أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نرين طلعت حاج محمود - حجز العقول















المزيد.....

حجز العقول


نرين طلعت حاج محمود

الحوار المتمدن-العدد: 688 - 2003 / 12 / 20 - 09:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أحب الأيام الماطرة أكثر من حبي للأيام المشمسة ,بهذه العبارة أنهيت موضوع تعبير  كانت قد طلبته منا المعلمة في المدرسة الابتدائية لنتحدث به عن يوم المطر و نعبر عن إحساسنا و مشاعرنا به و اعتقدت في ذلك الحين أني كتبت شيئا مميزا حين تحدثت عن الألعاب الخاصة  بأيام المطر حيث كنا نصنع قطارا طويلا و نركض في الباحة رافعين وجوهنا للسماء  و نحن نغني و نبلل ملابسنا و نهرب حين تخرج المعلمات و توبخننا  لخروجنا من الصفوف , و تحدثت عن طريق العودة إلى البيت الذي يأخذ وقتا أطول في الأيام الماطرة حيث كنا نتوقف لنراقب زخات المطر على سطح  برك الماء في الشوارع ثم نخوض فيها و نضرب بأرجلنا و نتراشق بالمياه ,أما أجمل ما في يوم المطر هو الوصول للمنزل حيث  أمي هي من سيفتح الباب لي و لأختي و قبل ان نطرقه  و هي تنتظرنا بقلق و تحملنا مباشرة إلى الحمام الدافىء و تتولى تحميمنا  بنفسها و هي تقول المياه الدافئة ستخرج البرد من أطرافنا و تدللنا بعبارات رقيقة حتى تطمئن ان البرد لم يؤثر بنا ,لكني أصبت بخيبة أمل كبيرة بعد ان قرأت الموضوع أمام الطلاب فقالت المعلمة أنها لن تضع لي علامة لان الموضوع سيء و ستمنحني فرصة أخرى لموضوع آخر و حاولت بلطف ان توضح لي سبب رداءته حيث لا يجوز ان نعتبر هذه التصرفات الصبيانية  أشياء جميلة و يجب ان نطيع المعلمات في البقاء في الصفوف عند هطول المطر و من المشين ان نبلل ألبستنا و نخوض في برك الأوحال في الشوارع القذرة و نسبب لأمهاتنا تعبا و عملا أضافيا  فهذا سلوك الصبيان الكسالى الهاربين من المدرسة و ليس سلوك الفتيات المهذبات المجتهدات و ما إلى ذلك من نصائح و تعليمات و طلبت مني الاستماع إلى مواضيع صديقاتي جيدا كي استفيد منهن ,و قضيت الدرس حانقة و محبطة تماما و أنا اسمع عبارات متكررة تتحدث عن الجلوس قرب المدفأة و مراقبة الجداول الرفيعة المنسابة على زجاج النوافذ   ,و كنت اعرف عن كتاب يباع بالمكتبات و اقتنه اغلب صديقاتي و يحوي عبارات منمقة إنشائية عن المواضيع التقليدية الربيع الخريف المطر الأم .... و الخ ,  و كرهت ذلك الكتاب و رفضت الأخذ منه , و من أكثر العبارات التي كانت تتكرر في مواضيع صديقاتي و المأخوذة  عنه عبارة   تصف السهول في الربيع بأنها أشبه بسجادة مزركشة الألوان و كانت هذه العبارات تحظى بإعجاب المعلمات رغم علمهن عن هذا الكتاب , و كثيرا ما فكرت ان كل الأمهات بالتأكيد مثل أمي التي تغلق الستائر الخشبية الخارجية عند هطول المطر كي لا تصل المياه إلى الزجاج و لا بد ان صديقاتي لم يكنَّ يشاهدن ما يصفنه و كنت أسالهن إن كنَّ  يقمن برحلات سيرا على الأقدام في الربيع  و كن يستهجِّن ذلك بينما كنت أرافق أبي في رحلات سيرا على الأقدام و  في كل الفصول و كنت أتأمل السهول في الربيع و أرى مساحات واسعة لأزهار بلون واحد و نوع واحد و مساحات أخرى لأزهار أخرى بلون آخر و لم تكن الألوان متداخلة بطريقة الزركشة و كانت السهول أخاذة رائعة لكنها لا  تشبه أبدا السجادة  .
تقوم التربية و نظم التعليم في البلاد المتخلفة على قمع كل حرية في التعبير  لدى الطفل و فرض أفكار و مشاعر و تعابير  محددة , و  هذا الفهم للعملية التربوية و التعليمية  ينبع من ثقافة أحادية ذكورية   تقوم على الاعتقاد بوجود حقائق مطلقة و ليس على التربية و التعليم سوى تلقين  هذه الحقائق إلى الأفراد و هو ما يؤدي إلى مفهوم الوصاية الفكرية على كل المختلفين و منهم  الأطفال و النساء.
يتميز الإنسان عن الحيوان بكون  سلوك الأخير خاضع تماما لغرائز محددة تحرر منها الإنسان قبل ملايين السنين و شق لنفسه طريقا مستقيما صاعدا  بخروجه عن التكرار  اللامنتهي و الدائري لحياة  الحيوان لكن هذا النموذج من التربية  في البلدان النامية و هذا التعليم  يعملان   مجددا على إقصاء و التفريط  بكل ملكات الإنسان التي اكتسبها عبر  ملايين السنين  بتحديد تفكيره  و عقله بحدود صلبة و كبت لا شعوره العميق بمحاربة مشاعره الصادقة العفوية و تأسيس لبناء جامد عقيم غير قادر على الإبداع  إنما قادر على الترديد و التلقين فحسب .
و مفهوم العملية التربوية ما يزال قائما على هذه الفكرة حيث   تحدد  أهداف سلوكية و قيمية و أخلاقية و يتم   تلقين كم من المعلومات الجامدة و هذا أشبه بالتعليم في القرون الوسطى و لا يتماشى مع المفاهيم الحديثة  التي  تعمل على مساعدة الطفل في  التعبير عن نفسه بحرية لفهم نفسه اولا و معيار نجاح هذه العملية ليس بتكديس اكبر عدد من الأجوبة النهائية في دماغ الطفل و إنما في خلق اكبر عدد من الأسئلة و أعمقها لديه.
و هذا المفهوم المحدد  للعملية التربوية  يجعل الطلبة قادرين على الإجابة عن  الأسئلة النمطية المحددة  من ضمن فصولهم الدراسية لكنها تجعلهم يرتبكون تماما أمام كل سؤال جديد خارج دروسهم  مما  يمكن التوصل لإجابة عنه  بقليل من التحليل المنطقي,  فهم قادرين على حفظ ما هو محدد لهم و الحصول على نتائج جيدة جدا لكنهم غير قادرين على الإبداع و التفكير بحرية و طرح الأسئلة العميقة على أنفسهم و الرغبة في البحث فيها ,  فتتكون أنماطا  من التفكير تعاد و تتكرر ضمن أنساق محددة  منذ مئات  السنين و غير قادرين على الخروج منها و تؤدي إلى تكون قوالب نفسية و فكرية  جامدة حيادية تجاه كل ما هو علمي  تتعاطى معه  على انه فصل في كراس مدرسي فحسب و ليس تعليلا و أسلوبا  لفهم كل واقعهم المعاش و تعليل كل الظواهر  الطبيعية و الاجتماعية من حولهم , و هذه القوالب النفسية و الفكرية الجامدة تحيا بازدواجيات  متعددة ما بين التفكير العلمي و الثقافة الموروثة دون ان يخلق ذلك تناقضا لديها يدفعها إلى مزيد من العمل و السعي لفهمه و حله ,مثلا يدرس الطلبة نظرية  داروين في التطور على أنها من الحقائق العلمية و هم رافضين لها نفسيا و تربويا و يدرسون عن أشباه الإنسان و عن الإنسان العاقل النياندرتالي  كمراحل تطور   باتجاه الإنسان المعاصر لكن ذلك لا يخلق لديهم  شكا في  الثقافة الموروثة  حول اصل البشرية كمعطى نهائي و دفعة واحدة بآدم و حواء , فلا هم  يحاولون البحث  في الحقيقة العلمية المتناقضة  مع المألوف النفسي و التربوي  و لا هم يحاولون تحديث الثقافة الموروثة و الوصول لمخارج دينية تلائم الحقيقة العلمية .
و هذه الازدواجية هي الوجه الآخر  للجمود النفسي و الفكري و المعبر عنها بعطالة هذه الشعوب و ركودها  فتحيا على استيراد التكنولوجيا و لكنها لا تمتلك القدرة النفسية و الفكرية القادرة على  استيعابها و انتاجها و لن تكون قادرة يوما على ذلك مع هذه البنى الجامدة  المصابة بالعطالة النفسية ما لم تنطلق كل العملية التعليمية و التربوية فيها من منطلقات حديثة لا تقوم على تحديد أهداف سلوكية او قيمية مسبقة و معلومات جامدة يجب إخضاع روح الطفل و خياله لها  حتى يتم ترويضه تماما  مع الكم الهائل من القيود و العيوب و المحرمات و الجدران السميكة حول عقله و روحه .



#نرين_طلعت_حاج_محمود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسؤولية المؤسسة الدينية عن الأخلاق العامة في المجتمعات الإسل ...
- المرأة في عرف المجتمع
- شلة حسب الله و الهوية الجديدة
- حرب الشيشان حرب تحرير وطني و ليست حربا دينية
- أخلاق الرعيان ...إلى متى ؟


المزيد.....




- سفير الإمارات لدى أمريكا يُعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي: ...
- أول تعليق من البيت الأبيض على مقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ ...
- حركة اجتماعية ألمانية تطالب كييف بتعويضات عن تفجير -السيل ال ...
- -أكسيوس-: إسرائيل ولبنان على أعتاب اتفاق لوقف إطلاق النار
- متى يصبح السعي إلى -الكمالية- خطرا على صحتنا؟!
- الدولة الأمريكية العميقة في خطر!
- الصعود النووي للصين
- الإمارات تعلن القبض على متورطين بمقتل الحاخام الإسرائيلي تسف ...
- -وال ستريت جورنال-: ترامب يبحث تعيين رجل أعمال في منصب نائب ...
- تاس: خسائر قوات كييف في خاركوف بلغت 64.7 ألف فرد منذ مايو


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نرين طلعت حاج محمود - حجز العقول