل: إذا كان بيتك من زجاج فلا ترمي بيت جارك بالحجر، فجولان الشام محتلا و قد بدأ جسده ينحَلُ و يتفسخ من الإنتظار، فلا مقاومة و لا تحرير و لا و لا ، و لا لاآت الخرطوم الثلاث، حتى وصل البعض (و البعث الدموي في العراق أيضا) أن يقول:
خازوق دُقَّ و لن يقلع……..من شرم الشيخ الى سعسع.
و نحمد الله أن شرم الشيخ قد رجعت الى المصريين، و بقي أن ترجع سعسع، على الرغم من نكران البعثيين في سوريا لوجود مثل هذا الإسم على الخارطة العربية.
إشمخي عاليا يا مرتفعات الجولان فإن الإرهاب الإسلاموي و البعثي ، مدعوما بالشيوعيين الدمشقيين، سيحررك من قبضة الإحتلال الإسرائيلي!
افرح يا جبل الشيخ فإن أعوام الاحتلال ستنقضي بفضل البعثيين الدمويين و رفاقهم في الجبهة الوطنية القومية الديمقراطية العفلقية الأسدية الجرذية الـ….!
و ارقص يا شعب الجولان فإن البعث آت و هو كُلـُـو طغيان، آت، آت، أت. و عذرا للأحجار الفيروزية.
و زغردي يا أنطاكية فإن طاردي الكردي عبد الله جولان و دافعيه الى تركيا سيقتلعونك من أنياب أحفاد عثمان و سيعيدونك الى حظيرة المملكة الأسدية الكبرى.
دبكي أيتها الجماهير السورية فإن قائدك الضرورة، و المنتخب بحراب التآمر، سيمنع من تصدير الإرهابيين الى العراق و سيوجههم الى تحرير الجولان و أنطاكية و البحر الأبيض المتوسط، و سيتحقق حلم الموسيقار محمد عبد الوهاب: وطن يمتد و يمتد…إلى أن يتمطط فينقطع، سيتمدد مثلما تمددت أطراف المعتقلين في سجون البعث الدموي.
ولن يحتاج القائد الأب و لا الإبن المجيء الى مدريد أو الذهاب الى أوسلو للتفاوض، لأنه لن يتفاوض الا بقوة السلاح.
آه! ثم آه.
إن أعنف الإرهاب يدفعك الى الإستهزاء و هز اليد أمام هذا القدر، و إن شر البلية ما يضحك.
و ماذا أفعل و قد قال فينا الشاعر: تبكي له أعداءه رحمة……